عالم آثار سعودي: المملكة رائدة عالميّاً في رعاية التراث الثقافي

البروفيسور الراشد لـ«الشرق الأوسط»: حقل الآثار «دينمو السياحة الثقافية» ومورد اقتصادي

صورة نشرتها «جائزة الملك فيصل» للراشد بعد أيام من تكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية» التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية» (جائزة الملك فيصل)
صورة نشرتها «جائزة الملك فيصل» للراشد بعد أيام من تكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية» التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية» (جائزة الملك فيصل)
TT

عالم آثار سعودي: المملكة رائدة عالميّاً في رعاية التراث الثقافي

صورة نشرتها «جائزة الملك فيصل» للراشد بعد أيام من تكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية» التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية» (جائزة الملك فيصل)
صورة نشرتها «جائزة الملك فيصل» للراشد بعد أيام من تكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية» التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية» (جائزة الملك فيصل)

مزهوّاً بتكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية»، ومعانقاً الفخر بمسيرة طويلة في خدمة التراث والآثار في بلاده والجزيرة العربية، عدّ عالم الآثار السعودي البارز البروفيسور سعد الراشد، في حديث اختص به «الشرق الأوسط»، أن السعودية اليوم «من الدول الرائدة عالمياً في رعاية التراث الثقافي»، وأن فوزه بالجائزة، بالاشتراك مع زميله البروفيسور سعيد السعيد، «تتويج لرحلة طويلة من العمل في البحث العلمي والمسوحات الأثرية والاكتشافات التي تسلط الضوء على الإرث الحضاري العريق للسعودية، وخاصة الآثار الإسلامية، التي تمثل نبراساً للهوية الثقافية، وتجسد اهتمام المملكة العميق بتراثها الإسلامي الخالد».

ولمبرّرات ساقها الأمين العام لجائزة الملك فيصل، الدكتور عبد العزيز السبيل، تضمّنت اعتبار أعمال الراشد العلمية أساساً مهمّاً في دراسات الآثار والنقوش الإسلامية في الجزيرة العربية، حيث أرسى الأسس العلمية والمنهجية للباحثين، وأضافت دراساته كثيراً إلى المعرفة العلمية لتاريخ الحضارة الإسلامية، وأسهمت في فهم أعمق لكثير من المواقع والنقوش الإسلامية في الجزيرة العربية، وأصبح إنتاجه العلمي من المصادر الأساسية غير المسبوقة لأجيال من الباحثين على المستويين العربي والعالمي، كُرِّم الراشد، الاثنين، بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية»، التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية».

وخلال حديثٍ خاص، أعقب تكريمه بالجائزة المرموقة التي مُنحت جوائزها أول مرة عام 1979، محقّقةً ريادة واضحة في تكريم ثلّة من العلماء والباحثين، إذ حصل 23 ممن فازوا بالجائزة في فرعي الطب والعلوم على جائزة نوبل لاحقاً «لإنجازاتهم العلمية الرائدة»، عبّر الراشد عن سعادته البالغة بفوزه بجائزة الملك فيصل، معتبراً أن هذا التكريم يعكس تقديراً لجهوده الممتدة لأكثر من 5 عقود في مجال الآثار، ولا سيما الآثار الإسلامية في السعودية، مضيفاً أن بلاده اليوم تعدّ «من الدول الرائدة عالمياً في رعاية التراث الثقافي، سواء من خلال المواقع الإسلامية التي ترتبط بعصر النبوة والخلفاء الراشدين، أو من خلال مواقعها المسجّلة في قائمة التراث العالمي، والتراث غير المادي والبيئي وحضور المملكة العالمي في اليونسكو، إلى جانب نموّها السياحي حيث تعدّ الآثار (دينمو) محركاً للسياحة الثقافية ومورداً اقتصادياً». وعلّل ذلك بأنه «نِتاج جهود تراكمية للدولة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي العهد، في إطار (رؤية 2030) الطموحة».

الراشد، وهو الأستاذ في «جامعة الملك سعود بالرياض»، استعرض رحلته العلمية، حيث كان من أوائل المبتعثين لدراسة الآثار الإسلامية، قبل عودته إلى «أرض الوطن» بهدف «المشاركة مع الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في تأسيس أول قسم للآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود، واستقطب هذا القسم نوابغ الطلّاب الذين درسوا مرحلة البكالوريوس، كما بدأ فريق منهم الدراسات العليا في مختلف بلاد العالم»، ونتيجةً لذلك - وفقاً للراشد - «أصبح لدينا فريق علمي سعودي يقود الحركة الأكاديمية والاكتشافات الأثرية».

وتطرّق الراشد إلى مرحلة خدمته في شؤون الآثار، عندما تبوّأ منصب «وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون الآثار» فترةً من الزمن، قبل أن تُضم «شؤون الآثار» إلى «الهيئة العليا للسياحة»، حتى استقر بها الأمر تحت مظلّة وزارة الثقافة وهيئة التراث.

نال الراشد منحة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتاريخ الجزيرة العربية عام 2017 (واس)

وأثنى الراشد على تطوّر حقل «الآثار» في السعودية، مشيراً في هذا الإطار إلى «مركز الملك عبد العزيز التاريخي»، الذي يشكّل المتحف الوطني أكبر عناصره، حيث تابعه الراشد - وفقاً لحديثه - بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حين كان أميراً للرياض، حتى افتتاح المركز ليصبح المتحف الوطني جاذباً للباحثين والدارسين، ويبرز جهود البلاد في الاكتشافات الأثرية.

وشدّد الراشد على الأهمية البالغة للدراسات التي تناولت «الآثار في الجزيرة العربية»، بالنظر إلى مساهمتها في إبراز الوجه الحضاري للسعودية، وخاصةً في ظل التوجه السعودي لإبراز الآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتعاون القائم بين وزارة الثقافة والجهات المعنية، خاصةً ضمن «برنامج ضيوف الرحمن»، لإطلاع الزوار والمعتمرين والحجاج على مواقع التاريخ الإسلامي ذات البعد التاريخي والحضاري، مثل غار حراء وغار ثور وطريق الهجرة وغيرها، ما يمكّنهم من معرفة أهمية أرض السعودية.

صورة نشرتها «جائزة الملك فيصل» للراشد بعد أيام من تكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية» التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية» (جائزة الملك فيصل)

كما سلّط الضوء على المكتشفات الكبيرة جداً في مجالات الكتابات العربية القديمة والرسوم الصخرية، والكتابات الإسلامية، التي تنتشر في أرجاء الواجهات الجبلية في مختلف أنحاء المملكة، مؤكداً أنه «لا مثيل لها في العالم، وتُظهر ريادة المملكة في هذا الجانب، وهذه الاكتشافات الأثرية تشكّل هوية المملكة الحضارية»، مشيداً في هذا الصدد باهتمام الجهات المعنية في البلاد، بمواقع مثل الدرعية، والعُلا، والمواقع الأثرية والرسوم الصخرية في حائل، وفي نجران، على سبيل المثال.

ولفت الراشد إلى أن اهتمام السعودية بالتراث الحضاري «أثمر»، ودلّل على ذلك بـ«الجزيرة الخضراء» عبر الاكتشافات في العصور الجيولوجية والكهوف، التي أظهرت البيئة التي شهدتها أرض السعودية قبل 9 ملايين سنة، منوّهاً بأن الأخذ بزمام البحث العلمي الجيّد بوجود «هيئة التراث ودعم وزارة الثقافة والهيئات التي تمثّل المجتمع المحلّي في اختصاصات التراث» يشكّل جهوداً يتكامل بعضها مع بعض، وتمنّى الراشد في ختام حديثه «التوفيق من الله لإكمال هذه المسيرة، ما دمنا على قيد الحياة».

وجدّد فوز الراشد بجائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية لعام 2025، عن موضوع «دراسات آثار الجزيرة العربية»، التذكير بأعماله وجهوده التي جعلته من رواد الآثاريين السعوديين، مع خبرة أكاديميّة نمت منذ ترأس قسم الآثار وعمادة مكتبات جامعة الملك سعود بالرياض، وتحكيم البحوث، ورعاية جيل من الآثاريين السعوديين، وبدور مهنيّ لا يقل قيمة.

تجدر الإشارة إلى أن الراشد ألّف 9 كتب في الأبحاث التاريخية، منها كتابات إسلامية غير منشورة من رواة المدينة المنورة، وكتاب «درب زبيدة: طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة دراسة تاريخية وحضارية أثرية»، وقراءة جديدة لنقش شعري من السوارقية بمنطقة الحجاز، وكتابات إسلامية من مكة المكرمة، ودراسات في الآثار الإسلامية المبكرة بالمدينة المنورة، وكتاب «الصويدرة الطرف قديماً: آثارها ونقوشها الإسلامية».

ونال الراشد منحة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتاريخ الجزيرة العربية، تقديراً لجهوده المميزة في أعمال التنقيب عن الآثار والتراث بالسعودية عام 2017، كما منح وسام الملك خالد من الدرجة الثالثة عام 2020 لإسهاماته الكبيرة في تأسيس قطاع التراث الوطني في السعودية. وفي عام 1998 حصل على جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية بدورتها الثامنة.



مصر لمتابعة تطوير موقع «التجلي الأعظم» في سيناء

دير سانت كاترين في جنوب سيناء (وزارة السياحة والآثار المصرية)
دير سانت كاترين في جنوب سيناء (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر لمتابعة تطوير موقع «التجلي الأعظم» في سيناء

دير سانت كاترين في جنوب سيناء (وزارة السياحة والآثار المصرية)
دير سانت كاترين في جنوب سيناء (وزارة السياحة والآثار المصرية)

في إطار متابعة تنفيذ مشروع تطوير «موقع التجلي الأعظم»، في مدينة سانت كاترين بسيناء، اجتمع وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري شريف الشربيني مع مسؤولي الوزارة والجهاز المركزي للتعمير والشركات المنفذة؛ للوقوف على ما نُفِّذ.

ومن بين الأعمال التي تمت متابعة تنفيذها مبنى وساحة السلام، وتطوير منطقة وادي الدير، وإنشاء النزل البيئي الجديد في منطقة وادي الراحة، وإنشاء المنتجع الفندقي بالزيتونة، ووجّه الوزير بالانتهاء من الأعمال بالمدة الزمنية المقررة، وفق بيان للوزارة، الاثنين.

كما يجري تطوير مركز المدينة التراثي القائم من مسجد الوادي المقدس، وتطوير المحال القائمة وإنشاء محال جديدة، وتطوير وادي الأربعين. وأكد وزير الإسكان ضرورة الاهتمام بالزراعات وتكثيف مناطق المسطحات الخضراء.

واستعرض الاجتماع الموقف التنفيذي لمحطات المعالجة في المدينة التراثية والزيتونة وطريق كمين النبي صالح حتى مبنى الزوار بطول 9 كم وعرض 10 أمتار.

ويستهدف مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم إحياء المنطقة الأثرية بمدينة سانت كاترين لتنشيط السياحة الدينية والبيئية من خلال مشروعات تبلغ تكلفتها نحو 4 مليارات جنيه (الدولار يعادل 50.48 جنيه مصري).

ويرى خبير الآثار المصري، الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار في المجلس الأعلى للثقافة مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي في جنوب سيناء السابق، أن مشروع التجلي الأعظم هو مشروع نموذجي بكل المقاييس لشموله كل الأطراف في مدينة سانت كاترين المستهدفة والمرتبطة بالمشروع، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين اجتمعوا بهذه الأطراف قبل تنفيذ المشروع في 21 يوليو (تموز) 2020 بتوجيهات القيادة السياسية لوضع خطة المشروع بما يتوافق مع معايير (اليونيسكو) باعتبار مدينة سانت كاترين مسجلة تراثاً عالمياً عام 2002 وهم مفتشو الآثار بالمنطقة ورهبان الدير وأهالي سيناء القائمون على الخدمات السياحية وطب الأعشاب والمنتجات البدوية ومسؤولو البيئة بالمدينة والجهات الحكومية، وبدأ التنفيذ الفعلي لـ14 مشروعاً عام 2021».

جانب من مشروع التجلي الأعظم (مجلس الوزراء المصري)

وأوضح ريحان أن «المشروع يهدف إلى إنشاء مزار روحاني على جبل موسى وجبل التجلي وإحياء مسار نبي الله موسى، واستثمار كل المقومات السياحية في مدينة سانت كاترين خصوصاً، وسيناء عامة، على مساحة مليوني متر مربع ما بين جبل موسى وجبل سانت كاترين».

ويعدّ مشروع التجلي الأعظم إحدى نقاط الانطلاق لسياحة المسارات الروحية، وهي أغلى أنواع السياحة في العالم، وفق ريحان، ويأتي «التجلي الأعظم» ضمن 3 مشروعات كبرى في هذا الصدد بمصر، تشمل أيضاً «مسار العائلة المقدسة» و«مسار آل البيت».

ويشهد الموقع الذي يجري تطويره اهتماماً كبيراً من الوزارات المعنية، لما يمثله من قيمة تاريخية وأثرية وبيئية، إذ أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في تصريحات سابقة، أن البعدين البيئي والتراثي تمت مراعاتهما منذ البداية في تنفيذ أعمال التطوير، لأن المنطقة هذه مُسجلة في منظمة «اليونيسكو»، كما أنها محمية طبيعية.

و«يهدف المشروع إلى إحياء المسارات الروحية والدينية وتقديم تجربة سياحية متميزة في سانت كاترين بجنوب سيناء»، وفق الخبير السياحي محمد كارم، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشروع يتضمن المدينة التراثية، وسيتم إحياء الطابعين الديني والسياحي للمنطقة، من خلال إنشاء مجمَّع سكني يُحاكي النمط المعماري التراثي، بالإضافة إلى أماكن للحرف اليدوية ومساحات لعرض الفنون التراثية والمنتجات اليدوية»، لافتاً إلى أن «أهمية مشروع التجلي الأعظم تكمن في البُعد الروحي؛ نظراً لأن سانت كاترين تعد من أكثر الأماكن المقدسة في العالم التي تربط بين الديانات السماوية الثلاث، ما يُعزِّز مكانتها بوصفها مقصداً سياحياً عالمياً للسياحة الدينية والبيئية وسياحة التأمل، واستقطاب فئات جديدة من السائحين من شرق آسيا وأوروبا».