مزهوّاً بتكريمه بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية»، ومعانقاً الفخر بمسيرة طويلة في خدمة التراث والآثار في بلاده والجزيرة العربية، عدّ عالم الآثار السعودي البارز البروفيسور سعد الراشد، في حديث اختص به «الشرق الأوسط»، أن السعودية اليوم «من الدول الرائدة عالمياً في رعاية التراث الثقافي»، وأن فوزه بالجائزة، بالاشتراك مع زميله البروفيسور سعيد السعيد، «تتويج لرحلة طويلة من العمل في البحث العلمي والمسوحات الأثرية والاكتشافات التي تسلط الضوء على الإرث الحضاري العريق للسعودية، وخاصة الآثار الإسلامية، التي تمثل نبراساً للهوية الثقافية، وتجسد اهتمام المملكة العميق بتراثها الإسلامي الخالد».
ولمبرّرات ساقها الأمين العام لجائزة الملك فيصل، الدكتور عبد العزيز السبيل، تضمّنت اعتبار أعمال الراشد العلمية أساساً مهمّاً في دراسات الآثار والنقوش الإسلامية في الجزيرة العربية، حيث أرسى الأسس العلمية والمنهجية للباحثين، وأضافت دراساته كثيراً إلى المعرفة العلمية لتاريخ الحضارة الإسلامية، وأسهمت في فهم أعمق لكثير من المواقع والنقوش الإسلامية في الجزيرة العربية، وأصبح إنتاجه العلمي من المصادر الأساسية غير المسبوقة لأجيال من الباحثين على المستويين العربي والعالمي، كُرِّم الراشد، الاثنين، بـ«جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية»، التي تناولت هذا العام موضوع «الدراسات التي تناولت آثار الجزيرة العربية».
البروفيسور سعد بن عبد العزيز الراشد، الحائز على #جائزة_الملك_فيصل للدراسات الإسلامية 2025.Professor Saad Abdulaziz Al-Rashid, the 2025 #KingFaisalPrize laureate in Islamic Studies. pic.twitter.com/knpwx6H9NO
— King Faisal Prize جائزة الملك فيصل (@KingFaisalPrize) April 20, 2025
وخلال حديثٍ خاص، أعقب تكريمه بالجائزة المرموقة التي مُنحت جوائزها أول مرة عام 1979، محقّقةً ريادة واضحة في تكريم ثلّة من العلماء والباحثين، إذ حصل 23 ممن فازوا بالجائزة في فرعي الطب والعلوم على جائزة نوبل لاحقاً «لإنجازاتهم العلمية الرائدة»، عبّر الراشد عن سعادته البالغة بفوزه بجائزة الملك فيصل، معتبراً أن هذا التكريم يعكس تقديراً لجهوده الممتدة لأكثر من 5 عقود في مجال الآثار، ولا سيما الآثار الإسلامية في السعودية، مضيفاً أن بلاده اليوم تعدّ «من الدول الرائدة عالمياً في رعاية التراث الثقافي، سواء من خلال المواقع الإسلامية التي ترتبط بعصر النبوة والخلفاء الراشدين، أو من خلال مواقعها المسجّلة في قائمة التراث العالمي، والتراث غير المادي والبيئي وحضور المملكة العالمي في اليونسكو، إلى جانب نموّها السياحي حيث تعدّ الآثار (دينمو) محركاً للسياحة الثقافية ومورداً اقتصادياً». وعلّل ذلك بأنه «نِتاج جهود تراكمية للدولة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وسمو ولي العهد، في إطار (رؤية 2030) الطموحة».
الراشد، وهو الأستاذ في «جامعة الملك سعود بالرياض»، استعرض رحلته العلمية، حيث كان من أوائل المبتعثين لدراسة الآثار الإسلامية، قبل عودته إلى «أرض الوطن» بهدف «المشاركة مع الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري في تأسيس أول قسم للآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود، واستقطب هذا القسم نوابغ الطلّاب الذين درسوا مرحلة البكالوريوس، كما بدأ فريق منهم الدراسات العليا في مختلف بلاد العالم»، ونتيجةً لذلك - وفقاً للراشد - «أصبح لدينا فريق علمي سعودي يقود الحركة الأكاديمية والاكتشافات الأثرية».
وتطرّق الراشد إلى مرحلة خدمته في شؤون الآثار، عندما تبوّأ منصب «وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون الآثار» فترةً من الزمن، قبل أن تُضم «شؤون الآثار» إلى «الهيئة العليا للسياحة»، حتى استقر بها الأمر تحت مظلّة وزارة الثقافة وهيئة التراث.
وأثنى الراشد على تطوّر حقل «الآثار» في السعودية، مشيراً في هذا الإطار إلى «مركز الملك عبد العزيز التاريخي»، الذي يشكّل المتحف الوطني أكبر عناصره، حيث تابعه الراشد - وفقاً لحديثه - بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حين كان أميراً للرياض، حتى افتتاح المركز ليصبح المتحف الوطني جاذباً للباحثين والدارسين، ويبرز جهود البلاد في الاكتشافات الأثرية.
وشدّد الراشد على الأهمية البالغة للدراسات التي تناولت «الآثار في الجزيرة العربية»، بالنظر إلى مساهمتها في إبراز الوجه الحضاري للسعودية، وخاصةً في ظل التوجه السعودي لإبراز الآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتعاون القائم بين وزارة الثقافة والجهات المعنية، خاصةً ضمن «برنامج ضيوف الرحمن»، لإطلاع الزوار والمعتمرين والحجاج على مواقع التاريخ الإسلامي ذات البعد التاريخي والحضاري، مثل غار حراء وغار ثور وطريق الهجرة وغيرها، ما يمكّنهم من معرفة أهمية أرض السعودية.
كما سلّط الضوء على المكتشفات الكبيرة جداً في مجالات الكتابات العربية القديمة والرسوم الصخرية، والكتابات الإسلامية، التي تنتشر في أرجاء الواجهات الجبلية في مختلف أنحاء المملكة، مؤكداً أنه «لا مثيل لها في العالم، وتُظهر ريادة المملكة في هذا الجانب، وهذه الاكتشافات الأثرية تشكّل هوية المملكة الحضارية»، مشيداً في هذا الصدد باهتمام الجهات المعنية في البلاد، بمواقع مثل الدرعية، والعُلا، والمواقع الأثرية والرسوم الصخرية في حائل، وفي نجران، على سبيل المثال.
ولفت الراشد إلى أن اهتمام السعودية بالتراث الحضاري «أثمر»، ودلّل على ذلك بـ«الجزيرة الخضراء» عبر الاكتشافات في العصور الجيولوجية والكهوف، التي أظهرت البيئة التي شهدتها أرض السعودية قبل 9 ملايين سنة، منوّهاً بأن الأخذ بزمام البحث العلمي الجيّد بوجود «هيئة التراث ودعم وزارة الثقافة والهيئات التي تمثّل المجتمع المحلّي في اختصاصات التراث» يشكّل جهوداً يتكامل بعضها مع بعض، وتمنّى الراشد في ختام حديثه «التوفيق من الله لإكمال هذه المسيرة، ما دمنا على قيد الحياة».
وجدّد فوز الراشد بجائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية لعام 2025، عن موضوع «دراسات آثار الجزيرة العربية»، التذكير بأعماله وجهوده التي جعلته من رواد الآثاريين السعوديين، مع خبرة أكاديميّة نمت منذ ترأس قسم الآثار وعمادة مكتبات جامعة الملك سعود بالرياض، وتحكيم البحوث، ورعاية جيل من الآثاريين السعوديين، وبدور مهنيّ لا يقل قيمة.
تجدر الإشارة إلى أن الراشد ألّف 9 كتب في الأبحاث التاريخية، منها كتابات إسلامية غير منشورة من رواة المدينة المنورة، وكتاب «درب زبيدة: طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة دراسة تاريخية وحضارية أثرية»، وقراءة جديدة لنقش شعري من السوارقية بمنطقة الحجاز، وكتابات إسلامية من مكة المكرمة، ودراسات في الآثار الإسلامية المبكرة بالمدينة المنورة، وكتاب «الصويدرة الطرف قديماً: آثارها ونقوشها الإسلامية».
ونال الراشد منحة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتاريخ الجزيرة العربية، تقديراً لجهوده المميزة في أعمال التنقيب عن الآثار والتراث بالسعودية عام 2017، كما منح وسام الملك خالد من الدرجة الثالثة عام 2020 لإسهاماته الكبيرة في تأسيس قطاع التراث الوطني في السعودية. وفي عام 1998 حصل على جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية بدورتها الثامنة.