في يوم التراث العالمي... جدة التاريخية تفتح أبواب الماضي لتجارب المستقبل

خلود ناس تعلم المتدربين على تجربة الزجاج المعشق ضمن ورش عمل (زاوية 97)
خلود ناس تعلم المتدربين على تجربة الزجاج المعشق ضمن ورش عمل (زاوية 97)
TT

في يوم التراث العالمي... جدة التاريخية تفتح أبواب الماضي لتجارب المستقبل

خلود ناس تعلم المتدربين على تجربة الزجاج المعشق ضمن ورش عمل (زاوية 97)
خلود ناس تعلم المتدربين على تجربة الزجاج المعشق ضمن ورش عمل (زاوية 97)

في مشهد نابض بالأصالة، وتحت وهج الاحتفاء العالمي، أطلقت هيئة التراث السعودية فعالية استثنائية بمناسبة اليوم العالمي للتراث 2025، مؤكدة مكانة المملكة كحاضنة للكنوز الثقافية والإنسانية. وجاءت الفعالية هذا العام محمّلة بروح الابتكار، حيث امتزجت التجارب الغامرة والأنشطة التفاعلية مع الإرث العريق لمواقع التراث العالمي في المملكة، لتصنع رحلة فريدة تسافر بالزوار عبر العصور، وتُعيد إحياء ذاكرة المكان بتقنيات الحاضر.

ومن بين أبرز المشاركات، جاء برنامج جدة التاريخية ليُقدم تجربة تفاعلية في قلب «البلد»، حيث تحوّلت الأزقة والمباني الطينية القديمة إلى مساحات تعليمية وورش حية، توثَّق مراحل الحفاظ على هذا الموقع المُدرج على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، وتُبرز دور المدينة العريقة كجسر بين الثقافات والحضارات.

ورشة عمل تفاعلية عن تلوين رواشين البلد مقدمة للأطفال (زاوية 97)

وقد اجتمع عشاق التراث في سوق الحرفيين بجدة التاريخية في الفترة من 17 إلى 19 أبريل (نيسان)، حيث نظّمت زاوية 97 مجموعة من الورش التفاعلية مع معماريين، ومؤرخين، وحرفيين، سلطت الضوء على الحرف اليدوية المحلية مثل النجارة والنحت والتطريز وصناعة الفخار. هذه التجارب، التي تراوحت مدتها بين 15 إلى 30 دقيقة، سمحت للزوار من مختلف الأعمار بفهم أعمق للحرف كجُزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية.

واستكمالاً للاحتفاء، احتضنت «زاوية 97» محاضرات معرفية كان أبرزها جلسة للكاتب والمؤرخ الثقافي حسين بافقيه بعنوان «100 عام من عمر الثقافة في جدة»، وقدم الدكتور أحمد الجيلاني، المعماري البيئي، محاضرة بعنوان «التغير المناخي وتأثيره على المواقع التاريخية»، وتطرقت الجلسة إلى تحديات العصر، مستعرضة استراتيجيات الحماية وأهمية التعاون الدولي لصون الإرث الإنساني.

دكتور أحمد الجيلاني يقدم محاضرة بعنوان التغير المناخي وتأثيره على المواقع التاريخية (زاوية 97)

وطرحت الجلسات نقاشاً علمياً عميقاً حول التأثير المتصاعد للتغير المناخي على المواقع الأثرية في العالم، واستُعرضت نماذج من تهديدات واقعية طالت مواقع مثل مدينة البندقية الإيطالية التي تواجه خطر الغرق، وشبام حضرموت ذات الأبراج الطينية الشاهقة التي تتعرض للفيضانات المتكررة، وجزيرة الفصح التي تتآكل سواحلها تدريجياً.

وفي استعراضه للبيانات المناخية، أشار الجيلاني إلى أن عام 2024 كان الأعلى حرارة في التاريخ المسجل، محذراً من تأثير الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر على المواقع الساحلية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مناطق المملكة. كما ناقش الحاجة إلى الحلول الهندسية المستدامة، ودور المجتمعات المحلية في حماية تراثها، موصياً بتبني برامج إعادة التأهيل البيئي.

المحور الأهم الذي جمع مختلف الفعاليات هو التركيز على التوعية المجتمعية. ففي كل ركن من أركان الفعالية، كانت هناك دعوة مفتوحة للتعلّم، والانخراط، وتحمل مسؤولية حماية التراث، بدءاً من الطفل الذي يُشارك في ورشة تطريز تقليدي، وحتى الباحث الذي يناقش سياسات حماية المعالم من الظواهر المناخية.

وبهذا المشهد الثقافي المتكامل، تُثبت السعودية أنها لا تنظر إلى تراثها بوصفه مجرد ماضٍ محفوظ، بل كجسر يعبر نحو المستقبل، وهوية حية تتجدد باستمرار. والاحتفاء باليوم العالمي للتراث ليس مناسبة سنوية فحسب، بل هو تأكيد على التزام المملكة برؤية 2030، التي تضع الثقافة والتراث في صميم نهضتها، وفي جدة، كما في باقي مناطق المملكة، كان للتراث صوت، وللحرف روح، وللماضي حياة تتنفس في كل حجر، ونقش، ومئذنة.


مقالات ذات صلة

السعودية: السجن والغرامة لـ12 مخالفاً لأنظمة الحج

الخليج القبض على قائد حافلة و22 مخالفاً لأنظمة الحج في طريقهم إلى مكة المكرمة (الأمن العام)

السعودية: السجن والغرامة لـ12 مخالفاً لأنظمة الحج

ضبط الأمن السعودي 5 وافدين و7 مواطنين عند مداخل مدينة مكة المكرمة؛ لمخالفتهم أنظمة وتعليمات الحج، بنقلهم 35 مخالفاً لا يحملون تصاريح لأداء المناسك.

«الشرق الأوسط» (مكة المكرمة)
الخليج «اللجنة العربية - الإسلامية» طالبت بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق (رويترز) play-circle

«اللجنة العربية - الإسلامية» ترفض عسكرة المساعدات للفلسطينيين

أكدت «اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة بشأن غزة» رفض تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية، التي دفع استخدامها كسلاح بسكان قطاع غزة لحافة المجاعة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 200 ممثل من 66 دولة استعرضوا في الرياض أساليب مبتكرة لدعم البحث العلمي (واس)

قادة البحث والابتكار العالميون يناقشون في الرياض تأثيرات الذكاء الاصطناعي

استضافت الرياض أعمال الاجتماع السنوي لمجلس البحوث العالمي، بمشاركة 200 ممثل من 66 دولة بينهم 54 رئيساً لمنظمات بحثية، وقادة وخبراء مؤسسات تمويل البحث والابتكار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد تواصل السعودية استقطاب الفعاليات التقنية الكبرى التي تعزز موقعها مركزاً إقليمياً وعالمياً للابتكار (واس)

السعودية الأولى عالمياً في نمو منظومة الابتكار وريادة الأعمال

تصدَّرت السعودية المرتبة الأولى عالمياً في نمو منظومة الابتكار وريادة الأعمال، واختيارها «دولة العام 2025» وفق نتائج تقرير «ستارت أب بلينك» العالمي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جاسم البديوي لدى استقباله تشانغ هوا بمقر الأمانة العامة في الرياض الثلاثاء (مجلس التعاون)

اجتماع خليجي - صيني يبحث تحضيرات القمة الثلاثية مع «آسيان»

بحث جاسم البديوي أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وتشانغ هوا السفير الصيني لدى السعودية، تحضيرات القمة الثلاثية بين دول المجلس و«آسيان» والصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
TT

«عالأربعين»... ضحك موجع من قلب الخيبة

تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)
تناغم ملحوظ حضر بين بطلتي العمل (الشرق الأوسط)

بعد غياب عن المسرح دام أكثر من 15 عاماً، تعود الممثلة ميراي بانوسيان في مسرحية «عالأربعين» على خشبة مونو في بيروت، لتشكّل ثنائياً منسجماً مع جوزيان بولس، مديرة المسرح، وصاحبة تجارب تلفزيونية ومسرحية متراكمة. تقدّمان معاً موضوعاً يحاكي وجع المرأة بقالب كوميدي.

العمل من إخراج شادي الهبر، تدور أحداثه في صالة عزاء، بمناسبة مرور 40 يوماً على وفاة زوجيهما. الزمان: خلال «جائحة كورونا». والمكان: فارغ من المُعزّين بسبب الخوف من العدوى. وبعد مرحلة التعارف، بدأتا التحدّث عن زوجيهما الراحلين، إدوار ووديع.

وعلى إيقاع «الكريشندو» (تصاعد الصوت المتدرِّج)، تُكشف أسرار دفينة.

وعلى مدى ساعة من الزمن، يُتابع المشاهد قصة تلامس المشاعر بفضل عمق موضوعاتها، وفي الوقت نفسه، تحضر الضحكة المنبثقة من خفَّة ظلِّ بولس وأداء بانوسيان الممتع. وفي حين تُفتح الستارة على بكاء وعويل الزوجتين حزناً على شريكي العمر، تنتهي بمواجهة صريحة بينهما تكشف واقعاً مريراً كانتا تعيشانه، فتصل الرسالة المتوخاة إلى المشاهد، بنصٍّ حَبكَه ديمتري ملكي، يتناول فيه العنف والخيانة الزوجية.

«عالأربعين» مسرحية كوميدية تحمل رسائل اجتماعية (الشرق الأوسط)

وفي لعبة مسرحية احترافية تتبعها الثنائي بولس وبانوسيان، تأتي الحوارات تلقائية، ويتلقفانها بحرفية، بحيث تتبادلان قذف كرة التمثيل بينهما بسلاسة. فالممثلتان تبادلتا عملية ترك المساحة الخاصة لكل منهما، وفي الوقت عينه تشاركتا في تقديم أداء يُبرِز تفوُّقهما في فهم اللعبة المسرحية.

تُجسِّد بانوسيان دور «جانيت»، المرأة التي عاشت الأمرَّين مع زوج بخيل وعنيف في آنٍ واحد. تحاول في البداية تجميل حياتها الزوجية بسرد قصص وهمية. في المقابل تلعب بولس دور «ماري لويز»، سيدة ثرية عاشت في وهم الأناقة والفرنكوفونية متجاهلة خيانة زوجها.

تتشارك المرأتان في تجربة زوجية فاشلة. وكلُّ واحدة حاولت إخفاء ألمها؛ بيد أن الحوار بينهما يكشف تدريجياً هشاشة العلاقة مع الشريك، ويُعزِّي الزَّيف الذي غطَّى على خيبات كثيرة.

كان تفاعل الحضور مع أداء الممثلتين واضحاً منذ بداية المسرحية حتى نهايتها، وبلغت ذروة الضحك حيناً والتصفيق الحار حيناً آخر في مشاهد عدة، منها عندما راحت بولس تصف يوم زفافها وفستان العرس الذي ارتدته، فبالغت في الحديث عن تطريزاته وخياطته بأسلوبها الكوميدي، إلى حدٍّ جعل صالة المسرح تضج بالضحك المتواصل. ولكن، كل الثراء الذي عاشت في كنفه كان مجروحاً بخيانة زوجية صريحة. في حين رَوت بانوسيان قصة رحلة شهر العسل مع زوجها مُدَّعية أنها أجمل أيام حياتها، وحوّلتها إلى رحلة سياحية بين مناطق لبنان، ليتبيَّن فيما بعد أنَّ حقيقة مُرَّة صعقتها منذ أولى لحظات زواجها، تمثَّلت بضرب زوجها لها في ليلة الزفاف.

ركّز مخرج العمل، شادي الهبر، على لعبة الالتباس في الكلام، وأوكل إلى جوزيان بولس مهمَّة إبرازها بحسِّها الفكاهي المعروف، فكانت تمزج العربية بالفرنسية في حواراتها، لتُسطّرها عناوين مضحكة بامتياز.

بطلتا العمل جوزيان بولس وميراي بانوسيان (الشرق الأوسط)

أما المزايدات في وصف الحياة الرغيدة التي كانتا تسردانها، فقد آثر المخرج تضمينها مواقع مشهورة في لبنان، وهو ما زوَّد المسرحية بأبعاد سياحية ذكَّرت الحضور بجمالية طبيعة بلاد الأرز وحضاراتها المتعاقبة، ومن بينها قصر بيت الدين التاريخي، وفندق فينيسيا البيروتي العريق.

في النهاية، نكتشف أن جانيت تزوّجت المدعو وديع، هرباً من بيت أهلها المكتظ بالأشقاء، لتقع في فخ العنف طيلة زواجهما؛ أما ماري لويز التي وقعت في حب إدوار وتزوجته، فبقيت مخلصة له إلى أن اكتشفت خيانته لها مع أعزِّ صديقاتها، فتمنَّت له الموت، ورحل بسكتة قلبية.

تنتهي المسرحية بانتهاء العزاء وافتراق المرأتين، بعدما تكفَّلتا طيلة العمل بإيصال رسائل إنسانية مباشرة، وأخرى اجتماعية موجّهة للمرأة المعنفة.

وعلى وقع عبارة «البقية بحياتك»، تُسدَل الستارة على عمل مسرحي فكاهي، شكَّلت الضحكة فيه جسراً للعبور من الحزن إلى الفرح.