«إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون

شارك المركز بمعرض عنوانه «المشهد والذاكرة»

«إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون
TT

«إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون

«إثراء» في أسبوع الفن بالرياض... فنانون سعوديون وعالميون يتألقون

سجل عدد من المؤسسات الفنية في السعودية حضوراً بارزاً في النسخة الأولى من أسبوع الرياض للفن، واحتضنت مساحات العرض أعمالاً فنية تنوعت في وسائطها بين التركيب واللوحات والتصوير الفوتوغرافي وأفلام الفيديو في معالجات مختلفة لعنوان أسبوع الفن، وهو «على مشارف الأفق».

في القاعات المتتالية نرى عرضاً للوحات رواد الفن السعودي؛ أمثال طه صبان وعبد الحليم رضوي ومحمد السليم ضمن مِسَاحَة عرض لمجموعة «SRMG» الإعلامية، أما مؤسسة «فن جميل» فقدمت مجموعة مختارة من الفيديوهات الفنية التي تعرض محطات أساسية في تطور فن الفيديو في المنطقة، وتتناول موضوعات مثل الهوية، والانتماء، والتحولات الثقافية.

نتوقف عند مَعْرِض مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) الذي يقدم مجموعة من الأعمال الفنية من مقتنيات إثراء التي سبق لها الظهور في معارض المركز. يقام المعرض تحت عنوان «المشهد والذاكرة»، ويسلط الضوء على العلاقة بين الذاكرة المادية والتحولات الفنية.

القيّم الفني للمعرض كميل المصلي يأخذنا في جولة بين الأعمال المختلفة، ويتحدث عن المشاركة بين «إثراء» وهيئة الفنون البصرية وأسبوع فن الرياض. يقول في بداية الجولة إن العرض يتجاوب مع عنوان أسبوع الفن، وهو «على مشارف الأفق»، ويضيف: «عدنا لمجموعة إثراء، واخترنا أعمالاً تتناغم مع هذا المفهوم، وأطلقنا على العرض عنوان (المشهد والذاكرة)، وهو يدور حول المشهد الطبيعي والبيئة وتأثيرها على الفنان ونشأته وهويته».

بيستوليتو والعزلة الرقمية

يبدأ العرض بعمل للفنان الإيطالي مايكل أنجلو بيستوليتو بعنوان «الأشخاص في تواصلهم»، وهنا يجب التوقف للحديث عن العمل الذي استوقف الزوار وأثار التعليقات. نحن أمام ما يشبه المرآة نرى فيها أشخاصاً من السعودية بعضهم واقف والبعض الآخر جالس، وفي كل أوضاعهم يجمع بينهم أمر واحد، وهو الهاتف الذكي، يبدو الأشخاص منشغلين عما حولهم بالجهاز الصغير في أيديهم. في بداية الأمر يتهيأ للزائر أنه في مقابل أشخاص حقيقيين، ولكن يدرك سريعاً أنه أيضا يظهر معهم، فالعمل أشبه بالمرآة التي تعرض صوراً لأشخاص، وتسمح للزائر بالوجود معهم. بهذا يصبح المشاهد جزءاً من موضوع اللوحة. يتحدث المصلي عن العمل المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ «ستينليس ستيل» وهو مطبوع عليه صور بتقنية الطباعة بالحرير. «ينظر الفنان إلى كيفية انجذاب الناس وغرقهم في التكنولوجيا، يقصد الفنان أن يكون المشاهد جزءاً من العمل، وأن يكون واحداً من هؤلاء الأشخاص المعزولين عما حولهم، غير أن المشاهد أمامه الفرصة للتحرك خارج العمل، يمكنك أن تبعد نفسك عنهم أو تبعد الصلة بهم عبر تحركك خارج مجال الرؤية». يخبرنا المصلي. في رأي القيّم الفني العمل يصف الجيل الحالي بأنه «مشغول دائماً وغير متواصل... هو متصل على الدوام بجهازه».

من فلسطين أرشيف الذاكرة

داخل مِسَاحَة العرض نرى عملاً للفنان الفلسطيني حازم حرب بعنوان «المكان ملكي، السلسلة #3» وهو كولاج من الصور التي تصور مشاهد مختلفة من فلسطين. يشير المصلي إلى أن هوية الفنان ترتبط بمفهوم التهجير الذي يظهر كثيراً في أعماله، «هنا صنع حرب من مواد أرشيفية عمل كولاج فيه إعادة تركيب للذاكرة الجمعية، ويقوم بإعادة بناء التاريخ بطريقته». هل هذه الأماكن ما زالت موجودة؟ تساؤل يجيب عنه القيّم الفني: «هذا مكان به صراع وبعض هذه الأماكن قد لا تكون موجودة الآن، ولعل ذلك يفسر أن الفنان يقوم بإعادة تركيب المشهد».

«إعصار» لعبد الرحمن قطناني (إثراء)

«إعصار» هو عنوان عمل الفنان الفلسطيني عبد الرحمن قطناني، وهو عمل جاذب للبصر، فهو يبدو على هيئة الإعصار المكون من الأسلاك الشائكة التي تبعث الإحساس بالحدة والخشونة، وتكاد تنقل الناظر لعالم عدواني. يشير بيان العرض إلى أن الفنان نفذ العمل في عام 2020 في ذكرى النكبة، مستحضراً تهجير الفلسطينيين عام 1948م. استغرق الفنان ثمانية عشر شهراً من البحث والتأمل العميق خلال إقامته في «المدينة الدولية للفنون» في باريس، ليتشكّل من خلال تلك التجربة عمله «إعصار»، الذي يرمز إلى تصاعد العنف الذي دمّر حياة الأفراد والمجتمعات والمشهد الطبيعي في فلسطين.

حلويات النفط

من أعمال الفنانة السعودية مها الملوح يقدم العرض عملاً من سلسلة «حلويات النفط»، وهو عمل عرضته من قبل في عدد من المحافل المحلية والدولية. وكعادة الملوح نرى أمامنا قطعاً معتادة نراها في حياتنا اليومية، وقد لا نتوقف عندها كثيراً، ولكن ما يمر على عين الشخص العادي من دون أثر، يستوقف عين الفنان. وفي هذه الحالة كانت براميل النفط المعدنية الفارغة هي ما استوقف الملوح، وحولتها لعمل ملون ينتظم في تصميم جاذب أمام المشاهد ليثير لديه التفكير فيما وراء هذه القطع الملونة.

من أعمال الفنانة السعودية مها الملوح... يقدم العرض عملاً من سلسلة «حلويات النفط» (إثراء)

يقول المصلي إن البراميل «تبدو مثل أوراق الحلوى بعد استهلاكها»، وهو ما يطرحه عنوان العمل، ويضيف: «هي براميل مهملة تأخذها الفنانة، وتغير شكلها عبر الضغط، ما يخرج به المشاهد هو أن هذا الشكل جميل بصرياً»، ولكن هناك معنى جاد خلف ذلك: «العمل يخلط بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للنفط وتأثيرها على الاقتصاد المحلي»، ويدعو المشاهدين إلى التفكير في علاقتهم بهذا المورد والبيئة، مما يثير نقاشات حول الاستدامة كما يتناغم طرح الفنانة مع رؤية 2030 من تنويع مصادر الدخل.

العالم يحترق والشبكة الاجتماعية

من أعمال الفنان المصري معتز نصر، نرى خريطة للعالم مصنوعة بأعواد الثقاب الملونة، يحمل العمل عنوان «احتراق»، ويبدو من خلاله اهتمام الفنان بمصير العالم والخوف عليه، يقول المصلي: «يعكس العمل تأثر الفنان بالأحداث والاضطرابات التي حدثت في العالم». ينقل لنا الفنان تلك الحالة الشعورية عبر استخدام أعواد الثقاب الملونة: «تبدو جميلة للناظر، ولكنها أيضاً حساسة، فما إن تشتعل إحداها حتى يشتعل الكل، هنا يجتمع الخوف والجمال». يعلق المنسق الفني.

«احتراق» معتز نصر (إثراء)

في القاعة يلفتنا عمل ملون ضخم يبدو مثل الشبكة الملونة وبالاقتراب منها نرى أن مركبة من قطع صغيرة ملونة، كل قطعة منها تمثل رجلاً أو امرأة مختلفين سواء في ألوان ونوعية الثياب، وحتى في الملامح وقصة الشعر. العمل للفنان دو هو سو ويحمل عنوان «شاشة». يقول المصلي في شرحه للعمل: «الفنان مهتم بالمجتمع، العمل يمكن عدّه قطعة تتأمل في فكرة المجتمع وأهمية التنوع وما يساهم به كل عنصر في سبيل الجميع».

الصور والأرشيف

يضم المعرض أيضاً عملاً فوتوغرافيا للفنان سلطان بن فهد بعنوان «1440م»، يُعيد تقديم صورة من أرشيف أرامكو، تُظهر الملك عبد العزيز في أثناء تفقده لحقول النفط عام 1947م من داخل سيارة، حيث يقوم الفنان بعكس الصورة، ليُظهر الملك المؤسس، وكأنه السائق، بينما تنعكس في مرآة السيارة صورة لشخص يتأمل الحقول النفطية.

«المشهد» لمعاذ العوفي (إثراء)

للفنان معاذ العوفي ثلاثة أعمال بعناوين «المشهد»، و«العائلة» و«من أنا»، وهي من مجموعة أكبر من الصور الفوتوغرافية التي يحاول العوفي من خلالها أرشفة النقوشات الصخرية والمناظر الطبيعية مثل فوهة بركان وغيرها من المشاهد في المدينة المنورة، يقول المصلي إن العوفي «استخدم المدينة المنورة ونواحيها بمثابة الاستوديو الخاص به».

«أحافير المعرفة» لمحمد الفرج (أثر)

أما الفنان محمد الفرج فيُعرض له عمل بعنوان «أحافير المعرفة». هنا صور فوتوغرافية لمراحل تأثر النخلة بسوسة النخيل «الأعمال هي جزء من محاولته لإثارة الوعي بالبيئة، تحمل أيضاً تساؤلات عن التاريخ والذاكرة» يعلق المصلى. يجمع عمل «أحافير المعرفة» بين أشكال عضوية تُشبه أحافير الزمن، ومقاربة فنية متعددة الوسائط، ليُجسد الروابط العميقة التي تحتفظ بذاكرة المنطقة. يتوسط العمل عرض فيديو يصوّر مزارعي الأرز في أثناء عملهم، حيث تخلق الأهازيج الإيقاعية وحركات الحصاد لوحة نابضة بالحياة من مشهد الزراعة في الأحساء بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.


مقالات ذات صلة

«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

يوميات الشرق الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)

«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

النظر إلى إحدى القطع الفنية الخشبية، والتجول حولها يعني رؤية الفن ذاته والشعور والتأثر به، من دون الحاجة إلى لمسه، أو محاولة الوصول إلى الأفكار التي تقف وراءه.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق تبحث دائماً في ذاكرتها عن صور خيالية لتنقلها إلى لوحاتها (الشرق الأوسط)

حين تتفتّح الورود على ثغر الكوكب فيُزهر هناءً

«وتضحك الأرض في الزهور» للفنانة لاريسا شاوول هو احتفاء بصري بالحياة والطبيعة، تُجسّد فيه الزهور مشاعر الأمل والاتصال الإنساني عبر لوحات تنبض بالألوان والذكريات.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أعمال ومراحل فنية متنوعة تضمنها المعرض (مركز الجزيرة للفنون)

احتفاء مصري بـ«مبدع الغرافيك والفنون البصرية» أشرف الحادي

احتفت وزارة الثقافة المصرية بتجربة الفنان الراحل أشرف الحادي، ونظم قطاع الفنون التشكيلية معرضاً استعادياً بمركز الجزيرة للفنون في الزمالك.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق تعدَّدت الملامح والاسم واحد (صور المعرض)

كليوباترا في باريس... الملكة المتمرّدة أيقونة تتجاوز الزمن

بفضل انتحارها، أفلتت كليوباترا من أسر الرومان، وصنعت أسطورتها الخالدة: الموت البطولي لملكة بالغة الجاذبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا منظر لمنطقة «ووتر بلازا» في موقع المعرض العالمي بأوساكا 4 يونيو 2025 (أ.ب)

معرض «إكسبو» في اليابان يعلّق العروض المائية بسبب تلوّث بكتيري

عُلِّقت العروض المائية اليومية ومنطقة حمام السباحة الضحلة في معرض «إكسبو 2025» في مدينة أوساكا باليابان مؤقتاً بسبب تلوث بكتيري يتطلب أعمال تطهير.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
TT

«أثر مكتشف»... منحوتات خشبية تُعبّر عن التراث ببساطة مفرطة

الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)
الفنان المصري هاني مجلي الفقي (الشرق الأوسط)

النظر إلى إحدى القطع الفنية الخشبية، والتجول حولها، يعني رؤية الفن نفسه، والشعور به والتأثر به، من دون الحاجة إلى لمسه أو محاولة الوصول إلى الأفكار التي تقف وراءه.

وربما ما يُفسّر ذلك أن هذه القطع تعكس تجارب إبداعية تستند إلى خامة طبيعية، لها خصوصيتها التي تخاطب الأرواح قبل أن تجتذب الحواس البصرية.

وعلى الرغم من العنوان الذي يبدو طويلاً و«معقّداً» لمعرضه «أثر مكتشف متهالك شديد القِدم»، فإن التشكيلي المصري، المولع بالخشب، هاني مجلي الفقي قدّم أعمالاً تتمتع بالبساطة المفرطة، طارحاً قضايا فلسفية وتراثية وحضارية بلغة فنية تخلو من التعقيد.

وعن ذلك، يقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «ترتبط عناوين معارضي بكونها قائمة فكرياً على التجريب، فهي تحمل تجربة حقيقية، وليست مجرد عنوان فلسفي أو تخيّلاً لشيء ما».

ويتابع: «هذا العنوان ناتج عن تجربة عملية، استغرقت سنوات قضيتها ما بين الخامات المستدامة والبيئية والتقليدية، ولحظات وثيقة الصلة بالفن والإنسان والأرض، وذلك ما أفعله دوماً في معارضي، وليس في هذا المعرض فقط».

ويضيف: «ومن هنا، تكون العناوين مستلهمة من مواقف وعناصر إنسانية تأثّرت بها، وذات علاقة قوية بفكرة السكن والصمود والدفء».

صاحب المعرض ينظر إلى الخشب ككائن حي يشبه الإنسان (الشرق الأوسط)

ويُعدّ الفنان معرضه المقام في متحف «أحمد شوقي» بالقاهرة حتى 21 يونيو (حزيران) الحالي ذا علاقة قوية بالحياة والإنسان، لأن محتوياته مصنوعة من الخشب.

يقول مجلي: «أنظر إلى الخشب ككائن حيّ، يشبه الإنسان؛ كلٌّ منهما يتقدّم في العمر، ويمرّ بمراحل حياتية مختلفة، كما أن كلاً منهما يتعرّض لأزمات وأحداث سعيدة ومؤلمة على السواء، بل إنهما يشتركان في كونهما يتعرّضان لمواقف خذلان واستغناء في بعض الحالات؛ ولذلك جمعت بين الخشب والبورتريه في معظم أعمالي».

يزيل الفوارق بين المسميات الفنية (الشرق الأوسط)

ويتابع: «قد تكون نظرتي إليه فلسفية، لكنها حقيقة. على سبيل المثال، على المستوى الشخصي، كنت عند النظر إلى كرسي اعتادت والدتي الجلوس عليه ألاحظ علامات يديها عليه، في حين أنه لو لم يكن من الخشب، ما كان ذلك ليحدث».

أيضاً استعان الفقي في خلفية إحدى لوحاته، وهي «على حافة النهر»، بأجزاء من مجموعة كراسي خشبية كانت واسعة الانتشار في البيوت المصرية في القرن الماضي، وتُعرف باسم «كرسي القهوة».

وكانت هذه الكراسي تزدان بطباعة أيقونات مصرية مثل الأهرامات، أو زهرة اللوتس، أو الملكة نفرتيتي على أجزاء منها، فاستعان بتلك الأجزاء ليطعّم بها لوحته؛ فجاءت محمّلة بأبعاد حضارية واجتماعية وثقافية.

أعمال الفقي تعكس حالة من التنقيب عن الأثر الإنساني (الشرق الأوسط)

يقول: «هذه الكراسي لها دلالات عميقة، وتعبّر عن الفكر التشاركي عند المصريين؛ فلم يخلُ منها منزل مصري في السابق، وكانت حاضرة في الأفراح والمآتم، ويتشاركها الجيران عند الحاجة».

ويواصل: «بعضها تعرَّض في هذا القرن للخذلان، حين استغنى الجيل الجديد من بعض الأسر عنها بدلاً من إصلاحها، وبعضها تمسّك بها أصحابها، تماماً مثل الإنسان الذي يتعرّض لمثل هذه المواقف!».

إذن، يستكشف الفنان، كما يشير عنوان معرضه، الأثر بشكل عام داخله وحوله: «تأخذ أعمالي الجمهور في رحلة من الاكتشاف، سواء لي أو لخاماتي أو التقنيات الجديدة التي استطعت الوصول إليها».

ويتابع: «لكن قبل ذلك، هي تمثّل حالة من التنقيب عن الأثر الإنساني في كل مكان أصل إليه؛ فأبحث عن أي أشياء من صنع الإنسان، ومن حياته، أو أشياء تغيّرت وتكوّنت عليها طبقات بفعل الزمن».

يحتفي الفنان هاني مجلي الفقي بالبورتريه (الشرق الأوسط)

«في هذا السياق، تستوقفك في أعماله أجزاء مأخوذة من أشياء قديمة مرّت عليها عشرات السنين، ومنها أبواب عتيقة شاهدة على ذكريات وأحداث ولحظات عاطفية احتضنتها البيوت، وكانت زاخرة بالحياة. يُعيد الفنان معالجتها وتصليحها وتوظيفها في لوحاته: «أقوم بما يُعرف بإعادة التدوير لأثر الإنسان، لكن ليس بوصفه عملية صناعية بحتة، إنما بمعنى منحها حياة أخرى؛ لتبقى سنوات كثيرة مقبلة، وتشهد ما تشهده من مواقف جديدة، فتصبح أثراً جديداً في الحياة».

أحد الأعمال بالمعرض (الشرق الأوسط)

من هنا، يُعِدُّ النحات المصري أي عمل يقدمه أنه «ماستر بيس» أو قطعة واحدة لا تقبل التكرار؛ يقول: «عندما تُنتج عملاً فنياً من الخشب، فإنه من المستحيل أن تستنسخه؛ لأنك لن تجد نفس القطعة بالآثار نفسها التي تحملها، سواء ما كان عليها تهشير أو تكسير أو تجازيع، أو آثار من الألوان، أو أحاسيس شعرت بها حين تحملها بين يديك».

ويتابع: «لذلك أشعر بأن (البالتة الخشبية) الخاصة بي واحدة ولن تتكرر مرة أخرى، وحين أنتهي من عمل ما أبحث عن أثر آخر حتى أشكّل به عملاً جديداً لا أعرف كيف سيكون حين أنتهي منه، وهذه هي متعة العملية الإبداعية باستخدام الخشب؛ فأنت لا تعرف أبداً إلى أين قد ينتهي بك الأمر».

أمام أعماله المتنوعة التي تبلغ 35 عملاً ما بين المسطحة والمركبة والمجسمة، الغائرة والبارزة، المطعمة بأخشاب وخامات أخرى، أو الخالية من أي عناصر إضافية، قد تُصيبك الحيرة في المسمى الفني الدقيق لها وله!

توثق لوحاته النحتية لحظات إنسانية مؤثرة (الشرق الأوسط)

فهل تُعدُّ لوحات نحتية أم قطعاً نحتية أم «بورتريهات» أم تماثيل في بعض الأحيان؟ وأيضاً، هل نحن أمام نحَّات أم مصوِّر؟ لكن حين تتحدث مع الفقي عن ذلك، تكتشف أنه لا تشغله هذه المسميات وغيرها من الأصل.

يقول: «ما يعنيني هو انتماء أعمالي لفنون الخشب، وأن أعمل على إزالة الفواصل بين المسميات؛ فالعمل يكتسب أهميته من قيمته الفنية لا اسمه»، مشيراً إلى أن «الاتجاهات المعاصرة وفنون ما بعد الحداثة تُعزز جمع الفنان بين فنون عدّة حتى في العمل الواحد».

في أعماله أجزاء خشبية عتيقة (الشرق الأوسط)

لا يتوقف جهد هاني مجلي الفقي، المدرس في كلية التربية النوعية جامعة سوهاج، بمجال الأخشاب على العمل الأكاديمي وتعليم تقنياته، كما لا يقتصر على تقديم أعمال فنية من هذه الخامة، إنما يُجري أبحاثاً علمية تُنشر في مجلات علمية محلية ودولية حولها.

يقول: «يدخل الخشب في مجالات تطبيقية كثيرة إلى جانب الفنون، وهو ما يقتضي عمل دراسات وأبحاث مستمرة لتطويره الاستدامة وتحقيقها، وهو ما أعكف عليه بجانب أعمالي الفنية».