في مهرجان «الألوان المائية الدولي»، المقام حالياً بقاعة نقابة الفنانين التشكيليين بساحة دار الأوبرا المصرية، يتجلَّى الاهتمام بالطبيعة وعناصرها في مواجهة العنف والحرب، والاحتفاء بالوجوه بوصفها مرآة تنطق بما في أعماق الإنسان، فضلاً عن السعي لرسم الجسور القديمة والأنهار والآثار المهمة التي تشتهر بها الدول التي ينتمي إليها الفنانون المشاركون.

وتمزج التشكيليات اللبنانيات: ماري شمعون، ونادين طبري، ورجاء نيكلاس، وربيعة معتوق، بين الوجوه والطبيعة والمنازل في لوحاتهن المرسومة بالألوان المائية، ويعبرن من خلالها عن رفض الحروب والدمار ومقاومة القبح. وشاركهن الفنان الهندي ميلند بهانجي، من خلال تمسكه بكل ما هو قديم، وتقديمه أعمالاً تجاوزت حدود ثقافته الخاصة، استحضر فيها لوحات تُجسّد أبو الهول وحضارة مصر القديمة.

أمَّا عن إسهامات الرسامين المصريين في المعرض الذي يستمر حتى 20 أبريل (نيسان) الحالي، فركَّزت على مظاهر الحياة الشعبية، وبرزت منها لوحة الفنانة لبنى زكريا، مستفيدة من عناصر تراثية مثل الأقراط الفضية التي تخطف الأبصار، بوصفها تميمة تحمي النساء من العيون الشريرة المتلصصة، وقدمت لبنى زكريا بورتريهاً جانبياً لامرأة حجبت جانباً من رأسها بغطاء حريري، وزينت عنقها -الذي بدا كأنه لملكة مصرية قديمة- بقلائد مطعمة بالخرز الملون.

الفنانة اللبنانية رجاء نيكلاس، منسقة جمعية «الألوان المائية الدولية» بلبنان، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الأعمال تبرز السمات المميزة للمجتمعات التي تنتسب لها، وتابعت: «لوحات زملائي تعكس نظرتهم للحياة، وخصوصية البيئة والثقافة اللبنانية، وتعبر بالألوان المائية عن محيطهم ومجتمعهم ومعاناتهم. وهناك حرص على إبراز روح الطبيعة وجمالياتها، والتحذير من أي أعمال تؤدي إلى خسارتها بسبب الحروب، ويمكن ملاحظة أن عدداً من اللوحات يحتفي بالبيوت القديمة والتراثية، كأنها رسالة تنادي بضرورة الحفاظ عليها».

وسعت الفنانة مروى إسماعيل، في أعمالها إلى استعادة وجوه بورتريهات اثنين من أشهر فناني الإسكندرية (سيف وأدهم وانلي)، وقامت بما يُشبه الحوار الوجداني بينها، وأضفت بألوانها على الوجوه مشاعر وتعبيرات جديدة؛ حيث ظهرت في إحدى لوحاتها صورة لطفل شارد بملامح خائفة وحزينة، وعلى مقربة منه تقف امرأة إلى جواره متعاطفة معه، تسعى لطمأنته، وتهدئة مخاوفه.
ويشمل المهرجان عدداً من الفعاليات والمسابقات الفنية، ويهدف لإثراء ثقافة فن الرسم بالألوان المائية، وتشرف عليه جمعية «الألوان المائية الدولية» التي تضم في عضويتها 110 دول.

وتنظم معارضها في مواقع مختلفة حول العالم بشكل دوري على مدار شهور السنة، ويجتمع في المعرض الحالي بالقاهرة أكثر من 50 فناناً، ويعد منصة مهمة لتعزيز فن الألوان المائية، ويشهد عدداً من ورش العمل التي يشارك فيها كبار الفنانين.

في لوحات بعض الفنانين ومن بينهم فنانو الهند، اعتمدوا في رسم أعمالهم على مناظر قاموا بالتقاطها فوتوغرافياً، حسب ما قال بهانجي لـ«الشرق الأوسط»، وقد اتفق معه ريمون سربانة، مسؤول «الألوان المائية الدولية» في القاهرة، موضحاً أن «اعتماد الفنان على الصورة لا يقلل من عمله، لكنه يفرض عليه في الوقت نفسه أن يتفاعل بروحه مع عناصر الصورة، ويضفي عليها مزيداً من طابعه، وانفعالاته».

وخلص بهانجي إلى إن كثيراً من الأعمال يمكن ربطها بالمدرسة التعبيرية، وتضمنت ملامح فلسفية عميقة تعلي من قيمة السلام وتدعو لتحقيقه في كل أنحاء العالم، وتوجه رسائل فنية ترفض الحرب.