دراسة: النظر إلى الطبيعة قد يخفف من الشعور بالألم

أظهرت دراسة رائدة أن المرضى في المستشفيات احتاجوا إلى مسكنات ألم أقل وتعافوا أسرع عندما نظروا من النافذة إلى مساحات خضراء (رويترز)
أظهرت دراسة رائدة أن المرضى في المستشفيات احتاجوا إلى مسكنات ألم أقل وتعافوا أسرع عندما نظروا من النافذة إلى مساحات خضراء (رويترز)
TT
20

دراسة: النظر إلى الطبيعة قد يخفف من الشعور بالألم

أظهرت دراسة رائدة أن المرضى في المستشفيات احتاجوا إلى مسكنات ألم أقل وتعافوا أسرع عندما نظروا من النافذة إلى مساحات خضراء (رويترز)
أظهرت دراسة رائدة أن المرضى في المستشفيات احتاجوا إلى مسكنات ألم أقل وتعافوا أسرع عندما نظروا من النافذة إلى مساحات خضراء (رويترز)

أفاد بحث جديد مَسَح أدمغة الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات كهربائية، عن أن مجرد النظر إلى الطبيعة -أو حتى إلى مجرد صور رقمية لها- يمكن أن يخفف الألم.

لقد وُثِّقت الفوائد الصحية العديدة للطبيعة عبر عقود من البحث. وقبل أكثر من 40 عاماً، أظهرت دراسة رائدة أن المرضى في المستشفيات احتاجوا إلى مسكنات ألم أقل وتعافوا أسرع عندما نظروا من النافذة إلى مساحات خضراء بدلاً من جدار حجري.

ومع ذلك، قال ماكسيميليان شتايننغر، عالم الأعصاب في جامعة فيينا والمؤلف الرئيسي لدراسة نُشرت في مجلة «نيتشر كوميونيكشن»، يوم الخميس: «حتى الآن، لم تكن الأسباب الكامنة وراء هذا التأثير واضحة».

تكمن المشكلة في أن كلاً من الطبيعة والألم يمكن أن يكونا ذاتيين، وذلك لأن الناس يحبون الطبيعة، فقد يكون لها تأثير وهمي. أو ماذا لو لم تكن الطبيعة هي التي تُخفف الألم، بل حياة المدينة هي التي تزيده؟

وسجّل الباحثون نشاط أدمغة 49 متطوعاً باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، إذ نظر المشاركون إلى صور مختلفة خلال تلقيهم سلسلة من الصدمات الكهربائية -بعضها أكثر إيلاماً من غيرها- على ظهر يدهم اليسرى.

وصوّر المشهد الأول بحيرة محاطة بأشجار تداعبها الرياح، بينما كانت أصوات حفيف الأوراق وتغريد الطيور تُعزف في الخلفية. وفي المشهد الثاني، أُضيف بعض العناصر الحضرية كالمباني والمقاعد والأزقَّة، مع تداخل ضوضاء المدينة. أما المشهد الثالث فكان لمكتب، مع أثاثه الباهت وأزيز العمل.

لم يُبلغ المشاركون عن شعورهم بألم أقل عند النظر إلى المناظر الطبيعية فحسب، بل أظهرت فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي وجود فرق في أدمغتهم. وفي هذا الصدد، صرح شتايننغر في بيان: «دراستنا هي الأولى التي تُقدم أدلة من فحوصات الدماغ على أن هذا ليس مجرد تأثير وهمي».

وأدت مشاهد الطبيعة إلى انخفاض نشاط جزء من الدماغ مسؤول عن إدراك الألم، ويُسمى حس الألم. مع ذلك، لم تتأثر المناطق الأخرى المرتبطة بتنظيم الألم بشكل ملحوظ.

كما أفاد الباحثون بأن هذه النتائج قد تُعزى إلى أن البيئات الطبيعية تجذب انتباه الناس، وتصرفهم عن الشعور بالألم. وتُعرف هذه النظرية في علم النفس باسم «نظرية استعادة الانتباه».

وقال أليكس سمالي، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة إكستر البريطانية، كما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية: «إن إمكانية تحقيق هذا التأثير المُخفف للألم من خلال التعرض الافتراضي للطبيعة، والذي يسهل تطبيقه، له آثار عملية مهمة». وأضاف أن ذلك «يفتح آفاقاً جديدة للبحث لفهم كيفية تأثير الطبيعة على عقولنا بشكل أفضل».


مقالات ذات صلة

«مقياس حسابي بسيط»… يرصد أمراض القلب

علوم «مقياس حسابي بسيط»… يرصد أمراض القلب

«مقياس حسابي بسيط»… يرصد أمراض القلب

ازدياد عدد نبضات القلب اليومي لكل خطوة... سيئ

مات ريتشل (نيويورك)
صحتك الغرسة الجديدة (أ.ب)

غرسة دماغية تترجم الأفكار إلى كلام مسموع بشكل فوري

أعلن باحثون أميركيون -أمس الاثنين- أن جهازاً معززاً بالذكاء الاصطناعي زُرع في دماغ امرأة مشلولة، مكَّنها من ترجمة أفكارها إلى كلام بصورة فورية تقريباً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تغيير الوقت على ساعة الموقد في قصر باكنغهام في لندن (أ.ب)

لماذا قد يجعلك «تأخير الساعة» فظاً وسريع الانفعال؟

في الأولى فجر 30 مارس، جرى تقديم الساعة إلى الثانية صباحاً. وعلى ما يبدو، ستكون آثار ذلك أبعد من مجرد فقدان ساعة من النوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زادت مبيعات الدمى خلال جائحة كورونا حيث اشترى الأشخاص البالغون 21 في المائة من هذه الدمى وفقاً لأبحاث السوق (متداولة)

خبراء يؤكدون: النوم معها مفيد للبالغين... الدمى المحشوة ليست للأطفال فقط!

الدمى المحشوة ليست حكراً على الأطفال. فالكثير من البالغين يجدون فيها عزاءً وراحة، حيث يمكن لهذه الدمى توفير دعم عاطفي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك بائع يعرض العنب للبيع (إ.ب.أ)

من التصدي للسرطان إلى تحسين الذاكرة وإبطاء الشيخوخة... فوائد مذهلة للعنب

نقلت صحيفة «نيويورك بوست» عن اختصاصي التغذية الأميركي أنتوني دي مارينو قوله إن هناك عدة فوائد صحية مذهلة لتناول العنب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

القلق داء عابر للأجيال... أي جيل هو الأكثر تأثّراً؟

الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
TT
20

القلق داء عابر للأجيال... أي جيل هو الأكثر تأثّراً؟

الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)

يُسمّى القلق «مرض العصر»، لكن قد يكون من المنطقيّ أكثر، أن يُطلق عليه مرض كل العصور، إذ لم ينجُ منه أيُ جيل. وإذا كانت غالبية الدراسات تشير إلى أنّ الجيل «إكس» (1965 - 1980) هو الأكثر تأثّراً بالقلق، فهذا لا يعني أنّ الأجيال اللاحقة وحتى السابقة، هي بحالٍ أفضل.

تلحظ المتخصصة في علم النفس العيادي يارا بصيبص، أنّه مع تقدُّم الأجيال، يرتفع منسوب القلق. فبين «الجيل الصامت» (1928 - 1945) و«الجيل زد» (1997 - 2012) مسافة 84 عاماً، تبدّلت خلالها مسبّبات القلق وتجلّياته. واجه الجيل الصامت تحديات الحرب العالمية الثانية، لكنه تحصّنَ بالروابط الاجتماعية الوثيقة، وتعاملَ بصلابة مع التجارب الصعبة، ما ساعده في الحَدّ من الضغوط النفسية.

1965 - 1980... الجيل X في صدارة القلقين

الأثقال الماليّة

يُعرف الجيل إكس بـ«الجيل السندويتش»، لأنه يتوسّط جيلَين ينتمي إليهما كلٌ من أهله وأولاده، وتقع عليه بالتالي مسؤولية الاعتناء بالكبار والصغار في آنٍ معاً. هذا واقعٌ لم تسهّله التحديات المادّية التي كان على أبناء هذا الجيل أن يواجهوها، مثل موجة التضخّم العالمي وجائحة كورونا، اللتَين تزامنتا مع ذروة فترة إنتاجيّتهم المهنية، وهُم لم يدّخروا بالتالي ما يكفي من مال لتقاعد مريح.

توضح بصيبص في حديثها مع «الشرق الأوسط»، أنّ «الجيل زد عانى من أحداث محوريّة مثل الأزمات الاقتصادية والتغيّرات الاجتماعية والتوترات السياسية، وقد أسهمت تلك التجارب في ازدياد القلق لديه». وتضيف أنه كان على هذا الجيل التنقّل وسط عالمٍ يتغيّر بسرعة، ما ضاعف التوتّر.

اضطر الجيل إكس إلى التأقلم مع عالم سريع التغيّرات ما ضاعف القلق لديه (رويترز)
اضطر الجيل إكس إلى التأقلم مع عالم سريع التغيّرات ما ضاعف القلق لديه (رويترز)

التحديات التكنولوجية

اضطرّ أبناء الجيل إكس إلى أن يتأقلموا مع النقلة الدراماتيكية التي شهدها العالم باتّجاه التكنولوجيا والإنترنت، ما زاد القلق لديهم على المستويَين الشخصي والمهني. ووجدوا أنفسهم مضطرّين للتمكّن من تقنياتٍ طارئة عليهم، ولا يستطيعون الاستمرار في حياتهم ووظائفهم من دونها. ولم يأتِ ذلك من دون ضريبةٍ نفسيّة.

الجيل إكس والصحة النفسية

في مختلف مراحل حياتهم، كان أبناء الجيل إكس الأكثر عرضةً لمسبّبات القلق والتوتر، إلا أنهم أكثر صموداً من سواهم. فهم يتميّزون بقدرة كبيرة على التأقلم مع الظروف، لأنهم كبروا وهم يخطّطون لمستقبلهم بشكلٍ مستقلّ. ومن بين سماتهم المرونة، والتجدّد، والقدرة على التحمّل، والتأقلم السريع.

غير أنّ موضوع الصحة النفسية لا يزال أقرب إلى المحرّمات في نظرهم. برأيهم، لا يستأهل العلاج سوى مَن تعرّض لصدمة كبيرة جرّاء الحروب أو الاعتداءات الجنسية. أما طلب المساعدة النفسية لمجرّد المعاناة ضمن العائلة، أو في العمل أو من التنمرّ، فمن شبه المستحيل بالنسبة إليهم.

ما زالت غالبية الجيل إكس تتردّد في طلب المساعدة النفسية (أ.ف.ب)
ما زالت غالبية الجيل إكس تتردّد في طلب المساعدة النفسية (أ.ف.ب)

1981 - 1996... جيل الألفيّة وهاجس النجاح

أبطال الاحتراق الوظيفي

أظهرت دراسة أجرتها شركة «ستاتيستا» العالمية عام 2024، أنّ 50 في المائة من جيل الألفيّة يعدون السبب الأساسي لشعورهم بالقلق والتوتّر، هو مستقبلهم المالي على المدى البعيد.

ومن الطبيعي أن يدور قلق جيل الألفيّة في فلك المال والعمل، وتشير بصيبص في هذا الإطار، إلى أن «أزمة 2008 والركود العالمي أثّرا كثيراً على هذا الجيل الذي واجه صعوبة في العثور على وظائف مستقرة ذات رواتب جيدة. كما كان عبء الديون والقروض الطالبيّة ثقيلاً على كاهلهم».

وأكثر ما يقلق جيل الألفيّة إذن هو النجاح المهني والاستقلال المادي ونَيل إعجاب الآخرين. وبما أنهم من أكثر الأجيال تعليماً، لا يصعب عليهم تحقيق ذلك. إلّا أنّ النجاح لا يأتي من دون ثمن، هو بمعظمه نفسيّ في حالة جيل الألفيّة الذي كان أكثر مَن عانى من الاحتراق الوظيفي، خصوصاً خلال جائحة كورونا.

أكثر ما يقلق جيل الألفيّة هو النجاح المهني (رويترز)
أكثر ما يقلق جيل الألفيّة هو النجاح المهني (رويترز)

تحقيق الذات أوّلاً

لا يهجس أبناء جيل الألفيّة بالزواج وتأسيس عائلة بقَدر الأجيال السابقة، ويميلون إلى تأخير هذا المشروع، أو الاستغناء عنه كلياً. إذ تبقى الأولوية بالنسبة إليهم تحقيق ذواتهم، و«البحث عن الأمان المالي، وإعادة تقييم مبادئهم، والسعي إلى الموازنة بين العمل والحياة الخاصة»، وفق تعبير بصيبص. وهم متصالحون أكثر من الجيل إكس مع فكرة الاهتمام بصحّتهم النفسية.

1997 - 2012... الجيل زد قلق لكنه يحب ذاته

تنقل بصيبص عن «جمعية علم النفس الأميركية»، أنّ «الجيل زد يواجه مستويات أعلى من التوتر نتيجة عوامل عدة؛ منها التغيّر المناخي، وجائحة كورونا، وغياب المساواة الاجتماعية، وسطوة السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي». وقد أصدرت منظّمة الصحة العالمية تقارير أكدت أن الصحة النفسية للشباب أصبحت قضية مزدادة الأهمية.

كما اصطدم هذا الجيل بظروف وظيفية معقّدة تزامنت وجائحة كورونا. تعرّض الجيل زد لبيئة العمل السامة، حيث يتكدّس العمل، ويغيب الأمان، وتتضاءل الرواتب، وتزداد مخاطر الطرد. لكن في مقابل قلقهم الكبير الذي يتعارض وسنّهم الصغيرة، فإنّ أبناء الجيل زد يفكّرون بالعمل بطريقة مختلفة عن سواهم من أجيال، إذ يرون الوظيفة جزءاً من حياتهم، وليس معنى لحياتهم.

بالنسبة إلى الجيل زد... الوظيفة هي جزء من حياتهم وليست معنى وجودهم (رويترز)
بالنسبة إلى الجيل زد... الوظيفة هي جزء من حياتهم وليست معنى وجودهم (رويترز)

بالتالي، غالباً ما يختارون وظائف لا تسلبهم فرصة الاستمتاع بالحياة، كقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، واختبار تجارب جديدة كالسفر وممارسة الهوايات. لكن لا يجب الاعتقاد بأنهم غير طموحين في العمل، لا بل إنهم متطلّبون ويتوقّعون من مديريهم التشجيع والتوجيه والترقية.

وفق بصيبص، «يتمتّع الجيل زد بانفتاحه على الحديث عن الصحة النفسية، ما قد يعطي انطباعاً بأنه يعاني من ضغوط أكبر من سواه». لكن في هذا الأمر إيجابية، إذ بمجرّد البوح بالقلق والتوتّر والتعبير عن المخاوف، يكون الجيل زد قد حطّم المحرّمات المرتبطة بالصحة النفسية، وانخرط في حل المشكلة التي يواجهها.

يختار الجيل زد وظائف لا تحرمه الاستمتاع بالحياة وممارسة الهوايات والسفر (رويترز)
يختار الجيل زد وظائف لا تحرمه الاستمتاع بالحياة وممارسة الهوايات والسفر (رويترز)

قلق الـBaby Boomers

جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية المولود ما بين 1946 و1964، والمعروف بـBaby Boomers، هو أسطَع دليل على أنّ القلق متوارث عبر الأجيال. ينتمي آباؤهم إلى الجيل الصامت الذي عاصر الحرب، والذي ربّى أبناءه على قواعد صارمة، ومع توقعات عالية منهم، كل ذلك بعيداً عن مظاهر العاطفة والحنان.

هذا الجيل الذي يواجه حالياً هواجس التقدّم في السنّ والتقاعد الوظيفيّ، لطالما ركّز على النجاح المهني وجمع المال وسط ثقافة التنافس في أماكن العمل. وقد انعكس ذلك سلباً على صحته النفسية، في وقتٍ كان فيه علاج تلك الأزمات يُعدُّ وصمة عار.