«لا أرض أخرى»... الفيلم الفلسطيني - الإسرائيلي الذي خرق جدار الأوسكار

ملصق فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على أوسكار أفضل وثائقي (إنستغرام)
ملصق فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على أوسكار أفضل وثائقي (إنستغرام)
TT
20

«لا أرض أخرى»... الفيلم الفلسطيني - الإسرائيلي الذي خرق جدار الأوسكار

ملصق فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على أوسكار أفضل وثائقي (إنستغرام)
ملصق فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على أوسكار أفضل وثائقي (إنستغرام)

قبل ساعاتٍ على إعلان فوز «لا أرض أخرى» (No Other Land) بأوسكار أفضل فيلم وثائقي، كان أهالي بلدة مسافر يطّا في الضفّة الغربية يتعرّضون لاعتداءاتٍ من مستوطنين إسرائيليين، وفق ما أفادت وكالة «وفا» الفلسطينية.

رغم حصول الفيلم الذي يروي معاناتهم على أهمّ جائزة سينمائية عالمية، لم يتغيّر شيء في يوميات المَهانة التي يعيشها الفلسطينيون منذ عقود. وهذا ما دفع بالمخرجين إلى رفع الصوت من على منبر الأوسكار. وللمفارقة فإنّ صنّاع الفيلم ليسوا فلسطينيين فحسب، فـ«لا أرض أخرى» هو ثمرة شراكة فلسطينية - إسرائيلية.

الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام والناشط الفلسطيني باسل عدرا مخرجا فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)
الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام والناشط الفلسطيني باسل عدرا مخرجا فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)

أمضى الناشط الفلسطيني باسل عدرا سنوات عمره كلها في بلدته مسافر يطّا. وثّقت عيناه التخريب التي كانت تتعرّض له، ثم بات التوثيق يحصل من خلال الكاميرا. صوّر باسل التدمير المتواصل للمنازل والأملاك وطرْد قاطنيها من جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. وفي عام 2019، انضمّ إليه الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام.

لكن كيف فتحت الضحية ذراعَيها إلى شخصٍ آتٍ من عالم الجُناة؟

عام 1981، اتُّخذ قرار بتحويل البلدة إلى منشأة رماية وتدريب عسكري، ومنذ ذلك الحين تحوّلت يوميات الأهالي إلى جحيم.

يوم قصد أبراهام وزميلته الصحافية راشيل زور مسافر يطّا في 2019 لتصوير تحقيقٍ عمّا يحصل هناك، تعرّفا إلى عدرا ومساعده في التوثيق حمدان بلال. سرعان ما توطّدت العلاقة بينهم وانضمّ أبراهام وزور إلى عدرا وبلال في مشروعهما. لم يقتصر الأمر على كتابة مقالات عن المنطقة، بل امتدّ إلى توظيف كاميراتهما في توثيق المخطط الاستيطاني الدائر. ثم تحوّلت الشراكة إلى صداقة، ومعها نشأت فكرة الفيلم الوثائقي.

الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام مع الناشط باسل عدرا يوم خطوبته (إنستغرام)
الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام مع الناشط باسل عدرا يوم خطوبته (إنستغرام)

كانت تلك التجربة الإخراجية الأولى للناشطين الأربعة، إلا أنها لم تكن بحاجة إلى قدرات سينمائية هائلة ولا إلى مؤثرات بصريّة وصوتيّة ولا حتى إلى ممثلين أو ميزانيّة. فالمادّة التصويرية متوفّرة على مدار الساعة، وهي عبارة عن جرّافاتٍ وآلة عسكريّة وجنود احتلال يُمعنون في التدمير والإذلال وإخلاء المنازل بالقوّة.

صُوّر الوثائقي باللحم الحيّ، وقد بلغت الواقعيّة فيه ذروتها عندما التقطت العدسة مباشرةً لحظة قتل شقيق عدرا على أيدي جنود إسرائيليين. وهذا ليس المشهد الوحيد في الفيلم لقتلٍ مباشر يتعرّض له فلسطيني من عسكريّ إسرائيلي.

إنسانياً كذلك، يوثّق الفيلم العمق الذي بلغته العلاقة بين الناشط الفلسطيني وزميله الإسرائيلي. كأنّ أبراهام أتى ليخفّف عن عدرا تحديات العيش والتصوير، مسهّلاً عليه الأمور بما أنّ ظروفه أسهل. فبينما يعيش عدرا في ظلّ الاضطهاد والعنف الدائمَين، يحظى أبراهام بالأمان والحرية.

وخلال التصوير ينال أبراهام حصته من غضب الأهالي كونه إسرائيلياً. في أحد المشاهد يتوجّهون إليه بالقول: «ربما يكون شقيقك أو صديقك هو الذي هدم بيوتنا». لكنّ صلابة العلاقة بين عناصر الفريق، هي التي تحصّن الطرفَين ضدّ الصعوبات والتحديات.

نشأت صداقة وطيدة بين باسل عدرا ويوفال أبراهام (إنستغرام)
نشأت صداقة وطيدة بين باسل عدرا ويوفال أبراهام (إنستغرام)

خلال 4 سنوات (2019 - 2023)، صوّر عدرا ورفاقه يوميات الخراب في مسافر يطّا. إلى لقطاتهم، ضمّوا أرشيفاً غنياً كان قد صوّره أهل عدرا وأقرباؤه وجيرانه على مدى 20 عاماً.

لكن المادة المصوّرة لم تسلم من الاعتداءات، إذ داهم الجيش الإسرائيلي بيت باسل مرتين وصادر الكاميرات والكمبيوتر. غير أنّ الفيلم سلك طريقه إلى المونتاج، ثم إلى المهرجانات العالمية.

المحطة الأولى كانت ضمن مهرجان برلين السينمائي في فبراير (شباط) 2024، حيث نال «لا أرض أخرى» جائزة أفضل وثائقي إضافةً إلى جائزة الجمهور. بعد ذلك كرّت مسبحة المهرجانات والترشيحات والجوائز العالمية، من أوروبا إلى أميركا وصولاً إلى كندا.

تصوير تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة مسافر يطّا بالضفة الغربية (إنستغرام)
تصوير تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة مسافر يطّا بالضفة الغربية (إنستغرام)

دار الفيلم ذو الإنتاج الفلسطيني - النرويجي دورةً كاملة وحطّ أخيراً في هوليوود، وتحديداً في «مسرح دولبي» حيث تُوّج بالأوسكار. مع العلم بأن «لا أرض أخرى» غير متوفّر للعرض داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث لم يتبنَّه أي موزّع، رغم الجوائز الكثيرة التي حصدها والنقد الإيجابي الذي ناله.

بذلك، يكون الفيلم الوثائقي قد حقّق إنجازاً مزدوجاً بفوزه هذا. فهو أولاً حمل معاناة الفلسطينيين إلى أحد أبرز المنابر العالمية، وثانياً فرض وجوده السينمائي وسط ما يشبه المقاطعة.

فريق عمل «لا أرض أخرى» متوّجاً بالأوسكار (د.ب.أ)
فريق عمل «لا أرض أخرى» متوّجاً بالأوسكار (د.ب.أ)

اختُتم تصوير «لا أرض أخرى» قبل اندلاع حرب غزة، إلّا أنّ عرضه العالمي تزامن مع التطوّرات الدامية في فلسطين، الأمر الذي رفع من أسهُمه. لكن تبقى للفوز بالأوسكار نكهة أخرى، وهي نكهة لوّنها المخرجان بخطابَين من العيار الثقيل.

من جانبه، طالبَ عدرا بوقف الظلم والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، متمنياً ألّا تختبر ابنتُه المولودة حديثاً المعاناة ذاتها التي عاشها هو. أما أبراهام فرفع الصوت أعلى من شريكه قائلاً: «عندما أنظر إلى باسل أرى فيه شقيقي لكننا غير متساوين. نعيش في نظام؛ حيث أنا حرّ تحت قانون مدني، فيما يعيش هو في ظل قانون عسكري يدمّر حياة الناس». ووجّه أبراهام انتقاداً مباشراً إلى السياسة الأميركية الخارجية، معتبراً أنها تعرقل الحلّ السياسي الذي يمنح الشعبَين الفلسطيني والإسرائيلي حقوقهما.


مقالات ذات صلة

«أكاديمية الأوسكار» تعتذر لإغفالها اسم مخرج فلسطيني في استجابتها للاعتداء عليه

يوميات الشرق المخرج حمدان بلال (أرشيفية - أ.ف.ب)

«أكاديمية الأوسكار» تعتذر لإغفالها اسم مخرج فلسطيني في استجابتها للاعتداء عليه

اعتذرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأميركية عن عدم ذكر اسم المخرج حمدان بلال المشارك في فيلم «لا أرض أخرى» الحائز على جائزة الأوسكار.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
المشرق العربي المخرج الفلسطيني حمدان بلال (أ.ب)

إسرائيل تطلق سراح مخرج «لا أرضَ أخرى» غداة اعتقاله في الضفة الغربية

أطلقت الشرطة الإسرائيلية أمس (الثلاثاء) سراح المخرج الفلسطيني الحائز جائزة «أوسكار» حمدان بلال، غداة اعتقاله بسبب «رشق الحجارة».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي لحظة اعتقال حمدان بلال من قبل الجيش الإسرائيلي (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يعتقل مخرجاً فلسطينياً فاز فيلمه بجائزة الأوسكار

اعتقل الجيش الإسرائيلي، الاثنين، بالضفة الغربية المخرج الفلسطيني حمدان بلال بعد أسابيع من فوز «لا أرض أخرى»، الفيلم الوثائقي الذي شارك في إخراجه، بجائزة أوسكار.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
يوميات الشرق الممثل أدريان برودي يحطم الرقم القياسي لأطول كلمة في الأوسكار

الممثل أدريان برودي يحطم الرقم القياسي لأطول كلمة في الأوسكار

ألقى أدريان برودي خلال تسلّمه أوسكار أفضل ممثل الأحد أطول كلمة في تاريخ حفلات توزيع جوائز الأوسكار، محطماً رقماً قياسياً يعود إلى 80 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق شون بيكر يحمل أربع جوائز أوسكار نالها شخصيا عن فيلمه "أنورا" (أ.ب)

السينما المستقلة تسطع في ليلة الأوسكار

سطعت السينما المستقلة في ليلة الأوسكار بهوليوود وخرج «أنورا» بجائزة أفضل فيلم، تاركاً الأفلام التسعة الأخرى، من بينها منافِسه الأشد «ذَا بروتاليست»، في حسرة.

محمد رُضا (هوليوود)

لوحات مسروقة للرسام الألماني كيفر تعاود الظهور في باريس

الفنان الألماني أنسليم كييفر (يوتيوب)
الفنان الألماني أنسليم كييفر (يوتيوب)
TT
20

لوحات مسروقة للرسام الألماني كيفر تعاود الظهور في باريس

الفنان الألماني أنسليم كييفر (يوتيوب)
الفنان الألماني أنسليم كييفر (يوتيوب)

لا تكاد أوساط تُجَّار الفن تنام على فضيحة حتى تصحو على أخرى. وما بين تزوير اللوحات أو المبالغة في تقدير قيمتها أو التغاضي عن مصدرها، تأتي سرقة لوحات الفنان الألماني أنسليم كييفر لتُربك مزادات الفن ما بين باريس ونيويورك ولندن.

من لوحات الرسام الألماني كييفر (إنستغرام الفنان)
من لوحات الرسام الألماني كييفر (إنستغرام الفنان)

لا يتعلق الأمر هذه المرة بلوحات كلاسيكية لفنانين قدامى سُرقت في زمن النازية، بل هي 6 لوحات ثمينة لفنان شهير ما زال على قيد الحياة، وتُحقق أعماله أرقاماً هي من بين الأعلى في العالم. وكان كييفر (80 عاماً) المقيم في بلدة بارجاك جنوب فرنسا، قد تقدم ببلاغ إلى النائب العام في باريس، بعد اكتشافه وجود لوحتين مسروقتين من لوحاته، معروضتين للبيع في صالة للمزاد في العاصمة الفرنسية. ومن ثَمّ تبيَّن أن هناك 4 لوحات مسروقة أخرى مدرجة في قائمة المزاد نفسه.

لوحاته تُحقق أرقاماً هي من بين الأعلى في العالم (إنستغرام الفنان)
لوحاته تُحقق أرقاماً هي من بين الأعلى في العالم (إنستغرام الفنان)

وجاء في البلاغ أنه اكتشف اختفاء اللوحات الست من مرسمه في عام 2003. وبناءً عليه فُتح تحقيق في القضية. وكانت الخطوة الأولى التحقُّق من هوية الجهة التي قدمت اللوحات للبيع. وحسب المعلومات التي تسرَّبت فإنها سيدة تدعى ربيعة أ، تبلغ من العمر 52 عاماً. وقد تعرَّف الرسام على الاسم فوراً، وأوضح أنها كانت تعمل مربية في منزله قبل 25 عاماً.

ويمكن تقدير حجم السرقة بالعودة إلى الأرقام التي تُباع بها لوحات كييفر الذي يقف في طليعة الفنانين المعاصرين؛ وهي لوحات كبيرة الحجم تجمع ما بين الأصباغ الزيتية والخامات الأولية التي تمنحها أبعاداً رمزية وإبداعية. إن أعماله حاضرة في المعارض العالمية ما بين سويسرا ونيويورك، وقد بيعت إحدى لوحاته بمبلغ 3 ملايين يورو. كما حققت لوحة أخرى مبلغاً زاد على 6 ملايين يورو في مزاد نظمته شركة «كريستيز». وبهذا فإن مجموع أثمان اللوحات الست يمكن أن يتجاوز 10 ملايين يورو.

صورة من أحد معارض كييفر (أ.ف.ب)
صورة من أحد معارض كييفر (أ.ف.ب)

يُركِّز المحققون حالياً على التأكد من أن اللوحات المعروضة في المزاد أصلية. وكذلك تتبُّع مسارها منذ اختفائها حتى عودتها إلى الظهور، واستجواب المربية السابقة، وإن كانت قد تصرَّفت بمفردها أم مع شركاء.

من جهتها، تُبدي صالة المزاد تعاوناً مع المحققين، ولم تُوجَّه تهمة لها حتى الآن. وعلى الرغم من ذلك، فإن القضية هذه، تُعيد تسليط الضوء على الغموض الذي يُحيط بتجارة الأعمال الفنية، وتساهُل خبراء تقييم اللوحات في تتبُّع مصدرها والتأكد من هوية مالكيها.