​«فن المملكة»... أعمال إبداعية تغوص في الثنائيات وتتبع نموّ التصورات

أول معرض متجوّل للفن السعودي المعاصر يصل إلى الرياض

​«فن المملكة»... أعمال إبداعية تغوص في الثنائيات وتتبع نموّ التصورات
TT
20

​«فن المملكة»... أعمال إبداعية تغوص في الثنائيات وتتبع نموّ التصورات

​«فن المملكة»... أعمال إبداعية تغوص في الثنائيات وتتبع نموّ التصورات

في عصر محركات البحث، تنهال الصُّور والمعلومات الآتية من مصادر متنوعة، لتهاجم تصورات الأفراد، وآلية تشكّلها، وربما تسببت في عرقلة قدرتهم وسعيهم إلى بناء مفاهيم أعمق.

ومن هذا المنطلق، يسعى معرض «فن المملكة» في محطته الثانية بالرياض، آتياً من البرازيل، إلى الإجابة عن أسئلة لا تخلو من الجدّية، ويحاول أن يكون بوابة إلى فهم ثقافة ما، تسهم فيه الفنون البصرية، لإعادة تشكيل السرديات حول المجتمع، والذاكرة، والماضي، والحاضر.

وفي أروقة المتحف السعودي للفنّ المعاصر، يحتفي المعرض الذي افتتحته هيئة المتاحف، بالمشهد الفني السعودي المعاصر، ويقدم رؤى إبداعية متنوعة تعكس ثراء الهوية الثقافية للمملكة.

وتحثّ أعمال 17 فناناً سعودياً بارزاً يشارك في المعرض، الزوّار على التفكير والتأمّل في التصوّرات التي راودت الفنانين، للكشف عن رؤاهم الفردية، بالإضافة إلى النسيج الثقافي المشترك الذي يجمعهم، استناداً إلى الهوية الفريدة لكل فنان، التي تسهم بدورها في بناء ثقافة بصرية مميزة ضمن سياقات الفنّ المعاصر.

ويضيء المعرض بقصص التاريخ والذاكرة والتراث الثقافي للمملكة، وتوظف الأعمال الفنية المعروضة فيه، مجموعة من الاستراتيجيات الجمالية والبصرية، مستخدمة مواد متنوعة تثري المساحة، ليس بالأفكار والرؤى وحسب، بل أيضاً من خلال نقل الزائر إلى حدودٍ جديدة تتغير عندها المفاهيم.

أعمال 17 فناناً سعودياً بارزاً تشارك في المعرض (هيئة المتاحف)
أعمال 17 فناناً سعودياً بارزاً تشارك في المعرض (هيئة المتاحف)

وتتناول الأعمال المعروضة موضوعين رئيسين، يرتبط الأول بالصَّحراءِ بوصفها رمزاً للرحابة واللانهاية والحياة، فيما يناقش الثاني تفرّد التراث الثقافي وتطور الثّقافة البصرية المتميزة بين الماضي والحاضر.

ومن هذين الموضوعين، تتفرّع مواضيع أخرى، مثل: الذاكرة، والوعي البيئي، والهوية والمنشأ، فيخلق ذلك مشهداً فنياً غنياً، حيث يتقاطع تاريخ المملكة مع قضاياها المُعاصرة، لم يُقدّمها المعرض على نحو مجرّد فحسب، بل سعى إلى إدراجها في سياقٍ أرحب، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمساحة المادية والفكرية في مدينة الرياض.

وتتنوّع الأعمال المعروضة التي أنجزها الفنانون المشاركون، مهند شونو، ولينا قزاز، ومنال الضويان، وأيمن زيداني، ومعاذ العوفي، وأحمد ماطر، وعهد العمودي، وشادية عالم، وفيصل سمرا، وأيمن يسري ديدبان، ودانيا الصالح، وفلوة ناظر، وسارة إبراهيم، وأحمد عنقاوي، وناصر السالم، وبسمة فلمبان، وفاطمة عبد الهادي، بين اللوحات الزيتية، والمنحوتات، والأعمال التركيبية، والفيديو، في مشهد فني يعكس التفاعل بين الموروث والحداثة، ويستكشف الوسائط الإبداعية الحديثة التي باتت تشكل جزءاً من ممارسات الفنانين المعاصرين.

تسهم الأعمال في بناء ثقافة بصرية مميزة ضمن سياقات الفنّ المعاصر (هيئة المتاحف)
تسهم الأعمال في بناء ثقافة بصرية مميزة ضمن سياقات الفنّ المعاصر (هيئة المتاحف)

غوص في الثنائيات وتتبع لنمو التصورات

يتناول الفنان أحمد ماطر من خلال سلسلة أعماله «إضاءات» العلاقات الثنائية الظاهرة، حيث يخلق الفنان من تلاقي الماضي والحاضر وحدة فنية بديعة؛ إذ يلتقي الأول بما يحمل من بصمات الفن الإسلامي التقليدي الذي يشع بعراقة وعمق، ويتناغم مع الثاني بما يقدمه من ابتكارات طبية ثورية، تفتح أمامنا آفاقاً جديدة لا تخطر على البال.

وفي هذا الحوار الفني، يغوص في عمق ثنائية الإيمان والعلم اللذين يتنازعان في النفس البشرية، ويتنافيان في ظاهرهما، ولكنّهما في الواقع يشتركان في السعي وراء الحقيقة.

يستلهم الفنان من الصفحات الأولى للمخطوطات المقدسة، تلك التي خطّها الحرفيون بيدٍ مبدعة في أزمان مضت، بما تحويه من حروف وكلمات مشرقة تنبض بالحياة، ولكنّه يستبدل الأشكال الهندسية التقليدية بواسطة صورتين بالأشعة السينية لجذعين بشريين، في خطوة تعبيرية عميقة تسعى إلى الكشف عن البنية الداخلية للوجود.

من جهته، يوظف الفنان مهند شونو في عمله التركيبي «عودة إلى اللانهاية»، الرمال بطبيعتها دائمة التغيّر، تماماً مثل السرديات وتأويلاتها.

يضيء المعرض بقصص التاريخ والذاكرة والتراث الثقافي للمملكة (هيئة المتاحف)
يضيء المعرض بقصص التاريخ والذاكرة والتراث الثقافي للمملكة (هيئة المتاحف)

وفي هذا العمل الفني، يصنع مهند شونو، 5 منحوتات على شكل أعمدة من الرمال والصباغ الأسود والراتنج، ويضعها على طاولة صناعية مزودة ببكرات دوارة.

وتبدأ هياكل الأعمدة الصلبة بالتآكل مع دورانها البطيء، لتتفكك حبة تلو الأخرى وتتكدّس في الأسفل، ويتفكّك كل عمود بوتيرته الخاصة، فتتحلّل أجزاؤه لتغذي حلقة تستمر إلى ما لا نهاية. وليس هذا العمل الأول الذي يستخدم فيه شونو الرمال، وهو المعروف بتوظيفه هذه المادة بشكل متكرر في مصنوعاته لارتباطها العميق بالمساحات الطبيعية في العالم العربي، ومفهوم مرور الزمن.

توظف الأعمال الفنية المعروضة في المعرض مجموعة من الاستراتيجيات الجمالية والبصرية (هيئة المتاحف)
توظف الأعمال الفنية المعروضة في المعرض مجموعة من الاستراتيجيات الجمالية والبصرية (هيئة المتاحف)

ويغوص العمل الفني لفاطمة عبد الهادي «سوف تشفى» في عمق الحوار المستمر والمتجدد بين الإنسان والطبيعة، حيث تصبح الممارسات التقليدية فيه سلسلة لا تتوقف من التأمل والعمل.

واستلهمت الفنانة من كتاب قديم ذي طابع علاجي، فجمعت في عملها بين المطبوعات متعددة المستويات التي نفذت عبر تقنية الشاشة الحريرية، وبين الرسومات الفحمية التي نقشَتْها على أوراقٍ شبكية.

ومثلما تتواصل النباتات وتنمو وفقاً لسنن الطبيعة، تجسّد العبارة «إن شاء الله تشفيك» الإيمان بالشفاء بوصفه نعمة لا تنقضي، لتكون بذلك إشارة إلى دورة أبدية من التواصل والتجدد لا تتوقف.

استخدم الفنانون مواد متنوعة تثري المساحة بالأفكار والرؤى (هيئة المتاحف)
استخدم الفنانون مواد متنوعة تثري المساحة بالأفكار والرؤى (هيئة المتاحف)

فيما يقدم الفنان معاذ العوفي في سلسلة الصور الفوتوغرافية «أهل بانجيا»، السعودية، وتحديداً المدينة المنورة، بعدسة غير معهودة.

ويتساءل عن كيفية توارث الحكايات عن أرض الأجداد، ويُعيد استعراض اللقطات الجوية المأخوذة في عشرينات القرن الماضي ليقدّم من خلالها منظوراً جديداً عن تاريخ هذه الأرض. وتكشف صور العوفي عن أشكال يُعتقد أنها مساحات صخرية شاسعة تعود إلى تسعة آلاف سنة، تشكل أنماطاً يسهل التعرّف عليها من الجوّ.

وفي هذا العمل الفني، يطرح الفنان سؤالاً لافتاً: لو كنا نعلم بوجود هذه الأشكال، فهل يتغيّر فهمنا للحاضر والماضي؟ وفي حين تبقى الإجابة عن هذا السؤال غير محسومة، يدعونا العمل إلى تخيّل قراءة جديدة للمساحات السعودية وذاكرة أهلها.


مقالات ذات صلة

معرض أثري يحتفي بالمرأة المصرية «أيقونة الصمود» عبر العصور

يوميات الشرق جانب من المعرض الأثري (متحف الحضارة)

معرض أثري يحتفي بالمرأة المصرية «أيقونة الصمود» عبر العصور

يضمّ المعرض مجموعة متميّزة من مقتنيات المتحف القومي للحضارة المصرية، يُعرض بعضها للجمهور للمرة الأولى، ويُقدّم لمحة عن مكانة المرأة المصرية ودورها الفعّال.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق عمل للفنانة لولوة الحمود (الفنانة و«غاليري لهف»)

«أسبوع فن الرياض» الأول ينطلق تحت شعار «على مشارف الأفق»

تستعد العاصمة السعودية لاستقبال النسخة الافتتاحية من «أسبوع فن الرياض» الذي تنظمه هيئة الفنون البصرية في الفترة من 6 إلى 13 أبريل (نيسان) المقبل. ويأتي الحدث…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تقف إحدى العاملات مع العمل الفني «الفطر (1850)» (إ.ب.أ)

موهبة فيكتور هوغو في الرسم التي لا يعرفها الكثيرون

اشتهر الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو بتأليف روايتين هما «أحدب نوتردام» و«البؤساء»، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أعماله رساماً، والتي أصبحت الآن محور معرض جديد في…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة تُعبِّر عن الحضارة المصرية القديمة في معرض «البدايات» (الشرق الأوسط)

«البدايات»... معرض «بانورامي» لإبداعات 5 أجيال مصرية

مراحل مختلفة مرَّ بها فنانون من 5 أجيال مصرية، بعضهم احترف الرسم والتصوير وآخرون تخصَّصوا في النحت أو الحفر.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدارس فنّية واتجاهات مختلفة تُعبِّر عن  المرأة (الشرق الأوسط)

«سرّ الحياة» يحتفي بصلابة المرأة العربية وحضورها الطاغي

تضمَّن المعرض عشرات الأعمال التي تحتفي بصلابة المرأة العربية ومسيرتها وإنجازاتها، وحضورها الطاغي عبر التاريخ والواقع المعاصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

ياسر جلال لـ«الشرق الأوسط»: المشاهد العربي يحتاج إلى أعمال تمنحه الأمل 

ياسر جلال يطمح للعودة إلى المسرح عبر نص قوي (حسابه على «فيسبوك»)
ياسر جلال يطمح للعودة إلى المسرح عبر نص قوي (حسابه على «فيسبوك»)
TT
20

ياسر جلال لـ«الشرق الأوسط»: المشاهد العربي يحتاج إلى أعمال تمنحه الأمل 

ياسر جلال يطمح للعودة إلى المسرح عبر نص قوي (حسابه على «فيسبوك»)
ياسر جلال يطمح للعودة إلى المسرح عبر نص قوي (حسابه على «فيسبوك»)

تحدَّث الفنان المصري ياسر جلال عن تقديمه مسلسل «جودر» عبر جزأين، عُرض الأول في رمضان الماضي 2024، والجزء الثاني في النصف الأول من رمضان الحالي 2025، مؤكداً أنه توقَّع رواج العمل ومتابعته؛ لأن الناس بحاجة إلى الخروج من الواقع والتعايش مع الشخصيات الخيالية، مثل «جودر»، بسبب الحروب والدمار، وما يحدث في العالم من قتل وتدمير.

وقال جلال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المشاهد العربي يحتاج إلى رؤية أعمال فنية تمنحه الأمل والإصرار والتحدي»، مشيراً إلى أن ذلك اتضح من خلال رسالة «جودر»، التي بدأ النُّقاد ينتبهون إليها، وهي علاقة الصراع ما بين «جودر بن عمر المصري»، و«الشمعيين»، وهو انعكاس لما يحدث حولنا.

الفنان المصري ياسر جلال في لقطة من مسلسل «جودر» (الشرق الأوسط)
الفنان المصري ياسر جلال في لقطة من مسلسل «جودر» (الشرق الأوسط)

تبدأ أحداث المسلسل عندما تحكي «شهرزاد» حكاية «جودر» للملك «شهريار»، الذي يتخيَّل نفسه «جودر» ويتوحَّد مع الشخصية، ليرى الناس الأحداث كاملة من خلاله عبر 30 حلقة، لافتاً إلى أن «فكرة تقسيم المسلسل لجزأين كان قرار الشركة المنتجة، وأن النجاح الذي حقَّقه الجزء الأول، حمَّس الناس لمتابعته في الجزء الثاني لإكمال الحكاية التي ارتبطوا بها».

ويُجسِّد ياسر جلال في العمل شخصيتين، هما «شهريار»، و«جودر بن عمر المصري»، موضحاً أن عدم مشاركته في أيِّ عمل فني طوال فترة تصوير «جودر»، جعله يسيطر على كثير من تفاصيل الشخصية، ولم يخرج منها مطلقاً، رغم توقف التصوير لفترات طويلة، وهذا الأمر كان مُرهقاً بالنسبة له.

جلال في لقطة من «جودر» (حسابه على «فيسبوك»)
جلال في لقطة من «جودر» (حسابه على «فيسبوك»)

وأكد جلال أن حكاية «جودر» تصلح لتقديم أجزاء كثيرة.

ويُشارك في بطولة مسلسل «جودر»، بجانب ياسر جلال، نور اللبنانية، وياسمين رئيس، ونخبة من الفنانين وضيوف الشرف، وهو من تأليف أنور عبد المغيث، وإخراج إسلام خيري.

جلال مع إلهام شاهين (حساب جلال على «فيسبوك»)
جلال مع إلهام شاهين (حساب جلال على «فيسبوك»)

وعن إمكانية عودته للمسرح مجدداً يقول جلال: «المسرح بالنسبة لي حالة خاصة جداً، فأنا خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، وممثل مسرح في الأساس و(أبو الفنون) هو عشقي الأبدي، والوقوف على خشبته حياة، وانتعاشته تُسعدني؛ لذلك أطمح إلى العودة ومقابلة الجمهور عبر نصٍّ قوي يطرح فكرة مختلفة وبإمكانات مبهرة».

ورحَّب جلال بتجسيد سيرة الفنان الراحل رشدي أباظة درامياً، وذلك بعد ترشيح السيدة منيرة أباظة، شقيقة الفنان الراحل، له لتقديم سيرة أباظة في عمل درامي، بيد أنه أوضح أن تنفيذ الفكرة مسؤولية كبيرة تتطلب إمكانات عالية، بداية من النص وكتابته بشكل جيد ومتقن وموثق، وعناصر العمل الفني جميعها لا بدَّ أن تكون مميزة وتليق بتاريخ الفنان الكبير، لأنه سيكون عملاً تاريخياً. لافتاً إلى أن أفضل مرحلة من حياة الفنان الراحل يمكنه تقديمها هي بداية الـ30 من عمره حتى رحيله.

ياسر جلال وأحمد السعدني (حساب جلال على «فيسبوك»)
ياسر جلال وأحمد السعدني (حساب جلال على «فيسبوك»)

وعَدَّ جلال أن «التعاون المصري - السعودي في مجال الفن يُثري الفن العربي بشكل عام».

وأكد الفنان المصري أن «لكل دور صعوبته ومتعته أثناء القيام به، وكذلك تحضيراته التي يُنسِّقها بإتقان، حتى لو كان العمل بسيطاً، بيد أنه في المجمل يشغله التنوع والاختلاف، وتقديم رسالة في أعماله»، وفق قوله.