رحلت مها بيرقدار الخال وبقيت لوحاتها وجرأتها

والدة يوسف وورد وزوجة أحد أركان الحداثة الشعرية

الراحلة مها بيرقدار مع ولديها ورد ويوسف الخال يوم الاحتفال بصدور سيرتها (خاص)
الراحلة مها بيرقدار مع ولديها ورد ويوسف الخال يوم الاحتفال بصدور سيرتها (خاص)
TT
20

رحلت مها بيرقدار الخال وبقيت لوحاتها وجرأتها

الراحلة مها بيرقدار مع ولديها ورد ويوسف الخال يوم الاحتفال بصدور سيرتها (خاص)
الراحلة مها بيرقدار مع ولديها ورد ويوسف الخال يوم الاحتفال بصدور سيرتها (خاص)

غيّب الموت الشاعرة والفنانة التشكيلية السورية - اللبنانية مها بيرقدار الخال، عن عمر يناهز 78 عاماً. وهي زوجة الشاعر الراحل يوسف الخال، وأم ولديه الفنانين ورد ويوسف، اللذين نعياها، بكلمات مؤثرة. فكتبت ورد عن أمها تقول: «أم الورد، راحت وأخدت معها العطر واللون وتركت الندى اللي كان غفيان ع خدّها... أمي، أميرتي الحبيبة النائمة، إلى اللقاء... يا رب ارحم روحها...».

أما ابنها يوسف فكتب كلمتين معبرتين: «الحب... رحلت». فيما اعتبرت زوجته الممثلة نيكول سابا أن الراحلة هي أمها الثانية: «الله يرحمك يا ست الستات... طيري حرّة واستريحي في الجنة ونعيمها وصلّي لأجلنا... رح اشتقلك كتير يا حبيبة قلبي، إنتِ أمي الثانية».

تركت لنا الراحلة دواوينها، ولوحاتها، وكتابها الأخير «حكايا العراء المرعب» الذي كان حفل صدوره في يونيو (حزيران) من العام الفائت بمثابة تكريم لها من أصدقائها وأحبتها، عندما تحلقوا حولها، فيما يشبه لحظة وداعٍ، دون أن يعلموا بذلك.

غلاف الكتاب الأخير
غلاف الكتاب الأخير

والكتاب هذا هو سيرتها الذاتية، بما انطوت عليه من مصاعب ومتاعب، سطرت فيه بصراحة بداياتها من ولادتها في دمشق عام 1947، وعلاقتها بعائلتها، وبحثها عن طريقها الخاص، مروراً بقصة قدومها إلى بيروت، ومن ثم لقائها بمؤسس مجلة «شعر» الشاعر يوسف الخال، وزواجها منه، وما حمل لها تحديات، حيث أمدتنا بمعلومات توثيقية هامة عن الشاعر الذي كان ركناً أساسياً من أركان حركة الحداثة الشعرية في ستينات القرن الماضي في بيروت.

بدأت الشاعرة محاولاتها الشعرية، وهي لا تزال صغيرة في دمشق، ثم درست الرسم في معهد أدهم إسماعيل، وعملت في إعداد البرامج وإذاعتها. قدمت برنامج «الليل والشعر والموسيقى» في الإذاعة السورية، وكتبت أغنيات للأطفال. حملت ديوانها الأول وجاءت به إلى بيروت. وفي «دار النهار» التي حاولت أن تطبع فيها ديوانها تعرفت إلى يوسف الخال، الذي أغرم بها، وبدل أن يشجعها قال لها، وهي التي كانت قد انتخبت ملكة لجمال سوريا: «لماذا على صبيّة جميلة مثلك أن تكتب الشعر؟». انتهت القصة أو بدأت بزواج مدني عام 1970 بسبب اختلاف ديانتيهما. كانت الشاعرة الجميلة في الخامسة والعشرين وهو في الرابعة والخمسين. بعد خمس سنوات اندلعت الحرب الأهلية، ودخل الزوجان في دوامة العنف ومأساة الهروب من المنزل والبحث عن مكان آخر.

كانت «عشبة الملح» أول مجموعة شعرية لمها بيرقدار الخال، وأصدرت بعد ذلك ثلاثة دواوين هي «رحيل العناصر» و«الصمت» و«دواة الروح». وفي النهاية جاءت سيرتها التي تحمل عنواناً أليماً ولافتاً هو «حكايا العراء المرعب». لكن حين سألنا الراحلة يوم صدور سيرتها، عن سبب عودتها للكتابة بهذا الشجن، بعد توقف طويل عن النشر قالت: «كتبت لأنقذ نفسي، بدل الذهاب إلى طبيب أعصاب. عانيت من وفيات عديدة في عائلتي بدأت من أبي، كذلك توفيت أختي وأخي بفارق 20 يوماً، وتزوجت يوسف الذي يكبرني بـ31 عاماً. لسنا من دين واحد، وحياتنا شابتها صعوبات كثيرة». وأحبت الخال أن يصدر هذا الكتاب بالشراكة بين «دار فواصل» ودار «مجلة شعر» رغم توقفها عن العمل، باعتبارها لفتة تكريمية لزوجها، ولأهمية هذه الدار في تاريخ الأدب العربي الحديث، كما أن كل دواوينها السابقة كانت قد صدرت عنها.

وعاشت الخال سنوات قاسية بسبب الأحداث الأليمة التي مر بها لبنان، إضافة إلى أحزانها الشخصية، فكانت كتابة سيرتها الذاتية بمثابة علاج. «تلك كانت حاجة نفسية. بعد انفجار مرفأ بيروت، لم أعد قادرة على الرسم ولا كتابة الشعر. شلّت قدرتي على إنجاز أي شيء، فعكفت على كتابة سيرتي».

عاشت مها بيرقدار مع يوسف الخال 17 عاماً، شاركت معه في غاليري «وان» للفنون التشكيلية الذي لم يصمد أمام اهتزازات الحرب الأهلية، وكتبت ما استطاعت، وشاركته حياة مخيّبة لآمالها. كانت العلاقة بينهما متوترة ولم تجلب لها السعادة. لكن يوسف الخال توفي عنها، وحملت وحدها عبء الولدين، اللذين أصبحا ممثلين معروفين وناجحين.

نعاها وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، قائلاً: «فقد لبنان برحيل مها بيرقدار الخال ريشة بارعة وقلماً مبدعاً وسيدة ملهمة من عائلة هي ذخر الثقافة بل صنوها».

بقيت الرسامة والفنانة الجميلة دمثة، لطيفة، وصريحة، تقول ما تحب دون حرج، وتروي حكاياها دون قيود. وكان بوحها الأخير بمثابة كلمتها التي لم ترد أن تغادرنا دون أن تقولها، رغم الانتقادات التي طالتها. لكنها حقاً كانت شجاعة، ولها جرأة استثنائية.

وهي إذ ترحل عنا اليوم، فما نتذكره منها ليس شعرها أو لوحاتها فحسب، بل أيضاً حضورها، وانتزاعها لحرية اعتبرت أنها حرمت منها، وأصرت على استردادها بجدارة.



هل استطاعت ياسمين صبري الخروج من عباءة «الفتاة الأنيقة» درامياً؟

ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
TT
20

هل استطاعت ياسمين صبري الخروج من عباءة «الفتاة الأنيقة» درامياً؟

ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
ياسمين صبري ونيكولا معوض في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

لطالما عُرفت الفنانة المصرية ياسمين صبري بإطلالتها الأنيقة على شاشتي التلفاز والسينما، حيث جسّدت أدواراً يتماشى معظمها مع هذا الظهور «الأنيق»، لكن ثمة آراء طالبتها بتغيير جلدها فنياً وتقديم أدوار مختلفة تظهرها بشكل مغاير بعيداً عن دور «الفتاة الجميلة»، فهل ابتعدت صبري عن هذا النمط في مسلسلها الرمضاني الجديد «الأميرة... ضل حيطة»؟

قدَّمت الفنانة المصرية من خلال العمل شخصية «زينب»، الفتاة التي تقع ضحية لزوجها النرجسي، المحامي «أسامة»، الذي قدَّم دوره الممثل اللبناني نيكولا معوض.

المسلسل الذي كتبه محمد سيد بشير، وشاركت في بطولته وفاء عامر، وهالة فاخر، ومها نصار، وعابد عناني، وعزت زين، ونضال الشافعي، وأخرجته شيرين عادل، دارت أحداثه في إطار اجتماعي عبر 15 حلقة، ترصد مرحلة عامَيْن تقريباً من حياة بطلته «زينب»، الفتاة الجميلة التي تنتمي إلى أسرة متوسطة اجتماعياً، وتعمل في فروع محلات الملابس الكبرى.

بصدفة غير متوقعة خلال عملها في المحل، تقابل «زينب»، التي ترفض الزواج بالشكل التقليدي، «أسامة»، الذي يتحدث عنها سلباً من دون رؤيتها، لكن بمجرد أن يراها ويجد منها ردَّ فعلٍ عنيفاً على حديثه السلبي عنها، يُبدي إعجابه الشديد بها، ويبدأ في ملاحقتها للزواج بها، حتى مع تمسُّكها بالرفض.

في أسابيع قليلة، ينجح المحامي الشاب في الزواج بمحبوبته التي تجد فيه مواصفات فارس أحلامها، فهو يحقّق لها طلباتها كافّة، ويفاجئها بالكثير والكثير من الأموال التي تغيِّر مستواها الاجتماعي، لكن بمجرد أن يتم الزفاف تبدأ اكتشاف أكاذيبه عليها، بدايةً من وعده لها بالسفر لقضاء شهر العسل بالخارج، وصولاً إلى فرضه ما يشبه الحصار والعزلة عليها، لمنع أهلها من زيارتها.

عبر مواقف صعبةٍ عديدة، تتعرّض لها «زينب»، تظل ياسمين صبري مغرمةً بزوجها، الذي ينجح في قلب الطاولة عليها كلما حاولت أن تنتقده أو تطلب الانفصال عنه، خصوصاً بعدما تنجح في تحسين علاقته بأهلها، وهو الشخص الذي عاش وحيداً دون أن يظهر له أي أقارب.

لكنَّ الحياة تنقلب رأساً على عقب مع تعرّضها للخداع والظلم من زوجها الذي يطلّقها، والحصول على توقيعها بالتنازل عن كل ما منحه لها، بالإضافة إلى التنازل عن حضانة نجلهما، لتبدأ في خوض معركة تدافع فيها عن حياتها، مع اكتشافها قيام صديقتها بالزواج بزوجها طمعاً في أمواله.

لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

رحلة كشف الحقائق في الأحداث تحمل الكثير من المفاجآت، التي تكشف عن إصابة «أسامة» بالنرجسية، وسعيه لمحاصرة مطلقته والانتقام منها، مع استغلال الثغرات القانونية، والعمل على تضخيم الأحداث بما يخدم مصلحته ويُضعف موقفها بشكل كبير.

الناقد محمد عبد الرحمن يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ياسمين صبري لم تستطع الخروج من عباءة (الفتاة الأنيقة)، التي حافظت على شكلها باستمرار طوال الأحداث، وبصورة لا تتناسب مع الإمكانيات البسيطة التي يُفترض أن تغلب على عائلتها وظروفها المعيشية، الأمر الذي يتضح مع الحديث عن راتب يُقدَّر بـ8 آلاف جنيه (الدولار يساوي 50.6 في البنوك)، في حين مظهرها وملابسها لا يعبران عن تقاضي هذا الراتب».

وأضاف أن ياسمين أظهرت تطوراً محدوداً في الأداء التمثيلي، مع اختيار موضوعٍ دراميٍّ يحمل اختلافاً عن تجاربها السابقة، لكن في النهاية، لا تزال داخل إطارٍ يبدو أنها ليست لديها رغبة في الخروج منه، حتى لو تطلَّبت الموضوعات التي تطرحها اختلافاً جذرياً في الملابس والمكياج عما اعتاده الجمهور منها.

وهو ما تتفق معه الناقدة فايزة هنداوي التي تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن ياسمين صبري لم تستطع تطوير أدائها التمثيلي على الإطلاق في العمل، مقارنةً بأعمالها السابقة، فعلى الرغم من أنها وجهٌ جميلٌ يلقى قبولاً، فإنها تظل متمسكةً بمظهرها وأناقتها، بغض النظر عن طبيعة العمل الذي تقدمه.

وأضافت هنداوي أن «نموذج الفنانة الجميلة موجود في العالم كله، وليس في مصر فقط، لكن التعامل مع ياسمين صبري بصفتها ممثلة محترفة أمر يحتاج إلى مجهود كبيرٍ منها، في التدريب والأداء والاختيار، لكن يبدو أنها ليست مهتمةً بهذه النقاط، على الأقل في الوقت الحالي، الأمر الذي يجعل أعمالها بالأداء نفسه، من دون تغيير».

محمد سيد بشير مع ياسمين صبري في كواليس التصوير (حسابه على «فيسبوك»)
محمد سيد بشير مع ياسمين صبري في كواليس التصوير (حسابه على «فيسبوك»)

لكن مؤلف العمل، محمد سيد بشير، يعرب لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بردود الأفعال على العمل، وترقُّب الجمهور لمتابعة ما سيحدث في العلاقة بين الأبطال، مشيراً إلى أن «العمل كُتب بالفعل بالكامل قبل عرضه على ياسمين صبري، التي تحمّست لتقديمه».

وأوضح أن «المسلسل نُفِّذ بالطريقة نفسها التي كُتب بها، سواء لشخصية (زينب) أو باقي الأدوار، لرفضه فكرة كتابة عملٍ بشكل تفصيلي لصالح أحد الممثلين»، نافياً أن «تكون البطلة عدّلت أي خطوط درامية لتناسب شخصيتها».

وقدّمت ياسمين صبري البطولة الدرامية في عدة أعمال سابقة، من بينها «رحيل» الذي عرض العام الماضي، وظهرت فيه بشخصية فتاة شعبية تواجه مشكلات في حياتها العائلية، بجانب بطولتها مسلسل «فرصة تانية» الذي عُرض عام 2020 وقبله «حكايتي».

وكان متابعون ونقاد قد أشادوا بـ«أداء عدد من الفنانات اللواتي استطعن التوحّد مع شخصياتهن درامياً في الأعوام السابقة على غرار منى زكي في (تحت الوصاية)، ونيللي كريم في (فاتن أمل حربي)، وروجينا في (ستهم) التي اضطرت إلى حلق شعرها، وجسدت كل منهن دور (سيدة) مقهورة، وقد انعكست هذه التفاصيل على ملامح وجوههن بوضوح».