في لقائه مع الصحافة قبل يومين، تحدَّث المخرج تود هاينز، رئيس لجنة التحكيم للدورة الـ75 من مهرجان برلين الذي بدأ في الـ13، وينتهي في الـ23 من الشهر الحالي، عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وما يتوقَّعه على صعيد العلاقة بين الحاكم الجديد للبيت الأبيض، وهوليوود.
قال هاينز: «في الثمانينات عندما تسلّم رونالد ريغان الرئاسة، ساد الاعتقاد بأن السينما الأميركية ستتوجَّه إلى اليمين تبعاً للسياسة الجديدة. أعتقد أن هذا ما سيحدث تحت إدارة ترمب».
العلاقة المذكورة نتجت عنها في الثمانينات استدارة نحو الأفلام العسكرية التي قد يطلق عليها البعض لقب «الوطنية». على سبيل المثال، تلك الأفلام الانتقادية لحرب ڤيتنام في السبعينات، تلتها أفلام تشاك نوريس التي باركتها. كذلك تراجعت النيّة في انتقاد المؤسسات الفيدرالية، وتلك التي عُرفت بـ«أفلام نظرية المؤامرة»، التي كانت شهدت في السبعينات أوجها، منها «ثلاثة أيام للكوندور (Three Days of the Condor)» لسيدني بولاك، و«منظور موازٍ (The Parallax View)» لألان ج. باكولا.
البديل كان أفلاماً من نوع «The Road Warrior»، و«48Hrs وDellinger»، حيث الآفات الاجتماعية ممثلة بالأفراد وليس بالمؤسسات. بالطبع لم يخلُّ الأمر من استثناءات من كل نوع وفي كل مرحلة، لكن السائد أن هوليوود تتبع نتائج الانتخابات الأميركية، على أساس أن الشعب الأميركي أدلى بصوته انتخابياً، وعلى هوليوود السعي لتقف إلى جانب خياراته لأن في ذلك صمّام أمان تجاري.
محور مهم
تطرق هاينز إلى ما حدث لفيلم تسجيلي تم إنجازه في العام الماضي وقبل أشهر من انتخاب ترمب، وهو فيلم «المتدرّب (The Apperintice)» للأميركي من أصل إيراني عباس علي. هذا الفيلم المستقل إنتاجياً كان انتقادياً لترمب، وانتبه المحيطون بالرئيس إليه، وخافت هوليوود من تبنيه. دار المخرج والمنتجون على شركات التوزيع كلها، الكبيرة منها والصغيرة، لكن لم تجرؤ أي منها على عرضه اعتقاداً بأن الفيلم بات، بلغة المستشفيات، «ميّت عند الوصول» (DOA).
في حين أن تصريحات تيلدا سوينتن وتود هاينز حول الوضع السياسي لن تؤثر في المهرجان والكثافة الكبيرة للجمهور الراغب في مشاهدة كل الأعمال التي توفّرها الدورة، إلا أن السياسة ستبقى محوراً مهمّاً. لجانب تلك التصريحات فإن فيلم الافتتاح وعنوانه «الضوء» كان بمثابة الزيت فوق النار كونه يتحدَّث عن وضع ألماني أكّد المخرج توم تايكوَر أنه موجود وغير مختلق، بل يعود إلى سنوات كثيرة وليس من تبعيات أي وضع حاضر.
بطلة الفيلم فرح (تالا الدين)، سورية مهاجرة لديها متاعبها التي تعيش تحت أوزارها، ففي نهاية الأمر دفعتها الظروف لتترك وطنها وتعمل في ألمانيا خادمةً منزليةً. العائلة التي استأجرت خدماتها تقليديةٌ بكل ما تعنيه الكلمة. من تلك العائلات التي تُشكِّل الغالبية والتي لا تعرف كثيراً عمّا يدور حولها، والقليل الذي تعرفه هو ما تلتقطه عبر النشرات الإخبارية إن اكترثت لها.
العائلة على شفير هاوية و«فرح»، هي التي ستعالج متاعبها وتعيد العائلة إلى وحدتها المأمولة.
ردود الفعل النقدية كانت غالباً سلبيةً في الصحف، مثل «داي ڤلت» الألمانية، و«لوموند» الفرنسية، والمواقع الأميركية مثل «إنديواير»، و«ذَ هوليوود ريبورتر»، و«ڤارياتي»، كما «سكرين» البريطانية.
في صميم الانتقاد السائد أن المخرج يلعب على «حبال تأنيب الضمير» من ناحية، وأن الفيلم ليس سلساً ويتناول حكايات موزّعة من دون «روابط حقيقية». في مجمل ذلك الادعاء حقيقة أن مخرج «Run Lola Run» سنة 1998 لم ينجز فيلماً متميّز النجاح، فنياً أو تجارياً، منذ تجربته الأميركية «The International» في 2009. الأفلام التي تبعته تفاوتت في القيمة والنجاح ما جعله يتوقف عن العمل من 2016 إلى اليوم.
فيلم آخر
أول أفلام المسابقة (كون «الضوء» عُرض خارجها) هو «حليب ساخن (Hot Milk)» للبريطانية ربيكا لنكيڤيتز، التي سبق لها أن كتبت سيناريو «Ida» لباڤل باڤلوڤسكي. ذلك الفيلم (2013) ما زال أحد أبرز أعمال المخرج البولندي، لكن «حليب ساخن» لن يشكِّل إلا نقطة انطلاق أولى للنكيڤيتز.
«حليب ساخن» نوع من الأفلام «الآمنة» التي تكاثرت في الآونة الأخيرة حول العلاقة داخل العائلة الواحدة خصوصاً إذا ما كانت مؤلفةً من شخصين فقط: الأب والابن، أو الأب والابنة، أو الأم والابن... أو- كحال هذا الفيلم - الأم والابنة (ڤيكي كرايبس وإيمان ماكي على التوالي).
أحد أسباب مرور الفيلم كسحابةٍ عابرةٍ، أنه يتجاهل الوضع الاقتصادي الذي ألمّ بأوروبا في عام 2008، وهو الوضع الذي شكَّل نواة رواية المؤلفة دبورا ليڤي التي تم اقتباسها هنا. ما بقيت هي متابعة مشاهد تتحدث ولا تضيف حول امرأة وابنتها تمضيان عطلة على الساحل الإسباني، تتخللها اكتشاف كل منهما الأخرى من جديد.