«ميرامار» نجيب محفوظ تُطل برسوم «كوميكس»

ضمن مشروع تحويل أعمال أدبية شهيرة إلى وسيط بصري جديد

غلاف رواية ميرامار المُصورة (دار ديوان للنشر)
غلاف رواية ميرامار المُصورة (دار ديوان للنشر)
TT

«ميرامار» نجيب محفوظ تُطل برسوم «كوميكس»

غلاف رواية ميرامار المُصورة (دار ديوان للنشر)
غلاف رواية ميرامار المُصورة (دار ديوان للنشر)

«الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع»... هكذا توّج نجيب محفوظ مدينة الإسكندرية الساحلية بمصر في روايته «ميرامار»، ووجدت تلك الجملة الروائية الشهيرة طريقها إلى وسيط جديد يُعيد التفاعل مع عالم تلك الرواية عبر رسوم الكوميكس.

وبعد ما يقرب من 60 عاماً، يجد أبطال نجيب محفوظ أنفسهم داخل «بانسيون» ميرامار الذي تدور فيه أحداث الرواية، ولكنهم تحوّلوا إلى رسوم كوميكس مُصوّرة في تجربة جديدة تطرحها كل من دار «ديوان» و«المحروسة» في مصر، لتتبع تجربة تحويل رواية «اللص والكلاب» إلى رواية مُصورة، وقام على تنفيذ هذا العمل فريق من السيناريو والرسوم للخروج بها إلى فضاء بصري جديد.

وحسبما يقول الكاتب المصري محمد سرساوي، القائم بتحويل رواية محفوظ إلى سيناريو مُصوّر بالاشتراك مع الكاتب محمد إسماعيل أمين: «حاولت أن أمنح النص بواقعيته أبعاداً فنتازية من خلال الكوميكس، كنت مُصراً على الابتعاد تماماً عن الفيلم السينمائي المأخوذ عن رواية (ميرامار)، وكان التحدي هو كيف أختزل مشاعر الشخصيات وأفكارها داخل كادرات القصة، وأعبر عنها من خلال تفاصيل بصرية»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

إحدى صفحات الرواية المصورة (دار ديوان للنشر)

ويلفت سرساوي إلى أن شغفه بفن الكوميكس تطوّر مع متابعة أعمال عالمية في هذا الفن شَعَرَ حيالها بالفضول الشديد لاستكشاف عالمها: «بحثت عن معلومات كثيرة حول فن الرسوم المُصورة من خلال كتب عدة منها كتاب للراحل محيي الدين اللباد، ومدونات كثيرة تتحدث عن مجال يبتكر خيالاً جديداً على أرض الواقع، يستخدم كُتّابها ورساموها تقنية ابتكار شخصيات خيالية تُواجه متاهات متعددة، ثم يتحولون فيما بعد إلى أيقونات أو ثيمات شعبية، ومع عام 2008 عرفت مصر فن (الغرافيك نوفل) حين صدرت رواية (مترو)، حينئذ قررت أن أخوض كتابة القصص المُصورة، لكن القرار تأجل سنواتٍ طويلة».

ويتابع: «منذ عامين اشتركت في ورشة عن كيفية كتابة ورسم القصص المُصورة نظمتها مؤسسة (مزج)، تحت إشراف فنان الكوميكس المعروف ميجو، وبالفعل كتبت قصة (مانيكان) ورشحني ميجو بعدها للقيام بتحويل رواية ميرامار إلى رواية مُصورة».

تحويل أبطال رواية أديب نوبل إلى كوميكس (دار ديوان للنشر)

يشارك في رسوم رواية «ميرامار» المُصورة كل من الفنان ميجو، وسلمى زكريا، وجمال قبطان، وحسين محمد، وحسب الروائي المصري أحمد القرملاوي، مدير النشر في دار «ديوان» فإن القيام بنشر رواية «ميرامار» بطريقة الكوميكس أو «الغرافيك نوفل» هو «محاولة لبناء سوق لهذا النوع من الروايات المُصورة في العالم العربي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «تلك مجرد نواة نحاول بها تأسيس تجربة عربية، بدلاً من الاعتماد بشكل كامل على المحتوى الغربي في أعمال الكوميكس الذي لا يعبر عنا ولا يقدم فنانينا العرب، لذلك نحن نحاول تقديم تجربة جديدة من خلال أدب نجيب محفوظ».

ويضيف القرملاوي: «هناك صورة نمطية أن جمهور الروايات المصورة هو الجمهور الصغير في السن أو المراهقين، ولكن في الحقيقة هذا مفهوم غير دقيق، فجمهور الكوميكس من جميع الأعمار، ويجب أن نحاول الاقتراب من هذا الجمهور والاهتمام بالتفاعل مع الكتاب على مستوى بصري أكبر».

افتتاحية الرواية (دار ديوان للنشر)

ويشير القرملاوي إلى أنه تم الحفاظ على لغة نجيب محفوظ في الرواية المُصورة، بما في ذلك الحفاظ على تعبيراته والجمل الحوارية، مع تحويرات خفيفة حتى يتم تكثيفها، لكن بالحفاظ على روح العمل نفسها في النص الأصلي، كما يضيف: «يتم العمل حالياً على مزيد من المشروعات الخاصة بتحويل أعمال نجيب محفوظ إلى روايات مُصوّرة سيتم الإعلان عنها قريباً».

وفي الختام يرى كاتب سيناريو «ميرامار»، محمد سرساوي، أنه «من المتوقع أن يسهم هذا العمل في أن يتعرف جمهور جديد على عالم نجيب محفوظ، ويمكن هنا الإشارة إلى أن صُناع فن الكوميكس في العالم مثل (مارفل) و(دي سي كوميكس) استطاعوا تحويل أعمال إبداعية عالمية مثل أعمال ديستوفسكي ووليام شكسبير إلى روايات مُصوّرة».


مقالات ذات صلة

موهبة فيكتور هوغو في الرسم التي لا يعرفها الكثيرون

يوميات الشرق تقف إحدى العاملات مع العمل الفني «الفطر (1850)» (إ.ب.أ)

موهبة فيكتور هوغو في الرسم التي لا يعرفها الكثيرون

اشتهر الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو بتأليف روايتين هما «أحدب نوتردام» و«البؤساء»، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أعماله رساماً، والتي أصبحت الآن محور معرض جديد في…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة تُعبِّر عن الحضارة المصرية القديمة في معرض «البدايات» (الشرق الأوسط)

«البدايات»... معرض «بانورامي» لإبداعات 5 أجيال مصرية

مراحل مختلفة مرَّ بها فنانون من 5 أجيال مصرية، بعضهم احترف الرسم والتصوير وآخرون تخصَّصوا في النحت أو الحفر.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدارس فنّية واتجاهات مختلفة تُعبِّر عن  المرأة (الشرق الأوسط)

«سرّ الحياة» يحتفي بصلابة المرأة العربية وحضورها الطاغي

تضمَّن المعرض عشرات الأعمال التي تحتفي بصلابة المرأة العربية ومسيرتها وإنجازاتها، وحضورها الطاغي عبر التاريخ والواقع المعاصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق مازن معضّم خلال افتتاح المعرض بمدينته صيدا (فيسبوك)

مازن معضّم لـ«الشرق الأوسط»: مدينتي صيدا لا تُشبه غيرها في الشهر الفضيل

في برنامج «ليالي رمضان» نشاطاتٌ متعدّدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشهر الفضيل؛ فتُقام العروض المسرحية الخاصة بالأطفال، تحضُر فيها شخصيات علاء الدين والفوانيس.

فيفيان حداد (بيروت)

«قهوة المحطة»... دراما الجريمة والغموض تستلهم «تراجيديا شكسبير»

نقاد قالوا إنه تم تقديم المسلسل بذكاء ولغة درامية مختلفة (الشركة المنتجة)
نقاد قالوا إنه تم تقديم المسلسل بذكاء ولغة درامية مختلفة (الشركة المنتجة)
TT

«قهوة المحطة»... دراما الجريمة والغموض تستلهم «تراجيديا شكسبير»

نقاد قالوا إنه تم تقديم المسلسل بذكاء ولغة درامية مختلفة (الشركة المنتجة)
نقاد قالوا إنه تم تقديم المسلسل بذكاء ولغة درامية مختلفة (الشركة المنتجة)

يخوض المسلسل المصري «قهوة المحطة» تجربة جديدة في عالم الجريمة والغموض؛ إذ تنطلق أحداثه من خلال الشاب «مؤمن الصاوي» (يقدم شخصيته الفنان أحمد غزي) الذي نزح من الصعيد إلى القاهرة بحثاً عن حلم النجومية، لكنه يواجه سلسلة من الأزمات؛ إذ يتم سرقة حقيبته التي تحوي مصوغات والدته الذهبية فور وصوله إلى محطة القطار، لتتوالى بعدها الأحداث التي تبدأ بمقتله في ظروف غامضة داخل قهوة المحطة خلال لحظة انقطاع مفاجئ للكهرباء لا يتجاوز بضع ثوانٍ، وهو ما يضع الجميع أمام لغز معقد تحاول التحقيقات كشفه، لتتكشف خلاله شخصيات المسلسل تباعاً.

لا يصبح مقتل «مؤمن» مجرد حدث درامي، بل يتحول إلى انعكاس لفكرة أساسية يطرحها العمل، وهي كيف تصبح الحياة نفسها مأساة كبرى؛ إذ الأبطال محاصرون في دوائر مأساوية تلاحقهم دون رحمة.

بيومي فؤاد أثناء كواليس تصوير المسلسل (الشركة المنتجة)

المسلسل الذي بدأ عرضه في النصف الثاني من رمضان ضمن المسلسلات القصيرة (15 حلقة) حظي باهتمام لافت، ولا سيما أن مؤلفه الكاتب عبد الرحيم كمال بات من أهم مؤلفي الدراما المصرية خلال الـ15 عاماً الأخيرة، ومن أعماله: «الرحايا»، و«ونوس»، و«جزيرة غمام»، و«الحشاشين». كما تولى مؤخراً مسؤولية الرقابة على المصنفات الفنية.

يعتمد عمل «قهوة المحطة» على البطولة الجماعية بامتياز من خلال أبطاله: أحمد غزي، وأحمد خالد صالح، وبيومي فؤاد، وهالة صدقي، ورياض الخولي، وانتصار، وحسن أبو الروس، وفاتن سعيد، وعلاء عوض، وعلاء مرسي، وضياء عبد الخالق. وهو من إخراج إسلام خيري، ومن إنتاج «سينرجي» التي أقامت مسابقة بين المشاهدين للبحث عن القاتل بجوائز مالية.

أحمد غزي وفاتن سعيد في كواليس تصوير أحد المشاهد (الشركة المنتجة)

وأشاد مغردون على منصة «إكس» (X) بالمسلسل، وقالوا إنه يغرد خارج السرب من خلال عمق الحوار والشخصيات، وإن به غموضاً وفلسفة وروحانيات، وتأخذنا المَشاهد لعمق الحياة عبر شخصية بسيطة عادية. ووصفوه بـ«الفن الراقي» و«الإحساس العالي».

ويحمل بطل المسلسل الباحث عن فرصة ليصبح ممثلاً، كتاب «المآسي الكبرى» للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير الذي يحوي داخله مسرحياته المأساوية («هاملت»، و«ماكبث»، و«عطيل»، و«الملك لير»)، كما لو كانت إشارة رمزية إلى طبيعة القصة التي ترمز لمأساة الإنسان، في حين تأتي أغنية تتر المسلسل لتؤكد المعنى: «يا وعدي على الأيام... بتعدي بينا قوام»، والتي كتبها الشاعر عبد الرحيم منصور، وهي من ألحان وغناء أحمد منيب، وقد طُرحت قبل 40 عاماً.

بيومي فؤاد ابتعد عن الكوميديا في المسلسل (الشركة المنتجة)

المقهى في المسلسل ليس مجرد مكان لتناول المشروبات، بل هو عالم قائم بذاته، تملأه الحركة، والحكايات التي لا تنتهي، حيث يلتقي المسافرون القادمون من الجنوب والشمال في رحلتهم إلى قلب العاصمة القاهرة، بحثاً عن فرصة عمل، أو لتحقيق أحلام طال انتظارها، وسط زحام الحياة. ويسلط المسلسل الضوء على تفاصيل الحياة اليومية داخل المقهى المتواضع الذي يقع بجوار محطة سكك حديد الجيزة.

يقدم أبطال العمل أداء لافتاً بإتقان اللهجة الصعيدية والتوحد مع شخصياتهم، وكأن العمل يعيد اكتشافهم. وأشاد الناقد محمود عبد الشكور بأداء الفنان أحمد غزي، مؤكداً أنه مشروع ممثل مهم، وكتب عبر حسابه بـ«فيسبوك»: «لا تصدق أن هذا الشاب الصعيدي الجالس على (قهوة المحطة) قد درس إدارة الأعمال في إنجلترا، بل ملامحه مصرية وصعيدية جداً، وهو من أفضل اختيارات الممثلين في المسلسل».

ولا يكتفي عبد الرحيم كمال بصياغة حبكة بوليسية للعمل، بل يغوص في أعماق الشخصيات ليكشف عن جراحهم الداخلية؛ فنجد «المعلم رياض» (بيومي فؤاد)، صاحب المقهى، يخفي خلف قوته الظاهرية مرض السرطان الذي ينهش جسده، في حين يعاني خذلان ابنه المدمن؛ ما يجعله في مواجهة مزدوجة مع الموت وعقوق الأبناء. أما «المقدم عمر موافي» (أحمد خالد صالح) الذي يحقق في القضية، فهو نموذج آخر للمعاناة؛ إذ يحمل عبء فقدان زوجته، ويحاول التكيف مع مسؤولية تربية ابنه بمفرده، ليصبح جزءاً من شبكة الألم التي تربط شخصيات العمل ببعضها.

رياض الخولي في أحد مشاهد العمل (الشركة المنتجة)

وبحسب الناقد خالد محمود، فإن المسلسل يبدو كما لو كان «قهوة الحياة»؛ إذ يكشف في كل حلقة شخصية جديدة مرتبطة بالجريمة التي اتخذها المسلسل ذريعة يُدين بها المجتمع بأسره، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه من خلال التحقيقات تتكشف حقيقة هذه الشخصيات، ليكشف العمل عن عوالم جديدة وشخصيات مُدانة، محتفظاً بلغز الحادثة حتى النهاية.

ويلفت محمود إلى أن «المسلسل أتاح فرصة كاملة لمجموعة من الممثلين ليكشفوا عن لحظات إبداعهم الكبيرة؛ فقدم كل من بيومي فؤاد وعلاء مرسي أداء مدهشاً، كما راهن العمل على أحمد غزي في تقديم شخصية مثقفة ومركبة للشاب الباحث عن حلمه في القاهرة، والممثلة فاتن سعيد في شخصية (شروق)». وخلص إلى أن «المسلسل تم تقديمه بذكاء ولغة مختلفة عبر دراما بوليسية تعتمد على كشف وتشريح وإدانة شخصيات المجتمع خلال رحلة البحث عن المجرم».

ويشيد الناقد ببراعة الكتابة لعبد الرحيم كمال عبر سرد مغاير، والإخراج الذي استوعب الرسالة، وبرع في اختيارات الممثلين.