«الخرطوم»... فيلم يروي قصصاً من معاناة «الحرب المنسية»

«الوثائقي السوداني» يشارك بمهرجان برلين بعد عرضه في «صندانس»

ملصق الفيلم خلال مشاركته في «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)
ملصق الفيلم خلال مشاركته في «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)
TT

«الخرطوم»... فيلم يروي قصصاً من معاناة «الحرب المنسية»

ملصق الفيلم خلال مشاركته في «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)
ملصق الفيلم خلال مشاركته في «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)

«قد تُحقق الأفلام ما عجزت السياسة عن تحقيقه، وتضع نهاية للحرب في بلادنا»، هذا ما يُراهن عليه صناع الفيلم الوثائقي الطويل «الخرطوم»، الذي يُعدّونه وثيقة حيّة على ما يجري في السودان سيتقدمون بها للأمم المتحدة والكونغرس الأميركي لإيقاظ الوعي حول الحرب، التي يصفونها بأنها «حرب منسية»، لا تحظى باهتمام العالم، ولا بالتغطية الإعلامية التي تستحقها، ومع عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان الأفلام المستقلة «صندانس» بالولايات المتحدة، ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية العالمية، ومع ردود الأفعال الإيجابية التي حظي بها، واهتمام الإعلام الغربي بصناعه، ستكون محطته الثانية في مهرجان برلين السينمائي ضمن أفلام البانوراما.

يتتبع الفيلم حياة 5 من مواطني الخرطوم الذين عاشوا مرارة الحرب، وهم مجدي الموظف المدني وعاشق تربية الحمام، وجواد أحد متطوعي لجنة المقاومة، ولوكين وويلسون وهما طفلان يجمعان الزجاجات البلاستيكية من القمامة لشراء ملابس لهما، وخادمة الله، وهي بائعة شاي وأم لطفل، وقد تصدّى لإخراج الفيلم كل من إبراهيم سنوبي وأنس سعيد وراوية الحاج وتيماء أحمد.

صناع الفيلم في مهرجان «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)

بدأت فكرة تصوير الفيلم عام 2021 خلال وجود صانع الأفلام البريطاني فيل كوكس في الخرطوم لتصوير فيلم لصحيفة «الغارديان» البريطانية، الذي سبق أن تعاون مع «سودان فيلم فاكتوري»، وهي مؤسسة تهدف لمساعدة صناع الأفلام، ويُديرها المخرج طلال عفيفي.

وكما يقول المخرج إبراهيم سنوبي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد وجهنا نداءً للمخرجين السودانيين لتقديم قصصهم عن الخرطوم من خلال شخصيات تعيش بها بطريقة شاعرية، وتم اختيار المخرجين والقصص، وبدأنا نصور حتى وقعت الحرب في أبريل (نيسان) 2023، وتوقف كل شيء».

ويضيف سنوبي: «كنا لا نعرف الخطوة التالية، فاتجهنا إلى كينيا مع آلاف النازحين، وهناك كان قرارنا الجماعي باستكمال الفيلم، وتوصلنا مع شركائنا من أبطال القصص، وتمكنا من إحضارهم إلى كينيا بعد معاناة ليخضعوا لجلسات علاجية للتغلّب على اضطراب صدمة الحرب».

في كينيا، بدأ المخرجون المرحلة الثانية من صناعة الفيلم؛ حيث تم تغيير القصص ليروي أبطالها عن التجارب الرهيبة التي مروا بها خلال الحرب، ونظراً لعدم إمكانية التصوير في الخرطوم، قاموا بتصوير المشاركين بتقنية «الشاشة الخضراء»، وتم وضع صور ومشاهد من الحرب ترافق قصص نجاتهم المروعة.

ملصق الفيلم خلال مشاركته في «صندانس» (حساب الفيلم على «إنستغرام»)

وتتحدّث المخرجة الوحيدة بينهم راوية الحاج قائلة: «مع اندلاع الحرب فقدنا التواصل مع بعضنا ومع شركائنا في المشروع، وقد جمعنا في نيروبي زميلنا إبراهيم سنوبي، لم نكن نعلم ما جرى لشركائنا من أبطال الفيلم، وبعد 3 أشهر من البحث وجدنا الأطفال؛ حيث كانوا في منطقة سيطرت عليها (قوات الدعم السريع)، وواجهنا مشكلة عدم وجود أوراق ثبوتية معهم، وظللنا نبحث عن أهلهم وقتاً طويلاً».

وتضيف راوية: «حين قامت الحرب فقدنا بيوتنا وبعض أفراد أسرنا والتليفونات التي صورنا بها الفيلم، لكن كان لدينا إصرار على أن نُظهر قصصنا للعالم، لا سيما أن الحرب في السودان منسية، ولا تحظى بالاهتمام ولا بالتغطية الإعلامية العالمية الكافية».

وتعاون المخرجون الأربعة -حسب سنوبي- لدمج أفلامهم بوصفهم فيلماً واحداً بطريقة متناغمة، قائلاً: «كنا نساعد بعض، ونشارك في أفلام بعضنا في الأفكار وخلال التصوير».

في حين يلفت المخرج أنس سعيد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بعد اختيار المخرجين ضمن القائمة النهائية تم عمل ورشة لتطوير الفكرة في «سودان فيلم فاكتوري» مع المخرج فيل كوكس، لربط القصص ببعضها رغم اختلافها وتنوعها، مؤكداً أن «الفيلم استغرق فترة طويلة بين تقلبات سياسية وعسكرية»، يقول ساخراً: «إنها الدائرة المعهودة بالسودان، ولا تزال حتى اليوم، ويعترف سعيد بأن الحرب أثَّرت عليهم جميعاً تأثيراً بالغاً، متمنياً أن يصل صوت السودان لكل العالم، ويُحدث تغييراً يُحقق كل الآمال والتطلعات».

اختيار الفيلم للمشاركة في «صندانس» كان مفاجأة لصناعه، وكما يقول المخرج تيماء أحمد: إنه «أول فيلم سوداني يشارك في (صندانس)، الذي يُعد منصة ممتازة لتصل قصصنا للعالم، والحقيقة أنه لم يكن لدينا توقعات بشأن الجمهور، لكن عقب العرض الأول خرج الجمهور يتحدّث عن الفيلم بإعجاب ودهشة مما جرى لأبطاله، وقد تم عرضه 4 مرات بالقاعات ومرتين (أونلاين)، واهتمت الصحافة بشكل كبير به، وتلاحقت اللقاءات، وهذا في حد ذاته أمر مهم؛ لأنه يكشف واقعاً تعيشه الخرطوم».

وكان قد تم إجراء أعمال المونتاج والصوت والمكساج في بريطانيا واستغرق ذلك 6 أشهر.

لقطة من الفيلم خلال الحرب (حساب الفيلم على «إنستغرام»)

المخرج البريطاني فيل كوكس كان شريكاً أساسياً في صناعة الفيلم من البداية، ومسؤولاً عن البحث عن تمويل له، مثلما يقول: «بدأ الفيلم مشروعاً ثقافياً صغيراً، وكان عبارة عن ورشة عمل في عام 2022؛ لذلك حصلنا على بعض التمويل الثقافي من المستشار البريطاني، وتم تمويله أيضاً من أفلام (ميغان فويس)، ولكن عندما حدثت الحرب اضطررنا جميعاً للفرار، واستخدمنا الأموال المتبقية لإنقاذ حياة صناع الفيلم والمشاركين به، ولهذا السبب بدأنا نفكر بطريقة إبداعية في كيفية سرد الفيلم، فالكارثة أصبحت أيضاً فرصة، وتحمّس لنا آخرون مثل (بي بي سي ستوريفيل)، ومعهد (جو هاف فيلم)، و(أفلامنا) لدعم الفيلم، وهكذا حصلنا على مزيد من الأموال في المرة الثانية التي أنهينا بها الفيلم».


مقالات ذات صلة

لماذا يُشكّل منصب المدير الفني لـ«القاهرة السينمائي» أزمة؟

يوميات الشرق لم يشهد المهرجان استقراراً بالإدارة الفنية في الدورات الماضية (إدارة المهرجان)

لماذا يُشكّل منصب المدير الفني لـ«القاهرة السينمائي» أزمة؟

أثار اختيار إدارة مهرجان «القاهرة السينمائي» الناقد والمبرمج محمد طارق لتولي منصب المدير الفني للمهرجان تساؤلات بشأن أزمة اختيار هذا المنصب.

يوميات الشرق المخرج توم تايكوَر والممثلة تالا الدين مع فريق عمل فيلم «الضوء» الذي افتتح مهرجان برلين السينمائي (إ.ب.أ)

مهرجان برلين السينمائي... ترمب حاضر وفيلم الافتتاح لم يرق للنقاد

في لقائه مع الصحافة قبل يومين، تحدَّث المخرج تود هاينز، رئيس لجنة التحكيم للدورة الـ75 من مهرجان برلين الذي بدأ في الـ13، وينتهي في الـ23 من الشهر الحالي، عن…

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق تيلدا سوينتون عند تسلُّمها جائزة مهرجان برلين الشرفية (أ.ف.ب)

مهرجان برلين السينمائي 75 وليلة افتتاح لم تخلُ من السياسة

شهد مهرجان برلين افتتاحاً مثيراً للجدل يوم الخميس، الثالث عشر من هذا الشهر، وذلك احتفاء بدورته الجديدة (الخامسة والسبعين) التي تدوم حتى الثالث والعشرين من هذا…

محمد رُضا (لندن)
سينما «الضوء» فيلم الافتتاح (إيه آر پي)‬

خطوات حذرة لـ«مهرجان برلين الدولي» الـ74

تتسلم تريشيا تاتَل، مديرة «مهرجان برلين الدولي» الجديدة مهاماً صعبة العام الحالي، بعضها إداريٌّ وبعضها سياسيٌّ. وقد بدأ المهرجان دورته الـ74 مساء يوم الخميس.

محمد رُضا (لندن)
سينما «الفتى من نهر درينا» (رَف كات برودكشنز)

شاشة الناقد: حروب وتهجير

زياد إبراهيموڤيتش مخرج بوسني كان فرّ، من البوسنة سنة 1992 خلال الحرب البوسنية - الصربية. نجا من الموت أو من هجرة من إقليم مشتعل إلى آخر واستقر في سويسرا.

محمد رُضا (لندن)

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)
يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)
TT

عبارة «سحرية» لتهدئة طفلك الغاضب على الفور

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)
يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال (سيكولوجي توداي)

يُعد الغضب أحد أكثر المشاعر تعقيداً التي يواجهها الأطفال. وقد يكون من الصعب تعامل الوالد مع طفل مُحبط أو غاضب. سواء كان طفلاً صغيراً أو طالباً في صفوفه الأولى أو مراهقاً. ويمكن أن تؤدي استجابة الوالد في تلك اللحظات المتوترة إلى تصعيد الصراع أو جلب الهدوء.

ووفقاً لما نشره موقع «سيكولوجي توداي» المعنيّ بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية، فإن الخبر الجيد هو أن هناك عبارة بسيطة «تصنع المعجزات» لنزع فتيل غضب الطفل في أي عمر كان.

«أرى أنك منزعج الآن... وأنا هنا من أجلك»

قد تبدو هذه العبارة بسيطة، لكنها تحمل تأثيراً نفسياً عميقاً. إنها تقوم بثلاثة أشياء في وقت واحد: تعترف بمشاعر الأطفال، وتطمئنهم بأنهم ليسوا بمفردهم، وتخلق مساحة للتهدئة دون شعور الأطفال بالحُكم عليهم أو التحكم بهم.

لماذا تحمل هذه العبارة تأثيراً كبيراً؟

تعترف بصحة المشاعر

عندما يكون الطفل، سواء كان عمره 5 أو 25 عاماً، غاضباً، فإنه غالباً ما يشعر بأنه يُساء فهمه أو يتم تجاهله. إن قول «أرى أنك منزعج» يوضح لهم أن مشاعرهم مهمة. وغالباً ما يقوم الأطفال (والكبار) بتصعيد مشاعرهم عندما يشعرون بأن لا أحد يستمع إليهم. والاعتراف بصحة مشاعرهم يمنع ذلك.

توفر الطمأنينة

بدلاً من القفز إلى وضع التصحيح، بقول أشياء مثل «اهدأ» أو «توقف عن المبالغة في رد الفعل»، هذه العبارة «أرى أنك منزعج الآن... وأنا هنا من أجلك» تؤكد للأطفال أنك موجود من أجلهم وتمنحهم الطمأنينة.

تدعو إلى التواصل بدلاً من التحكم

يقاوم الناس السيطرة، خصوصاً عندما يكونون مُثقلين بالهموم أو الغضب. ويعد إخبارهم بما يجب عليهم فعله في لحظاتهم الأكثر غضباً قد لا يكون التصرف الأنسب. ومن خلال تقديم حضورك ودعمك ببساطة، فإنك تحول الديناميكية من صراع على السلطة إلى فرصة للتواصل الفعال.

نصائح لاستخدام هذه العبارة بشكل فعال:

حافظ على هدوء نفسك: نبرة صوتك مهمة. قلها بحرارة، وليس بإحباط.

استخدم لغة الجسد اللطيفة تعبر عن التودد والقبول وليس الاستنكار والرفض.

امنح الأطفال الوقت: قد لا يستجيبون لك على الفور، لكن كلماتك ستسجل في ذاكرتهم.

المتابعة مع الأطفال عندما يصبحون جاهزين: ساعدهم على إيجاد الحلول بعد أن يهدأوا.

وفي النهاية، لن تمحو هذه العبارة كل مسببات الغضب بطريقة سحرية، لكنها تخلق الأساس للثقة والتواصل. وبمرور الوقت، سيتعلم طفلك أنك «مكان آمن» حتى في أسوأ لحظاته، وهذا يُمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً.