معرض يُوثّق تاريخ الفن التشكيلي الأرميني في مصر

عبر 60 عملاً يُبرز إسهاماتهم في التصوير والنحت والكاريكاتير

اهتم الفنانون الأرمن بتجسيد البيئة المصرية (الشرق الأوسط)
اهتم الفنانون الأرمن بتجسيد البيئة المصرية (الشرق الأوسط)
TT

معرض يُوثّق تاريخ الفن التشكيلي الأرميني في مصر

اهتم الفنانون الأرمن بتجسيد البيئة المصرية (الشرق الأوسط)
اهتم الفنانون الأرمن بتجسيد البيئة المصرية (الشرق الأوسط)

شهدت الحركة التشكيلية المصرية منذ بداياتها حضوراً كبيراً للفنانين الأجانب من مختلف الجنسيات، لكن كان لأبناء الجالية الأرمينية على وجه الخصوص بصمات بارزة على الفن المصري الحديث؛ حيث شكّلت إبداعاتهم فرعاً أصيلاً من أفرع هذا الفن، بعد أن أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي والثقافي المحلي.

وفي معرض جماعي للفنانين التّشكيليين من أصول أرمينية بعنوان «الأرمن في مـصر» بمركز «محمود سعيد للمتاحف» في الإسكندرية (شمال مصر)، يستمتع الزائر بروائع تشكيلية تُمثّل عرضاً بحثياً يضيء على إسهامات الأرمن في الفنون الجميلة المصرية، خصوصاً التّصوير والنحت والكاريكاتير، وتشكل في الوقت نفسه وثائق أثنوغرافية وتاريخية نادرة لحقبة زمنية مضت إلى الأبد.

لوحة «بائعة الذرة» للفنانة إليزبارتام (إدارة المعرض)

ويتنقل المشاهد ما بين ملامح الفن الأرميني الخالص وسمة الازدواجية الإنسانية الثقافية للفنانين وتأثير ذلك على أعمالهم؛ التي اتسمت بمزيج بين الثقافتين المصرية والأرمينية، في توليفة من العناصر الحضارية والبيئية؛ على مدى أجيال عدّة تُغطي أكثر من 125 عاماً من الفن الأرميني في مصر، منذ قَدَّم أول فنان أرميني مصري في العصر الحديث، وهو يرفاند دمردغيان، لوحته الشهيرة «فتاة أرمينية» عام 1900، وذلك بعد أن جاء إلى مصر سنة 1896، ومنه إلى فنانين آخرين من أجيال أخرى.

لوحة للفنان بيوزانت جودجامنيان المعروف بولعه بالريف المصري (الشرق الأوسط)

ولا نستطيع التأريخ لبدايات الحركة التشكيلية المصرية من دون تناول دور الفنانين من الجاليات الأجنبية الذين نزحوا إلى مصر، وعاشوا فيها طويلاً، وأصبحوا جزءاً من نسيج المجتمع، وفق الدكتورة نُهى يوسف مديرة مركز «محمود سعيد للمتاحف والمعارض» وصاحبة فكرة المعرض.

وتواصل نُهى: «ومن أهم هؤلاء الفنانين هم الأرمن الذين احتلوا مكانة مميزة في الفنون الجميلة، وهم يمثّلون حالة خاصة، لأنهم استمروا في مصر ولم يغادروها، على العكس من فناني الجاليات الأخرى، وهو ما ضاعف من تأثُّرهم وتأثيرهم في الفن المصري».

و«سجل الأرمن حضورهم اللافت في جميع مجالات الفنون التشكيلية بمصر، وهو ما يوثقه هذا المعرض المهم، الذي يُضيء على أعمالهم خلال أجيال فنية مختلفة، عبر أساليب ومدارس عدة» وفق نُهى يوسف.

لوحة زيت على قماش من مقتنيات جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة (الشرق الأوسط)

وأضافت نُهى في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «يكتسب هذا المعرض أهمية خاصة، لأنه يضمّ أعمالاً نادرة، معظمها لم يُعرض من قبل؛ ومنها المجموعة المتحفية المخزونة وهي من مقتنيات (متحف الفنون الجميلة) في الإسكندرية، وتُعرض للمرة الأولى، وتضم 17 لوحة تصوير وقطعتي نحت، إضافة إلى أعمال حصلنا عليها من الفنانين أنفسهم، أو من أُسر الراحلين منهم».

ويكشف المعرض الذي يُنظّم بالتعاون مع «جمعية القاهرة الخيرية الأرمينية العامة» عن قيمة فنية مميزة لأعمال الأرمن، كما أنه يعكس أيضاً دفء علاقاتهم بالمصريين وذوبانهم في المجتمع، ومن ذلك أعمال الفنانة ماركريد بالطايان التي كانت تهتمُّ برسم جيرانها في حيّ شبرا حيث تقطن، وأعمال أخرى تبرز إحساسهم في الاحتماء بالمجتمع من ذكريات المأساة التي تعرضوا لها ودفعتهم للنزوح إلى مصر، فتلمس الرومانسية والشّجن فيها، وكأن المعرض يسرد حكاياتهم الإنسانية مثلما يعرض فنّهم وإبداعاتهم، حسب مديرة المركز.

لوحة «الفلاحة» زيت على قماش من مقتنيات متحف الفنون الجميلة (إدارة المتحف)

يضم المعرض نحو 60 عملاً فنياً، من أبرزها أعمال همبارهمبرتسوميان صاحب لقب «فنان الأحياء الشعبية في الإسكندرية»؛ حيث جسّد أجواء الحارة وأزقتها وتفاصيلها في المدينة، معبّراً عن السكينة والهدوء النفسي فيها بريشته، منجذباً بشكل خاص إلى الجدران الرّطبة والمباني المتهالكة، مؤكداً حقيقة انصهار هؤلاء الفنانين في النسيج المجتمعي.

وتأتي أعمال الفنانة ساتينغ تشاكر التي استقرّت في مصر بعد عام 1919 بعدما أكملت دراستها في إنجلترا لتستكمل التأكيد على ذلك الانصهار؛ فتأمُّل لوحاتها يُمثّل رحلة داخل مصر بين أحيائها وناسها، بوجوه مصرية خصوصاً الفلاحات، وتُشاهد أمكنة متنوعة مثل حديقة الحيوان في الجيزة، وغير ذلك، في حين تعكس لوحات بيوزانت جود جامنيان ولعه بالريف المصري.

لوحة «شارع تيمور بك» حبر شيني على ورق لفنان الأحياء الشعبية همبارهمبرتسوميان (الشرق الأوسط)

إرفاند دميردغيان أحد الفنانين الأرمن الذين تستطيع من خلال لوحاته في المعرض أن تستكشف الهوية المصرية وطِباع المصريين ببساطة، ومن دون أي تكلّف أو تنميق؛ كان دميردغيان شغوفاً باكتشاف البلاد ورسم كل شيء حوله، ويُركّز أثناء ذلك على المهمّشين؛ إذ يعكس دواخلهم ومشاعرهم على مسطح أعماله، ساعده على ذلك أنه اختار أن يعيش في شقة على سطح خان (وكالة) في 155 شارع محمد علي بوسط القاهرة.

لوحة بعنوان «ولد جالس» زيت على قماش من مقتنيات متحف الفنون الجميلة (إدارة المتحف)

وتلتقي على مسطّح لوحات فنانين آخرين بتفاصيل مختلفة من قلب مصر، فنشاهد على سبيل المثال باب زويلة، وعباس محمود العقاد وبائعة الذرة، والمراكب في نهر النيل، والبيوت القديمة إضافةً إلى وجوه ومشاهد من الطبيعة في مصر والخارج.

الكاريكاتير ورسوم الإعلانات والأعمال الأدبية في الصُّحف المصرية على أيدي الفنانين الأرمن، جانب آخر يكشف عنه هذا المعرض المقام حتى 25 فبراير (شباط) الحالي؛ فتستعيد من خلاله ذاكرة الصحافة أعمال ديكران الشهير بـ«ديك» في مؤسسة «الأهرام»، فضلاً عن أعمال الفنان ألكسندر صاروخان الكاريكاتيرية، ومساهمته البارزة في الصحافة، خصوصاً صحيفتي «آخر ساعة» و«أخبار اليوم».

عباس العقاد بريشة صاروخان (الشرق الأوسط)

كما تتعرّف من خلال المعرض على أعمال هرانت آنترانغيان مبتكر مصمّم غلاف مجلة «سمير» للأطفال، الصادرة عن مؤسسة «دار الهلال»، ومبتكر الشخصية الرئيسية فيها «سمير».

ويواكب المعرض ملتقيات حوارية وفعاليات فنية، تكشف جوانب جديدة موثّقة من تاريخ الأرمن في مصر، كما تبرز ملامح الثقافة الأرمنية، ومنها الندوة الافتتاحية، وحفل كورال الجمعية الخيرية الأرمنية على مسرح «متحف الفنون الجميلة» في الإسكندرية، والندوة الختامية التي يُشارك فيها فنانون ونُقاد وباحثون أرمن ومصريون.


مقالات ذات صلة

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجه مرسوم على ورق هندي مصنوع من القطن (الشرق الأوسط)

«تاريخ الورق»... معرض مصري لسبر أغوار الذاكرة الإنسانية

لا يتعامل الفنان التشكيلي المصري محمد أبو النجا مع الورق باعتباره وسيطاً فنياً فحسب، بل يقدّمه على أنه مركز تاريخي يمكن عبره إعادة النظر إلى رحلة الإنسان نفسه.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال الفنانين تناولت مظاهر الحياة في الأقصر (قومسير الملتقى)

«الأقصر للتصوير» يستلهم تراث «طيبة» وعمقها الحضاري

بأعمال فنية تستلهم التراث القديم والحضارة الموغلة في القدم لمدينة «طيبة» التاريخية، اختتم ملتقى الأقصر أعماله الخميس.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم الأميركي مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، ودارين أرونوفسكي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».