على مدى 90 دقيقة سيُتاح لجمهور حفل «أجمل ليالي» سماع أم كلثوم كما لو كانت في عزّ مشوارها الغنائي، وهي تنشد «أنت عمري» و«أنا في انتظارك» وغيرها مع موسيقى الهيب هوب والبوب والجاز. وذلك في دار أوركسترا باريس الفيلهارمونية في 30 يناير (كانون الثاني) الحالي.
يحيي الحفل الفنان اللبناني وائل قديح المشهور بـ«ريّس بيك» مع فرقته «غرام وانتقام»، وذلك في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيل أم كلثوم.

ويشير وائل قديح في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحفل يستقدم أم كلثوم من الزمن الماضي إلى عالمنا الموسيقي اليوم. ويوضح: «استطعنا بواسطة الذكاء الاصطناعي فصل صوتها عن الموسيقى التي كانت تقدمها. ومن دون أوركسترا، استخرجناه ليُنشد الأغنيات نفسها مع موسيقى إلكترونية».
ويوضح وائل أن هدفه من إقامة الحفل بهذه الطريقة، هو التذكير بعمالقة الفن العربي: «رغبت في أن أُحدث صدمة عند الناس وأوصل صوتها وكلام أغنياتها لتجذب جيل اليوم. أدرك تماماً أن هناك من سينتقدني ويوجّه الملامة لي، ولكنني متمسك بإبراز وجوه الفن العربي على اختلافها. ومن يفضّل أم كلثوم بنسختها الأصلية، يمكنه الاستماع إليها في بيته، أما في حفل (أجمل ليالي)، فيسافر معها إلى عالمٍ موسيقي متجدد، ويبتعد كل البعد عن النمط العادي والكلاسيكي. فمهمة نقل أم كلثوم إلى عالمنا اليوم ليست بالأمر السهل، ولكنها من دون شك تربط بين زمنين وأجيالٍ متتالية. كما تذكّرنا بأصالة الفن العربي العريق. فقلة من جيل اليوم تعرفه أو تتذكره».

يعرف وائل قديح أن ما يقوم به هو مهمة محفوفة بالخطر. ولكنه صمّم على تنفيذها لأنه يصفها بالضرورية. ويتابع: «لن أغيّر في أسلوب أم كلثوم الغنائي. ولذلك حافظنا على لعبة التكرار والتطويل نفسها. فكوكب الشرق اشتهرت بإعادتها مقاطع من أغنياتها أكثر من مرة. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أنها كانت تعتمد التغيير فيها. وهنا تكمن أهمية أم كلثوم وسبب تميّزها عن غيرها».
في أغنية «ألف ليلة وليلة» سيستمتع الحضور بسماعها لنحو 30 دقيقة. ويضيف «ريّس بيك»: «بيد أننا سنعتمد في كل جزءٍ منها، نمطاً موسيقياً مختلفاً، فنجمع ما بين البوب والهيب هوب و(تريو هوب). ويُساهم في هذا التنوع عزف مهدي حداد على العود الكهربائي. وهو من العازفين النادرين على هذه الآلة».
إعادة إحياء الفن الأصيل بغلاف حديث ينبع عند وائل من حنينه لوطنه الأم لبنان. فعندما يحدثك عن مشاعره تجاهه يأخذك إلى لحظة ارتشاف القهوة على شرفة بيته. «لكل شيء نكهته الخاصة في وطني، وعندما أتذكر فنجان القهوة الصباحي أشمّ رائحته لا شعورياً. وتعود بي الذكريات إلى تلك الصبحيات، يرافقها صوت فيروز. وأنا في باريس حيث أقيم، أحاول توليد اللحظة نفسها، بيد أن نكهتها تبقى خاصة ومميزة في بيروت».
من مفاجآت حفل «أجمل ليالي» استِضافته تانيا صالح. «هناك مفاجآت عدّة تتخلّل الحفل. الفنانة تانيا صالح ستُقدم أغنيتين لأم كلثوم. في حين أن المغنية المغربية أم الغيث ستنشد أغنية (أنا في انتظارك ملّيت)».
وإضافة إلى أغنيات أم كلثوم بصوتها وأخرى مع الفنانات الضيفات، يأخذنا الحفل إلى نوستالجيا الزمن الجميل. وذلك في توليفة بصرية تتألف من صور لأفلام قديمة لأم كلثوم ومقابلات أجريت معها. ومن ضيوف هذه الأمسية أيضاً إريك تروفاز عازف الـ«ترومبيت».

مهمة وائل على الخشبة تتمثل بالعزف على الـ«كي بورد». وكذلك زميله جوليان بيرودو، المتخصص في الموسيقى الإلكترونية، في حين ينفرد مهدي حداد بالعزف على آلة العود الكهربائية. وتتولى جوان باز مهمة الإخراج الغرافيكي للحفل.
وعن سبب اختيار أم كلثوم لتكريمها في حفل خاص يردّ قديح: «قد يكون غاب عن بال كثيرين أهمية هذه الفنانة. إذ لا يمكن مقارنتها لا بماريا كالاس ولا باديث بياف. فقد أفرزت حالة فنية لا تُشبه غيرها. كما تملك قوة الصوت والأداء ومتعمقة في دراسة المقامات، ولديها القدرة على الارتجال بإمكانيات صوتية لا تُضاهى».
وينوّه وائل بالدورين النسائي والسياسي اللذين لعبتهما كوكب الشرق خلال مسيرتها. «لقد ساهمت في رفع شأن المرأة فنياً وجماهيرياً، وتصدّرت حينها النساء مشهد حفلاتها. كما لعبت دوراً سياسياً عندما اشترطت لإقامة حفلها الغنائي في أولمبياد باريس أن يعود ريعه لمساعدة الجيش المصري». ويستطرد قديح: «لقد انشغلنا بأوجه العنف والأزمات ونسينا الأصالة والموسيقى الشرقية وأهميتها في العالم؛ لذلك نُقيم هذا الحفل لإعادة كل هذه العناصر إلى الواجهة وإعطائها حقها».
وائل الذي يقف وراء الفكرة يُعدّ من أهم مغني الراب و«الهيب هوب» في الشرق الأوسط. انتقل إلى إنتاج الموسيقى الإلكترونية وعرضها في حفلات طالت مسارح «متحف اللوفر» في أبوظبي ومركزي «فيلارموني» و«بومبيدو» في باريس. وفي مارس (آذار) المقبل يحيي حفلات غنائية ضمن مهرجانات فنية تقام في مدينتي غرونوبل وباريس الفرنسيتين. ومن المتوقّع أن يقيم حفل «أجمل ليالي» في بيروت خلال الصيف المقبل.
يصف قديح الحفل بالثلاثي الأبعاد؛ كونه يتألف من ثلاثة محاور. «إنه يسلط الضوء على البعد الفني الذي تميزت به كوكب الشرق. وكذلك على البعد الاجتماعي ودور المرأة الأساسي فيه. كما يتضمّن بُعداً ثالثاً يتمحور حول حقبات عاشتها أم كلثوم، فدخلت السياسة من بابها العريض بعدما صارت وجهاً تقتدي بآرائه نساء عربيات».
ويختم صاحب لقب «ريّس بيك» بقوله: إن «الحفل كناية عن لحظات شاعرية نعيشها مع نصوص أغنيات أم كلثوم وصوتها، فنذهب برحلات في شوارع بيروت والقاهرة ودمشق وكأننا لم نغادرها يوماً».