لماذا تسعى بعض النساء المسنات في اليابان لدخول السجن؟

حارس سجن باليابان يقف في أحد الأقسام المخصصة للسجناء من كبار السن (رويترز)
حارس سجن باليابان يقف في أحد الأقسام المخصصة للسجناء من كبار السن (رويترز)
TT

لماذا تسعى بعض النساء المسنات في اليابان لدخول السجن؟

حارس سجن باليابان يقف في أحد الأقسام المخصصة للسجناء من كبار السن (رويترز)
حارس سجن باليابان يقف في أحد الأقسام المخصصة للسجناء من كبار السن (رويترز)

في ظاهرة غريبة من نوعها، يقوم عدد متزايد من المسنين، لا سيما النساء، في اليابان بارتكاب مخالفات قانونية لدخول السجن، في محاولة منهن للهروب من الفقر أو الوحدة القاتلة.

وقال تاكايوشي شيراناغا، الضابط في سجن توتشيغي للنساء الواقع شمال طوكيو، لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «الأمر أصبح غريبا للغاية، فبعض النساء اللواتي يعانين من الوحدة عرضن علينا دفع 20 أو 30 ألف ين (130-190 دولاراً) شهرياً للعيش هنا إلى الأبد».

وأضاف: «أيضا هناك نساء يأتين إلى هنا لأن الجو بارد بالخارج، أو لأنهن جائعات أو مريضات. فالسجينات المريضات يمكنهن الحصول على علاج طبي مجاني أثناء وجودهن في السجن، ولكن بمجرد مغادرتهن، يتعين عليهن دفع ثمنه بأنفسهن، لذلك ترغب بعضهن في البقاء هنا لأطول فترة ممكنة».

وتحدثت إحدى السجينات، وتدعى أكيو، وتبلغ من العمر 81 عاماً، عن حياتها في السجن مع «سي إن إن»، حيث قالت إنها تقضي عقوبة لسرقة الطعام من المتاجر، وإنها لا تريد مغادرة حبسها.

وقالت أكيو: «هناك أشخاص طيبون جداً في هذا السجن. ربما تكون هذه الحياة هي الأكثر استقراراً بالنسبة لي».

ولفتت إلى أنها تفتقد الدعم الاجتماعي، حيث إن ابنها البالغ من العمر 43 عاماً، أخبرها بأنه يتمنى أن ترحل عن هذه الدنيا. ومنذ ذلك الوقت شعرت بأنه لا جدوى من عيشها.

ويجب أن تعمل النساء المتواجدات في توتشيغي في مصانع السجن، لكن هذا الأمر لا يزعجهن عموما. فكل ما يشغلهن هو حصولهن على وجبات منتظمة ورعاية صحية مجانية ورعاية مسنين، جنباً إلى جنب مع الرفقة التي يفتقرن إليها في الخارج.

من جهتها، قالت إحدى السجينات، وتدعى يوكو (51 عاماً)، والتي سجنت بتهمة تعاطي المخدرات خمس مرات على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية إنها قابلت الكثير من السجينات اللواتي يفعلن أشياء سيئة عن عمد حتى يتم القبض عليهن ويتمكن من العودة إلى السجن مرة أخرى، خاصة أولئك اللواتي يعشن في وحدة أو اللواتي لا يملكن الأموال التي تمكنهن من دفع ثمن إيجار سكن أو شراء طعام.

وتعتبر السرقة هي الجريمة الأكثر شيوعاً التي ترتكبها السجينات في اليابان. ففي عام 2022، كان أكثر من 80٪ من السجينات المسنات في جميع أنحاء البلاد في السجن بتهمة السرقة، وفقاً لأرقام الحكومة.

ويقوم البعض بذلك من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث يعيش 20٪ من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً في اليابان في فقر، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقارنة بمتوسط ​​14.2٪ في جميع الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 38 دولة. ويفعل آخرون ذلك لأنهم لم يتبق لهم سوى معارف قليلين في الخارج.

وفي جميع أنحاء اليابان، تضاعف عدد السجناء الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر أربع مرات تقريباً من عام 2003 إلى عام 2022 - وقد غير ذلك طبيعة السجون.

وقال شيراناغا: «الآن يتعين علينا تغيير حفاضات السجناء، ومساعدتهم على الاستحمام، وتناول الطعام. في هذه المرحلة، يبدو الأمر أشبه بدار رعاية أكثر من كونه سجناً مليئاً بالمجرمين المدانين».

ومن جهتها، قالت ميغومي، وهي حارسة في سجن توتشيغي، إن جزءاً من المشكلة بالنسبة للسجناء السابقين هو الافتقار إلى الدعم بمجرد عودتهم إلى المجتمع.

وقالت: «حتى بعد إطلاق سراحهم وعودتهم إلى الحياة الطبيعية، لا يجد الكثيرون أي شخص ليعتني بهم. هناك أيضاً أشخاص تخلت عنهم عائلاتهم بعد ارتكاب جرائم متكررة، ليس لديهم مكان ينتمون إليه».

وقد أقرت السلطات بهذه القضية، حيث قالت وزارة الرعاية الاجتماعية في عام 2021 إن السجناء المسنين الذين تلقوا الدعم بعد مغادرة السجن كانوا أقل عرضة لارتكاب الجرائم مرة أخرى من أولئك الذين لم يتلقوا الدعم. وأكدت أن الوزارة كثفت منذ ذلك الحين جهود التدخل المبكر ومراكز دعم المجتمع لدعم كبار السن المعرضين للخطر بشكل أفضل.

كما أطلقت وزارة العدل برامج للسجينات تقدم إرشادات حول المعيشة المستقلة والتعافي من إدمان المخدرات وكيفية التعامل مع العلاقات الأسرية.


مقالات ذات صلة

50 ألف «إسترليني» مكافأة لإيجاد أعمال مفقودة لفنان «عظيم»

يوميات الشرق آلمته خيبات الحياة وخسارة نتاجه (هنري أورليك)

50 ألف «إسترليني» مكافأة لإيجاد أعمال مفقودة لفنان «عظيم»

يعرِض فنان مُعاد اكتشافه، يوصف بأنه «عظيم»، مكافأة مقدارها 50 ألف جنيه إسترليني للبحث عن عشرات من أعماله المفقودة... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق هناك عوامل تؤثر على إمكانية تذكُّر الأحلام بتفاصيلها (رويترز)

لماذا تختلف القدرة على تذكُّر الأحلام من شخص لآخر؟

في حين يتمكن بعضنا من تذكُّر الأحلام بتفاصيلها المهمة، فإن البعض الآخر قد يجد نفسه غير قادر على استدعاء الأحداث التي مرت بعقله خلال نومه.

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق الانخفاض الشديد في مستويات الأكسجين في الغلاف الجوي قد يخنق معظم أشكال الحياة على الأرض (رويترز)

الأرض «ستختنق»... كيف سيقضي نقص الأكسجين على الحياة على كوكبنا؟

كشفت دراسة جديدة عن أن الانخفاض الشديد في مستويات الأكسجين قد يخنق معظم أشكال الحياة على الأرض.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق شكَّلت الشقيقتان نينا وريدا بطرس حالة فنية خاصة في فترة التسعينات (أرشيف الفنانتين)

نينا وريدا بطرس... حان وقت العودة

كيف أمضت الشقيقتان نينا وريدا بطرس السنوات التي ابتعدتا خلالها عن الأضواء؟ وهل تتجهَّزان لعودةٍ غنائية تسترجعان فيها شعبية التسعينات؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق براعة التعامل مع الحديد النيزكي (مجلة العلوم الأثرية)

حُلي «بولندية» من العصر الحديدي تحتوي على مادة سرّية من الفضاء

نحو 26 عيّنة من الحُلي، بما فيها 3 أساور، وحلقة للكاحل، ودبوس، اكتُشفت في مقبرة بولندية قديمة تحتوي على حديد نيزكي.

«الشرق الأوسط» (وارسو)

مصر: «حادثة الدقهلية» تعيد الجدل بشأن الانتحار عبر «البث المباشر»

جهات التحقيق تفحص الرسائل الأخيرة للشاب الذي أنهى حياته في بث مباشر (فيسبوك)
جهات التحقيق تفحص الرسائل الأخيرة للشاب الذي أنهى حياته في بث مباشر (فيسبوك)
TT

مصر: «حادثة الدقهلية» تعيد الجدل بشأن الانتحار عبر «البث المباشر»

جهات التحقيق تفحص الرسائل الأخيرة للشاب الذي أنهى حياته في بث مباشر (فيسبوك)
جهات التحقيق تفحص الرسائل الأخيرة للشاب الذي أنهى حياته في بث مباشر (فيسبوك)

جددت واقعة انتحار شاب بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) عبر بث مباشر أعلن فيه أنه تناول مادة سامة، الجدل بشأن وقائع انتحار مشابهة واستخدام «البث المباشر» على «السوشيال ميديا» لتوثيق عملية الانتحار.

وتواصل جهات التحقيق في مصر فحص الرسائل الأخيرة للشاب الذي أعلن انتحاره في إحدى قرى محافظة الدقهلية، مؤكداً أنه تعرض للظلم وأنه لا يسامح من ظلموه وأن ذنبه في رقبة كل من ظلمه.

وتسعى جهات التحقيق للتوصل إلى الأسباب التي دفعت الشاب إلى اتخاذ هذا القرار، وتبين من تفاعلاته على «السوشيال ميديا» وجود حوار سابق بينه وبين شخص نصحه بتناول مادة سامة. فيما اتجهت روايات أخرى لأصدقاء الشاب إلى أنه كان يعاني من ضائقة مالية بعد تعرضه للحبس في إحدى القضايا، ثم خروجه وعمله في التجارة، إلا أن ديوناً متراكمة أدت إلى اتخاذه هذا القرار، حسبما نشرت وسائل إعلام محلية.

وقبل أشهر قليلة أنهت فتاة مصرية حياتها في العريش، وكانت قد بثت فيديو تتحدث فيه عن الانتحار، طالبةً من أهلها وصديقاتها عدم الحزن عليها والدعاء لها. وأثارت الواقعة ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي وقتها. وسابقاً أيضاً أعلن شاب مصري كان يعمل محفِّظاً للقرآن، انتحاره عبر «بوست» على «فيسبوك»، طالباً من أهله وطلابه الدعاء له بالرحمة.

ويرى الأستاذ في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، أن «نشر تفاصيل حوادث الانتحار والقتل على وسائل الإعلام و(السوشيال ميديا) يؤدي إلى زيادة هذه الحوادث لا إلى تقليصها».

مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا مشكلة أساسية، وهي أن الإنسان يتعرض للحظات ضعف نفسي، ويجد في إنهاء حياته حلاً سهلاً، لأنه يصل إلى مرحلة ينظر إلى الحياة من ثقب إبرة، ليس لديه سعة أفق أو ثبات انفعالي، فهذا الشاب الأخير عمره 22 عاماً، أياً كان الظلم الذي تعرض له فلا يجب أن يكون خياره إنهاء حياته».

وقبل ثلاثة أعوام قام أحد الشباب في محافظة البحيرة (شمال مصر) باستخدام البث المباشر في الإعلان عن إنهاء حياته بعد تعرضه للظلم من أحد أقاربه، مبرراً قيامه بهذا الأمر لكي يُعفي عائلته من أي متاعب، وأنه يكتفي بالاقتصاص من ظالمه وأخذ حقه منه يوم القيامة.

ولفت قناوي إلى أن «(السوشيال ميديا)، وما تضمنته من انتشار مجاني، أسهمت في زيادة هذه الحالات. وقبل أيام كانت هناك قضية موظف الأوبرا الذي قيل إنه انتحر وترك رسالة انتشرت بشكل واسع واتضح بعد ذلك أنه لم يكتبها، فوسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والمسؤولون عن (السوشيال ميديا) جميعها جهات مسؤولة عن مثل هذه الحالات»، على حد تعبيره.

وقال الخبير في «السوشيال ميديا» والإعلام الرقمي، خالد البرماوي، إن «هذه الظاهرة تتكرر كثيراً، وهي ليست محلية ولكن عالمية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الشخص الذي يقرر إنهاء حياته بهذه الطريقة (البث المباشر) يريد توصيل رسالة تتعلق بتعرضه لمشكلات صحية مثل الاكتئاب أو غيرها من المشكلات لا يجد أمامه سوى السوشيال ميديا لتوجيه هذه الرسائل عبرها».

وشدد البرماوي على «ضرورة وجود ميثاق شرف إعلامي لطريقة طرح مثل هذه القضايا في وسائل الإعلام أو الشبكات الاجتماعية؛ لتقليل الشهرة والانتشار التي يمكن أن تحققه هذه الوسائل لوقائع مشابهة، بإخفاء الزمان أو المكان أو الملابسات، كل ذلك سيجعل التفكير في الأمر غير ذي جدوى لأنه لن يحقق انتشاراً».