فك لغز الحركات البارعة للأخطبوط

تمتلك أذرع الأخطبوط أنظمة عصبية مجزأة لتمكينه من أداء حركات استثنائية (جامعة شيكاغو)
تمتلك أذرع الأخطبوط أنظمة عصبية مجزأة لتمكينه من أداء حركات استثنائية (جامعة شيكاغو)
TT
20

فك لغز الحركات البارعة للأخطبوط

تمتلك أذرع الأخطبوط أنظمة عصبية مجزأة لتمكينه من أداء حركات استثنائية (جامعة شيكاغو)
تمتلك أذرع الأخطبوط أنظمة عصبية مجزأة لتمكينه من أداء حركات استثنائية (جامعة شيكاغو)

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة شيكاغو الأميركية أن الدوائر العصبية التي تتحكم في حركة أذرع الأخطبوطات مجزأة، مما يمنح هذه المخلوقات تحكماً دقيقاً واستثنائياً عبر جميع أذرعها الثماني، وعبر مئات الممصات الموجودة على طول هذه الأذرع، لاستكشاف بيئتها والإمساك بالأشياء والتقاط الفرائس.

ووفق نتائج الدراسة التي نُشرت، الأربعاء، في دورية «نيتشر كومينيكيشين»، تحتوي كل ذراع من أذرع الأخطبوط على نظام عصبي ضخم، مع وجود عدد أكبر من الخلايا العصبية مجتمعة عبر الأذرع الثماني، مقارنة بدماغ الحيوان.

وتتركز هذه الخلايا العصبية في الحبل العصبي المحوري الكبير (ANC)، والذي يتعرج ذهاباً وإياباً أثناء انتقاله من الدماغ إلى أسفل الذراع.

وتتحرك أذرع الأخطبوط ببراعة لا تصدق، فتنحني وتلتف وتتراجع بدرجات لا نهائية من الدقة والحرية تقريباً.

وقال كليفتون راجسديل، أستاذ علم الأعصاب في جامعة شيكاغو والمؤلف الرئيس للدراسة، في بيان صادر الأربعاء: «نعتقد أنها سمة تطورت على وجه التحديد في رأسيات الأرجل ذات الجسم الرخو مع الممصات للقيام بهذه الحركات الشبيهة بحركات الديدان».

ويمكن للأخطبوطات أن تتحرك وتغير شكل ممصاتها بشكل مستقل. كما أن الممصات مليئة بمستقبلات حسية تسمح للأخطبوط بتذوق وشم الأشياء التي يلمسها -مثل الجمع بين اليد واللسان والأنف.

درست كاسادي أولسون، وهي طالبة دراسات عليا في علم الأعصاب الحاسوبي والتي قادت الدراسة، بنية الحبل العصبي المحوري واتصالاته بالعضلات في أذرع الأخطبوط ذي البقعتين الكاليفورني (Octopus bimaculoides)، وهو نوع صغير موطنه المحيط الهادئ قبالة ساحل كاليفورنيا.

وكانت هي والباحثة المشاركة بالدراسة جريس شولتز، وهي طالبة دراسات عليا في علم الأحياء التنموي والتجديدي والخلايا الجذعية، تحاولان النظر إلى المقاطع العرضية الدائرية الرقيقة للأذرع تحت المجهر، لكن العينات استمرت في السقوط من الشرائح. لقد جربوا شرائح طولية من الذراعين وكان حظهم أفضل، مما أدى إلى اكتشاف غير متوقع.

تمتلك الأخطبوطات ثماني أذرع ومئات الممصات على طول هذه الأذرع (جامعة شيكاغو)

وباستخدام العلامات الخلوية وأدوات التصوير لتتبع البنية والاتصالات بين أجزاء الحبل العصبي المحوري الكبير، رأوا أن أجسام الخلايا العصبية كانت معبأة في أعمدة تشكل أجزاء، مثل الأنبوب المموج. يتم فصل هذه الأجزاء عن طريق فجوات تسمى الحواجز، حيث تخرج الأعصاب والأوعية الدموية إلى العضلات القريبة. وتتصل الأعصاب من أجزاء متعددة بمناطق مختلفة من العضلات، مما يشير إلى أن هذه الأجزاء تعمل معاً في وحدة واحدة متسقة للتحكم في الحركة.

قالت أولسون: «بالنظر إلى هذا من منظور دراسات النمذجة الحاسوبية، فإن أفضل طريقة لإعداد نظام تحكم لهذه الذراع الطويلة والمرنة للغاية هي تقسيمها إلى أجزاء أصغر».

وأوضحت: «ولكن يجب أن يكون هناك نوع من الاتصال بين الأجزاء، مما يساعد في تنعيم أداء تلك الحركات بهذا الشكل الفريد».

وتشير النتائج إلى أن «الجهاز العصبي ينشئ خريطة مكانية أو طبوغرافية لكل ممص». ويعتقد الباحثون أن هذه «الخريطة الماصة»، كما أطلقوا عليها، «تسهل هذه القدرة الحسية الحركية المعقدة».

ولمعرفة ما إذا كان هذا النوع من البنية شائعاً بين رأسيات الأرجل ذات الجسم الرخو الأخرى، درسوا أيضاً نوعاً آخر شائعاً في المحيط الأطلسي من أنواع الحبار الساحلي طويل الزعانف، والذي يحتوي على ثماني أذرع ذات عضلات وممصات مثل الأخطبوط.

وفي حين انفصلت الأخطبوطات والحبار عن بعضهما البعض منذ أكثر من 270 مليون سنة، وفق نتائج دراسات التطور، فإن التشابهات في كيفية تحكمهما في أجزاء من أطرافهما باستخدام الممصات -والاختلافات في الأجزاء التي لا تفعل ذلك- تُظهر كيف يمكن التطور دائماً من إيجاد أفضل الحلول.

وهو ما علق عليه راجسديل: «إن الكائنات الحية التي تمتلك هذه الزوائد الممتلئة بالممصات والتي تتحرك مثل الديدان تحتاج إلى نوع مناسب من الجهاز العصبي. وقد تطورت لرأسيات الأرجل بنية مقطعية تختلف تفاصيلها وفقاً لمتطلبات بيئاتها».


مقالات ذات صلة

«جنون تام» لاصطياد «سمكة قرموط» وزنها 68 كيلوغراماً

يوميات الشرق صيدُها تسبَّب بإنهاك تام (مواقع التواصل)

«جنون تام» لاصطياد «سمكة قرموط» وزنها 68 كيلوغراماً

قال صيادٌ إنه بات «منهكاً تماماً» بعدما اصطاد سمكةً يأمل أن تُسجَّل بوصفها أكبر سمكة سلور (قرموط) اصطيدت في بريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يطلق الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر

أطلق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)

ألماني يعيش في كبسولة على عمق 11 متراً تحت الماء قبالة بنما

يعيش الألماني روديغر كوخ منذ شهرين داخل كبسولة على عمق 11 مترا في البحر الكاريبي قبالة سواحل بنما...

«الشرق الأوسط» (بنما)
يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

«ربع تون» يعزف على أوتار الانسجام بين الموسيقى والفن التشكيلي

الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)
TT
20

«ربع تون» يعزف على أوتار الانسجام بين الموسيقى والفن التشكيلي

الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار العراقي نصير شمة فناناً تشكيلياً (وزارة الثقافة المصرية)

من خلال التفاعل بين الموسيقى والفنون البصرية، يستحضر الفنانون جوهر الخيال، ويصنعون أعمالاً يتردد صداها بعمق لدى المشاهدين، الذين ينطلقون عبر ذلك التفاعل إلى عوالم تنسجم فيها الألوان مع الألحان، وتتناغم ضربات الفرشاة مع الإيقاع.

وفي معرض «ربع تون» للفنان العراقي نصير شمة بقاعة «الباب» بساحة «دار الأوبرا المصرية» يستكشف المتلقي كيف يمكن أن يؤدي دمج الفن البصري والموسيقى في خلق تجربة متعددة الحواس؛ فأمام لوحات الموسيقار الذي أسس مجموعة من بيوت العود العربي في عدد من الدول العربية، لا يسعك سوى الانغماس في تجربة غامرة، تتزايد خلالها حواسك، وأنت تشهد كيف يجلب الرسم بُعداً جديداً لعالم الموسيقى.

الموسيقى تتواصل مع الرسم على مسطح لوحاته (وزارة الثقافة المصرية)

ويُعدّ المعرض المستمر حتى أول فبراير (شباط) المقبل، المعرض الشخصي الثاني للفنان؛ حيث سبقه معرض آخر استضافه «غاليري الاتحاد» في أبوظبي، في بداية العام الماضي، لكن بالنسبة لشمة فإن علاقته بالفن التشكيلي تعود إلى سنوات بعيدة.

يقول شمة لـ«الشرق الأوسط»: «ربما أثار اهتمامي بالفن التشكيلي أخيراً دهشة الكثيرين، لكن في الحقيقة هذا الاهتمام يعود إلى سنوات طويلة؛ حيث بدأت علاقتي به في طفولتي، من خلال حصص الرسم بالمدرسة، ثم من خلال اهتمامي بمتابعة الحركة التشكيلية من حيث الأعمال الفنية والنقد على السواء، إضافةً إلى علاقتي بالتشكيليين في العراق والوطن العربي والعالم، إلى جانب قيامي بالرسم، لكنني لم أعلن عن ذلك».

زخم الألوان والخطوط يتشابه مع النوتة الموسيقية (وزارة الثقافة المصرية)

ويتابع: «استمر الحال هكذا إلى أن شاهد بعض أصدقائي من الأسماء البارزة في عالم الفن التشكيلي أعمالي فأثنوا على تجربتي الفنية، وأكدوا ضرورة عرضها على الجمهور؛ وشجعني ذلك بالفعل على اتخاذ هذه الخطوة؛ فقمت بعرض عدد محدود في (أبوظبي آرت)، وتبع ذلك معرضي الشخصي الأول، إلى أن قررت إقامة هذا المعرض في مصر التي أكنّ لها كل الحب».

فضاءات ممتدة من الخيال والتصوف (وزارة الثقافة المصرية)

يؤكد حديث شمة من جديد العلاقة القوية المتبادلة بين الفنون، ويذكّرنا بتمهيد بعض الفنانين في أوائل القرن العشرين الطريق لهذا الدمج بين أشكال الفن؛ فرأينا الرسم يؤثر بشكل عميق على الموسيقى من خلال جمالياتها وعواطفها؛ فتدفقت الألحان عبر أذهانهم وكأنها ألوان على القماش، أو منحوتات من الطين، ومن ناحية أخرى انعكست الموسيقى بشكل عميق على عدد كبير من التشكيليين؛ ما سمح لإيقاعاتها وألحانها بإنتاج إبداعاتهم البصرية.

لوحة بمعرض «ربع تون» للفنان نصير شمة (وزارة الثقافة المصرية)

على سبيل المثال، تبنى ستيوارت ديفيس موسيقى الجاز مصدرَ إلهامٍ للوحاته، مستخدماً الألوان الجريئة والتراكيب الديناميكية؛ لتعكس طبيعتها المرتجلة، وكانت أعمال فاسيلي كاندنسكي أدواتٍ لنقل المشاعر والإيقاعات المختلفة، بل تحدث الفنان الروسي عن الروابط التي رآها بين الألوان والأصوات في مقال مهم له عام 1911 ساوى فيه ما بين الأسود والسكون، والأحمر وصوت البوق، والبرتقالي والكمان القديم، والبنفسجي والبوق الإنجليزي.

من أعمال المعرض (وزارة الثقافة المصرية)

في هذا السياق، يقدم نصير شمة في معرضه نحو 40 لوحة فنية ابتعد فيها عن التشخيصية والكلاسيكية، مستخدماً التجريدية التعبيرية التي خلقت فضاءات ممتدة من الخيال والتصوف، والأحاسيس الروحانية، عبر استخدام مجموعة متنوعة من التكوينات والخطوط المتعرجة والمنحنية والمتقاطعة.

فضلاً عن زخم الألوان وترجمتها على مسطح اللوحة بشكل موسيقي بصري، يتشابه مع أسطر النوتة الموسيقية؛ لإيمانه العميق بتواصل الموسيقى مع الرسم، إلى حد أنه يستخدم نشارة الخشب المستخدمة في صناعة الأعواد - التي يلتقي بها يومياً في بيت العود - كونها خامة أساسية للوحاته!

وزير الثقافة المصري مع الفنان نصير شمة في افتتاح معرضه (وزارة الثقافة المصرية)

ومن المعروف أن «ربع التون» هو مسافة موسيقية تُعادل ربع المسافة بين نغمتين متتاليتين في السلم الموسيقي الغربي، ويُستخدم في الموسيقى العربية؛ لإضافة ثراء إلى اللحن، كما يُستخدم أحياناً لخلق انتقالات سلسة بين المقامات. وربما من هنا اختاره شمة عنواناً لمعرضه الجديد، بصفته رمزاً للانتقال المستمر ما بين الموسيقى والفنون البصرية، وعن ذلك يقول: «يعبّر (ربع التون) عن هوية الموسيقى العربية، وقد أردت من خلاله أن أربط العمل الموسيقي بالتشكيلي؛ فكلاهما نوع من الانسجام والتوافق، وعلاج للروح وتهذيب للنفس، وهو واقع، وليس كلاماً إنشائياً».

يبحث شمة عن فضاءات جديدة من الجمال والتعبير الفني عبْر الرسم (وزارة الثقافة المصرية)

وهكذا عبْر اقتحام شمة عالم الفن التشكيلي تصبح أمامه الفرصة للانتقال السلس الآمن ما بين لونين من الفن، هما المرئي واللامرئي، أو البصري والموسيقي؛ «ليس بهدف الشهرة أو المال، إنما بحثاً عن فضاءات إضافية من الجمال والسلام، ومساحات صادقة من التعبير عن دواخلي ومشاعري وتفاعلي مع الأحداث المحيطة»، بحسب تعبيره.