«متل قصص الحب»... رحلة سينمائية استغرقت 7 سنوات

مخرجته ميريام الحاج لـ«الشرق الأوسط»: علاقتنا ببلدنا لبنان حبّ متجذّر

لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
TT

«متل قصص الحب»... رحلة سينمائية استغرقت 7 سنوات

لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)

بعد فيلمها الوثائقي الأول «هدنة» تقدّم اليوم المخرجة ميريام الحاج ثاني أعمالها السينمائية الطويلة «متل قصص الحب»، تصحبنا خلاله في رحلة مع 3 شخصيات، جومانا وجورج وبيرلا. كل منهم يعمل في مجال مختلف، ولكن أمراً واحداً يجمعهم هو أمل تغيير بلدهم لبنان إلى الأفضل.

يأخذنا الفيلم منذ لحظاته الأولى إلى عالم سينما واقعي، مختلف بموضوعه وبأسلوب تصويره، بحيث تثبت مخرجته حرفيتها في هذا المجال. حواراته سريعة ومشاهده عفوية.

نقلت ميريام واقع أبطال الفيلم من دون أي «رتوش»، فكانوا بردود أفعالهم التلقائية وعباراتهم المحكية، يشبهون أي مواطن لبناني آخر.

تطوي الحاج مع «متل قصص الحب» صفحة لبنان المعاناة (ميريام الحاج)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تشير مخرجة الفيلم ميريام الحاج إلى أن الرسالة الرئيسية التي يحملها هي فكرة التغيير. «إنها تراودنا جميعاً في لبنان، وغالباً ما نعترف بها علناً في أي موقف نواجهه، فننتقد مشاهد اجتماعية وبيئية وسياسية تطالعنا في يومياتنا. وفي كل مرة نردد عبارة واحدة: (يجب أن نغيّر). وما رغبت في إبرازه في الفيلم هو إخبار المشاهد كيف باستطاعتنا تطبيق هذا التغيير، كلٌّ على طريقته».

استغرق تصوير الفيلم وإعداده وتنفيذه نحو 7 سنوات. استلهمت ميريام الحاج فكرته منذ عام 2017، حقبة ارتفاع صوت المجتمع المدني، وتفتحت براعم الفكرة بشكل لافت مع انطلاق أولى شرارات ثورة 17 أكتوبر في عام 2019، فالأجواء يومها كانت تحمل الإيجابية، وتدلّنا على طريق واحد يمشي باتجاه التغيير. سلسلة التوقف عن العمل واجهتها المخرجة بسبب أزمات ومشكلات واجهها لبنان، فكانت تقفل كاميرتها فترة لتعود وتحملها مرة أخرى.

جورج مقاتل لبناني سابق كان فاتحة موضوعات الفيلم، تلته الإعلامية جومانا حداد التي ترشحت إلى النيابة في عام 2018، وصُدمت بخسارتها بعد إعلان فوزها. أما البطلة الثالثة بيرلا فهي نموذج حي عن فكر الشباب اللبناني المستقبلي. ناشطة بارزة في حقبة الثورة، شكّلت بيرلا صوت كل أبناء جيلها.

وتوضح الحاج: «جورج يرمز إلى الماضي الحاضر دائماً في لبنان. علاقته بزمن الحرب وطيدة كونه محارباً أسبق فيها. وتجربته شكّلت مادة دسمة كي نتعلّم منها الدروس. ومع جومانا نقلت مشاعر خيبات الأمل التي يتلقاها اللبناني باستمرار، في حين بيرلا التي تعرّفت إليها بالصدفة، تمثّل صوت شبابنا الثائر».

جومانا حداد إحدى بطلات الفيلم (ميريام الحاج)

لماذا اسم «متل قصص الحب»؟ تردّ الحاج إن «علاقتنا ببلدنا لبنان تشبه قصص الحب بكل أشكالها. نفترق عن الحبيب، نتجادل معه، ويشعرنا بالغضب والقهر. نقرر الانفصال عنه، إلا أن عشقنا له يمنعنا من ذلك. وهذه العبارة استوحيتها من حديث جرى بيني وبين جومانا حداد. تفاجأت بها تلملم الردم الذي خلّفه انفجار بيروت وتحضّر لمشروع جديد. يومها قالت لي: (أنا مضطرة إلى الإيمان ببلدي، وأتطلّع معه نحو الغد. فقصتي معه تشبه قصص الحب. هذه هي علاقتنا مع بلدنا لبنان)».

منذ عام 2017 حتى عام 2022 جالت ميريام الحاج بكاميرتها في بيروت ومناطق أخرى. مرّت على شاطئها وبحرها وعلى أزقتها وأحيائها، وتوقفت في جبال لبنان المكسوة بالذهب الأبيض. فهي رغبت بالتعريف ببلدها بشاعرية معينة، كما تقول.

على شكل مذكرات، تروي الحاج 4 سنوات مضطربة من زمن لبنان. تُبرز فيها مكافحة صلبة للتخلّص من أغلالها. فالبلاد كانت تمر باهتزازات متتالية. وهي من جهتها تتمسّك بالأمل من أجل حبّ البقاء وتحقيق الأحلام. صورة سينمائية مشبّعة بالتناقض تعرضها الحاج في هذا الشريط، فتعكس التفاؤل في نفوس اللبنانيين.

صورة لمرفأ بيروت بُعيد تعرّضه لانفجار في 4 أغسطس 2020 (ميريام الحاج)

وتعلّق: «أتمنى أن يعجب الفيلم اللبنانيين؛ لأنه يخاطبهم بلسان حالهم. ويغمرني حماس كبير لموعد عرضه في مهرجان (شاشات الواقع). صحيح أنه تنقّل بين مهرجانات عالمية، ولكن يبقى لعرضه في لبنان مذاقاً خاصاً عندي».

تعترف الحاج أن الفيلم استنزف طاقتها، كونه تطلّب منها نقل واقع صعب فتعلّقت بشخصياته. عاشوا معها في فكرها ويومياتها، كما أن السينما بحد ذاتها في لبنان تعدّ نوعاً من النضال. «كنت أشعر كمن يصارع الأمواج لوحده. والأسوأ هو أنني رفضت إيقاف هذه المصارعة. فهدفي كان واضحاً، ومحوره اختراع أسلوب حياة يليق بنا لنكمل مشوارنا في هذا البلد».

لن تعود بعد اليوم ميريام الحاج إلى هذا النوع من الموضوعات التي تربط ما بين ماضي لبنان وحاضره. وتختتم: «سأتوقف عند هذا الحد؛ لأنني أتطلّع إلى موضوعات تصبّ في غد أفضل. أعتقد أنني قلت كل ما أريده في فيلمي السابق (هدنة) وفي الحالي (متل قصص الحب). ومع هذا الأخير، أطوي صفحة طويلة من المعاناة والأزمات والحروب. ومع وصول رئيس الجمهورية الجديد العماد جوزيف عون، نشعر بالأمل. لقد حاولت في أفلامي التخلص من حمل ثقيل على أكتافنا. جمعت فيها الحزن وخيبات الأمل والإخفاقات. واليوم يخطر على بالي الانكباب على شريط سينمائي مفعم بالأمل، وبغدٍ مزدهر».


مقالات ذات صلة

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

يوميات الشرق المخرج حكيم جمعة أثناء تصوير مسلسل طراد (الشرق الأوسط)

حكيم جمعة لـ«الشرق الأوسط»: مسلسل «طراد» يثير تساؤلات عميقة

هل هناك لصوص أبطال؟ سؤال عميق يطرحه المسلسل السعودي «طراد» المقتبس عن قصة الأسطورة الإنجليزية «روبن هود» الذي أخذ على عاتقه سرقة أموال الأغنياء وتقديمها للفقراء

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

في ظل الجدل الذي أثير أخيراً حول «موهبته» احتفى مهرجان الأقصر السينمائي في دورته الـ14 بذكرى مئوية ميلاد الفنان المصري الكبير شكري سرحان.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الأميركي براد بيت (رويترز)

باستخدام الذكاء الاصطناعي... محتال يوهم سيدة بأنه «براد بيت» ويسرق أموالها

تعرضت امرأة فرنسية للاحتيال من قبل رجل أوهمها بأنه الممثل الأميركي الشهير براد بيت، باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وحصل منها على مبلغ 830 ألف يورو.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مريم شريف ونهال المهدي شقيقتها بالفيلم (الشركة المنتجة)

«سنووايت» يستهل عروضه التجارية ويعوّل على حبكته الإنسانية

تنطلق، الأربعاء، العروض التجارية للفيلم المصري «سنووايت» الذي شهد عرضه العالمي الأول في الدورة الرابعة بمهرجان البحر الأحمر السينمائي.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان شكري سرحان قدم أدواراً مهمة في السينما المصرية (أرشيفية)

تصاعد الجدل حول انتقاد رموز الفن المصري بعد أزمة «شكري سرحان»

تصاعد الجدل خلال الأيام القليلة الماضية حول أزمة انتقاد رموز الفن المصري على خلفية انتقاد موهبة الفنان الراحل شكري سرحان بعد مرور 27 عاماً على رحيله.

داليا ماهر (القاهرة )

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
TT

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)

ازدحم المدخل المؤدّي إلى استوديوهات «تلفزيون لبنان» بالمحتفين بالحدث. فالتلفزيون الرسمي الذي ذكَّر وزير الإعلام زياد المكاري، بأنه «أول قناة تلفزيونية في الشرق الأوسط، والشاهد الوحيد على العصر الذهبي للبنان ومهرجان بعلبك الأول عام 1956»، يُحيي في 2025 ما انطفأ منذ 2001. ذلك العام، توقّفت «القناة التاسعة» الناطقة بالفرنسية في «تلفزيون لبنان»، مُعلنةً الانقطاع النهائي للصوت والصورة. بعد انتظار نحو ربع قرن، تعود نشرة الأخبار باللغة الفرنسية بدءاً من 23 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية (المكتب الإعلامي)

تتوقّف مستشارة وزير الإعلام، إليسار نداف، عند ما خطَّ القدر اللبناني منذ تأسيس هذه الخريطة: «التحدّيات والأمل». ففور اكتمال المدعوّين، من بينهم سفير فرنسا هيرفيه ماغرو، وممثل رئيس الجمهورية لدى المنظمة الفرنكوفونية جرجورة حردان، ورئيس الوكالة الجامعية الفرنكوفونية جان نويل باليو، والمسؤولة عن برامج التعاون في المنظمة الفرنكوفونية نتالي ميجان، بجانب سفراء دول وشخصيات؛ شقَّ الحضور طريقهم نحو الطابق السفلي حيث استوديوهات التلفزيون في منطقة تلّة الخياط البيروتية المزدحمة، مارّين بصور لأيقونات الشاشة، عُلّقت على الجدار، منهم رجل المسرح أنطوان كرباج، ورجل الضحكة إبراهيم مرعشلي... اكتمل اتّخاذ الجميع مواقعه، لإطلاق الحدث المُرتقي إلى اللحظة الفارقة، مُفتَتَحاً بكلمتها.

صورة إبراهيم مرعشلي تستقبل زوّار التلفزيون (الشرق الأوسط)

فيها، كما في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تُشدّد نداف على الأمل: «إنه ما يحرِّض دائماً على استعادة ما خسرناه». تُشبه إحدى مقدّمات النشرة، نضال أيوب، في تمسّكها بالثوابت. فالأخيرة أيضاً تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية، من ديمقراطية وتضامن وتنوّع لغوي.

تُعاهد نداف «بقلب ملؤه التفاؤل والعزيمة» مَن سمّته «الجمهور الوفي»، الذي تبلغ نسبته نحو 40 في المائة من سكان لبنان، بالالتزام والوعد بأنْ تحمل هذه الإضافة إلى عائلة الفرنكوفونية ولادة جديدة، بدءاً من 23 الحالي؛ من الاثنين إلى الجمعة الساعة السادسة والنصف مساء مع «لو جورنال» من «تلفزيون لبنان».

كان كلّ شيء فرنسياً: لغة السلام والخطاب، والروح، وبعض الوجوه. في كلمته، رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى «بيت الفنانين اللبنانيين الكبار؛ فيروز، وزكي ناصيف، ووديع الصافي، والإخوة رحباني». وفيما كان الخارج يبعث الأمل لتزامُن الحدث مع يوم الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس للحكومة، ألمح الوزير إلى أنّ اللقاء يجري «غداة فصل جديد من تاريخ لبنان، للاحتفال بإعادة إطلاق أخبارنا التلفزيونية باللغة الفرنسية، بعد مرور 24 عاماً على توقُّف برامج (القناة التاسعة) المُرتبط اسمها بعملاق الإعلام الفرنكوفوني جان كلود بولس». وبأمل أن تلفت هذه النشرة الانتباه وتثير الفضول، أكد التزامها «تقديم رؤية واضحة ودقيقة لموضوعات تمسّنا جميعاً»، متوقفاً عند «رغبة متجدّدة في دعم قيم الانفتاح والتعدّدية وحرّية التعبير تُجسّدها عملية إعادة الإطلاق هذه».

تُشدّد إليسار نداف على الأمل في كلمتها (المكتب الإعلامي)

ليست الأخبار المحلّية والإقليمية والدولية ما ستتضمّنه النشرة فحسب، وإنما ستفسح المجال «للثقافة وصوت الشباب وتطلّعاتهم ورؤيتهم للبنان سيّداً علمانياً متعدّد اللغات؛ يجد كل مواطن فيه مكانه»، بوصف زياد المكاري. تشديده على أهمية الفرنكوفونية في وسائل إعلام القطاع العام مردّه إلى أنّ «الفرنسية ليست مجرّد لغة؛ إنها ثقافة وتاريخ وتراث مشترك؛ فتتيح لنا، في إطار هذه الأخبار، فرصة نقل صوت لبناني قوي ومميّز إلى الساحة الدولية، مع البقاء مُخلصين لجذورنا وثقافتنا وهويتنا».

يعلم أنّ «هذا الحلم لم يكن ليتحقّق من دون شركاء نتشارك معهم الرؤية والقيم»، ويعترف بذلك. ثم يدعو إلى «متابعة نشرة الأخبار الوحيدة باللغة الفرنسية في القطاع العام التي ستشكّل انعكاساً حقيقياً لتنوّع عالم اليوم». وقبل الإصغاء إلى كلمة ممثل المنظمة الفرنكوفونية ليفون أميرجانيان، يُذكّر بأنّ للبنان، بكونه ملتقى الحضارات والثقافات، دوراً أساسياً في تعزيز الفرنكوفونية.

رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى بيت الفنانين اللبنانيين الكبار (الشرق الأوسط)

ومنذ افتتاح مكتب المنظمة الفرنكوفونية في بيروت، تراءى ضرورياً النظر في قطاع الإعلام الفرنكوفوني بخضمّ الأزمة الاقتصادية التي تُنهك المؤسّسات ووسائل الإعلام. يستعيد أميرجانيان هذه المشهدية ليؤكد أنّ الحفاظ على اللغة الفرنسية في المؤسّسات الإعلامية مسألة حيوية للحفاظ على التنوّع الثقافي والتعبير الديمقراطي. يتوجّه إلى الإعلاميين الآتين بميكروفونات مؤسّساتهم وكاميراتها وهواتفهم الشخصية: «دوركم نقل القيم الأساسية للفرنكوفونية، مثل التعدّدية اللغوية، وتنوعّ الآراء، والانفتاح على العالم». ثم يتوقّف عند استمرار نموّ عدد الناطقين بالفرنسية في شكل ملحوظ، مع توقّعات بأنْ يصل إلى 600 مليون نسمة في حلول 2050. من هنا، يعدّ الترويج للغة الفرنسية «مسألة ضرورية لتعميق الروابط بين الدول والحكومات الناطقة بها، والسماح لسكانها بالاستفادة الكاملة من العولمة المتميّزة بالحركة الثقافية العابرة للحدود وبالتحدّيات التعليمية العالمية».

إعادة إطلاق النشرة تُعزّز هذا الطموح، وسط أمل جماعي بالنجاح، وأن تُشكّل مثالاً للقنوات الأخرى، فتُخطِّط لزيادة بثّ برامجها بلغة فيكتور هوغو.