«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

مكتبة الإسكندرية رصدت تاريخه واستخداماته الحياتية

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
TT

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم. فمنذ أيام الفراعنة، وتحديداً في نقادة سنة 3725 قبل الميلاد، ظهر الفخار الأحمر المصنوع من طمي النيل أو طمي وديان الصحراء الغربية الذي يتمّ تجفيفه وطحنه وعجنه بالمياه ويتشكّل بالطريقة التي يريدها الصانع.

يصف الفيلم هذه المهنة بأنها مفتاح للحضارات، فلا توجد حضارة قديمة إلا واهتمت بهذه الحرفة، خصوصاً مصر التي صدّرت الفخار إلى الكثير من حضارات العالم القديم، خصوصاً في الشام وبلاد ما بين النهرَيْن وآسيا الوسطى.

ويُعد الفيلم الذي أنتجه مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري بمكتبة الإسكندرية، امتداداً لسلسلة أفلام تتناول الحضارة المصرية على امتداد الزمن، بكل ما فيها من فنون وحرف وأحداث وأماكن وشخصيات مميّزة، مع التركيز على الأبعاد التاريخية والتوثيقية للموضوع الذي يجري تناوله.

مراحل صنع الفخار لدى المصريين القدماء (مكتبة الإسكندرية)

ويقول مدير مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري، المشرف على مشروع الأفلام الوثائقية، الدكتور أيمن سليمان، إن «الفيلم يشير إلى إبداعات الأجداد في حرف يدوية أصيلة، تُعد شاهدة على عظمة الحضارة المصرية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «صناعة الفخار في صدارة هذه الحرف التراثية، بصفتها أقدم الفنون التي أبدعها الإنسان، وألهمت حضارات بأكملها عبر آلاف السنين».

كان الفخار أكثر من مجرد أداة، بل كان لساناً ناطقاً يحكي قصة تفاعل الإنسان المصري مع بيئته، ويروي رحلة تطور فني وتقني لا مثيل لها، وفق سليمان.

ويشير الفيلم إلى مراحل تطور صناعة الفخار، بداية من صناعة الآنية البسيطة وحتى تزيينها بالكثير من الأشكال؛ مثل: الحيوانات والنباتات الموجودة في الطبيعة، واستخدام الفخار في التخزين، وكان يتمّ ختم الأواني الفخارية الموجود بها مواد غذائية للتعريف بتاريخ الإنتاج.

ويوضح سليمان أن «الفيلم الوثائقي الجديد يتتبع مسيرة الفخار في مصر انطلاقاً من عهد المصريين القدماء، مروراً بمختلف الحقب التاريخية، وصولاً إلى يومنا هذا؛ حيث بدأت قصة حرفة الفخار في مدينة نقادة التاريخية، ومع تعاقب العصور، تطوّرت هذه الصناعة العريقة لتشمل قطعاً فخارية ذات رسومات بديعة مستوحاة من وحي الطبيعة، تجسّد صوراً للمراكب والحيوانات والطيور، وتعكس نظرة المصري القديم إلى عالمه المحيط».

صناعة الفخار حرفة ممتدة عبر الزمان (فيلم وثائقي في مكتبة الإسكندرية)

ومع دخول اليونان إلى مصر، ومن بعدها الرومان، تطورت صناعة الفخار، وأصبح أخف وزناً، وله لمعان وبريق، وتميّز بالزخارف المتعددة على سطحه. وفي الفترة المسيحية أخذ الكثير من الرموز القبطية، مثل: عناقيد العنب وأغصان الكروم، وغيرها من العناصر النباتية، ومع الحضارة الإسلامية اشتهرت وتطورت صناعة الفخار. وعُرف الفخاريّة بالاسم مثل مسلم بن الدهان، وظلّت الفسطاط أول عاصمة للحضارة الإسلامية في مصر مركزاً لصناعة الفخار حتى اليوم.

يُذكر أن فيلم «حرفة الفخار» جاء ضمن سلسلة أفلام «عارف» الوثائقية التي تقدّمها مكتبة الإسكندرية في حدود 3 دقائق. كما أصدرت من قبل عدة أفلام؛ من بينها: «هيباتيا»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«بورتريهات الفيوم»، و«رحلة مسلة»، و«الملك الذهبي - توت عنخ آمون»، وغيرها.


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».