«منمنمات شعبية»... معرض فني يرصد «الروح المصرية المبهجة»

يضم 25 لوحة... ويمزج بين «التعبيرية» والكاريكاتير

الغناء والرقص الشعبي في لوحات الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)
الغناء والرقص الشعبي في لوحات الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)
TT

«منمنمات شعبية»... معرض فني يرصد «الروح المصرية المبهجة»

الغناء والرقص الشعبي في لوحات الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)
الغناء والرقص الشعبي في لوحات الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)

«بائع العرقسوس»، و«طقوس الأفراح»، و«المولد»، و«الغناء الشعبي»... بهذه اللوحات أو اللقطات المأخوذة من الشارع المصري، والمشاهد الحياتية، يطرح الفنان المصري محسن أبو العزم رؤية بصرية «مبهجة» في معرضه «منمنمات شعبية» بالقاهرة.

عبر 25 عملاً، يستدعي الفنان «الروح المصرية» بطريقته المميزة التي وصفها بأنها تنتمي للمدرسة «الواقعية الشعبية»، معلياً من قيمة التفاصيل البسيطة، ومستخدماً النسب بطريقة مبالغ فيها للتعبير عن المعنى الذي يريده.

يصف أبو العزم تجربته في هذا المعرض الذي استمر لنحو شهر حتى الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري، في «غاليري ضي» (أتيليه العرب للثقافة والفنون) بالزمالك (وسط القاهرة)، قائلاً: «هذا المعرض هو امتداد لمشروعي الفني القائم على تصوير الحياة الشعبية المصرية، ليس من أجل تسجيلها ولكن للتعبير عنها».

«بائع العرقسوس» من لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو العزم لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الأسلوب ارتبطت به لحبي لـ(الواقعية الشعبية) مع شيء من المبالغة للتأكيد على شيء معين، مثل المبالغة في الفكرة أو في الشكل، خصوصاً في الأطراف أو تعبيرات الوجه، للتأكيد على شيء معين، أو للتعبير عن الفرح أو الغضب أو غيرهما من المشاعر».

يعلي المعرض من قيمة المرأة ويرصدها في أكثر من عمل بملامح بارزة وانفعالات ومشاعر جياشة، وهو ما يعدّه الفنان «نوعاً من الاحتفاء بالمرأة مع رصد مراحلها المختلفة، فهي قبل الزواج مختلفة عما بعده، من حيث الاهتمام بنفسها وجسدها، فحين تتزوج المرأة ينصرف اهتمامها عن نفسها إلى مسؤولياتها، فتكتسب قدراً من البدانة دون أن تشعر، وأحب دائماً رسم المرأة إما بدينة جداً أو نحيفة جداً، لإبراز الجسد بطريقة مميزة».

«موكب المولد» من أعمال الفنان محسن أبو العزم (الشرق الأوسط)

بعض الجمهور والنقاد يعتبرون هذا النوع من الفن أقرب لـ«الكاريكاتير»؛ نظراً لما فيه من مبالغة في بعض التفاصيل، ويرى أبو العزم أن «الرسم الكاريكاتيري بهدف المبالغة مسوغ للتعبير عن الحالة الفنية، وهو مختلف عن الرسم الكاريكاتيري بالصحف، والذي يطلق عليه (كارتون) للتعبير عن مواقف ساخرة أو قضايا معينة».

اتجاه الواقعية الشعبية ازدهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان من رواد هذه المدرسة غوستاف كوربيه في فرنسا، وجاءت رداً على الرومانسية التي كانت غارقة في عالم خيالي قبل الثورة الصناعية؛ إذ أدت هذه الثورة إلى تقسيم المجتمع لطبقتين هما الغنية والفقيرة، وجاءت هذه المدرسة للتعبير عن الطبقة الفقيرة، وفق أبو العزم.

التعبير عن الواقعية ولكن بشيء من المبالغة أسلوب يعتمده الفنان، ويظهر في بعض أعماله مثل «موكب المولد» حيث تبدو حركات وأطراف الشخوص في اللوحة مبالغاً في حجمها للتعبير عن الفرح والسعادة والاحتفاء بهذا الحدث، وكذلك في لوحات طقوس الفرح تبدو ملامح العروس بارزة ومبالغاً فيها للتعبير عن الجمال، وكذلك ملامح الضيوف تعبيراً عن السعادة.

لوحات الفنان ترصد مظاهر وطقوس الأفراح (الشرق الأوسط)

من الفنانين المصريين البارزين في هذه المدرسة حسين بيكار ومصطفى حسين وغيرهما ممن عبروا عن الواقع المصري بطريقة لا تخلو من مبالغة للتعبير عن معانٍ بعينها، بحسب الفنان.

طقوس الأفراح الشعبية المصرية (الشرق الأوسط)

وعن اللوحة التي يعتز بها جداً في هذا المعرض، يتحدث أبو العزم خصوصاً عن لوحة «كعك العروسة» ويقول: «كل اللوحات الموجودة في المعرض تعبر عن مواقف واقعية، لكن كعك العروسة من الطقوس المهمة التي يشترك فيها أهل العروسة والجيران، وتكون العروسة في كامل زينتها إظهاراً للفرحة».

ويعدّ هذا المعرض رقم 14 بالنسبة للفنان المصري الذي سبق أن قدم العديد من المعارض بأسلوبه المميز. وعمل أبو العزم رساماً في مجلات «صباح الخير» و«روزاليوسف» و«علاء الدين»، وجريدة «أخبار اليوم».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

بات «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، يشكل تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الطبيعة بريشة الفنانة البرازيلية (متحف لوكسمبورغ)

تارسيلا دو أمارال... الفنانة المتمردة التي رسمت البرازيل

يأتي معرض الرسامة البرازيلية تارسيلا دو أمارال، في متحف دوقية لوكسمبورغ، ليشيع دفئاً لاتينياً جنوبياً يأخذ زواره إلى بقاع تحب الألوان الحارة والإيقاعات البدائية

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من معرض «آدم حنين... سنوات باريس» (مكتبة الإسكندرية)

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

تعكس أعماله الفنّية سمات ميَّزت آدم حنين في التصوير والنحت، إذ تكشف غلبة التجريد على لوحاته التصويرية، وسعيه إلى الوصول نحو آفاق روحية بالغة السمو والإنسانية.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق ضمَّن الفنان السوري محمد حافظ فنّه لوعة تعذُّر النسيان (موقعه الإلكتروني)

«الوطن في حقيبة»... مطالبة فنّية برفع الحظر عن الانتماء

سنوات مرَّت ومحمد حافظ سوريٌّ جداً، في عزّ إمكان بزوغ الخيار الآخر؛ كأنْ يتغاضى مثلاً، أو يُشفى بعض الشيء من مرارة الأوطان. فنُّه عزاء لروحه المشتاقة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».