«حيث يكون الانتماء»... محاولة بيروتية لتقليص الخراب

معرض جماعي يرى الحياة من نوافذ الرأس الباحث عن الجمال

لوحة الرسام اللبناني عماد فخري تختزل العلاقة الخاصة بين الكلب والإنسان (الشرق الأوسط)
لوحة الرسام اللبناني عماد فخري تختزل العلاقة الخاصة بين الكلب والإنسان (الشرق الأوسط)
TT

«حيث يكون الانتماء»... محاولة بيروتية لتقليص الخراب

لوحة الرسام اللبناني عماد فخري تختزل العلاقة الخاصة بين الكلب والإنسان (الشرق الأوسط)
لوحة الرسام اللبناني عماد فخري تختزل العلاقة الخاصة بين الكلب والإنسان (الشرق الأوسط)

أيقظت زحمة الطريق المؤدّية إلى الجمّيزة في الأيام الفاصلة بين العيدَيْن، شعورَ استعادةٍ ما. كان نقيضُ الإحساس بالانطفاء ينتظر الآتين إلى غاليري «آرت أون 56» على طول الشارع المُضيء نحو تلك المنطقة البيروتية. إقامة معرض «حيث يكون الانتماء»، مع تركيبة الزِّينة والضوء وطغيان مفهوم اللون، هزَّت ما يحلُّ إنسانياً حين يعتري الخراب الداخل ويحدُث التشظّي على مساحات شاسعة.

يشكّل المعرض مصافحة أولى مع النجاة من الحريق (الشرق الأوسط)

الناس في المعرض يتصافحون على وَقْع تشارُك استعادة الحياة. لم يُغلق الغاليري بابه رافضاً إعلان اليأس، وكل ما حوله نارٌ ودخان. مع ذلك، يشكّل معرض «حيث يكون الانتماء» المستمرّ حتى 11 يناير (كانون الثاني) المقبل، مصافحة أولى مع النجاة من الحريق. أعمال فنية تتيح للجدران قدراً آخر غيره التهشُّم بالحروب؛ يرمقها مشتاقون إلى مشهد ينتشل بيروتهم من أحزان لا تليق بمدن البهجات. معرضٌ لمجموعة فنانين يحمل رسالة أمل للبنان ودوام الجَمعة الحلوة.

أعمال فنية تتيح للجدران قدراً آخر غيره التهشُّم بالحروب (الشرق الأوسط)

تخرُج من وجوهٍ معلَّقة في إطار نظرات ريبة، مُغمَّسةً بقلق، لكنها مستعدّة للحظة صفاء مرجوَّة. يصعب مَنْح المعرض انطباعاً واحداً، ففيه تختلط الانطباعات بتعدُّد الأمزجة والإسقاطات والأساليب المُتَّبعة. على جدران الغاليري ما يهمس بالحياة؛ وهي الثابت الوحيد. حتى النظرات الشاردة على وجوهٍ ممسوحة بالحزن، تتمسّك بهذا الهَمْس الحيّ وتتحلّى بنبضه، كأنها به تطوي الصفحة الأليمة.

معرضٌ لمجموعة فنانين يحمل رسالة أمل إلى لبنان (الشرق الأوسط)

تقف لوحتان للرسامة اللبنانية رنا روضة، وُلدت الأولى قبل الثانية بعقد، على مسافة قريبة إحداهما من الأخرى. واحدة تُبيّن أشجاراً لا ندري أتتقارب أم تتباعد وسط مساحة طبيعية عصية على تحديدها، وأخرى من الصنف التجريدي التعبيري المُحمَّل بالتأويل. تقول الفنانة لـ«الشرق الأوسط» إنّ الحياة تُرغم المرء على مواصلتها من دون أن تعني المواصلة نسيان الألم. تختار من المفردات اللبنانية، «الجَعْلكة» (فوضوية الملابس التي تسبق كيّها)، لوصف المصائر جراء الحرب: «جميعنا تَجَعْلَكنا، والعون لمَن هدَّه التحمُّل. نحن هنا لأننا نجيد المحاولات. أرسم منذ زمن، والرسم حقيقتي. تهمّني الألوان وشفافيتها، واستطعتُ الاستمرار وفق تطلّعاتي. البُعد في اللوحة قابل للتفسير بالارتكاز إلى المتلقّي وما مرَّ به. لكنه بُعد واضح. قراءة اللوحة ليست مَهمّة العقل. يتولّى القلب مَهمّتَي اللمس والفَهم».

لوحة لرنا روضة من الصنف التجريدي التعبيري المُحمَّل بالتأويل (الشرق الأوسط)

بجوارها، يتأمّل الرسام اللبناني عماد فخري انطباع الزوّار حول لوحته المعروضة بحجم كبير؛ تُبرز كلباً على علاقة خاصة بإنسان. تُعمّق هذه العلاقة رغبةُ الفنان بالدعوة إلى «تواصل حقيقي» بين البشر يُعوّض سطوة العلاقات الافتراضية والتحاكي من خلف الشاشات. ففي معرض فرديّ له، قدَّم الشخص بصورة «أصلية» خارج الأجهزة وسلطانها، مغلِّباً التواصل المباشر على شكله الوسائطي. بين اللوحات ما يُجسِّد نُبل العلاقة بين بشرّي وكلب، والوفاء المتبادل والتواصل بلا لغة. يقول الرسام لـ«الشرق الأوسط»: «أحاكي الإنسان عبر الإنسان. قد لا تتداخل مشهدية الحرب مثلاً، بشكلها الصريح في فنّي، لكنّ التداعيات شديدة السطوع. وقد لا يؤرّقني رسم المستقبل أيضاً، وإنما الواقع. علاقة أخرى تستهويني هي ما يجمع المُجرَّد بالحياة. أبحث عن الملمس وأجرِّب المادة لأبلغ النتيجة المُشتهاة. الإنسان حاضر دائماً».

تخرُج من وجوهٍ معلَّقة في إطار نظرات ريبة مُغمَّسةً بقلق (الشرق الأوسط)

تُنادي المتجوِّل في المعرض لوحاتٌ بألوان دافئة، تبدو من عالم آخر يحكمه الخير. نسأل صاحبها الرسام اللبناني وسام بيضون؛ هل يمارس هروباً من الواقع تتعمّده ريشته ليشعر بنجاته؟ يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ الواقع في رأسه زهورٌ وألوانٌ، وبإمكانه التغلُّب على الشرّ ما دام يرى العالم من نوافذ هذا الرأس. تتبنّى زهوره «وظيفة» دفاعية في مواجهة الخراب العميم، متناغمةً مع فلسفته القائلة إنّ «الجمال وحده يبقى وكل قبح إلى زوال». يعود إلى «طبيعة البشر المنجذبة إلى الفنّ والثقافة والجماليات»؛ وبنظره إلى الجبال مثلاً، يلمح فيها الإبداع الخُلقي، فيرسمها بمثالية موازية. يُريحه أنّ الوقت يصبح متاحاً للبدء من جديد وإعادة لملمة ما تبعثر، فيحاول محو البشاعة وإيجاد مساحة للون الدافئ والمشهد البديع والشعور الإنساني بالسلام.

الواقع في رأس الفنان وسام بيضون زهورٌ وألوانٌ (الشرق الأوسط)

تُنادي المتجوِّل في المعرض لوحاتٌ بألوان دافئة رسمها وسام بيضون (الشرق الأوسط)

لوحاتٌ وبعض المنحوتات في المكان، تمنحه سطوة على خارجٍ لم يدرك الشفاء بعد. بينها تتنقّل صاحبة الغاليري نهى وادي محرّم؛ تُصافح، تتأمل العيون، وترجو دوام الزحمة. تؤكد لـ«الشرق الأوسط» إمكانَ انتشال الإنسان بالفنّ والسكينة، وإنْ اهتزَّت من تحت قدميه الأرض. الاهتزاز المُتمثّل بالعنف والحروب وإجهاض الأحلام، تستطيع لوحةٌ أن تمنحه بلسمة. تدرك أنّ تلك الـ«كيب غوينغ» (واصل المسير) ليست بالأمر السهل. مُعذِّبة، مع كل خطوة نحو الحياة: «الفن يُسرِّع الشفاء. أردتُ معرضاً بعنوان (حيث يكون الانتماء) لنشعر بالأمل. سنظلّ نصدّقه على أي حال».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

بات «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، يشكل تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الطبيعة بريشة الفنانة البرازيلية (متحف لوكسمبورغ)

تارسيلا دو أمارال... الفنانة المتمردة التي رسمت البرازيل

يأتي معرض الرسامة البرازيلية تارسيلا دو أمارال، في متحف دوقية لوكسمبورغ، ليشيع دفئاً لاتينياً جنوبياً يأخذ زواره إلى بقاع تحب الألوان الحارة والإيقاعات البدائية

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من معرض «آدم حنين... سنوات باريس» (مكتبة الإسكندرية)

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

تعكس أعماله الفنّية سمات ميَّزت آدم حنين في التصوير والنحت، إذ تكشف غلبة التجريد على لوحاته التصويرية، وسعيه إلى الوصول نحو آفاق روحية بالغة السمو والإنسانية.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق ضمَّن الفنان السوري محمد حافظ فنّه لوعة تعذُّر النسيان (موقعه الإلكتروني)

«الوطن في حقيبة»... مطالبة فنّية برفع الحظر عن الانتماء

سنوات مرَّت ومحمد حافظ سوريٌّ جداً، في عزّ إمكان بزوغ الخيار الآخر؛ كأنْ يتغاضى مثلاً، أو يُشفى بعض الشيء من مرارة الأوطان. فنُّه عزاء لروحه المشتاقة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

تامر حسني ورامي صبري يخطفان الاهتمام في «فعلاً ما بيتنسيش»

المُلصق الترويجي للأغنية (حساب تامر حسني بفيسبوك)
المُلصق الترويجي للأغنية (حساب تامر حسني بفيسبوك)
TT

تامر حسني ورامي صبري يخطفان الاهتمام في «فعلاً ما بيتنسيش»

المُلصق الترويجي للأغنية (حساب تامر حسني بفيسبوك)
المُلصق الترويجي للأغنية (حساب تامر حسني بفيسبوك)

تصدّرت أغنية «فعلاً ما بيتنسيش» التي جمعت تامر حسني ورامي صبري في «ديو غنائي» للمرة الأولى في مشوارهما، «تريند» موقع «يوتيوب»؛ وخطفت الأغنية الاهتمام مُحقّقة مشاهدات تجاوزت 600 ألف مشاهدة بعد طرحها بساعات. وهي من كلمات عمرو تيام، وألحان شادي حسن. ويدور الكليب الغنائي الذي أخرجه تامر حسني حول علاقات الحب والهجر والندم.

وتعليقاً على فكرة «الديوهات الغنائية» ومدى نجاحها مقارنة بالأغنيات المنفردة، قال الشاعر المصري صلاح عطية إن «فكرة الديو الغنائي بشكلٍ عام جيدة وتلقى تجاوباً من الجمهور حين يكون الموضوع جيداً ومُقدماً بشكل مختلف».

تامر حسني ورامي صبري في لقطة من كليب «فعلاً ما بيتنسيش» (يوتيوب)

ويؤكد عطية أن «الديو» ينتشر أولاً بنجومية مطربيه وجماهريته، ومن ثَمّ جودة العمل. وفي ديو «فعلاً ما بيتنسيش» للنجمين تامر ورامي، قُدّم العمل بشكل يُناسب إمكاناتهما الصّوتية ونجوميتهما، كما أنه خطوة جيدة وستكون حافزاً لغيرهما من النجوم لتقديم أعمالٍ مشابهة.

وشارك تامر حسني فيديوهات كثيرة لتفاعل الجمهور مع ديو «فعلاً ما بيتنسيش»، عبر حسابه الرسمي في موقع «فيسبوك»، وكتب تعليقاً عبر خاصية «ستوري» لأحد متابعيه بعد إشادته بالديو جاء فيه: «منذ 10 أشهرٍ وأنا أعمل وأفكر مع رامي لتقديم عملٍ يليق بالجماهير الغالية السَّمّيعة».

رامي صبري في لقطة من الكليب (يوتيوب)

وبعيداً عن الإصدارات الغنائية، ينتظر تامر حسني عرض أحدث أعماله السينمائية «ري ستارت». وبدأ حسني مشواره الفني مطلع الألفية الجديدة، وقدّم بطولة أفلام سينمائية عدّة، من بينها «سيد العاطفي» و«عمر وسلمى» و«كابتن هيما» و«نور عيني» و«البدلة» و«الفلوس» و«مش أنا» و«بحبك» و«تاج».

«ولأن الديو وغيره من الألوان مثل (الموشّحات والدور والقصيدة)، لم يعد لها في السنوات الأخيرة وجود لافت على الساحة، فإنه عندما يقدّم أحد النجوم عملاً حقيقياً وصادقاً فإنه يلمس الوتر عند الجمهور ويحقّق النجاح، وهذا ما فعله تامر ورامي»، وفق أحمد السماحي، الناقد الفني المصري.

وتابع السماحي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «ديو (فعلاً ما بيتنسيش) عملٌ مناسبٌ للأجواء الشتوية، ويتضمّن كلمات هادفة وموضوعاً مهماً مثل (عدم تقدير الحبيب) والندم على ذلك». كما أشاد السماحي بأداء رامي وتامر في الكليب، خصوصاً أن قصته يعاني منها شباب كثر، وظهورهما معاً أظهر فكرة المعاناة في بعض العلاقات العاطفية.

تامر حسني (حسابه في فيسبوك)

لم يكن ديو رامي وتامر الأول في مسيرة الأخير، فقد شارك خلال مشواره في أعمالٍ غنائية مع عدد من الفنانين، من بينهم شيرين عبد الوهاب وعلاء عبد الخالق وكريم محسن والشاب خالد وأحمد شيبة ومصطفى حجاج وبهاء سلطان وغيرهم.

في حين بدأ رامي صبري مشواره بالتلحين، وقدّم بعد ذلك أغنيات خاصة به، من بينها «حياتي مش تمام»، و«لما بيوحشني»، و«أنتي جنان»، و«بحكي عليكي»، و«غريب الحب». وقبل يومين، شارك صبري في حفلٍ غنائيٍّ على مسرح «أبو بكر سالم»، جمعه بالفنانة اللبنانية نانسي عجرم ضمن فعاليات «موسم الرياض».

من جانبها، نوّهت الدكتورة ياسمين فراج، أستاذة النقد الموسيقيّ في أكاديمية الفنون، بأنه لا يمكننا إطلاق مصطلح «ديو غنائي» على أغنية «فعلاً ما بيتنسيش» التي جمعت رامي وتامر، فهي أغنية تصلح لمطرب واحد، مشيرة إلى أن «الديو له معايير أخرى تبدأ من النّص الشعري الذي يتضمّن السؤال والجواب والحوار».

ولفتت ياسمين فراج، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مشاركة نجمين من الجيل نفسه في أغنية، تُوحي بالترابط بينهما، ووجودهما على الساحة له مردودٌ إيجابي جاذبٌ للناس نظراً لجماهيريتهما التي رفعت من أسهم الأغنية سريعاً».

تامر حسني ورامي صبري في لقطة من كليب الأغنية (يوتيوب)

ووفق عطية، فإن «فكرة الديوهات قُدّمت منذ زمن طويل وجمعت نجوماً، من بينهم محمد فوزي وليلى مراد في أغنية «شحّات الغرام»، وفريد الأطرش وشادية في أغنية «يا سلام على حبي وحبك»، وحتى في تسعينات القرن الماضي، قدّم الفنان حميد الشاعري كثيراً من الديوهات أشهرها «عيني» مع هشام عباس، و«بتكلم جد» مع سيمون.

وأفاد عطية بأن هناك ديوهات حققت نجاحاً لافتاً من بينها أغنية «مين حبيبي أنا» التي جمعت وائل كفوري ونوال الزغبي، و«غمّض عينيك» لمجد القاسم ومي كساب، حتى في نوعية المهرجانات شارك عمر كمال وحسن شاكوش في أغنية «بنت الجيران».