«الحبّار 2» يقع ضحيّة لعبته... المسلسل العائد بعد 3 سنوات يخسر عنصر الدهشة

انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)
انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)
TT

«الحبّار 2» يقع ضحيّة لعبته... المسلسل العائد بعد 3 سنوات يخسر عنصر الدهشة

انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)
انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)

في سبتمبر (أيلول) 2021، اجتاح العالم تسونامي على هيئة مسلسل. خرج Squid Game (لعبة الحبّار) من أحد الاستوديوهات المغمورة في كوريا الجنوبية ليتحوّل، من دون سابق تصوّر وتصميم، إلى ظاهرة عابرة للقارات شبّثت المشاهدين، صغاراً وكباراً، أمام شاشة «نتفليكس».

هذا المسلسل ذو الحبكة الخارجة عن المألوف لم يحظَ حينذاك بميزانيةٍ تُذكر، ولا بأي حملةٍ إعلانيّة من قبل المنصة العالمية. رغم ذلك، فهو تحوّل خلال أسابيع إلى أحد أشهر المسلسلات وأكثرها مشاهدةً في تاريخ «نتفليكس».

الممثل لي جونغ جي بشخصية «جي هون» والحاصل على جائزة «إيمي» عن أدائه في الموسم الأول (نتفليكس)

عودة لأسباب مادية

أمام ذلك النجاح غير المسبوق، كان لا بدّ من إقناع مؤلّف ومخرج العمل هوانغ دونغ هيوك بحتميّة ابتكار مواسم إضافيّة من «لعبة الحبّار». لكن يبدو أن الرجل اقتنع على مضض، وليس لأسبابٍ فنية وإبداعية، بقَدر ما هي مادية. ففي مجموعةٍ من الحوارات الصحافية التي أجراها مؤخراً، قال هيوك إنه لم تكن لديه نيّة تصوير جزءٍ ثانٍ. وأشار إلى أنه وقّع على اتفاقية استكمال المسلسل، فقط لأنه شعر بأنه لم يحصل على ما يستحقّه مادياً بعد النجاح المدوّي للموسم الأول.

يأتي الموسم الثاني من «لعبة الحبّار» ليترجم كلام هيوك، فبَريقُ النسخة الجديدة لا يُقارن بما سبق قبل 3 سنوات، على الرغم من الميزانية الضخمة التي خُصصت له. لم يخفت الوهج بسبب الوقت الطويل الذي فصلَ ما بين الموسمين، بل لأسبابٍ تتعلّق بتكرار السرديّة والمؤثرات البصرية وبغياب عنصر الدهشة.

لاعبون جدد

بعد أن خرج البطل «جي هون» من الموسم الأول فائزاً بالجائزة الكبرى، مخلّفاً وراءه منافسيه ضحايا اللعبة القاتلة، ها هو يعود من جديد ومن دون أن يتعمّد ذلك. هو الذي كان محمّلاً بالديون بسبب إدمانه على المقامرة، لم يستمتع بملايينه، بل خبّأ بعضها في فرشة متسخة وأنفق البعض الآخر على خطة انتقام ممّن ورّطوه في اللعبة المميتة. لا يريد الربح هذه المرة، بل وضع حَدّ لدمويّةِ ما يجري، ومواجهة «الرجل الأمامي» المسؤول عن إيقاع المتبارين في شرك «لعبة الحبّار».

انضمّ إليه لاعبون جدد، يحمل كلٌ منهم معاناةً دفعته للمشاركة في لعبةٍ تقتضي قواعدها التخلّص من المنافسين، بهدف تحقيق الفوز المادّي. من بين هؤلاء امرأة هاربة من كوريا الشمالية، ورسّامٌ يعمل في متنزه بحاجة إلى المال من أجل علاج ابنته المصابة بالسرطان، إضافةً إلى مشاهير خسروا ثرواتهم في بورصة العملة الرقميّة. ومن بين المتنافسين شابةٌ حامل تخفي بطنها المنتفخ تحت رداء اللعبة الواسع.

يتسلّح الموسم الثاني بمجموعة من الشخصيات الجديدة التي تحمل كل منها حكاية (نتفليكس)

استحالة استنساخ الصدمة

إذا كان الموسم الأول قد أحدثَ صدمةً على مستويَي الشكل والمضمون، فإنّ الموسم الثاني لا يفعل سوى اجترار عناصر الدهشة ذاتها التي أتى بها سابقُه. يسترجع المسلسل «يونغ هي» الدمية الضخمة المسؤولة عن لعبة الضوء الأخضر والضوء الأحمر. كما يستحضر الألوان والأزياء والموسيقى الجذّابة التي عُرف بها، وهو يستفيض في استهلاك العنف والدماء.

صحيحٌ أنّ الموسم الجديد يستحدث بعض الألعاب ويقدّم حبكة متمايزة، إلّا أنّ مَن قرر الجلوس أمام الشاشة لاكتشاف محتوىً مختلف عمّا سبق، سيخرج خائباً. الإبهار البصريّ هو هو، والإكسسوارات الجذّابة لم تتبدّل. إذا أراد المشاهد أن يكون واقعياً، فلا بدّ له من الاستيعاب أنه من المستحيل أن تُحدث نسخة جديدة من «Squid Game» الصدمة ذاتها التي أحدثَتها النسخة الأصلية عام 2021.

يبدو مستحيلاً على الموسم الجديد صناعة الصدمة التي أحدثها الموسم الأول (نتفليكس)

«حبّار» يبيض ذهباً

إضافةً إلى شرك التكرار الذي بدا الهروب منه صعباً، يقع الموسم الجديد في فخّ البطء. الرتابة هي سيّدة الموقف على امتداد الحلقات الـ7، ولا تطوّرات محوَريّة تُذكر قبل خط النهاية؛ ما يوحي بأنّ الموسم الثاني ليس سوى جسرٍ يمتدّ ما بين الجزءَين الأوّل والثالث، والذي من المتوقّع أن يُعرض خلال 2025. وكأنّ أحداث هذا الموسم خالية من الدسم وهي مجرّد مقبّلات لما سيَلي، لا سيّما أنّ النهاية تبدو مبتورة.

لكن بعد ما شاهده الجمهور في الموسم الثاني، فإنّ توقّعاتهم ستتراجع على الأرجح، إذ من المستبعَد أن يعلّقوا آمالاً على أي نسخة آتية من «لعبة الحبّار». بعض المسلسلات لم يُكتب لها أن تفرز مواسم جديدة، إنما عليها الاكتفاء بمجد الموسم الواحد. غير أنّه كان من المستحيل على «نتفليكس» الاقتناع بتلك النظريّة، فهي وجدت في المسلسل الكوريّ دجاجةً تبيض ذهباً، فكان لا بدّ من إعادة التجربة.

من المتوقع أن يُعرض الموسم الثالث من «Squid Game» خلال 2025 (نتفليكس)

تدمير ذاتيّ

بمجرّد أن اتُّخذ قرار إنتاج موسمٍ ثانٍ منه، كان قد وقع «الحبّار» ضحيّة لعبته. فالمسلسل الذي ابتُكر أساساً لانتقاد الأنظمة الرأسمالية التي تجعل الناس تتقاتل من أجل المال، تجرّع بدوره سمّ المال. السبب الأساسي الذي أعاده إلى الشاشة هو أنه مشروع تلفزيوني وترفيهي مُربح.

العلامة التجارية Squid Game غلبت Squid Game المسلسل، ليناقض المشروع بذلك ما جاء ليقوله بالأساس. فإذا كان النقد اللاذع لمفاهيم الطمع، وجمع الثروات بالعنف، واستغلال الطبقات الفقيرة من أجل ترفيه الأغنياء، هو في صلب السرديّة، لا بل الهدف الأساس منها، ها هو يضمحلّ ويصبح صعب التصديق. لقد قوّض مشروع «الحبّار» التجاري المستجدّ فكرته الأصليّة الهادفة.

تطرأ على شخصية «الرجل الأمامي» تحوّلات جذرية في هذا الموسم (نتفليكس)

بعد أيام على انطلاقة عرضه، ليس من المستغرب أن يتصدّر «لعبة الحبّار» المسلسلات الأكثر مشاهدةً على «نتفليكس» في عددٍ من دول العالم. للعمل جمهورٌ واسع استفاقت لديه النوستالجيا إلى تلك الظاهرة التي اجتاحت الكوكب، بالتوازي مع الحجر المنزلي الذي فرضته جائحة «كورونا».

ربما لم يُشبع الموسم الثاني فضول هذا الجمهور، إلّا أنه حاول تقديم عناصر جديدة كالشخصيات المتنوّعة التي انضمّت إلى «جي هون»، والتحوّل الجذري الذي طرأ على الحبكة الخاصة بـ«الرجل الأمامي»، إضافةً إلى بعض التعديلات المفاجئة في شروط اللعبة. لكنّ كل ذلك لم يكن كفيلاً باستنهاض السحر الذي صنعه «الحبّار» الأصليّ.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

يوميات الشرق ابتسامةٌ للحياة (أ.ف.ب)

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

أعلنت ميغان ماركل عن بدء عرض مسلسلها المُتمحور حول شغفها بالطهو، وذلك في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي عبر منصة «نتفليكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جردة مسلسلات 2024 وروزنامة 2025... الختام مع «الحبّار» والافتتاح مع «هارفي سبيكتر»

جردة مسلسلات 2024 وروزنامة 2025... الختام مع «الحبّار» والافتتاح مع «هارفي سبيكتر»

أي من مسلسلات 2024 كانت الأقوى؟ وما الإنتاجات الكبرى التي ينتظرها مشاهدو المنصات في 2025؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
TT

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم. فمنذ أيام الفراعنة، وتحديداً في نقادة سنة 3725 قبل الميلاد، ظهر الفخار الأحمر المصنوع من طمي النيل أو طمي وديان الصحراء الغربية الذي يتمّ تجفيفه وطحنه وعجنه بالمياه ويتشكّل بالطريقة التي يريدها الصانع.

يصف الفيلم هذه المهنة بأنها مفتاح للحضارات، فلا توجد حضارة قديمة إلا واهتمت بهذه الحرفة، خصوصاً مصر التي صدّرت الفخار إلى الكثير من حضارات العالم القديم، خصوصاً في الشام وبلاد ما بين النهرَيْن وآسيا الوسطى.

ويُعد الفيلم الذي أنتجه مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري بمكتبة الإسكندرية، امتداداً لسلسلة أفلام تتناول الحضارة المصرية على امتداد الزمن، بكل ما فيها من فنون وحرف وأحداث وأماكن وشخصيات مميّزة، مع التركيز على الأبعاد التاريخية والتوثيقية للموضوع الذي يجري تناوله.

مراحل صنع الفخار لدى المصريين القدماء (مكتبة الإسكندرية)

ويقول مدير مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري، المشرف على مشروع الأفلام الوثائقية، الدكتور أيمن سليمان، إن «الفيلم يشير إلى إبداعات الأجداد في حرف يدوية أصيلة، تُعد شاهدة على عظمة الحضارة المصرية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «صناعة الفخار في صدارة هذه الحرف التراثية، بصفتها أقدم الفنون التي أبدعها الإنسان، وألهمت حضارات بأكملها عبر آلاف السنين».

كان الفخار أكثر من مجرد أداة، بل كان لساناً ناطقاً يحكي قصة تفاعل الإنسان المصري مع بيئته، ويروي رحلة تطور فني وتقني لا مثيل لها، وفق سليمان.

ويشير الفيلم إلى مراحل تطور صناعة الفخار، بداية من صناعة الآنية البسيطة وحتى تزيينها بالكثير من الأشكال؛ مثل: الحيوانات والنباتات الموجودة في الطبيعة، واستخدام الفخار في التخزين، وكان يتمّ ختم الأواني الفخارية الموجود بها مواد غذائية للتعريف بتاريخ الإنتاج.

ويوضح سليمان أن «الفيلم الوثائقي الجديد يتتبع مسيرة الفخار في مصر انطلاقاً من عهد المصريين القدماء، مروراً بمختلف الحقب التاريخية، وصولاً إلى يومنا هذا؛ حيث بدأت قصة حرفة الفخار في مدينة نقادة التاريخية، ومع تعاقب العصور، تطوّرت هذه الصناعة العريقة لتشمل قطعاً فخارية ذات رسومات بديعة مستوحاة من وحي الطبيعة، تجسّد صوراً للمراكب والحيوانات والطيور، وتعكس نظرة المصري القديم إلى عالمه المحيط».

صناعة الفخار حرفة ممتدة عبر الزمان (فيلم وثائقي في مكتبة الإسكندرية)

ومع دخول اليونان إلى مصر، ومن بعدها الرومان، تطورت صناعة الفخار، وأصبح أخف وزناً، وله لمعان وبريق، وتميّز بالزخارف المتعددة على سطحه. وفي الفترة المسيحية أخذ الكثير من الرموز القبطية، مثل: عناقيد العنب وأغصان الكروم، وغيرها من العناصر النباتية، ومع الحضارة الإسلامية اشتهرت وتطورت صناعة الفخار. وعُرف الفخاريّة بالاسم مثل مسلم بن الدهان، وظلّت الفسطاط أول عاصمة للحضارة الإسلامية في مصر مركزاً لصناعة الفخار حتى اليوم.

يُذكر أن فيلم «حرفة الفخار» جاء ضمن سلسلة أفلام «عارف» الوثائقية التي تقدّمها مكتبة الإسكندرية في حدود 3 دقائق. كما أصدرت من قبل عدة أفلام؛ من بينها: «هيباتيا»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«بورتريهات الفيوم»، و«رحلة مسلة»، و«الملك الذهبي - توت عنخ آمون»، وغيرها.