فصيلة «خارقة» من البشر لا يحتاجون إلى نوم ساعات طويلة

دون تأثير على صحتهم أو ترك شعور لديهم بالإرهاق

اكتشف العلماء 7 جينات مختلفة ترتبط بقلة ساعات النوم (غيتي)
اكتشف العلماء 7 جينات مختلفة ترتبط بقلة ساعات النوم (غيتي)
TT

فصيلة «خارقة» من البشر لا يحتاجون إلى نوم ساعات طويلة

اكتشف العلماء 7 جينات مختلفة ترتبط بقلة ساعات النوم (غيتي)
اكتشف العلماء 7 جينات مختلفة ترتبط بقلة ساعات النوم (غيتي)

«يحتاج الإنسان إلى النوم ما بين 7 و9 ساعات ليلاً؛ ليتمكّن من استعادة نشاطه والحفاظ على صحته»... هذا ما نسمعه دوماً. وهناك اعتقاد سائد، كأنه قاعدة لا تقبل الكسر، هو أن النوم لفترة أقل تترتب عليه مشكلات صحية على المديين القصير والطويل، وأعراض مثل، ضعف الذاكرة، والاكتئاب، والخرف، وأمراض القلب، وضعف جهاز المناعة... بيد أن العلماء توصّلوا، خلال السنوات الأخيرة، إلى وجود «فصيلة» من البشر لا يحتاجون إلى نوم فترات طويلة، ولا تتأثر صحتهم بقلّة ساعاته، وفق «وكالة الأنباء الألمانية».

وهذه الفئة من البشر، وفق العلماء، مجهّزون جينياً للنوم من 4 إلى 6 ساعات فقط ليلاً، من دون أن يؤثّر ذلك على صحتهم أو أن يترك لديهم شعوراً بالإرهاق في اليوم التالي، ويقول الباحثون إن المسألة تتوقف لديهم على جودة النوم وليست على طول ساعاته.

«فصيلة» من البشر لا يحتاجون إلى نوم فترات طويلة (غيتي)

ويأمل الباحثون معرفة الأسباب التي تجعل هؤلاء الأشخاص أقل احتياجاً إلى النوم مقارنة بغيرهم، حتى يستطيعوا التوصل إلى فهم أفضل لطبيعة النوم لدى الإنسان.

يقول الباحث لويس بتسيك، اختصاصي طب الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو: «في الحقيقة نحن لا نفهم ماهية النوم، ناهيك بأسباب الاحتياج إليه، وهي مسألة مثيرة للدهشة، لا سيما أن البشر ينامون في المعتاد ثلث أعمارهم». وكان العلماء في الماضي يعتقدون أن النوم أكبر من مجرد فترة للراحة، ووصفوه بأنه مرحلة لخفض طاقة الجسم استعداداً لاستعادة النشاط مجدداً في اليوم التالي.

وكان العالم توماس أديسون، مخترع المصباح الكهربائي، يصف النوم بأنه «إهدار للوقت»؛ بل و«إرث من زمن رجل الكهف»، وكان يزعم أنه لا ينام أكثر من 4 ساعات ليلاً. بيد أن العلماء في العصر الحديث وصفوا النوم بأنه عملية «نشطة ومركبة» تُعبَّأ خلالها مخازن الطاقة في الجسم، ويُتخلص فيها من السّموم، وتُجدَّد في أثنائها الروابط العصبية وتُثبَّت الذكريات، وقالوا إن الحرمان منه تترتب عليه مشكلات صحية جسيمة.

مَن تزداد لديهم معدّلات إفراز هرمون «أوريكسين» لا يحتاجون لنوم ساعات طويلة (غيتي)

وترتبط معرفة البشر بالنوم بشكل أساسي بنموذج علمي طرحه الباحث المجري السويدي ألكسندر بوربيلي في سبعينات القرن الماضي، حين قال إن النوم يقترن بعمليتين منفصلتين؛ هما «الإيقاع اليومي»، ويقصد به الساعة البيولوجية للجسم، والتوازن بين النوم والاستيقاظ (Sleep Homeostasis)، وهو التفاعلات الجسمانية التي تتحكّم في توقيت وطول ساعات النوم؛ إذ يرتبط النظام الأول بتغيرات الضوء في البيئة وأوقات الليل والنهار، ويرتبط الثاني بضغوط جسمانية داخلية تزداد خلال الاستيقاظ وتنخفض في أثناء النوم.

وفي حديث للموقع الإلكتروني «Knowable Magazine»، يؤكّد الباحث لويس بتسيك، المختص في الأبحاث الطبية، أنهم كانوا على علم بأن البشر ينقسمون إلى «عصافير صباحية» و«بُومٍ ليلي»، وأن الغالبية العظمى تقع في منطقة متوسطة بين الشريحتين، مضيفاً أن «الفئة التي لا تحتاج إلى النوم فترات طويلة كانت دائماً موجودة، ولكنهم غير ملحوظين؛ لأنهم عادة لا يذهبون إلى الطبيب».

ووفق الموقع، فقد سُلّطت الأضواء على شريحة البشر الذين لا يحتاجون إلى النوم فترات طويلة؛ عندما توجهت امرأة مسنة للطبيب بتسيك وزميله ينغ هيو فو، اختصاصي علوم الوراثة، وهي تشكو من إصابتها بما وصفتها بـ«لعنة» قلّة النوم؛ إذ كانت تستيقظ في ساعات مبكرة للغاية وتعاني، على حد وصفها، من «برودة الجو والظلام والوحدة»، وأوضحت أن حفيدتها ورثت عنها عادات النوم نفسها لساعات محدودة. ويقول الباحث ينغ هيو فو إن طفرة جينية معينة اكتُشفت لدى هذه المرأة، وبمجرد نشر نتائج البحث، بدأ الآلاف من هذه الشريحة، التي تستيقظ باكراً للغاية، يكشفون عن أنفسهم. وربط الباحثان بتسيك وزميله ينغ هيو فو هذه الظاهرة باسم طفرة في أحد الجينات يعرف بـ«DEC.2».

وعن طريق تقنيات الهندسة الوراثية، أحدث الباحثان تعديلات الجين نفسه لدى الفئران، وترتب على ذلك أن تلك الفئران أصبحت هي الأخرى أقل احتياجاً إلى النوم مقارنة بأقرانها. وتبيّن للباحثين أن إحدى وظائف هذا الجين هي التحكم في مستويات أحد الهرمونات التي تُفرَز في المخ، ويعرف باسم «أوريكسين»، ويتمثل دوره في تنشيط اليقظة، في حين أن نقصه يؤدي إلى حالة مرضية تعرف باسم «Narcolepsy»؛ أي «التغفيق»، وهي اضطراب في النوم يؤدي إلى الشعور بالنّعاس الشديد خلال ساعات النهار. وكشفت التحليلات عن أن الأشخاص الذين لا يحتاجون إلى النوم ساعات طويلة تزداد لديهم معدّلات إفراز هرمون «أوريكسين».

ومع استمرار التجارب، اكتشف الفريق البحثي 7 جينات مختلفة ترتبط بقلة ساعات النوم، وركزوا على جين معين يطلق عليه اسم «ADRB1» وهو ينشط في جذع المخ، وتتمثل وظيفته في ضبط عملية النوم. وعندما استطاع الباحثون، عبر تقنية خاصة، تنشيط هذه المنطقة من المخ التي تسمى «Dorsal Pons»، اتضح أن الفئران التي لديها طفرة في هذا الجين كانت تستيقظ بشكل أسهل وتظلّ مستيقظة لفترات أطول. كما وجدوا أيضاً أن حدوث طفرة في الجين المعروف باسم «NPSR1» يؤدي إلى قلة ساعات النوم من دون أي مشكلات في الذاكرة، بعكس ما قد يحدث مع غالبية البشر في حال انخفاض عدد ساعات النوم التي يحصلون عليها.

ويؤكد الباحثون أن هذه الشريحة من البشر، كما أثبتت الاختبارات على فئران التجارب، محصّنون، فيما يبدو، ضد الأمراض التي تحدث بسبب قلة النوم، كما أن حالتهم الصحية تكون في العادة جيدة بشكل استثنائي، وعادة ما يتميزون بالطّموح والتفاؤل والطاقة، ويكتسبون مرونة نفسية لمقاومة التوتر، وقدرة عالية على تحمل الألم، بل ربما تكون أعمارهم أطول مقارنة بغيرهم.


مقالات ذات صلة

أغنى قطة في العالم... ثروتها ضعف ثروة توم هولاند

يوميات الشرق أوليفيا تُعدّ رسمياً أغنى قطة في العالم («إنستغرام» تايلور سويفت)

أغنى قطة في العالم... ثروتها ضعف ثروة توم هولاند

أصبحت أوليفيا بينسون قطة مشهورة ليس فقط لاعتمادها على مالكتها الشهيرة ذائعة الصيت بل لأنها القطة الأغنى في العالم لامتلاكها ثروة تقدر بنحو 77 مليون جنيه إسترليني بمجهودها

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق العلماء يرون أن هناك إمكانية لوجود حياة في الفضاء حتى من دون كواكب (أرشيفية - رويترز)

علماء: الكواكب قد لا تكون ضرورية للحياة

يرى علماء من جامعتَي هارفارد وأدنبره أن الكواكب قد لا تكون ضرورية للحياة، مشيرين إلى إمكانية وجود حياة في الفضاء، حتى من دون كواكب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق «كريسماس أون آيس» على الواجهة البحرية في بيروت (الشرق الأوسط)

بيروت تتخلّى عن عتمتها لتتألق من جديد

بعد تنفيذ قرار وقف إطلاق النار في لبنان تراجع منظمو المعارض والعروض الفنية والترفيهية عن قرارهم إلغاء مشروعاتهم، مما جعل بيروت تتألّق من جديد.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أليسمون مينيت والفطرة الضخمة في صورة على حسابها في «إنستغرام»

عائلة بريطانية تتغذى على فطرة ضخمة تزن 5 كيلوغرامات

تهوى عازفة الموسيقى أليسمون جمع الفطر، وحسب قولها فهي تعرف كيف تحدّد النّوع الصالح منه للأكل، ولا تخلط بينه وبين الفطر السّام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ملكة جمال فرنسا 2025 تحتفل بفوزها (أ.ف.ب)

ثلاثينية تخطف تاج جمال فرنسا

تنافست الحسناء الثلاثينية مع مرشحات يصغرنها بـ10 سنوات على الأقل. وانتهت التصفيات النهائية إلى 5 حسناوات يُمثّلن مناطق مختلفة من فرنسا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

سائقو الأجرة والإسعاف الأقل عرضة للوفاة بسبب ألزهايمر

سيارات إسعاف بالقرب من مستشفى في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
سيارات إسعاف بالقرب من مستشفى في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

سائقو الأجرة والإسعاف الأقل عرضة للوفاة بسبب ألزهايمر

سيارات إسعاف بالقرب من مستشفى في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
سيارات إسعاف بالقرب من مستشفى في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

سجّل سائقو سيارات الأجرة والإسعاف، الذين تعتمد وظائفهم على المهارات المكانية والملاحية المكثفة، أدنى معدلات وفيات بسبب مرض «ألزهايمر» مقارنة بالمهن الأخرى، وفق دراسة أميركية.

وأوضح الباحثون من مستشفى «ماس جنرال بريغهام» أن الدراسة تُسلّط الضوء على أهمية ممارسة الأنشطة التي تتطلب استخدام الذاكرة المكانية في الحياة اليومية، ليس فقط للوظائف، بل بوصفها جزءاً من الوقاية من «ألزهايمر»، ونُشرت النتائج، الاثنين، في «المجلة الطبية البريطانية».

ومرض «ألزهايمر» هو اضطراب عصبي تدريجي يؤدي إلى تدهور الوظائف العقلية والإدراكية، مثل الذاكرة والتفكير والقدرة على التعلم. ويُعدّ «ألزهايمر» الشكل الأكثر شيوعاً للخرف، ويتميز بتراكمٍ غير طبيعي للبروتينات في الدماغ، مثل بروتين «الأميلويد»، و«تاو»، مما يؤدي إلى تلف خلايا الدّماغ وموتها. وتبدأ الأعراض عادة بفقدانٍ طفيفٍ للذاكرة، وتزداد سوءاً بمرور الوقت لتؤثر على القدرة في أداء الأنشطة اليومية.

وخلال الدراسة، حلّل الباحثون بيانات الوفاة لما يقرب من 9 ملايين شخص بين 1 يناير (كانون الثاني) 2020 و31 ديسمبر (كانون الأول) 2022، مع التركيز على 443 مهنة مختلفة. وتضمّنت البيانات أسباب الوفاة، والمهنة الرئيسة التي عمل بها المتوفي معظم حياته، بالإضافة إلى معلومات ديموغرافية واجتماعية مثل العمر والجنس والعِرق والمستوى التعليمي.

ومن بين أولئك الذين وُثّقت معلوماتهم المهنية، كان مرض «ألزهايمر» سبب الوفاة لدى 3.9 في المائة (348 ألفاً و328 حالة وفاة). ومع ذلك، سجّلت الدراسة أدنى النسب بين سائقي سيارات الأجرة (1.03 في المائة)، وسائقي سيارات الإسعاف (0.74 في المائة)، مقارنة بنسبة (1.69 في المائة) من عموم السكان.

وبعد تعديل النتائج بناءً على العُمر والعوامل الديموغرافية الأخرى، ظلّت هاتان الفئتان المهنيتان الأقل تعرضاً للوفاة بسبب «ألزهايمر».

ووفق الباحثين، يرتبط مرض «ألزهايمر» بتلف منطقة الحُصين في الدماغ، وهي منطقة مسؤولة عن الذاكرة المكانية والتنقل. وأظهرت أبحاث سابقة تعزيز هذه المنطقة لدى سائقي سيارات الأجرة مقارنة بعامة الناس.

وتشير الدراسة إلى أن الوظائف التي تتطلب معالجة مكانية مكثفة، مثل قيادة سيارات الأجرة والإسعاف، قد تسهم في تعزيز منطقة الحُصين، وبالتالي تقليل خطر الوفاة بمرض «ألزهايمر».

وعلى العكس، لم تُلاحظ النتائج نفسها بين العاملين في وظائف أخرى تعتمد على نقل الركاب، مثل سائقي الحافلات أو الطيارين، الذين يعتمدون على مسارات محددة مسبقاً، مما يحد من استخدام المهارات المكانية المكثفة.

وقال الباحثون إن هذه النتائج تُعَدّ نقطة انطلاق لفرضيات جديدة، وهناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لتحديد ما إذا كانت الأنشطة المعرفية المكثفة في العمل أو الحياة اليومية يمكن أن تساهم في الوقاية من «ألزهايمر».