«وسط البلد»... معرض يُحاكي زحمة القاهرة وأحوال أهلها

يضمّ لوحات للفنانَيْن فتحي عفيفي ووائل حمدان المتشبّعَيْن بروح المكان

البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)
البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)
TT

«وسط البلد»... معرض يُحاكي زحمة القاهرة وأحوال أهلها

البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)
البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

تظلّ منطقة وسط البلد في القاهرة المكان الأكثر زخماً بتفاصيلها العمرانية ونماذجها البشرية، ما يظهر في أعمال فنانين تشبَّعوا بروح المكان، وأفاضوا في إعادة صياغته بطريقة تعكس تأثيره فيهم.

هذا ما يمكن تتبّعه في معرض «وسط البلد» الذي يضمّ لوحات للفنانَيْن المصريَّيْن فتحي عفيفي ووائل حمدان في غاليري «أكسس»؛ والمستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. فيه تظهر تنويعات من أعمال الفنانَيْن، ورؤيتهما للشوارع والبنايات ومَشاهد من الحياة اليومية لأهالي وسط البلد والمناطق الشعبية المحيطة بها.

في هذا السياق، يقول حمدان إنّ المعرض امتداد لمشروعه الفنّي الذي اهتم خلاله بفكرة المدينة قبل جائحة «كورونا». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «حاول منسّق المعرض التوفيق بين أعمالي وأعمال الفنان فتحي عفيفي، فيمكن القول إنني جسّدتُ المدينة من أعلى في مسقطي، أو وفق نظرة الطائر، بينما جسَّد عفيفي المدينة من أسفل بتفاصيلها الدقيقة المرتبطة بالناس».

أعمال الفنان وائل حمدان عبَّرت عن الزخم في «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

ويتابع: «أتناول المدينة من منظور (اللاند سكيب أو سيتي سكيب)، وأهتم بفكرة ترابُط البيوت والأشكال العشوائية التي يمكن أن نخرج منها بسمات جمالية، حتى لو تضمَّنت قُبحاً ظاهرياً، خصوصاً أنّ هذه المدينة (القاهرة) مرَّت عليها حقب زمنية كثيرة تركت بصمتها».

ترتكز أعمال وائل حمدان على فكرة البيوت والبنايات المتراصّة أو المكدَّسة في مظهر تُبرزه الألوان ذات الطابع الكرنفالي أو الشعبي، وتوضح مدى الزخم أو الطبقات الزمنية المتراكمة في هذا المكان. ويربط في بعض أعماله بين الحشود والبنايات. يوضح: «في معارض سابقة، حاولتُ تقديم تجارب عن (سحر المدينة) وعملتُ على هذه التيمة لنحو عام. تحوّل الأمر إلى محاكاة الطبيعة أو الواقع، واستعنتُ بصور فوتوغرافية، ومن ثَمّ بدأتُ بتحليلها. هناك تجربة أخرى حوّلتُ فيها هذه الفكرة تجريداً كاملاً، ولا تظهر المدينة وبيوتها إلا بشكل رمزي عن طريق الخطوط والألوان».

معرض «وسط البلد» تداخلت فيه التيمات والرموز (الشرق الأوسط)

ويلفت إلى تغييرات في تفكيره على فترات متباينة، لكنه، خلال هذا المعرض، استطاع تقديم لوحات عن فكرة سيطرت على ذهنه طويلاً.

ومن قلب حي السيدة زينب الشعبي في وسط القاهرة، يتراءى إبداع فتحي عفيفي الذي اشتهر طوال مشواره الفنّي الممتدّ لنحو 50 عاماً برسم المصانع وعمّالها والأماكن الشعبية التي يقيم فيها، وهو ما قدَّمه في المعرض.

المهن البسيطة والباعة ضمن معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

يقول عفيفي لـ«الشرق الأوسط»: «ارتبطتُ بوسط البلد منذ السبعينات، ورأى أعمالي فنانون كبار مثل حسين بيكار وغيره. عدّوني ابن الحارة الشعبية التي أعبّر عنها في أعمالي. وبالفعل، عددتُ الحارة الشعبية والمصنع والعمال والبسطاء أبطال فنّي».

الفنان فتحي عفيفي قدَّم شخصيات شعبية ضمن معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

ويضيف أنّ «وسط البلد يمثّل زخماً ثقافياً كبيراً. ففيه أماكن مهمّة مثل (أتيليه القاهرة) والمقاهي التي ارتبطت بالمثقفين والمبدعين، والندوات والفعاليات التي شهدت حوارات في الشأنَيْن الثقافي والفنّي. لذلك أستعيد خلال هذا المعرض تلك الذكريات الجميلة لروح وسط البلد الحقيقية».

يشارك عفيفي في معرض «وسط البلد» بـ10 لوحات تمثّل مَشاهد من الحياة اليومية للمناطق الشعبية، مثل حوارات العمّال والباعة والكادحين. ويوضح: «حي السيدة زينب شكّل وجداني، وقد تأثّرتُ كثيراً بالموالد، مثل مولد السيدة زينب الذي امتلأ بأجواء المرح والتسلية. من هذه الموالد انطبعت صور ومشاهد انعكست في أعمالي بطرق مختلفة».


مقالات ذات صلة

وزير المواصلات لـ«الشرق الأوسط»: البحرين تتجه للاستثمار في الطائرات الكهربائية

الاقتصاد الشيخ الدكتور عبد الله بن أحمد آل خليفة خلال جولته في معرض البحرين الدولي للطيران (بنا)

وزير المواصلات لـ«الشرق الأوسط»: البحرين تتجه للاستثمار في الطائرات الكهربائية

تتخذ البحرين خطوات مستمرة للاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، والاعتماد على الحلول البيئية المستدامة؛ مثل الطائرات الكهربائية والطاقة المتجددة في تشغيل المطارات.

عبد الهادي حبتور (المنامة)
عالم الاعمال 230 مليار ريال قيمة التعاملات العقارية في ختام معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024

230 مليار ريال قيمة التعاملات العقارية في ختام معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024

اختتم معرض «سيتي سكيب» العالمي 2024 أعمال النسخة الثانية من المعرض العقاري الأكبر في العالم.

يوميات الشرق المواقع الأثرية الفرعونية ألهمت فناني مراسم بني حسن (قومسيير الملتقى)

أعمال فنية تستلهم الحضارة الفرعونية بصعيد مصر

من مقابر بني حسن إلى تل العمارنة ثم جبل الطير ومعبد حتشبسوت في إسطبل عنتر، بالإضافة إلى المشاهد الطبيعية في صعيد مصر التي ألهمت 15 فناناً.

محمد الكفراوي (القاهرة )
رياضة عالمية محمد صلاح سيكشف رحلته مع الكتاب في معرض الشارقة (الشرق الأوسط)

صلاح ضيفاً على معرض «الشارقة للكتاب»

أعلنت إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب بالإمارات أن لاعب كرة القدم المصري ونجم فريق ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، سيحل ضيفا على المعرض في لقاء جماهيري.

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق «حتحور» تحضر في لوحات فنية بوسط القاهرة (الشرق الأوسط)

معرض قاهري يستلهم جمال «حتحور»

خلّد المصريون القدماء اسم «حتحور» رمزاً للحب والجمال؛ وأعاد فنانون مصريون استلهام هذا الرمز بما يحمله من معانٍ ودلالات في فعاليات مختلفة.

منى أبو النصر (القاهرة)

مهرجان القاهرة السينمائي انطلق بثبات وموقف

دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
TT

مهرجان القاهرة السينمائي انطلق بثبات وموقف

دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)

على الطائرة المتجهة إلى القاهرة من دبي جلس لبنانيان يعملان في شؤون التوزيع والإنتاج في شركتين؛ واحدة تنشط في السعودية، والأخرى مركزها في الإمارات العربية المتحدة.

استمعت إليهما، وقد جاء مقعدي بالقرب منهما، يتحدثان فيما سيقومان به خلال وجودهما في الدورة الخامسة والأربعين لهذا المهرجان السينمائي العريق الذي انطلق عام 1976.

أن يحضر ممثلو شركات إنتاج عربية أو أجنبية ليس وضعاً خاصاً بالنسبة إلى مهرجان القاهرة، لكنه دلالة على اهتمام بعض الشركات العاملة في مجالي الإنتاج والتوزيع بهذا المهرجان؛ لمتابعة أعمال سبق التعاقد عليها (وبعضها إلى العروض قريباً)، أو للتعاقد على مشروعات جديدة.

فن أو تجارة

سألت أحدهما عن ذلك، فأجاب أن شركته توزّع أفلامها العربية، حين إنتاجها، على منصة «أمازون»، إلى جانب ما تعرضه في صالات السينما.

ذكرت له أن ما يُعرض على المنصات وفي صالات السينما من أفلام عربية (مصرية أساساً) في غالبيتها هي كوميدية دون أي مستوى مقبول. اعترف بذلك، لكنه أضاف: «أتوقع نهضة جديدة للسينما المصرية في المستقبل القريب. لن يبقى الحال على ما هو عليه الآن. السينما المصرية ستعود بقوة خلال العام المقبل».

هذا ممكن بالطبع، فالسينما المصرية سبق لها أن مرّت بأزمات سادت فيها ركاكة المُنتَج من الأفلام، ثم خرجت منها دون أن تطيح جانباً بما اعتادت عليه، بسبب جمهور محلي يقبل عليها بكثافة. لكن الواقع على شاشات صالات السينما في الإمارات، على سبيل المثال، يُشير إلى أن هذه الأفلام السريعة صنعاً تمر في صالات السينما دون القدرة على المكوث لأكثر من أسبوعين. بعض الأفلام أخفقت في أسبوع واحد.

إنه صراع دائم بين نوعَين من السينما: واحد طموح للتحليق فنياً، وآخر يسعى دوماً «لِدوْبَلة» تكلفته ومضاعفة أرباحه بالبقاء في طي الأعمال ذات الهدف التجاري المحض. النوع الأول دائماً متراجع في رقعة التجارة، لكنه كان حتى نهاية الثمانينات حاضراً بتعدد؛ بفضل مخرجين من أمثال عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد وهالة خليل ورضوان الكاشف من بين آخرين. لاحقاً اقتصرت هذه المحاولات على عدد أقل وإنتاجات متباعدة.

هذا الصراع الصامت بين طموح وواقع يوظّفه مهرجان القاهرة السينمائي؛ لأنه في المقام الأول يقدّم عروضاً لأفلام فنية غير جماهيرية، لكنه إذ بات يستقبل منتجين وموزعي أفلام من خارج مصر فإن الوضع الناتج ربما يفيد في تليين موقف هؤلاء تجاه الفيلم الفني واعتماده في برامج عروضهم المقبلة.

المسألة لن تكون سهلة، لكن إذا ما كان الفيلم المصري المصنوع للجمهور يخفق في البقاء في دور السينما لأكثر من أسبوع أو اثنين، فإنه من المحتمل أن يتيح المنتجون للأفلام البديلة عروضاً مستحقة.

استقطاب لموقف

انطلق المهرجان كما خُطط له أن ينطلق: حفل افتتاح حافل، ثم عروض متوالية في اليوم التالي. مواقف مؤيدة لرئيس المهرجان حسين فهمي الذي أعلن رفضه لدعم الشركات «الموجودة على قائمة المقاطعة» التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة ولبنان.

هذا القرار، بالإضافة إلى عرض فولكلوري فلسطيني يوم الافتتاح، قُصد به تأكيد حق المهرجان في اتخاذ مواقف سياسية، «كما حال المهرجانات الأوروبية»، كما قال.

عرض لفرقة فلسطينية في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (رويترز)

استقبال الإعلام المصري هذا القرار كان إيجابياً، خصوصاً أن موقف الدولة المصرية يلتقي مع موقف الرأي العام في رفض هذا العدوان المستمر، والدعوة إلى سلام شامل يضمن حق الفلسطينيين في دولة لهم.

بعيداً عن السياسة، هناك الكثير مما يعرضه المهرجان في برامجه. وأحد هذه البرامج «آفاق السينما العربية» الذي تزوّد بأربعة عشر فيلماً هذا العام، أي بزيادة ملموسة عن الأعوام السابقة.

«ثقوب»

الفيلم الذي اُختير لافتتاح هذا البرنامج هو «ثقوب» للمخرج السعودي عبد الله الضبعان. الصالة كانت شبه ممتلئة وأقل من ذلك عند انتهاء العرض، نظراً إلى مناطق ضعف في الفيلم، ليست ناتجة عن غياب الطموح والقدرات، بل عن الكيفية التي صاغ فيها المخرج السيناريو، متوقعاً وصول رموزه ومواقفه كما كتبها. هذا لم يحدث على النحو المنشود، بل ترك في التنفيذ مسائل غير محلولة ومنهج عمل يدفع صوب أهمية المطروح بيد، ويمنع تطويره من دون قصد باليد الأخرى.

«ثقوب» دراما عائلية كما كان حال فيلم الضبعان الأول (والأفضل) «آخر زيارة». قصة شقيقين تباعدا منذ سنوات، وانقطعت علاقة كل منهما بالآخر. يلقي الفيلم اللوم عليهما معاً، ويدفع بهما إلى مواجهة جديدة عندما تدخل والدتهما المستشفى على أثر حادثة سطو لا نراها. كان من الأفضل لو أنها عُرضت للمشاهد، لكن تغييب الحادثة ليس هو المشكلة الوحيدة هنا إنما افتقار الفيلم إلى أسلوب سردي يُثير الاهتمام.

لقطة من الفيلم السعودي «ثقوب»

في فيلمه السابق، تعامل المخرج مع خلاف بين أب وابنه في سياق تتابعي جيد. ولكن في «ثقوب» يدخل على الخط أكثر من فكرة تبدو في غير مكانها أو بكلمات أخرى غير متسلسلة، بما يضمن دفع الرتابة بعيداً. الحوار بدوره يعاني من جمود (تمر أحياناً عشر ثوانٍ من الصمت بين ممثلين يتبادلان الحديث).

كما في فيلمه السابق، يغشي المخرج بعض المشاهد فلا تظهر الملامح واضحة. تفعيل جيد لمعانٍ ضبابية مقصودة. ما لا ينجح على القدر ذاته أسلوب التداخل البطيء بين نهاية مشهد وآخر. هذا يتكرر من دون أن يترك دلالات واضحة.