جناح جديد لـدعم «المتحف الوطني اللبناني»

«نهاد السعيد للثقافة» فسحة جمالية للمعارض واللقاءات الثقافية الجامعة

مدخل جناح نهاد السعيد الجديد الملاصق للمتحف الوطني (جناح نهاد السعيد للثقافة)
مدخل جناح نهاد السعيد الجديد الملاصق للمتحف الوطني (جناح نهاد السعيد للثقافة)
TT

جناح جديد لـدعم «المتحف الوطني اللبناني»

مدخل جناح نهاد السعيد الجديد الملاصق للمتحف الوطني (جناح نهاد السعيد للثقافة)
مدخل جناح نهاد السعيد الجديد الملاصق للمتحف الوطني (جناح نهاد السعيد للثقافة)

فسحة أمل، وليس إنكاراً للحرب وهمجيتها وقسوتها على اللبنانيين، بل على العكس، هي محاولة في هذه الأجواء المظلمة، لإيجاد متنفس ولو صغير كي لا يكسرنا العنف ويذرونا الدمار.

بهذه الروحية يتم افتتاح جناح «نهاد السعيد للثقافة» الملاصق للمتحف، وكان من المقرر أن يُطلق في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخّرته الحرب. أما وأن الانتظار قد طال، والحال على ما هي عليه، فقد أراد القيّمون على المشروع أن يكون وجوده دعماً للتراث الذي يتعرّض اليوم للقصف والخراب. الجناح الجديد هو مساحة إضافية للمتحف الوطني اللبناني، بدأ العمل عليها منذ سنوات، لتكون بمنزلة مركز لقاء، وحوار ثقافي، يتلاءم وروح المتحف.

ثلاث طبقات، اثنتان منها تحت الأرض تصلحان لتنظيم المعارض، والمحاضرات وربما المؤتمرات والطاولات المستديرة، وتوقيع الكتب، ومن ريع الجناح تجري مساعدة المتحف وتمويل بعض أغراضه. الفضل في تمويل المشروع يعود إلى عائلة السعيد التي دفعت التكلفة مرتين، بسبب فقدان التمويل الأول مع انهيار البنوك اللبنانية. وتمكّنت المؤسسة من استقطاب تمويلات إضافية وإسهامات من جهات مانحة. يحمل الجناح اسم ابن عائلة السعيد، فقيدها نهاد، العاشق للفن، والشغوف بجمع الأعمال الفنية الذي رحل باكراً.

جانب من المعرض (جناح نهاد السعيد للثقافة)

الطابق الأرضي من المبنى هو بحد ذاته قطعة فنية، نصفه خُصّص لمطعم ومقهى، يشرف عليه الشيف الشهير حسين حديد، ابن شقيق المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد. لكن المهم أنك حين تجلس هنا، ينكشف أمامك من خلال الواجهات الزجاجية الكبيرة، ميدان سباق الخيل الممتد وأشجار الصنوبر البديعة فيه. وهي مساحة بقيت طويلاً جداً محجوبة عن الأنظار، وعلى الجانب الآخر، من المقهى حائط قديم للمتحف تتوسطه بوابة حديدية ضخمة، أُقيم أيام الحرب الأهلية، لحماية الموجودات، ولا تزال الكتابات التي سطّرها مقاتلو الميليشيات حين كانوا هنا، على الخط الفاصل بين المنطقتين المتحاربتين، موجودة.

هندسة تحترم تاريخ المكان

أحسنت صنعاً شركة المهندس رائد أبي اللمع التي صمّمت الجناح من وحي روح المتحف الوطني، أنها أبقت على هذا الجدار التاريخي وعزلته بواجهات زجاجية، لمتعة الناظر، وللحفاظ على ذكرى تاريخ أليم مرّت به بيروت. وقد كُشف هذا الجدار بالصدفة بعد إزالة جدار آخر، كان موجوداً أمامه، وشكّل مفاجأة.

في الجناح الجديد مساحات متعددة، في الطابقين السفليين، كما في الطابق الأرضي. ويتزامن الافتتاح مع تنظيم معرض فني في المكان يحمل عنوان «بوابات وممرات، سفر عبر الواقع والخيال»، نظّمه بمهارة «متحف بيروت للفن» بما له خبرة ومهارة.

في الطابق الأرضي عمل لألفريد طرزي، الفنان الاستثنائي، الغني عن التعريف، الذي يعرض تجهيزاً ضخماً يبلغ ارتفاعه ستة أمتار، سمّاه «ترنيمة الحب». تحتاج إلى رؤية هذا العمل البنياني المتعدد الأوجه والمعاني، أن تدخل إليه، وتدور حوله، وتقضي معه ما يكفي من الوقت كي تحيط به. وهو تحية لعائلته المعروفة عبر الأجيال بالنحت على الخشب.

في الواجهة لوحات كارولين تابت (جناح نهاد السعيد للثقافة)

ما تبقّى من المعرض في الطابقين السفليين، قسم تحت أربعة عناوين رئيسية يلتقي فيها الماضي بالمستقبل. العناوين هي: الذاكرة، والأساطير، والإدراك، والأرض. موضوعات متداخلة أصلاً مهما حاولت الفصل بينها. نرى في كل قسم روابط بصرية، وتاريخية، وفكرية بين أعمال لفنانين مكرسين، غالبيتهم غابوا عنا، وآخرين جدداً لا يزالون يجهدون ليشقوا طريقهم، أو أنهم بلغوا قدراً من الشهرة.

هذا الجمع بين الفنانين هو سرّ المعرض الذي استغرق وقتاً وجهداً لإيجاد مبدعين متناغمين من جيلين مختلفين. ريان تابت هو فنان شاب يلتقي في إنتاجه مع أعمال الراحلة الكبيرة سلوى روضة شقير، في قسم «الذاكرة»، حيث تُعرض لوحات تابت الحفرية، المشغولة بخطوط الأرابيسك، إلى جانب لوحتين تجريديتين ومنحوتة خشبية لشقير من وحي الخط العربي.

مقاربة بين جيلين

ومقاربة أخرى للجمع بين أعمال للشهير عمر الأنسي وتصاويره التي تأتي وكأنها مأخوذة من خلال عدسة كاميرا، إلى جانب عمل تصويري للميا جريج عبارة عن فيديو لرؤية بانورامية لمرفأ بيروت، حيث يمكنك أن تتابع تطور المشهدية لهذا المكان وما طرأ عليه من تحولات قاسية، مثل انعكاس لما شهدته مدينة بيروت نفسها.

في قسم آخر، عملان لموسى طيبة الذي غادرنا عام 2014، من الحفر على المعدن المطبوع، يستحضران الموت والحياة، وانبعاث طائر الفينيق. هي أعمال أُنجزت خلال الحرب الأهلية، ومن وحيها، لكنها بقدر ما تبعث على الشؤم تبث الأمل.

من أعمال سلوى روضة شقير في المعرض (جناح نهاد السعيد للثقافة)

وفي الركن نفسه، نجد عملين نحتيين من النحاس لغسان زرد، أحدهما من قطعتين، تذكران بانقسام الأرض وتشظيها، وما نعرفه عن تشكّل وانشقاق الصفائح التكتونية. وربما يشي هذا العمل بالحركة الدائمة التي تعيد تقسيم العالم ولبنان في البال.

وكذلك هناك عملان للراحلة هيلين الخال، حيث تدرّج الألوان ومزجها الفني هو البطل الرئيسي في اللوحة، وتشبهها في الروح وفي جعل اللون هو المركز والموضوع لوحة إلى جانبها للفنانة دانييل جينا دري. هذه اللوحة نُفّذت عام 2014، وأصابها الأذى بعد انفجار مرفأ بيروت 2020، وأُعيد ترميمها، وها هي تعود إلى الجمهور وتُعرض من جديد.

روّاد يستحقون اكتشافاً جديداً

من الفنانين الكبار الذين يستحق المعرض الزيارة، لإعادة اكتشاف أعمالهم، وبعضها نادراً ما يراه الجمهور، هناك لوحات عديدة للفنان الراحل شفيق عبود مُنفّذة بالرمل، للونها انعكاسات الذهب ومتعة للنظر. وثمة لوحة لصليبا الدويهي، من مرحلة قليلاً ما نعرف عنها، وهي بين التعبيرية الأولى والتجريدية الأخيرة. وما بين هاتين الفترتين، هذه اللوحة تجعلك تظن أنك أمام فنان لم تعرفه من قبل. هناك أيضاً لوحة لإيلي كنعان وأخرى لعارف الريس، هذا عدا الكثير من الفنانين الجدد.

لوحات شفيق عبود المشغولة بالرمل (جناح نهاد السعيد للثقافة)

بعض الأعمال هي من مجموعة وزارة الثقافة، أو «سردار»، ومشاهدتها هذه المرة، قبل أن تعود إلى مستودعاتها، قد تكون فرصة لا تُعوّض.

يبدو الأمر سوريالياً، وأنت ترى مجموعة من النساء بينهن الممولة، والمصممة والرسامة والعاشقة للفن والتراث، تتضامن كل في ميدانها، لخلق مساحة إبداع وأمل، تُضاف إلى المتحف الوطني اللبناني، وتفتتح في عز الحرب الشرسة على لبنان، لتكون متنفساً جمالياً وسط البشاعة.


مقالات ذات صلة

«كنوز المرأة»... مقتنيات الأمير محمد علي في معرض أثري بمصر

يوميات الشرق جانب من المعروضات الأثرية في معرض «كنوز المرأة» (وزارة السياحة والآثار)

«كنوز المرأة»... مقتنيات الأمير محمد علي في معرض أثري بمصر

الدخول إلى قصر الأمير محمد علي بجزيرة المنيل (وسط القاهرة) يشبه ركوب آلة الزمن والانتقال إلى الماضي، والتوقف عند وقت إنشاء هذه التحفة المعمارية قبل 121 عاماً.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق واجهة «متحف سرسق» يوم الافتتاح

«متحف سرسق» ينفض عنه غبار الحرب ويحتفل

أصرّت إدارة المتحف، على ألا تفتح أبوابها بعد الحرب المدمرة التي شنَّتها إسرائيل على لبنان، من دون أن يجتمع لهذه المناسبة عشاق الفن وأصدقاء المتحف.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

«في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».

محمد الكفراوي (القاهرة )
ثقافة وفنون امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

معرض فني يضم أكثر من 80 لوحة، بينها روائع تحمل توقيع سلفادور دالي وغيره، كلها مصادرة من المافيا.

«الشرق الأوسط» (ميلانو (إيطاليا))
يوميات الشرق الفنانة خاندكار اوهيدا الفائزة بجائزة جميل للفنون (جائزة جميل-متحف فيكتوريا وألبرت)

«احلم بمتحفك» يفوز بجائزة جميل للفنون «بقوته الهادئة»

الجولة على الأعمال المعروضة تفتح للمشاهد أبواباً على مناطق من العالم لم تجد طريقها للوعي العام...

عبير مشخص (لندن)

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.