استعادة حيّة لتجربة «طريق البخور» في العلا وتاريخها الثري

ضمن فعاليات مهرجان الممالك القديمة

تجربة فريدة ضمن مهرجان الممالك القديمة في العلا (الشرق الأوسط)
تجربة فريدة ضمن مهرجان الممالك القديمة في العلا (الشرق الأوسط)
TT

استعادة حيّة لتجربة «طريق البخور» في العلا وتاريخها الثري

تجربة فريدة ضمن مهرجان الممالك القديمة في العلا (الشرق الأوسط)
تجربة فريدة ضمن مهرجان الممالك القديمة في العلا (الشرق الأوسط)

احتلت مدينة العلا موقعاً متميزاً في مركز شبكة تاريخية من المسارات التجارية المعروفة باسم «طريق البخور»، نُقِلَت خلاله السلع القيمة كاللبان والمر والتوابل والجواهر عبر مسارات امتدت لآلاف الكيلومترات.

وشكّلتْ هذه الشبكة حلقة وصل بين جنوب شبه الجزيرة العربية والبحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا وبلاد الرافدين والمحيط الهندي وما وراء ذلك، حيث ربطت الثقافات ببعضها عبر القارات، وشجعت على تدفق الناس والمعارف والأفكار فيما بينها.

ولا يزال بإمكان زائر العلا مشاهدة التفاعل بين هذه الممالك العربية الشمالية والقوى العظمى الأخرى، متمثلاً في الآثار التاريخية المختلفة، بدءاً بالهندسة المعمارية وانتهاءً بالنقوش، مع استمرار علماء الآثار في اكتشاف دلائل جديدة ترتبط بطريق البخور وثقافاته في موقعين أثريين في العلا؛ أولهما منطقة دادان التي تأسست منذ نحو 3000 عام، وأصبحت عاصمة الدادانيين ثم اللحيانيين، والثاني مدينة الحِجر التي تأسست لاحقاً منذ نحو 2000 عام، بوصفها المدينة الرئيسية الجنوبية للأنباط، وكانت بمثابة قاعدة رومانية مهمة.

عروض حيّة اقتبست من تراث المدينة القديمة (الشرق الأوسط)

رحلة عبر البلدة القديمة

ومن هذا البعد التاريخي العريق، أتاح مهرجان الممالك القديمة في محافظة العلا، الذي انطلق هذا الأسبوع، الدخول في تجربة استعادة حيّة لثروات طريق البخور وثقافاته وتقاليده الاجتماعية، وذلك من خلال رحلة آسرة عبر البلدة القديمة، وتجربة فريدة صممت أدق تفاصيلها بعناية فائقة على يد خبراء رائدين في مجال تصميم المسارح والتقنية الإبداعية والسرد التفاعلي والمجتمع المحلي.

وفي البلدة القديمة في العلا، يلتقي التاريخ البعيد بالتراث الحي في تجربة استثنائية لا تنسى تمتد لساعتين، وتمزج هذه التجربة الغامرة ما بين العروض الحية والتقنية الحديثة والاستكشاف العملي، لتتوج بعرض حصري للكنوز الأثرية.

تبدأ المغامرة بمقدمة شيقة من الشخصيات الأسطورية في العالم القديم، ثم تتبّع الخريطة لاكتشاف أسرار النباتات العطرية والمغامرات الجريئة للتجار الأوائل وثروات طريق البخور والتقاليد الثقافية النابضة بالحياة التي ما زالت مزدهرة في العلا.

تدخلنا الرحلة إلى قلب بلدة العلا القديمة، والمباني التاريخية التي أنشئت من الطوب اللبن المستخدم قديماً.

رحلة آسرة عبر مباني البلدة القديمة في العلا (الشرق الأوسط)

وقد صُممت تجربة «طريق البخور» تحت إشراف خبراء، وبالتعاون مع المجتمع المحلي في العلا، لتشكل مزيجاً من الروايات التاريخية، والذكريات المتوارثة، وشيء من العناصر الخيالية من أجل الترفيه، كما تقدم رؤيةً فريدة لحياة أشخاص مختلفين، ولعاداتهم التي مارسوها في نقاط مختلفة من التاريخ.

بُنيت اللقاءات الرئيسية في تجربة «طريق البخور» على التراث الحي لأهالي العلا الذين شاركوا بسخاء ما يتمتعون به من معارف وتقاليد وذكريات، من خلال برنامج مخصّص للبحث والمشاركة. كما ساهمت مدرسة الديرة في العلا في التجربة، وتولّت مهام الإرشاد إلى الأنماط والألوان واختيار المنسوجات، والحرفيين المهرة الذين صنعوا تجهيزات رحلة الزائر ولوازمها، وأعضاء فريق الرواة الذين شاركوا في تنظيم عرض الآثار القديمة، وسفراء تجربة «طريق البخور» الذين يلتقي بهم الزوار الحاصلون على التذاكر في رحلاتهم الاستكشافية.

صُممت العروض والمشاهد لتحكي جانباً من تاريخ المكان (الشرق الأوسط)

عرض حصري لكنوز أثرية احتضنتها العلا عبر التاريخ (الشرق الأوسط)

عرض حصري لكنوز العلا الأثرية

وفي معرض خاص بالكنوز الأثرية، تُعرض لمحة عن ماضي العلا المذهل عبر عرض بعض الاكتشافات المذهلة التي كشف عنها علماء الآثار في مدينتي دادان والحجر، وتقدم القطع الأثرية القليلة المعروضة في المعرض جزءاً يسيراً من فيض الاكتشافات الثمينة التي تقدم الدلائل على أسلوب حياة الناس الذين عاشوا في هاتين المدينتين، وعلى معتقداتهم وارتباطاتهم بالثقافات المعاصرة المحيطة بهم.

تتوالى الاكتشافات المذهلة التي يحققها علماء الآثار في مدينتي دادان والحجر (الشرق الأوسط)

وقد ربط «طريق البخور» بين الممالك والإمبراطوريات، وأتاح تدفق السلع وانتقال الأفكار والتقنيات والثقافات بين جنوب شبه الجزيرة العربية والبحر الأبيض المتوسط وبلاد الرافدين وما وراءها.

وكانت منطقة العلا، بفضل مواردها الطبيعية الوفيرة وإمداداتها المائية، محطة رئيسية للتجار الذين جابوا المسافات الطويلة، مما أدى إلى ازدهار دادان ثم الحجر، وتنامي ثروتهما وسلطتهما، وترسيخ دورهما بوصفهما من الملتقيات الحيوية الواقعة على طرق التجارة والثقافة في العصور القديمة على مدى الألفية الأولى قبل الميلاد ومطلع الألفية الأولى للميلاد.


مقالات ذات صلة

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

يوميات الشرق متحف الفن الإسلامي في القاهرة (وزارة السياحة والآثار)

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن المشاركة بعدد من القطع الأثرية من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في معرض بعنوان «وما بينهما».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)

جولات ميدانية شبابية تعيد اكتشاف دروب القاهرة التاريخية

عرفت القاهرة أخيراً تنظيم جولات سياحية جماعية ومنتظمة سيراً على الأقدام إلى شوارعها التاريخية ومواقعها العتيقة عبر جولات شبابية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
المشرق العربي الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

تتعمّد إسرائيل في حربها على لبنان تدمير وهدم مواقع تراثية وأثرية في الجنوب والنبطية والبقاع؛ لمحو جزء من ذاكرة اللبنانيين التاريخية والثقافية والحضارية.

يوميات الشرق الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
TT

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)

يشكل «ميدان الثقافة» الذي أطلقه «برنامج جدة التاريخية»، التابع لوزارة الثقافة السعودية، بوابةً تربط بين الماضي والحاضر من خلال موقعه المميز الذي عكس تصميمه ووظائفه هذه الثنائية الزمنية ليمثل معلماً حضارياً كبيراً كإحدى الوجهات الثقافية المهمة بالمدينة الساحلية جدة (غرب السعودية).

ويأتي المشروع في إطار جهود إعادة إحياء المنطقة التاريخية، وتعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، وبما يوفر تجارب ثقافية وفنية ثرية متنوعة، تعزز من تجربة الزوار، وتسهم في جعل المنطقة وجهةً سياحيةً عالميةً، وذلك تماشياً مع «رؤية المملكة 2030».

يعد متحف «تيم لاب» الأول من نوعه ويقام وبشكل دائم في منطقة الشرق الأوسط (واس)

ويقع «ميدان الثقافة» الذي يضم مركز الفنون المسرحية (مسرح وسينما)، ومتحف الفنون الرقمية «تيم لاب بلا حدود» (حاصل على جائزة مكة للتميز في فرع التميز الثقافي)، على ضفاف بحيرة الأربعين، ويطل على منطقة جدة التاريخية.

ويقدم مركز الفنون المسرحية فعاليات ثقافية متنوعة تشمل عروضاً مسرحيةً، ومهرجانات عالمية، ودور سينما، وجلسات تجسد أجواء «المركاز»، إلى جانب مطاعم ومقاهٍ تمثل نقاط تجمع وحوار، أما متحف «تيم لاب بلا حدود» فيُبرز الطابع الحديث للثقافة، الذي يجمع بين الفن والعلم والتكنولوجيا. وفي قلب هذا المشهد الثقافي، يبرز «بيت أمير البحر» التاريخي متوسطاً مركز الفنون المسرحية ومتحف «تيم لاب بلا حدود»، ومطلاً على «شارع حمزة شحاتة» (الشاعر السعودي الراحل)، ليعكس الثراء الثقافي المتأصل في الموقع. وقد قام البرنامج وفي إطار جهوده للحفاظ على تراث المنطقة المعماري والثقافي بترميم «البيت» وإعادة تأهيله. ويتميز «بيت أمير البحر» بتصميمه المعماري الفريد، إذ يأتي على شكل هندسي ثماني، ويتكون من دور واحد، وهو محاط بنوافذ كبيرة على شكل أقواس، وقد استُخدم في الماضي مناراً لإرشاد السفن.

مشروع «إعادة إحياء جدة التاريخية» جعل المنطقة مقصداً للزوار من مختلف أنحاء العالم (واس)

ويجسد مشروع «ميدان الثقافة» الهندسة المعمارية التي تعكس القيم الجوهرية لجدة التاريخية، مع رؤية تجديدية دمجت بين الماضي والمستقبل في تناغم فريد، إذ مزج التصميم بين التراث المعماري الغني والنسيج الحضري المترابط، في استمرارية لهوية المنطقة وثقافتها. وفي الوقت ذاته تماشى التصميم مع فلسفة متحف «تيم لاب» التي تقوم على الانسجام بين الزائر والأعمال الفنية، وهو ما يظهر بوضوح في سطح المبنى المائل نحو المسطحات المحيطة، مما يعزز من فكرة الاندماج والانسجام.

ويشتمل «ميدان الثقافة» على مبنيين رئيسيين، بإجمالي مساحة بناء تبلغ حوالي 26 ألف متر مربع ويمتد مركز الفنون المسرحية والسينما على مساحة 16 ألف متر مربع، ويضم مقر مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ويتكون من مدخل رئيسي (الردهة)، وقاعة مسرح رئيسية بسعة 868 مقعداً، بالإضافة إلى خمس قاعات سينما بسعة 564 مقعداً، وردهة داخلية (غرفة متعددة الأغراض)، وتسع قاعات للجلسات الحوارية، و«سينماتيك»، ومطعم وثلاثة مقاهٍ.

الممثل ويل سميث يوثق زيارته للمنطقة التي تشهد إقبالاً من الزوار على مدار العام (جدة التاريخية)

فيما تبلغ مساحة متحف «تيم لاب بلا حدود» 10 آلاف متر مربع، ويضم قرابة 80 عملاً مستقلاً ومترابطاً، تُجسِد عالماً واحداً بلا حدود. ويجمع المتحف بين الفنون والتكنولوجيا والطبيعة في مساحة إبداعية مبتكرة، ويُشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي في المملكة.

وكان الحفاظ على الصحة العامة وتعزيز الاستدامة البيئية من الأهداف المهمة التي سعى إليها برنامج جدة التاريخية في تصميم وتنفيذ مشروع «ميدان الثقافة»، إذ تم استخدام وحدات تكييف عالية الجودة، مُجهزة بتقنية تُنقي الهواء بنسبة 100 في المائة، بالإضافة إلى تركيب مصاعد تعمل بدون لمس، وسلالم كهربائية مُزودة بتقنية تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية، وذلك للحد من انتقال الفيروسات والجراثيم المسببة للأمراض.

ديفيد فيا نجم الكرة الإسباني خلال زيارة سابقة للمنطقة (برنامج جدة التاريخية)

كما اهتم البرنامج بالحفاظ على الموارد المائية من خلال استخدام نظام يعيد تدوير مياه التكثيف الناتجة عن وحدات التبريد لتلبية احتياجات الري، وهو ما يعزز من كفاءة استهلاك الموارد ويساهم في الحفاظ على البيئة.

وجاء مشروع «ميدان الثقافة» ضمن جهود برنامج جدة التاريخية في إعادة إحياء المنطقة، والحفاظ على تراثها المادي وغير المادي، وإثراء تجربة الزوار، ويعد الميدان معلماً حضارياً وبصرياً متميزاً في جدة، بتصميمه الذي راعى الحفاظ على النسيج الحضري في المنطقة، وجمع بين استخدام الهندسة المعمارية المعاصرة في بنائه، والحفاظ على الطابع المعماري التراثي الذي يستلهم من المباني التاريخية في المنطقة، ويأتي ضمن استثمار تاريخ المنطقة وعناصرها الثقافية المميزة وتحويلها إلى روافد اقتصادية، وجعل المنطقة وجهة مميزة على خريطة السياحة العالمية.