جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

الفنانة اللبنانية تطلق أغنية جديدة من شعر أدونيس و«تقاوم الفناء بالغناء»

الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)
الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)
TT

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)
الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)

من قلب الليل الحالك الذي يلفّ لبنان وفلسطين، تطلّ جاهدة وهبة لتعلن أنها تعيش مع الضوء. تستعير من شعر أدونيس لتشعل شمعةً في العتمة، على هيئةِ أغنية. بالنسبة إلى الفنانة اللبنانية، الوقتُ صالحٌ دائماً للغناء، لأن «الفنّ يقاوم الفَناء».

تخبر جاهدة وهبة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنها، وبعد خروجها من «صومعة الحزن» الذي انتابها كما اللبنانيين جميعاً بسبب «صدمة الحرب»، تساءلت عن إمكانات النضال المتاحة أمامها. فتحت الصندوق الذي يخبّئ أغلى مقتنياتها وسحبت أغنية.

«أجمل ما تكون أن تُخلخل المدى

والآخرون بعضهم يظنّك النداء

بعضُهم يظنّك الصدى...

أعيش مع الضوء عُمري عبيرٌ يمرّ وثانيتي سنوات

وأعشق ترتيلةً في بلادي تَناقلَها كالصباح الرُعاة

رمَوها على الشمس قطعة فجرٍ نقيّ

وصلّوا عليها وماتوا»

هذا بعضٌ من قصيدتَي أدونيس اللتَين دمجتهما جاهدة في أغنيةٍ لحّنتها، وتعاونت فيها توزيعاً وعزفاً مع الثنائي ساري وعيّاد خليفة ضمن مشروعٍ من القصائد المغنّاة، يكتمل إصدارها قريباً في ألبوم يحمل عنوان «ملح وظلال».

جرى تسجيل الأغاني قبل جائحة «كورونا»، غير أن كل الجوائح التي تلت أخّرت الإصدارات. لم يكن قرار استئناف النشاط الفني سهلاً على الفنانة في ظلّ ما يجري من قتلٍ وتدميرٍ وتشريد، لكنّ القصيدة فرضت نفسَها حبلَ أملٍ أصرّت جاهدة وهبة على أن تمدّه لأهل بلدها. تشرح أن هذه «الأغنية تحمل في طيّاتها صراعاً بين الحياة والموت، لكنها تنتهي بانتصار الضوء على العتمة».

أعطى الشاعر السوري أدونيس بركتَه للأغنية، كما يفعل مع سائر الأغاني التي تستعين فيها جاهدة وهبة بقصائده. أما اللحن الذي جاء من بنات أفكارها، فأرادته واسع المدى «يمنح أفقاً للصوت في ترجمةٍ لمعاني النص وصوَرِه». ولم تغِب عن الأغنية إيقاعات الحنين إلى طفولةٍ هانئة هي انعكاسٌ لضوء الأمل، ليتكامل ذلك مع نغمات الصلوات المشرقية التي تضفي إلى «أعيش في الضوء» بُعداً روحياً.

تلاقى الصوت واللحن مع بيانو عيّاد وتشيللو ساري. تقول إنها تؤمن بـ«موهبة الشابَين اللبنانيَين اللذَين أضافا الكثير إلى قصائد الألبوم بإحساسهما وجدّيتهما واحترافهما»، وقد انضمّ إليهما شقيقهما زاد خليفة على الإيقاع. ثلاثُ آلاتٍ رابعتُهما حنجرة جاهدة وهبة، بدت وكأنها «أوركسترا متكاملة لفرط التناغم الفني والانسجام الروحي بيننا خلال مرحلتَي التحضير والتسجيل»، وفق تعبيرها. أما الميكساج والماسترينغ فقد تولّاهما إيلي كلّاب.

جاهدة وهبة مع الأخوين الموسيقيين ساري وعيّاد خليفة (صور الفنانة)

«الأغنية لا تردّ صاروخاً ولا تستطيع أن تكبح جماح الهمجيّة»، لكن في هذا الصراع الأبدي بين البناء والهدم، بين الجمال والقبح، تقف الفنانة على ضفة البناء والجمال. عندما شعرت بالحاجة للتواصل مع الناس، قررت أن تقدّم جديداً يتجاوز الحدود ويذكّر العالم بإرث لبنان الثقافي والجمالي. بالنسبة إليها، «الأغنية هي مكانٌ نقيّ نلجأ إليه لنرتاح من تعب الأخبار الدامية»، ومن هذا المنطلق فهي لم تقدّم يوماً أغاني ظرفية، بل حمّلت كلاً من أعمالها زوّادةً روحيّة وإنسانية. يأتي ذلك تماشياً مع قناعتها التي تقول إن «الفن ليس ترفاً بل حاجة نفسية للناس، ولكرامتهم، ولصمودهم في وجه الخراب والبشاعة».

قد لا تصدّ الأغنية صاروخاً لكنها قادرةٌ أحياناً على صدّ بعضِ عوَزٍ وحرمان. لذلك، فقد استتبعت جاهدة وهبة الغناء بالفعل، مجهّزةً نفسها لجولة تقودها من أثينا إلى باريس، مروراً بالمنامة، والدوحة، ودبي. تأتي هذه الجولة الموسيقية دعماً للبنان، على أن يعود ريع الحفلات إلى المؤسسات والهيئات الإغاثية العاملة في الميدان إلى جانب المتضررين من الحرب كـ«الصليب الأحمر» اللبناني، و«الدفاع المدني».

أما على برنامج الحفلات الممتدة من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى ديسمبر (كانون الأول)، فأغانٍ وطنية، وأخرى صوفيّة، وترانيم، إضافةً إلى أعمال جاهدة وهبة الخاصة وكلاسيكياتٍ طربية وعالمية. «حرصاً على إيصال رسالة الأمل بلبنان إلى أكبر عدد ممكن من الناس، سأغنّي بالعربيّة، والفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، والبرتغالية، واليونانية، والفارسية»، تقول جاهدة وهبة.

تؤمن بأنّ الموسيقى والقصيدة والأغنية تُداوي. «إذا بكى مستمعٌ بسبب أغنية فهذا ليس بالضرورة حزناً إنما شفاء»، تؤكد الفنانة. ثم تتذكّر تلك السيدة التي اقتربت منها بعد حفلها في بعلبك عام 2018، لتقول لها إنّ أداءها أغنية «أرض الغجر» في ليل القلعة التاريخيّة، أشعرَها بأنّ ابنَها المتوفّى منذ شهرَين جالسٌ بقربها.

يعود هذا العلاج الموسيقيّ بالمنفعة على الفنانة كذلك، وليس على الجمهور فحسب. تقول إن «منطقة شفائها الخاص تتّسع بوصول الصوت إلى الناس وتَفاعلِهم معه»، مفصحةً بأنها تترقّب في كل مرة تُصدر فيها عملاً جديداً، هذا التضميد المجاني الذي يأتيها من جمهورها.

لا يمكن تصنيف أعمالها في خانة السهولة. هي بنفسها تُقرّ بأنّ «الاستماع إليها يبدو مهمة صعبة أحياناً». إلا أنها، وبصبر نحّات، تواصل «الحفر في الجدار لفتح كوّةٍ تأخذ المستمعين إلى القصيدة». فالشعرُ توأم أغنية جاهدة وهبة، وكأنها عاهدت نفسها بأن تنهل من نبعه. كلّما راودتها الرغبة في إنجاب أغنية، غاصت في محابر الرومي، ودرويش، وأدونيس، ونزار قباني، وأحلام مستغانمي، وخليل حاوي، وغونتر غراس وغيرهم من كبار الكلمة.

في أحد أحدث إصداراتها «بيروت تفّاحة للبحر»، دمجت 4 نصوص لكلٍ من درويش، وأدونيس، وخليل حاوي، وبلند الحيدري. عن تجربة دمج القصائد تلك، التي تشكّل البصمة الخاصة في ألبوم «ملح وظلال»، توضح جاهدة وهبة: «عندما أمزج قصائد لأكثر من شاعر في أغنية واحدة، أحرص على أن يكون ثمة خيط يربطها ببعضها وعلى أن يكون الإيحاء الشعري موحّداً».

الشعر توأم أغنية جاهدة وهبة ومعظم أعمالها عبارة عن نصوص لكبار القصيدة العربية والعالمية (صور الفنانة)

غالباً ما تتمخّض دهشة جاهدة وهبة أمام القصيدة عن ألحانٍ تؤلّفها بنفسها. تُفرحها صفة «الملحّنة» رغم «المخاض الذي يسبق أحياناً اكتمال اللحن». أرادت التلحين لأنها وجدت في القصائد «مساحة للذرف اللحني» كما أنها شعرت بأنّ لديها الكثير لتقوله. غير أنّ تلحينها لأغانيها لا يعني أنها ستقفل باب التعاون مع ملحنين آخرين.


مقالات ذات صلة

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

يوميات الشرق مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

«مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل».

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً، الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة.

داليا ماهر (القاهرة )
ثقافة وفنون الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.