أطفال لبنان عرضة لتغيرات سلوكية عدة وسط الحرب... ما أبرزها؟ وكيف تتعامل معها؟

تصاعد القصف الإسرائيلي تسبب في موجة نزوح ضخمة طالت نحو 400 ألف طفل

أطفال يتجمعون في أحد المراكز التي تستقبل نازحين بالقرب من صيدا (رويترز)
أطفال يتجمعون في أحد المراكز التي تستقبل نازحين بالقرب من صيدا (رويترز)
TT

أطفال لبنان عرضة لتغيرات سلوكية عدة وسط الحرب... ما أبرزها؟ وكيف تتعامل معها؟

أطفال يتجمعون في أحد المراكز التي تستقبل نازحين بالقرب من صيدا (رويترز)
أطفال يتجمعون في أحد المراكز التي تستقبل نازحين بالقرب من صيدا (رويترز)

يعيش أطفال لبنان تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتصاعد منذ أكثر من شهر؛ مما أجبر آلاف العائلات على مغادرة منازلهم، خصوصاً من مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، آملين في إيجاد بلدات آمنة نوعاً ما تؤمن حماية، ولو غير مضمونة، من الصواريخ وكل من يترتب عليها من دمار ومشاهد عنيفة.

ومع تقديرات بنزوح أكثر من مليون و200 ألف شخص في لبنان حتى الآن، بينهم قرابة الـ400 ألف طفل، أفادت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام»، اليوم (الأربعاء)، بأن هناك حركة نزوح كثيفة من بعلبك في شرق البلاد، بعد إصدار الجيش الإسرائيلي أمراً بالإخلاء.

وذكرت الوكالة أن النازحين يتدفقون من «مدينة بعلبك وبلدتي دورس وعين بورضاي المجاورتين باتجاه طريقي بعلبك-زحلة، وبعلبك-دير الأحمر-عيناتا-الأرز باتجاه الشمال». من جانبه، أوضح رئيس بلدية بعلبك، مصطفى الشل، أن نحو 100 ألف شخص نزحوا من المدينة.

ووسط الحالة الأمنية والنفسية الصعبة للبنانيين، يبرز التأثير الأكبر على الأطفال، خصوصاً مع توقف العام الدراسي لكثير منهم، أي طلاب المدارس الرسمية؛ بسبب تحولها إلى مراكز إيواء، وغياب الأنشطة الترفيهية أيضاً بسبب الأوضاع الحرجة.

أطفال يلعبون داخل مركز تدريب حيث يتم استضافة النازحين وسط الحرب بالقرب من صيدا اللبنانية (رويترز)

وينجم عن كل هذه العوامل تغيرات سلوكية عدة لدى الأطفال، منبعها القلق والخوف، وفقاً لاختصاصية العلاج النفسي والحركي لِيلا بشاشي، التي تختص أيضاً بتدريب وتأهيل الأسرة.

6 تغيرات سلوكية متوقعة

تقول ليلا بشاشي لـ«الشرق الأوسط»، إن من أبرز التغيرات السلوكية التي قد يعانيها الأطفال وسط الحرب والنزوح «ازدياد الخوف، فالطفل قد يُطوّر هاجس يرتبط بمفارقة أهله أو حتى الجلوس بمفرده في غرفة ولو كانت مألوفة، كما أن الأصوات القوية تكون ذات تأثير سلبي عليه، وهذا الخوف يقودنا إلى التغيير السلوكي الثاني البارز، وهو ما يعرف بـ(regression) أو التراجع عن العادات المكتسبة».

وتشرح الاختصاصية النفسية، ومؤسسة مركز «لوتس» للمعالجة والتأهيل الأسري: «يُعبّر الأطفال عن خوفهم عبر تغيير سلوكيات وعادات كانوا قد اكتسبوها مثل النوم بمفردهم أو الدخول إلى الحمام أيضاً دون مساعدة... نرى لدى الكثير من الأطفال اليوم تحوّلاً في هذه السلوكيات... هناك أطفال تنمي عادات سيئة جديدة أيضاً مثل وضع اليد داخل الفم بوصفه طريقة للتعبير عن الشعور بعدم الأمان».

وعن التغيير الثالث في سلوكيات الأطفال التي قد نصادفها، توضح ليلا بشاشي: «تقلّب المزاج من الأمور الأساسية التي يراها الأهل، فمثلاً، يمكننا أن نرى طفلاً يلعب سعيداً، ومن ثم يبدأ بالبكاء بشكل مفاجئ.. يرتبط ذلك بالانزعاج النفسي وعدم الاستقرار، أي العوامل الناجمة عن النزوح أو حالة الحرب ككل».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

أما التغيير السلوكي الرابع فهو الانعزال، وعدم الرغبة في ممارسة أي نشاطات خارج المنزل، وتقول ليلا بشاشي، «يُظهر بعض الأطفال حاجة مرتفعة إلى العزلة، وعدم الرغبة في الخروج من المنزل لممارسة أي نشاط، خوفاً على أمنهم وأمن أهلهم، إذ إن الوجود في مكان واحد محدد هو ما يؤمن الراحة النفسية لهم».

بالمقابل، تظهر سلوكيات تناقض العزلة لدى أطفال آخرين، مثل فرط النشاط والحركة. وتضيف ليلا بشاشي: «يُعبّر بعض الأطفال عن الخوف والقلق عن طريق فرط الحركة والنشاط الزائد وعدم الرغبة في الجلوس، وقد تتطور هذه الحالات إلى استخدام العنف أحياناً، مثل رغبة بعض الأطفال في تحطيم الألعاب أو ضرب أخوتهم، بوصفه وسيلة للتنفيس عن الغضب».

أما التغيير السادس والمهم، يرتبط بمشاكل النوم. توضح الأخصائية والمعالجة النفسية أن من أبرز التغيرات السلوكية للأطفال اللبنانيين تظهر في عدم قدرتهم على النوم لأسباب عدة مثل سماع الأخبار برفقة الأهل ومشاهدة صور وفيديوهات صادمة وعنيفة، وتقول: «تراكم الأفكار السلبية خلال أجواء الحرب يمنع الأطفال من النوم السليم، ويتسبب في تغيير جدول وطريقة نومهم. والآثار السيئة تتضاعف طبعاً لدى الأطفال النازحين بسبب عدم وجودهم في غرفهم الخاصة، وأحياناً اضطرارهم إلى الانخراط مع أشخاص جُدد وإجبارهم على التأقلم معهم».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي يحضرون ورشة رسم نظمها متطوعون في مركز إيواء ببيروت (أ.ف.ب)

كيف نتعامل من هذه التغيرات؟

أولاً، تؤكد ليلا بشاشي لـ«الشرق الأوسط» ضرورة مراقبة ما يتابعه أو يسمعه الطفل من أخبار ومشاهد عنيفة، إن كان ذلك عبر التلفاز، أو عبر الهواتف والأجهزة المحمولة الأخرى، لتجنب تخزين المشاعر السلبية.

وتشرح الاختصاصية النفسية: «ثانياً، من المهم أن نشجع الطفل على التواصل مع الآخرين، مثل اللعب مع أولاد الجيران أو التحدث مع الأقارب... وإذا كان الطفل في وضع النزوح، علينا تشجيعه على اللعب مع أطفال آخرين داخل المدارس، وإيجاد نشاطات يمكنهم تنفيذها معاً... يساعد ذلك على تحفيز الطفل وتفريغ طاقاته».

أطفال يتفاعلون مع راوية قصص تزورهم لرفع معنوياتهم ومساعدتهم على التعامل مع صدماتهم في شارع الحمرا ببيروت (رويترز)

وتتابع: «الوسيلة الثالثة التي يجب على الآباء اعتمادها هي محاولة التمتع بالصبر، والتأقلم مع أي تغيرات سلوكية، والتعامل مع الطفل على أساس التفهم الكامل في هذه المرحلة... من الضروري أن نطرح أسئلة عليه ترتبط بأحاسيسه، والتحدث معه بشفافية عنها... على الأهل أن يؤكدوا للطفل أن الشعور بالقلق أمر عادي وطبيعي في ظل هذه الظروف».

أما الوسيلة الرابعة التي تنصح ليلا بشاشي الأهل باتباعها، هي الالتزام بروتين يومي محدد، وتقول «إذا كنا نازحين أم لا، يجب على كل عائلة تخصيص روتين للاستيقاظ وتناول الطعام، وقراءة الكتب، واللعب ووضع لائحة لكل النشاطات اليومية الممكنة، والالتزام بجدول لتحقيقها»، وتؤكد الخبيرة أن ذلك يجعل الطفل يشعر بالأمان والطمأنينة.

ومن هنا، تتطرق ليلا بشاشي إلى وسيلة خامسة للتعامل مع الأطفال، تصفها بأنها ضرورية جداً، وهي ممارسة الهدوء، تشرح الاختصاصية النفسية أنه «من الضروري على الأهل أن يمارسوا الهدوء أمام الأطفال قدر الإمكان، لأن الطفل يتأثر بشكل كبير بمشاعر وتصرفات والديه، فكلما سيطرا على مشاعرهما، خفت تأثيرات الحرب والنزوح على الطفل».

نصيحة «ذهبية» للأهل

في خضم الحالة النفسية المزرية للآباء في لبنان، تنصح ليلا بشاشي الأهل بـ«إعطاء أنفسهم وقتاً مخصصاً للذات».

والنصيحة «الذهبية» التي تقدمها لهم هي «قضاء الوقت عبر اللعب مع الأطفال، والابتعاد عن سماع الأخبار قدر الإمكان، وممارسة نشاطات متنوعة تبعدهم عن أجواء الحرب، مثل مشاهدة فيلم جديد، أو الجلوس مع صديق مقرب، أو ممارسة الرياضة، أو حتى تحضير الطعام المفضل... كل هذه النشاطات تساعد على الترفيه عن الذات».

وتشير ليلا بشاشي إلى أن «مفهوم الـ(me time) أو الوقت المخصص للذات يُعد من الأمور المهمة التي تساعد الأشخاص، خصوصاً الآباء، على مواجهة التحديات ومراكمة الطاقة الإيجابية اللازمة لتحقيق الطمأنينة للأطفال».


مقالات ذات صلة

السوريون مطوقون بالقلق من كل شيء

المشرق العربي الجيش الإسرائيلي استهدف سيارة شرق خان أرنبة في القنيطرة على طريق دمشق (أ.ف.ب)

السوريون مطوقون بالقلق من كل شيء

السوريون مطوقون من كل جانب داخل سوريا بالمخاوف والقلق من أن تمتد الحرب في لبنان إلى بلادهم، أو تصدر الحكومة الجديدة قرارات برفع أسعار الوقود فترتفع أسعار السلع.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي دخان يتصاعد من مدينة الخيام نتيجة القتال بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني (رويترز)

صور ومقاطع فيديو تظهر نسف إسرائيل مئات المباني في جنوب لبنان

أظهرت صور الأقمار الاصطناعية والفيديوهات دماراً واسع النطاق في ست قرى على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، حيث تظهر تدميراً كلياً أو جزئياً لـ1085 مبنى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

لبنان يوجّه تهمة الإثراء غير المشروع لمحافظ المصرف المركزي السابق

قال مسؤولون قضائيون إن السلطات اللبنانية وجّهت تهمة الإثراء غير المشروع إلى محافظ مصرف لبنان السابق، وأصدرت مذكرة توقيف بحقه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو يسكب «ماء بارداً» على المتحمسين لوقف إطلاق النار في لبنان أو غزة

وضع نتنياهو شروطاً جديدة للاتفاق مع لبنان، وأبدى إصراره على أن يتضمن الاتفاق بنداً يحفظ لإسرائيل حرية العمليات في لبنان في إطار أي تسوية لإنهاء الحرب.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية نقل جثمان امرأة قُتلت في حيفا الخميس (أ.ف.ب)

مقتل 7 أشخاص في إسرائيل بهجمات «حزب الله»

في أكبر حصيلة من القتلى المدنيين الإسرائيليين منذ الهجوم البري على الأراضي اللبنانية قبل 37 يوماً، قُتل 7 أشخاص وأُصيب ثامن بجروح خطيرة في خليج حيفا والمطلة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«المجتمعات المتنقّلة في العلا»... لوحة غنية بالحياة تشكَّلت عبر الزمن

البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
TT

«المجتمعات المتنقّلة في العلا»... لوحة غنية بالحياة تشكَّلت عبر الزمن

البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)

استضافت محافظة العلا (شمال غرب السعودية) ندوة عالمية لفهم المجتمعات المتنقّلة، وأثر الترحال في رسم ملامح ما استقرّ عليه العالم اليوم، والتأمُّل في نشاط التنقّل بوصفه وسيلة للوصول إلى فرص جديدة، وتحسين ظروف الحياة، والاستكشاف.

وتحتضن العلا الندوة، من موقعها التاريخي ملتقى للتبادل التجاري واللغات والأفكار والعادات؛ وقد بقيت آثار ذلك حاضرة في أجزاء متفرّقة منها من خلال السجلّات الأثرية أو طبيعة الأرض أو القصص التي تلاها الناس وانتقلت عبر العصور.

وتاريخياً، مرّت شعوب مختلفة بالعلا أو اتّخذتها وطناً لها، فتركت بصمتها وخطّت آلاف النقوش.

ويعود تاريخ أقدم هذه النقوش إلى القرنين الـ9 والـ10 قبل الميلاد، بعضها دوّنه كتّاب محترفون، والبعض الآخر كتبه أشخاص عاديون. والنقوش يجري حفرها وطلاؤها وإبرازها، وتشمل اللغات الآرامية والثمودية والدادانية والمعينية والنبطية واليونانية واللاتينية والعربية، ومما سجّلوه في رحلات السفر والحج والزكوات.

وأضاء معرضٌ مُصاحب للندوة التي شهدت مشاركة خبراء ومتخصّصين وباحثين في مجالات علم الآثار وإدارة المواقع الثقافية، على تجربة التنقّل لدى مجتمعات منطقة العلا في شمال غرب شبه الجزيرة العربية عبر العصور، فحاول الكشف عن تاريخها العريق من خلال برنامج بحث أثري كبير، ركزت بحوثه على الثقافات المتنوّعة التي عبرت هذه المناطق، وربطت بين الطرق القديمة التي سهَّلت تبادل السلع والمعارف.

وكشفت التنقيبات والدراسات المستمرّة التي أجرتها «الهيئة الملكية للعلا» تأثير المجموعات المتنقّلة في المستوطنات المحلّية والزراعة، والتفاعل الحيوي والتعاملات بين هذه المجتمعات المتنقلة التي عبرت المنطقة والمجتمعات المستقرّة فيها؛ في حين قدَّم المعرض المُصاحب سرديةً ثريّةً بالتفاصيل، ولوحةً غنيةً من الحياة التي شكّلت ملامح العلا عبر الزمن.

أضاء المعرض على تجربة التنقّل لدى مجتمعات منطقة العلا (الشرق الأوسط)

التنقّل وظهور الإسلام

مع ظهور الإسلام في القرن الـ7 الميلادي، شهدت العلا زيادة أعداد المارّين فيها، وانتقلت نقطة التمركز البشري الرئيسية في وادي العلا إلى قرح في الجنوب، التي أصبحت المحطة الرئيسية للحجاج القادمين من سوريا وشمال أفريقيا إلى مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة.

وبحلول القرن الـ13، أصبحت بلدة العلا القديمة التي تقع بالقرب من دادان مركز التجمّع البشري الرئيسي، وبقيت كذلك حتى ثمانينات القرن الـ20. أما في بداية هذا القرن، أُنشئت سكة حديد بين دمشق والمدينة، بما ساعد في اختصار زمن رحلة الحج من 40 يوماً إلى 4 أيام فقط، وأسهم بذلك في زيادة عدد الحجاج.

قرح إحدى أهم مدن شبه الجزيرة العربية بين القرون الـ5 والـ12 (هيئة العلا)

مركز تجاري على مفترق طرق

كانت دادان التي تميَّزت بموقعها الاستراتيجي في وادي العلا وعلى طريق البخور مركزاً حضرياً حيوياً في شبه الجزيرة العربية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وعاصمة لمملكتَي دادان ولحيان.

وتُبيّن الاكتشافات الأثرية الحديثة البراعة المعمارية والتأثر الفنّي بمصر وبلاد الرافدين والعالم اليوناني الروماني.

وفي القرن الأول قبل الميلاد، استقرّ الأنباط في الحجر القريبة التي كانت مركزاً تجارياً مزدهراً تحيط بها مقابر مزخرفة إلى الشمال من وادي العلا. وبعد ضمّ المملكة النبطية إلى الإمبراطورية الرومانية عام 106، واصلت الحجر دورها موقعاً استراتيجياً للرومان، مما رسَّخ مكانة المنطقة بوصفها محوراً دائماً للتجارة والتبادل الثقافي بين الحضارات.

حاول المعرض الكشف عن التاريخ العريق للمجتمعات المتنقّلة في العلا (الشرق الأوسط)

من حياة الصيادين إلى المزارعين

تكشف الأدلة الأثرية أنه قبل أكثر من 200 ألف عام، تنقّل عدد من الشعوب عبر هذه الأراضي كونهم صيادين وجامعي ثمار.

ومع مرور الزمن، تغيَّر هذا النمط الاقتصادي المتنقّل، في حين حافظت بعض المجتمعات على نمط الحياة البدوي الذي لا يزال جزءاً مهماً من التراث السعودي، واختارت أخرى الاستقرار وإنشاء الواحات.

وأظهرت الاكتشافات الأثرية الحديثة وجود مساكن شبه دائمة أو مأهولة بشكل دوري تعود إلى العصر الحجري الحديث، بالإضافة إلى اكتشاف قرية من العصر البرونزي في خيبر، مما يدلّ على تفاقُم استخدام الأراضي والاستفادة من الموارد الطبيعية.

ويشير ذلك إلى أنّ ظهور المستوطنات الحضرية في واحات العصر البرونزي أصبح محوراً للتبادلات الاجتماعية والاقتصادية، مما عزَّز الروابط والتعاملات بين المجموعات المستقرّة والبدوية في جميع أنحاء المنطقة.

وشهد، الخميس، ختام أعمال «ندوة العلا العالمية للآثار 2024» لبحث آثار وتراث المجتمعات المتنقّلة عبر الماضي والحاضر والمستقبل، بعد يومين من النقاشات الثرية بمشاركة علماء آثار وتراث ثقافي دوليين.

وتوفّر كلّ من «قمّة» و«ندوة» العلا العالمية للآثار فرصة للقاء الخبراء والمتخصّصين والباحثين في مجالات علم الآثار وإدارة المواقع الثقافية، وطرح الرؤى المعمّقة في مجالات عدة، تتعلّق بتطوير المواقع ذات الأهمية الأثرية والدلالات التاريخية وإدارتها.