مدافن حجرية في السعودية تعيد كتابة تاريخ جزيرة العرب

التطلع إلى السماء كانت لغزاً محيراً للإنسان القديم

مدفن «ثقب المفتاح» الذي يُعد نمطاً مميزاً في تصميمه وهندسته المعمارية (مجلة Herança)
مدفن «ثقب المفتاح» الذي يُعد نمطاً مميزاً في تصميمه وهندسته المعمارية (مجلة Herança)
TT

مدافن حجرية في السعودية تعيد كتابة تاريخ جزيرة العرب

مدفن «ثقب المفتاح» الذي يُعد نمطاً مميزاً في تصميمه وهندسته المعمارية (مجلة Herança)
مدفن «ثقب المفتاح» الذي يُعد نمطاً مميزاً في تصميمه وهندسته المعمارية (مجلة Herança)

كشفت دراسة حديثة نُشرت هذا الأسبوع جوانب حضارية ودلالية، لم يسبق أن وُضع لها تفسير دلالي حول طبيعة التصاميم البنائية لمئات الآلاف من المدافن في عموم الجزيرة العربية، وقد اختار الباحثان نموذجين للدراسة، وهما «مدفن ثقب المفتاح ومدفن المستطيل».

ومن بين أهم النقاط المثيرة التي حوتها الدراسة التي أجراها الباحثان عيد اليحيى وقصي التُّركي وقدمت تحليلاً أركيولوجياً، للتاريخ والتراث والثقافة ونشرتها مجلة «Herança»، إحدى أهم المجلات العلمية العالمية المحكّمة ضمن مستوعبات سكوباس، والتابعة لجامعة (لشبونة) أن مدفن ثقب المفتاح الذي يُعد نمطاً مميزاً في تصميمه وهندسته المعمارية، وله عدة نماذج فريدة ومميزة في حرات بركانية، ومن بينها «حرة خيبر» شمال المدينة المنورة، وتم توثيقه بدقة من قبل فريق عمل بإدارة الباحث الميداني والأنثروبولوجي عيد اليحيى، وعُرض ضمن برنامج (على خطى العرب -الموسم السابع) التي تعرضة قناة العربية، وكان أول استخدام إعلامي للمصطلح عام 2014م؛ حيث أطلق على هذا المصطلح نسبة إلى الشبه الكبير من حيث التصميم المعماري لثقب المفتاح المعروف.

أصحاب البيوت الدائرية هم الذين بنوا مدافن «المستطيلات» (مجلة Herança)

اللغز المحير للإنسان

وكان بانيه يأمل منه التطلع إلى السماء التي كانت لغزاً محيراً للإنسان القديم، وعلى مر العصور وفي مختلف الثقافات، معتقداً أن الآلهة تسكن في السماء، وأن حياته فيما بعد الموت ترتبط بمدى اهتمامه بمدفنه وارتباطه بالسماء. وبناء على الملتقطات السطحية بالقرب من هذه المدافن التي هي عبارة عن أدوات حجرية، مثل: الفؤوس والمدقات الحجرية البركانية المكتشفة في أماكن أخرى من العالم والشرق القديم، ويعود تاريخها إلى وقت العصر الحجري القديم؛ فإن تاريخ هذه المدافن يرقى إلى العصور الحجرية القديمة.

ومن خلال الوصف الدقيق لهذا النمط الجماعي، يمكن القول إن مصمم هذا النمط من المدافن بناها على شكل خطوط متوازية لجدران متراصفة، يتكئ بعضها على بعض، وتحاكي نمطاً معمارياً هندسياً، أسمته الدراسة «تعاقب الشكل أو التكرار»، بشكل أفقي مع ضبط أضلاعه مع كل تكرار جديد لضلع المدفن من الأكبر إلى الأصغر.

مدفن ثقب المفتاح

ومن المعلومات الجديدة التي حوتها الدراسة تلك المقاربة في التصميم العام لمدفن ثقب المفتاح، مع إضافة مميزة على شكل المدفن بشكل أفقي عند نقطة الاتصال بين دائرة المفتاح وطرف شكل المدفن، والنموذج المنتخب هنا مدفن في مدينة فدك؛ حيث وُجد له شبيه رمزي في حضارة مصر القديمة باسم (عنخ)، ويشار إليه أحياناً باسم «مفتاح الحياة»، ويمثل الحياة الأبدية في مصر القديمة.

دليل على أن إنسان الجزيرة العربية جعل من الرمز دلالة واضحة للحياة والبعث من جديد (مجلة Herança)

والذي كثیراً ما یظهر في لوحات المقابر المصریة، وعلى جدران المتاحف والحوائط، وغالباً ما یظهر في الصور التي تمثل البعث من الموت للمتوفى صاحب المقبرة، ویسمى كما سلف «مفتاح الحیاة»، والبعث بعد الموت من جدید، ولهذا فإن اقتباس المصريين لهذا الرمز من الجزيرة العربية، وارتباطه بالموت والبعث من خلال مدفن ثقب المفتاح في الجزيرة العربية؛ ما هو إلا دليل على أن إنسان الجزيرة العربية قد جعل من الرمز دلالة واضحة للحياة والبعث من جديد.

التاريخ المحتمل لمدافن نمط ثقب المفتاح

وفي دراسة الباحثين عيد اليحيى وقصي التركي تبين أن تاريخ هذه المدافن يعود إلى فترة تسبق ما ذهبت إليه الدراسات المماثلة في تحديد تاريخ الألف الثالث لمدافن ثقب المفتاح؛ وذلك لأسباب منطقية تتعلق بالدراسات الجيرموفولوجية والأثرية، حيث إنه - من المعلوم - تحديد مرحلة الهولوسين الرطبة (Holocene Humid Period =HHP) في شبه الجزيرة العربية بين ما قبل 8000 إلى 4000 قبل الميلاد؛ أي أن مثل هذه المدافن الحجرية الضخمة يعتقد أن تاريخها يعود إلى ما قبل الألف الخامس قبل الميلاد على أقل تقدير.

وبالإضافة إلى الرمز الدلالي الخاص بمفتاح الحياة، فقد ساق الباحثان أمثلة جوهرية على عمق الدلالة الرمزية لمدفن ثقب المفتاح المرتبط برموز كتابية من حضارة بلاد الرافدين، تمثل المرحلة الصورية من الكتابة المسمارية، ومن بينها: رموز لمعبودات سماوية، وبلفظ (NUN.GAL.MEŠ=igigi)، وهو رمز إلى معبود الأرض «إنكي»، وبلفظ «dNUN.GAL»، وله دلالة دينية أخرى؛ إذ يطلق على المعبد الجديد أو الكبير، وبلفظ (E2. GIBIL = bit eššu) كما يعرف بصفة سرداب أو قبر، وبلفظ (E. gišGEŠTIN = bit karani، كما هو واضح من التشابه في الرسم بين نمط تعاقب الشكل لمدفن ثقب المفتاح والعلامة الصورية للكتابة المسمارية.

يعطي الرمز الرسم والدلالة نفسيهما لبرج الجدي في السماء (مجلة Herança)

ولا يحيد نمط مدفن المستطيل عن دلالات رمزية في الكتابات الرافدينية القديمة، من حيث الشكل والمعنى الدلالي؛ إذ قدمت الدراسة تحليلاً مميزاً ومتطابقاً مع فكر الإنسان في الجزيرة العربية، ومدى تفاعله مع بيئته، وهذا يدل على أن إنسان السعودية قطع شوطاً كبيراً في نمط حياته واستيطانه خلال عصور ما قبل التاريخ، مع إيماننا المطلق بأن الفكر الحياتي لمعتقداته قد تجاوز الكثير من التصورات التي يمكن أن يتصف بها فكر الإنسان العاقل في كثير من بقاع العالم خلال العصور الحجرية. ولعل دراسة هذا النمط من المدافن ودلالته الرمزية ستكون إضافة نوعية لإعادة كتابة تاريخ حضارة إنسان الجزيرة العربية.

مدافن نمط المستطيل

وللتأكيد على وجود هذه الأبنية المستطيلة التي أطلق عليها مدافن نمط المستطيل، فإن الاكتشافات الميدانية أسفرت عن اكتشاف أعداد هائلة تنتشر في حرّات بركانية أو على أسطح أو سفوح الجبال، من بينها - على سبيل المثال - مدفن المستطيل الواقع شمال غربي المملكة بالقرب من بلدة موقق أسفل سفح جبل العبد في حائل، الذي بلغت مساحته 6600 متر مربع تقريباً، بقياسات 30 متراً عرضاً و 220 متراً طولاً، وارتفاع الجدران لا يتعدى متراً.

ومن اللافت للنظر في هذه الدراسة أنها لم تتفق مع ما تم طرحه من دراسة سابقة حول فكرة كون مدفن المستطيل مكاناً لعبادة الماشية عند أقوام الجزيرة العربية في عصور ما قبل التاريخ، التي صرحت بها إحدى أهم البعثات الأجنبية، وقد كان دليلهم في ذلك اكتشاف قرون ماشية في غرفة الدفن! متناسين أن تقديم الأضاحي والطعام والشراب مع المتوفى من الأشياء التي كانت توضع مع الميت في قبره، إما بوصفها قرابين للميت من أجل أن تحفظه الآلهة برعايتها، أو لاعتقادهم أن الإنسان سيحتاج إلى الطعام والشراب في حياة ما بعد الموت.

وتعرف ظاهرة دفن الحيوانات مع الميت في حضارات الشرق والجزيرة العربية، ويوجد كثير من الأبحاث والدراسات التي تؤكد ذلك، فمن أقصى جنوب شرقي الجزيرة العربية جاءتنا أدلة مقنعة عن معثورات القبور، ومن شمال الجزيرة العربية وتحديداً في شرق البحر المتوسط. والاستنتاج الأكثر ترجيحاً هو كون البناء مدفناً وله رمزيته، فقد عُرفت غرفة الدفن في نهاية كل رأس مستطيل، وقد عرضت الدراسة وصفاً لدراسات منشورة لنمط مدفن المستطيل في نتائج المسوحات الأثرية الحديثة، فمع وجود نحو 1600 مستطيل في جميع أنحاء شمال غربي المملكة العربية السعودية، فإن توزيعها غير المسبوق، حسب وصف التقارير والأبحاث الحديثة، يشير إلى أنها من أقدم المواقع المتجانسة المعروفة والأكثر انتشاراً لممارسة طقوس الدفن في العالم.

والمثير في الرموز الدلالية لمدفن المستطيل أنها تشير إلى معانٍ وإشارات كثيرة متقاربة في الشكل العام، لكنها ترتبط من حيث المضمون بفكر الإنسان القديم ومعتقده الخاص بعبادة المعبودات من دون الله، أو بمظهر من مظاهر الكون، وخصوصاً الظواهر في السماء والأرض، ومن بين أهم تلك الرموز والدلالات الرمز المرتبط بالطوفان والماء، وهو عبارة عن أشكال هندسية مستطيلة تشبه إلى حد كبير التصميم الخاص بالمستطيلات، وقد يصل إلى حد التطابق معه. وهي العلامة التي عُرفت في الكتابات المسمارية من المرحلة الصورية الدالة على الطوفان الذي نعتقد جازمين بأنه حدث في الجزيرة العربية، وأهم صفاته: مياه الغمر، وأن من بين أهم مصادر المياه هي الأمطار والوديان، وهو الشكل الصوري برمزه ودلالته، لا سيما إذا ربطناه مع الاستنتاج الذي توصّل إليه الآثاريون بعد المسح الجوي لمنطقة مدافن المستطيل؛ حيث أظهر هذا العمل أن غالبية هذه المدافن كانت موجهة نحو المسطحات المائية، أو شُيّدت بشكل وثيق بارتباطها مع مصادر المياه كالوديان، كما افترض الآثاريون أن ذبح أنواع معيّنة من الحيوانات وتقديمها قرابين وسيلةٌ لضمان الخصوبة واستمرار هطول الأمطار. ومن خلال هذا الاستنتاج، فإن تصميم بناء مدفن المستطيل أخذ هذا التصميم الصوري للعلامة المسمارية أعلاه، الذي غالباً ما ارتبط بشكل وثيق مع المسطحات المائية.

والدلالة الرمزية الثانية للرسم الهندسي (المستطيل) تعبيرٌ عن المعبود «آمورو»، ورمزه الصوري الذي يقترب من المستطيل، وهو معبود الآموريين الذين أثبتت الدراسات أنهم من الأقوام التي أصلها من قلب الجزيرة العربية، ونزحت إلى شمالها في حدود الألف الرابع قبل الميلاد، وعرف بكونه معبود السهول والجبال، فيما وصفه الأكديون والسومريون بكونه معبود الصحراء والبدو، وهو بهذا الوصف يتطابق والبيئة البدوية والصحراوية التي تتماشى مع البيئة الجغرافية لأغلب مناطق الجزيرة العربية، وإن وصفه معبوداً للجبال - مع احتفاظه بمكانة متميزة ضمن مجموعة من الآلهة المهمة يرجّح أن يكون مكان رموزه من خلال تصميم المدافن على أسطح الجبال حيث المدافن المستطيلة.

من هم سكان أصحاب مدافن المستطيلات؟

أظهرت الدراسة استنتاجاً مهماً وذلك من خلال الوقوف ميدانياً على مبانٍ دائرية بالقرب من أعداد من مدافن نمط المستطيل، وسميت هذه الدوائر من قبل علماء الآثار بـ«الدوائر الحجرية الدائمة» (standing stone circles=SSCs).

بيّنت الدراسة أن الإنسان نحت أعمدة من الحجر لتكون الوتد الذي يستند عليه البيت الدائري، وقد لوحظ أن للبيت الواحد أكثر من عمود حجري واحد، مع استخدام أغصان الأشجار الغليظة لتثبيتها بين الحجارة، ومن ثم يسهل تسقيفها، إما بأغصان الأشجار أو بجلود الحيوانات أو بكليهما معاً. وقد وجدت أعداد كثيرة من هذه الدوائر في محافظة الحائط (فدك قديماً)، إضافة إلى مستوطنات دائرية الشكل لأحجار ضخمة مرصوفة بشكل دائري تشكل غرفةً واحدة بباب واحد، وقد وقف الباحث عيد اليحيى - كما أشارت الدراسة - على أطلال تلك الغرف الكثيرة، ورجّح أن الدخول إلى المنزل الدائري يكون بالانحناء قليلاً مع وجود عتبة للمدخل، والجدار الدائري المتبقي لا يتجاوز ارتفاعه متراً واحداً، أمّا سقف البيت الدائري فمن المرجّح أنه سُقِفَ بأغصان الأشجار مع وضع غطاء من جلود الحيوانات التي وُجدت بكميات كبيرة في المنطقة، منذ عصور قديمة كالجواميس البرية وغزلان العلند وغيرها من الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة خلال عصر السافانا، ومن خلال المعاينة داخل البيوت الدائرية في الحائط، وجد اليحيى أدوات حجرية عبارة عن فؤوس حجرية مصنوعة من الأحجار البركانية استعملها ساكنو تلك البيوت.

أصحاب البيوت الدائرية لهم فكر متميز ويجتمعون معاً كمجتمعات قروية (مجلة Herança)

وبالعودة إلى التسقيف، فإنه وحسب الدراسة - من خلال التصوّر المنطقي وبناء على المواد الموجودة في بيئة البيوت الدائرية لأصحاب المدافن الصولجانية ومدافن ثقب المفتاح - تم وضع تصور لتسقيف هذه البيوت من قبل الأنثروبولوجي عيد اليحيى، وهو أن يكون السقف مغطى بأغصان الأشجار، ومن ثم يكسى المدخل والسقف بجلود الحيوانات الكبيرة.

وحسب الدراسة، فإن تاريخ هذا النوع من تصاميم البيوت الدائرية في المملكة العربية السعودية، التي كشفتها بعثات التنقيب الأثرية، بحرّة عويرض في محافظة العلا، والتي نشرت مؤخراً، تبيّن أنها تحمل نمط البيوت الدائرية نفسها وتصميمها في محافظة الحائط؛ حيث مدافن نمط الصولجان وثقب المفتاح، وقد أمكن تحديد تاريخها بناء على الأدلة الأثرية المكتشفة في التنقيبات إلى ما بين 5900-5100 قبل الميلاد، وهي الفترة التي قد تكون ذروة نشاط الإنسان خلال العصر الحجري الحديث.

وقد خلصت الدراسة إلى أنه لا يوجد أي شك في أن أصحاب البيوت الدائرية هم الذين بنوا مدافن «المستطيلات» (mustatils) الحجرية الضخمة، وهم أشخاص من العصور الحجرية، قاموا ببناء منازل لعائلاتهم، ويبدو أيضاً أنهم يجتمعون معاً كمجتمعات قروية، وأصحاب فكر متميز دلّ عليهم تصميم أبنية الدفن واختيارهم رموزاً ذات أهمية ترتبط بالآلهة وبحياة ما بعد الموت.

يُشار إلى أنه بهذا الوصف وبتلك المعلومات المهمة تكون الدراسة قد قدّمت معلومات واستنتاجات جديدة لتاريخ الاستيطان والمعتقدات التي كان عليها إنسان الجزيرة العربية بشكل عام، وإنسان المملكة العربية السعودية بشكل خاص.


مقالات ذات صلة

السعودية تدين الهجوم الإرهابي في بحيرة تشاد

الخليج الرياض أكدت موقفها الرافض لكل أشكال العنف والإرهاب (الشرق الأوسط)

السعودية تدين الهجوم الإرهابي في بحيرة تشاد

أعربت السعودية عن إدانتها للهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة عسكرية في إقليم بحيرة تشاد، مؤكدةً موقفها الرافض لكل أشكال العنف والإرهاب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)

«المجتمعات المتنقّلة في العلا»... لوحة غنية بالحياة تشكَّلت عبر الزمن

مع ظهور الإسلام في القرن الـ7 الميلادي، شهدت العلا زيادة أعداد المارّين فيها، وانتقلت نقطة التمركز البشري الرئيسية في وادي العلا إلى قرح في الجنوب.

عمر البدوي (العلا)
يوميات الشرق ⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩

عبد الرحمن صندقجي: فيلم «عُمق» يتناول إحدى أخطر مهن العالم

أفصح المخرج والمنتج السعودي عبد الرحمن صندقجي، عن أنه يعكف حالياً على تصوير فيلمه الوثائقي «عُمق» الذي يعرض فيه تفاصيل حياة الغواص السعودي أحمد الجابر.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق هبة القواس في إحدى حفلاتها (الشرق الأوسط)

«سيمفونية الأمل» بالرياض... تناغم فني بين أوركسترا «البولشوي» و«المارينسكي»

في أجواء فنية وموسيقية بديعة تضامناً مع مرضى السيلياك، رعى الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، فعالية «سمفونية الأمل» التي استضافتها الرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الخليج الملك حمد بن عيسى خلال مباحثاته مع الأمير عبد العزيز بن سعود في قصير الصخير بالمنامة (واس)

ملك البحرين ينوّه بجهود التنسيق الأمني مع السعودية

نوّه العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى بالجهود التي تبذلها لجنة التنسيق الأمني المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي البحريني.

«الشرق الأوسط» (المنامة)

عبد الرحمن صندقجي: فيلم «عُمق» يتناول إحدى أخطر مهن العالم

⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
TT

عبد الرحمن صندقجي: فيلم «عُمق» يتناول إحدى أخطر مهن العالم

⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩
⁨يرى صندقجي أن الأفلام الوثائقية هي بمثابة رحلة في الحياة (الشرق الأوسط)⁩

أفصح المخرج والمنتج السعودي عبد الرحمن صندقجي، عن أنه يعكف حالياً على تصوير فيلمه الوثائقي «عُمق» الذي يعرض فيه تفاصيل حياة الغواص السعودي أحمد الجابر والتحديات التي تواجهه خلال عمله اليومي في شركة للصيانة البحرية متعاقدة مع إحدى شركات النفط الكبرى «التي تتطلب مهام عمله فيها الغوص إلى أعماق سحيقة في الخليج العربي لإصلاح أنابيب النفط وصيانتها، حيث يتتبع الفيلم المخاطر اليومية التي يتعرض لها وضغط العمل الشديد الذي يجعل منه أحد الجنود المجهولين العاملين في هذا القطاع الحيوي المهم في السعودية».

يوضح صندقجي خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن مهنة الجابر التي يعمل عليها منذ نحو عقد من الزمان من أخطر المهن في وقتنا الحالي، ويتطلب العمل فيها إجراءات احترازية وتدابير معقدة لتوفير مستويات سلامة قصوى من بينها ارتداء ملابس معدَّة خصيصاً لتنفيذ المهمة التي قد تُلزمه البقاء في غرفة مقفلة لمدة تتجاوز الشهر دون الخروج منها، لغرض موازنة مستوى الضغط والأكسجين.

ويضيف صندقجي: «لذا تعد مهنة تصل في مستوى المخاطرة إلى أن تضعه وهو ورائد الفضاء في كفة واحدة».

بوستر فيلم «عُمق»

يلفت صندقجي إلى أنه يحاول من خلال الفيلم المدعوم من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، والصندوق الثقافي، فهم دوافع الأشخاص واكتشاف القصص غير الاعتيادية، منوهاً إلى «أن اختيار الاسم (عُمق) كان لسببين: عمق الشخص وسبر أغواره، وكذلك عمق البحر الذي يغوص به».

ويمضى إلى القول إن أفلامه الوثائقية الستة خلال المسيرة التي تتجاوز 15 عاماً تركز على الأشخاص غير المرئيين، الذين يحملون قصصاً لم يكتشفها أحد، ويتابع قائلاً: «أرى الأفلام الوثائقية رحلة في الحياة، خصوصاً أنني شخص مغامر، ومتجوّل، ومحب للاكتشاف والتجارب».

ويشير إلى أنه لا يعمل إلا على القصص التي تلفت انتباهه ويشعر برغبة حقيقية في الاقتراب منها، مضيفاً: «دائماً يحركني السؤال: لماذا؟ وأحاول الإجابة عنه من خلال أفلامي».

بدأ صندقجي صناعة الأفلام عام 2008 ووجد شغفه في الوثائقيات على وجه التحديد (الشرق الأوسط)

الوثائقيات السعودية

ومع ازدياد الوثائقيات السعودية في الآونة الأخيرة، يأتي السؤال عن احتمالية استسهال هذا المجال من بعض صناع الأفلام، ليرد صندقجي: «الفيلم الروائي صعب وكذلك الفيلم الوثائقي... كلاهما يواجه عدداً من التحديات، وأنا وجدت نفسي في الأفلام الوثائقية التي تحمل نوعاً من المغامرة، والتي ربما تكون احتمالية الفشل فيها مرتفعة، إلا أني أسعد كل مرة بهذا الضغط الذي يلازمني مع كل فيلم جديد أعمل عليه». ويضيف: «السر يكمن في أخذ العمل بجدية، واعتبارها مهمة ورسالة حياة من صانع الفيلم».

وبسؤاله عن واقع الأفلام الوثائقية في السعودية، يقول: «قبل سنوات عدة لم يكن هناك اهتمام بالوثائقيات، لكنَّ هذا تغيّر كلياً خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث لمسنا فارقاً كبيراً». مستذكراً خلال حديثه اختيار فيلمه «أندرغراوند» ليكون فيلم افتتاح المهرجان في الدورة الماضية من «مهرجان أفلام السعودية» الذي يُقام سنوياً شرق البلاد، وأردف بالقول: «هذا الاختيار ليس تكريماً لي أنا فقط، بل هو تكريم لكل صنّاع الوثائقيات، بعد أن ازداد عددهم، وأصبح التنافس بينهم كبيراً من حيث تقديم أفلام وثائقية جيدة».

وأمام ذلك، يقدم صندقجي نصيحتين لصنّاع الوثائقيات؛ الأولى تتضمن تكثيف مشاهدة الأفلام الوثائقية للتعرّف على رؤية كل مخرج وكيفية تعامله مع الفيلم الوثائقي. وعن الثانية يقول: «من خلال تجربتي، اكتشفت ضرورة التعامل مع الفيلم الوثائقي كالفيلم الروائي»، مبيناً أن ذلك يتضمن سرد الحكاية وجودة النص والتعمّق في فهم الشخصية والقصة.

يؤكد صندقجي أنه لا يعمل إلا على القصص التي تلفت انتباهه ويشعر برغبة حقيقية في الاقتراب منها (الشرق الأوسط)

كتاب جديد

يُذكر أن صندقجي، الذي تخرج في كلية الهندسة الصناعية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمدينة الظهران، بدأ رحلته مع صناعة الأفلام عام 2008، ومر بعدة تجارب ما بين الأفلام التجارية والروائية والوثائقية، قبل أن يستقر على الوثائقيات التي تشكل شغفه الحقيقي. ولمع اسمه في البداية مع فيلم «فوسفين» الذي لاقي رواجاً كبيراً فور عرضه قبل سنوات وتجاوزت مشاهداته 5 ملايين على منصة «يوتيوب»، والذي يعد فيلماً وثائقياً استقصائياً يتتبع الحقائق حول مبيد حشري أدى إلى وفاة العشرات في السعودية.

في ختام حديثه يكشف صندقجي عن أنه يستعد حالياً لإصدار كتابه الثاني «العقلية الوثائقية»، الذي يقدم من خلاله خلاصة تجربته في هذا المجال على مدى أكثر من عقد من الزمن، وهو يأتي بعد كتابه الأول «الفيلم الوثائقي»، مشيراً إلى أن كتابه الجديد يتناول رحلته من خلال القراءات والمشاهدة المكثفة والتعرض للتجارب الوثائقية المتنوعة، وذلك لفهم عقلية الصُنّاع المهرة للأفلام الوثائقية.