مصر: الكشف عن مشاهد جديدة للموكب المقدس بمعبد إسنا

أبرزت الألوان الأصلية للنقوش الفرعونية

موكب خنوم من الطقوس التي احتفظ بها معبد إسنا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
موكب خنوم من الطقوس التي احتفظ بها معبد إسنا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: الكشف عن مشاهد جديدة للموكب المقدس بمعبد إسنا

موكب خنوم من الطقوس التي احتفظ بها معبد إسنا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
موكب خنوم من الطقوس التي احتفظ بها معبد إسنا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أفصحت نقوش اكتُشفت مؤخراً على جدران معبد إسنا بالأقصر (جنوب مصر) عن تفاصيل وطقوس دينية واحتفالية متنوّعة للمصريين القدماء خلال العصر البطلمي، وذلك ضمن مشروع لتسجيل وتوثيق وترميم المناظر الموجودة على جدران وأعمدة المعبد.

فقد تمكّنت بعثة آثارية مشتركة بين مصر ممثّلة في المجلس الأعلى للآثار، وألمانيا ممثّلة في جامعة توبنجن، من كشف تفاصيل جديدة تضمّنتها المناظر التي تُزيّن جدران وأعمدة المعبد بعد استعادة ألوانها الأصلية إثر تنظيفها، ومن أهم الأعمال استعادة ألوان السقف الفلكي بالكامل، الموجودة على الأعمدة الداخلية للمعبد.

كما كشف المُرمِّمون عن تفاصيل تصميمات الملابس الخاصة بالملك والآلهة الخاصة بإسنا، وتيجانهم وعروشهم التي ظهرت لأول مرة أثناء تنظيف بعض النقوش على جدران المعبد.

وعدّ وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، أعمال الترميم «تحافظ على تراث مصر الحضاري، والتعرف على المزيد من أسرار التاريخ المصري القديم، مما يسهم في تحسين التجربة السياحية لمحبي السياحة الثقافية»، وفق بيان للوزارة، الاثنين.

وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد، أن «من أهم المناظر التي تم الكشف عنها هو المنظر الذي يصوّر كهنة معبد إسنا وهم يحملون المركب المقدس للإله خنوم، إله إسنا في ذلك الوقت، ويخرجون بها في موكب إلى خارج المعبد، حتى يتمكّن أهل المدينة من رؤية مقصورة الإله، الذي يظل مختفياً داخل المعبد طوال العام».

الألوان الأصلية للنقوش ظهرت على جدران معبد إسنا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وقال رئيس البعثة من الجانب المصري، الدكتور هشام الليثي، إن «كل التفاصيل المرسومة على الجدران تشكّل جزءاً من مشاهد القرابين التي تغطي الجدران الداخلية للمعبد، حيث إنه حتى الآن لم تكن النصوص الهيروغليفية والنقوش معروفة، إلا أن زخارف كراسي العرش لها معناها الخاص».

ولفت إلى تفاصيل مهمة في النقوش، مثل «منظر لتقديم القرابين يصوّر مئزر الملك به نبات البردي في الأعلى رمزاً لمصر السفلى، ونبات الزنبق في الأسفل رمزاً لمصر العليا؛ للدلالة على أنه حاكم شطرَي البلاد».

وعدّت عميدة كلية الآثار بأسوان سابقاً، الدكتورة أماني كرورة، أن «معبد إسنا له خصوصيته، فهو من معابد العصر البطلمي والعصر المتأخر المهمة جداً»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف إن هذا المعبد للأسف به أجزاء مفقودة، مثل بيت الولادة، فقد تم نقل أحجارها إلى المتحف المصري، أو أخذ الناس هذه الأحجار المتساقطة دون وعي، واستخدموها في بناء مساكنهم الخاصة».

ولفتت إلى أن «طبقة السناج - لحُسن الحظ - من الطبقات التي حفظت لنا الألوان الأصلية على جدران المعابد كما تركها المصري القديم، وكانت هذه المعابد موجودة في الصحراء، وكان يلجأ إليها المسيحيون في فترات الاضطهاد الروماني للاختباء فيها، ومع استخدامهم للوقود البدائي تكوّنت طبقات السناج (الهباب) التي حفظت الرسوم والألوان القديمة»، مؤكّدة خصوصية المواد المستخدَمة في عمليات الترميم وإزالة السناج؛ للحفاظ على الرسومات والنقوش بحالتها الأصلية.

وأبدى رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان لايتز، سعادته بما وصلت إليه البعثة من تقدّم ملموس في إظهار الألوان الأصلية للمعبد، موجّهاً الشكر لوزارة السياحة والآثار على الدعم الكبير الذي توفّره للبعثة.

بينما عدّ عالم الآثار المصري الدكتور حسين عبد البصير «الكشف عن مشاهد جديدة للموكب المقدس بمعبد إسنا، إضافةً مهمة لفهمنا للعقيدة الدينية المصرية القديمة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «معبد إسنا المخصَّص لعبادة الإله خنوم، يُعدّ أحد المعابد البارزة التي شهدت مظاهر الاحتفال بالأعياد والطقوس الدينية المرتبطة بالإله خنوم، الذي يُعتقد أنه خالق البشر وصاحب القدرة على تشكيل الحياة».

الكشف عن نقوش جديدة في معبد إسنا بالأقصر (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وبدأ مشروع ترميم معبد إسنا عام 2018، ونجحت البعثة الأثرية المصرية الألمانية في استعادة نقوش وألوان السقف خلال السنوات السابقة، التي تصوّر الأبراج السماوية والمعبودة نوت، وكذلك الأعمدة الداخلية التي يبلغ عددها نحو 18 عموداً من أصل ٢٤ عموداً.

ولفت العالم الآثاري إلى أن «الموكب المقدس الذي يصوَّر في المشاهد المكتشفة حديثاً، كان يتم في مناسبات دينية مهمة، حيث كان يُنقل المعبود في مركبته عبر النهر، أو خلال الشوارع المحيطة بالمعابد، وكانت هذه الطقوس تمنح المصريين شعوراً بالأمان والحماية الإلهية».

وأوضح عبد البصير أن «الأهمية الأثرية لهذا الكشف تكمن في التفاصيل الدقيقة التي تُظهرها المشاهد الجديدة، التي يمكن أن تُلقي الضوء على تفاصيل معمارية وفنية جديدة حول المعابد المصرية، بالإضافة إلى ذلك يُعدّ الكشف مساهمةً في الحفاظ على التراث الثقافي والروحي لمصر القديمة، وهو ما يعزّز مكانة مصر بوصفها مركزاً حضارياً عالمياً».

وأشار إلى أن «تقديم مثل هذه المشاهد المكتشفة للجمهور وتوثيقها يُسهم في إحياء التراث الفرعوني، ويوفر فرصة جديدة للعلماء لفهم أعمق لعلاقة المصري القديم بعالمه الروحي».


مقالات ذات صلة

«مدينة السرين الأثرية» عمق تاريخي لأكثر من ألفيْ عام

يوميات الشرق أشارت بقايا الآثار التي استودعتها الحقب الماضية إلى حجم وقيمة تراث السرين الغنيّ (واس)

«مدينة السرين الأثرية» عمق تاريخي لأكثر من ألفيْ عام

توجد مدينة «السِّرّين» بمحافظة الليث، الواقعة على بُعد 250 كيلومتراً جنوب مكة المكرمة، وتحديداً في السهل الفيضي لوادي «حَلية»

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق جانب من عملية هدم المدافن بقرافة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

«الثقافة المصرية» تُوقف هدم أضرحة تراثية إثر انتقادات حادة

بعد موجة انتقادات حادة لعمليات هدم مقابر وُصفت بأنها «تراثية» في القاهرة، أعلنت وزارة الثقافة وقف عمليات الهدم في منطقة مقابر الإمام الشافعي مؤقتاً.

عبد الفتاح فرج (القاهرة )
يوميات الشرق نقوش مقبرة نفرتاري تنبض بالحياة (وزارة السياحة والآثار)

مصر لإعادة فتح مقبرة نفرتاري أمام الجمهور

تتجه مصر لإعادة افتتاح مقبرة نفرتاري بالأقصر (جنوب مصر) بمدينة الأقصر أمام الجمهور، بعد إغلاقها للترميم قبل عدة أشهر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا تماثيل يصل ارتفاعها إلى عشرة أقدام لملوك نوبيين في عاصمة النوبة كرمة (غيتي)

بريطانيا تمول ناشطين سودانيين لمنع نهب المتاحف والآثار

قالت مصادر بريطانية، إن ناشطين سودانيين يتلقون تمويلاً بريطانياً، لإنقاذ الكنوز الثقافية من جهات تقدم على نهب المتاحف في مختلف أنحاء السودان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة بانورامية لمعابد الأقصر (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: حريق في محيط معبد الكرنك يثير تساؤلات حول تأمين الآثار

أثار الحريق الذي نشب في محيط معبد الكرنك بمحافظة الأقصر (جنوب مصر) تساؤلات حول حماية وتأمين الآثار، والحفاظ عليها.

محمد الكفراوي (القاهرة )

«أثر الأشباح»... يُوثّق مطاردة لاجئ سوري لـ«جلّاده» في فرنسا

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«أثر الأشباح»... يُوثّق مطاردة لاجئ سوري لـ«جلّاده» في فرنسا

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

ضحية يبحث عن جلّاده للانتقام منه. وحين وصوله تتغير نظرته للتعامل مع هذا الجلاد الذي لم يُشاهد وجهه خلال التعذيب، بيد أنه يُدرك أثره من رائحته التي لم يَنسها حين كان يتعرض له.

تفاصيل عن قصة شاب سوري، بدأت أحداثها ووقائعها في سوريا، ومن ثمّ انتقلت إلى أوروبا بين فرنسا وألمانيا، هذه هي حبكة الفيلم الفرنسي «أثر الأشباح» الذي عُرض للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات المسابقة الرسمية بنسختها السابعة من مهرجان «الجونة السينمائي».

تنطلق الأحداث من أصوات تعذيب مكتومة، واكتظاظ المعتقلين في مساحات ضيقة في السجن، منهم مصابون بجروح تجعلهم على حافة الموت، وآخرون يعانون الصدمة، تبدأ في التكشف مع إلقاء جنود سوريين لمسجونين في الصحراء ليواجهوا الموت. لكن «حميد» (يلعب دوره الممثل الفرنسي التونسي آدم بيسا) يتغلّب على الموت وينجو بحياته.

مع الأحداث التي تنطلق بعد عامين من الواقعة التي فقد فيها «حميد» زوجته وابنه الصغير، يظهر البطل عضواً في جماعة سرّية تُلاحق رموز النظام السوري الهاربين إلى أوروبا، لتكون مهمته البحث عن جلاده السابق الذي يسعى للانتقام منه في رحلة تجعله يتخلى عن حقّه في الحصول على صفة لاجئ في ألمانيا بعد الاشتباه بأن جلّاده موجود في باريس.

بطل القصة الحقيقية فضّل عدم ظهوره خوفاً على عائلته (إدارة المهرجان)

«حميد»، الذي يجتمع في الشبكة مع زملائه خلال إحدى الألعاب الإلكترونية الجماعية، يحاول البقاء في فرنسا بدعوى البحث عن ابن عمه، لكنه يُخفي عن والدته حقيقة الأمر مُدّعياً أنه يدرس في ألمانيا بأمان.

رحلة البحث عن تحقيق العدالة والانتقام يخوضها «حميد» للوصول إلى جلّاده الذي لم يرَ وجهه، لحرصه في كل مرّة يريد فيها تعذيب المسجونين على تغطية وجهه خوفاً من معرفة هويته. بيد أن كلّ ما كان يسعى إلى تحقيقه يتغيّر مع مواقف عدة على مدار شهور يعيشها متتبعاً أثر جلاده.

يقول المخرج الفرنسي، جوناثان ميّيه، إن فكرة الفيلم جاءت صدفة من خلال عمله على مشروعات مرتبطة بتقديم أفلام وثائقية عن المهاجرين، وعن طريق صديقة تحدثت معه عن القصة، فتحمس للفيلم، لكونه يعتمد على تفاصيل لقصص إنسانية لسوريين حقيقيين جلس معهم بالفعل قبل التصوير، مشيراً إلى أن «خشية أبطال القصة الحقيقية على حياة عائلاتهم التي لا تزال تعيش في سوريا منعت ظهورهم في الفيلم».

وأضاف أنه عَمِل على إحاطة نفسه بفريق من صناع الفيلم العرب لأنه لا يتحدث العربية التي تشكّل الجزء الأكبر من الحوار في الفيلم، وهو أمر ساعده بشكل كبير، لافتاً إلى أنه استخدم خلفيته في تقديم أعمال وثائقية خلال العمل على الفيلم واختيار طريقة تصوير المشاهد الخاصة بالأحداث.

يُبدي الناقد المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط» إعجابه بإيقاع الفيلم وأحداثه، مؤكداً اكتسابه قيمة خاصة بسبب طبيعة الأحداث التي تدور خارج حدود سوريا، ولكن في الوقت نفسه تُركّز على جانب من المعاناة عبر متابعة قصص عدّة اتّسمت غالبية تفاصيلها بالواقعية الشّديدة ومحدودية ما أضافه المخرج لتأكيد الفرضية التي يطرحها في الفيلم.

وأضاف أن المخرج عَمد إلى إبراز العنف الذي تعرّض له السوريون في الداخل من خلال استعادة ماضيهم، إلى جانب استمرار اهتمامهم ببلدهم سوريا وما يحدث فيها. مشيراً إلى أن فكرة الحديث عن مراقبة السوريين بعد هروبهم تعكس الصُّعوبات التي يتعرض لها بعض الأشخاص الذين قد يعتقدون في وقت من الأوقات أنهم باتوا في أمان.

مخرج الفيلم (الشرق الأوسط)

يرى المخرج الفرنسي أن الفكرة التي أراد إيصالها ركّزت على رحلة البطل وفقدانه زوجته وابنه، ومحاولة رجوعه للحياة التي يعيشها وحيداً بعيداً عن والدته التي يتواصل معها عبر الإنترنت للاطمئنان عليها. مشيراً إلى أن الأبطال أُعجبوا بالفيلم بعد مشاهدته خلال مرحلة المونتاج، وبإيصال جزءٍ من المعاناة التي عاشوها على الشاشة.