لبنان: تراجع استهلاك المحروقات 35 %

لانقطاع اللبنانيين عن التنقل بسبب الحرب

الأطفال يطالبون بنزهة غير متاحة بسبب الحرب (الشرق الأوسط)
الأطفال يطالبون بنزهة غير متاحة بسبب الحرب (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: تراجع استهلاك المحروقات 35 %

الأطفال يطالبون بنزهة غير متاحة بسبب الحرب (الشرق الأوسط)
الأطفال يطالبون بنزهة غير متاحة بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

النزهة، أو «المشوار»، في السيارة، التي كانت تشكّل الوسيلة الترفيهية الأولى عند اللبنانيين، تغيب اليوم عن إيقاع حياتهم. فالحرب الدائرة منعتهم من التنقل بين منطقة وأخرى. وتأتي حالات النزوح المتفاقمة، وخسارة عددٍ كبيرٍ منهم مركباتهم الآلية، لتسهما في ذلك. وتشير إحصاءات في هذا المجال إلى تراجع استهلاك البنزين بنسبة مرتفعة، وصلت في بعض المناطق إلى 50 في المائة. وبالتالي، فإن جميع مشتقات النفط والغاز والمازوت تأثّرت نسبة استهلاكها، فأكثر من مليون لبناني نزحوا من مناطقهم. وبذلك تراجع استخدام الغاز والمازوت والوقود.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يشير عضو «نقابة أصحاب محطات الوقود»، جورج البراكس، إلى «نسبة تراجع ملحوظة في استخدام المحروقات نشهدها اليوم». ويتابع: «الأمر لا ينحصر في المحروقات فقط، ولكنه يشمل أيضاً مشتقات نفطٍ أخرى؛ منها المازوت والغاز». ويتابع: «لا يمكننا تحديد نسبة التراجع بشكل دقيق، ولكنها تتجاوز 35 في المائة».

ووفق البراكس، فإن التراجع له أسباب كثيرة ولّدتها الحرب الدائرة. ويوضح: «النزوح، وتجمّع اللبنانيين في مناطق محدودة، يسهمان في ذلك. كما أن (شركة كهرباء لبنان) زادت من ساعات التغذية بالتيار الكهربائي. وهو ما انعكس سلباً على استخدام مادة المازوت لدى أصحاب المولّدات الكهربائية. وفيما يخص الغاز، فقد تأثر بدوره بالحرب. ولأن هناك أعداداً هائلة من اللبنانيين نزحوا من بيوتهم، فما عاد استهلاك الغاز اليومي يحافظ على درجاته المعتادة».

بعض اللبنانيين استبدل بالسيارات الدراجات النارية، فهي أقل تكلفة في المحروقات. بعضهم أقدم على استئجارها، فيما حملها غيرهم معهم من مناطقهم. يقول «نشأت» الذي نزح من بلدة جنوبية: «حتى المشوار صار ممنوعاً علينا. أولادي يطالبونني يومياً بالخروج في نزهة. فالحرب قاسية وتداعياتها علينا كبيرة. وحدها النزهة في السيارة كانت متاحة لنا. ولكن بسبب خسارتي سيارتي واستئجاري دراجة نارية صغيرة لم يعد هذا الأمر متوفراً».

ترى «زينب»، النازحة من منطقة البقاع، أنها تفتقد اليوم تحضير الطعام في منزلها لأفراد عائلتها، وكذلك التنقل في بلدتها بسيارتها لشراء حاجيات بيتها. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسرت سيارتي بعد احتراقها بسبب القصف. واليوم بالكاد أؤمن حاجيات أولادي سيراً على الأقدام. أما النزهة بالسيارة فصارت بعيدة المنال، وعنصر رفاهية لا نفكّر فيه. فهناك أمور أهم علينا تأمينها لأولادنا».

النازحون محصورون في مساحات ضيقة لا تخوّلهم استخدام سياراتهم (الشرق الأوسط)

عدد لا يستهان به من النازحين ركنوا سياراتهم على طرقات آمنة في بيروت. وباتوا اليوم يعرّجون عليها فقط من دون استخدامها للاطمئنان إلى سلامتها.

ويؤكد البراكس أن أسعار مشتقات النفط مؤخراً تشهد هبوطاً وارتفاعاً مفاجئين. ويوضح: «تصريح بسيط يتضمن ضرب إسرائيل منشآت النفط في إيران من شأنه أن يتسبّب في ارتفاع سعر برميل النفط. وتصريح آخر يغيّب هذه الفرضية يسهم في انخفاض سعره بسرعة».

ويؤكد جورج البراكس أن لا أزمة محروقات تلوح اليوم في الأفق. ويقول: «لدينا الكميات اللازمة، في حال بقيت الحالة الميدانية نفسها. وما دامت طريق البحر مفتوحة، فإن استيراد مشتقات النفط يبقى على وتيرته الطبيعية».

ووفق البراكس، فإن «أي تغييرات تحدث على صعيد الموانئ وتؤدي إلى إقفالها، فإن مواد أخرى مهددة بخطر نفادها». ويتابع: «كل شيء يمكن أن يتأثر سلباً في حال حدث ذلك. فالسلع المستوردة على أنواعها يصبح من الصعب تأمينها. وفي حال إقفال مطار بيروت فسيصبح الأمر أسوأ».

وهناك محطات محروقات عدة أقفلت أبوابها إمّا قسراً وإما لتدميرها بقصف مدفعي.

ويتابع البراكس: «مناطق كثيرة في لبنان توقفت حركة التنقل فيها تماماً. فكما الجنوب والبقاع كذلك ضاحية بيروت وبعلبك. ولذلك تأثر استهلاك المحروقات وتراجع نحو 35 في المائة. في المقابل، زاد الضغط على مناطق أخرى تستضيف النازحين؛ على المخابز والمطاعم والسوبر ماركت، وزاد استهلاكها الغاز والمازوت». يستدرك البراكس: «لا شك في أنه مع اقتراب فصل الشتاء، فإن النسب الاستهلاكية ستتبدّل. ففي الجبال التي تستقبل نسبة لا بأس بها من النازحين، سيكون الطلب مرتفعاً على المازوت والغاز».


مقالات ذات صلة

لبنان: أوامر إخلاء إسرائيلية لأحياء في صور وسط غارات قتلت 7 أشخاص

المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مدينة صور بجنوب لبنان (أ.ف.ب) play-circle 00:38

لبنان: أوامر إخلاء إسرائيلية لأحياء في صور وسط غارات قتلت 7 أشخاص

أفادت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الاثنين، بسقوط 7 قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت مدينة صور بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي تم استهدافه الأحد بغارة إسرائيلية (رويترز) play-circle 00:29

تقييم الخسائر الإسرائيلية يحدد مصير المعركة البرية على لبنان

يُسجَّل في الفترة الأخيرة سقوط قتلى للجيش الإسرائيلي على جبهة جنوب لبنان بشكل شبه يومي، في المعركة البرية التي تقترب من بلوغ شهرها الأول.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على تلال كفركلا (أ.ف.ب)

هل يؤدي تفجير إسرائيل أنفاق «حزب الله» إلى هزات وزلازل؟

أدى تفجير الجيش الإسرائيلي أنفاقاً لـ«حزب الله» تحت الأرض في بلدتي كفركلا والعديسة الحدوديّتين إلى خشية حقيقية من أن تؤدي التفجيرات إلى وقوع زلازل في المنطقة.

بولا أسطيح (بيروت)
الخليج الطائرة السعودية الإغاثية حملت مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

المساعدات السعودية تواصل التدفق إلى لبنان

وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في مدينة بيروت، الأحد، الطائرة الإغاثية الـ14 ضمن الجسر الجوي السعودي، الذي يسيّره مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق داليدا خليل تُساند لبنان من دبي (حسابها الشخصي)

داليدا خليل: الإقامةُ في دبي ولبنانُ يشتعلُ ألمُها مُضاعَفٌ

سجَّلت الفنانة اللبنانية داليدا خليل عبر رابط يُلحِقها بجمعيات خيرية لدعم أبناء أرضها بالمساعدات، وتعمل بلا توقُّف لتكون يداً خيِّرة وسط الأيادي الممدودة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

«أثر الأشباح»... يُوثّق مطاردة لاجئ سوري لـ«جلّاده» في فرنسا

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«أثر الأشباح»... يُوثّق مطاردة لاجئ سوري لـ«جلّاده» في فرنسا

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)
لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

ضحية يبحث عن جلّاده للانتقام منه. وحين وصوله تتغير نظرته للتعامل مع هذا الجلاد الذي لم يُشاهد وجهه خلال التعذيب، بيد أنه يُدرك أثره من رائحته التي لم يَنسها حين كان يتعرض له.

تفاصيل عن قصة شاب سوري، بدأت أحداثها ووقائعها في سوريا، ومن ثمّ انتقلت إلى أوروبا بين فرنسا وألمانيا، هذه هي حبكة الفيلم الفرنسي «أثر الأشباح» الذي عُرض للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات المسابقة الرسمية بنسختها السابعة من مهرجان «الجونة السينمائي».

تنطلق الأحداث من أصوات تعذيب مكتومة، واكتظاظ المعتقلين في مساحات ضيقة في السجن، منهم مصابون بجروح تجعلهم على حافة الموت، وآخرون يعانون الصدمة، تبدأ في التكشف مع إلقاء جنود سوريين لمسجونين في الصحراء ليواجهوا الموت. لكن «حميد» (يلعب دوره الممثل الفرنسي التونسي آدم بيسا) يتغلّب على الموت وينجو بحياته.

مع الأحداث التي تنطلق بعد عامين من الواقعة التي فقد فيها «حميد» زوجته وابنه الصغير، يظهر البطل عضواً في جماعة سرّية تُلاحق رموز النظام السوري الهاربين إلى أوروبا، لتكون مهمته البحث عن جلاده السابق الذي يسعى للانتقام منه في رحلة تجعله يتخلى عن حقّه في الحصول على صفة لاجئ في ألمانيا بعد الاشتباه بأن جلّاده موجود في باريس.

بطل القصة الحقيقية فضّل عدم ظهوره خوفاً على عائلته (إدارة المهرجان)

«حميد»، الذي يجتمع في الشبكة مع زملائه خلال إحدى الألعاب الإلكترونية الجماعية، يحاول البقاء في فرنسا بدعوى البحث عن ابن عمه، لكنه يُخفي عن والدته حقيقة الأمر مُدّعياً أنه يدرس في ألمانيا بأمان.

رحلة البحث عن تحقيق العدالة والانتقام يخوضها «حميد» للوصول إلى جلّاده الذي لم يرَ وجهه، لحرصه في كل مرّة يريد فيها تعذيب المسجونين على تغطية وجهه خوفاً من معرفة هويته. بيد أن كلّ ما كان يسعى إلى تحقيقه يتغيّر مع مواقف عدة على مدار شهور يعيشها متتبعاً أثر جلاده.

يقول المخرج الفرنسي، جوناثان ميّيه، إن فكرة الفيلم جاءت صدفة من خلال عمله على مشروعات مرتبطة بتقديم أفلام وثائقية عن المهاجرين، وعن طريق صديقة تحدثت معه عن القصة، فتحمس للفيلم، لكونه يعتمد على تفاصيل لقصص إنسانية لسوريين حقيقيين جلس معهم بالفعل قبل التصوير، مشيراً إلى أن «خشية أبطال القصة الحقيقية على حياة عائلاتهم التي لا تزال تعيش في سوريا منعت ظهورهم في الفيلم».

وأضاف أنه عَمِل على إحاطة نفسه بفريق من صناع الفيلم العرب لأنه لا يتحدث العربية التي تشكّل الجزء الأكبر من الحوار في الفيلم، وهو أمر ساعده بشكل كبير، لافتاً إلى أنه استخدم خلفيته في تقديم أعمال وثائقية خلال العمل على الفيلم واختيار طريقة تصوير المشاهد الخاصة بالأحداث.

يُبدي الناقد المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط» إعجابه بإيقاع الفيلم وأحداثه، مؤكداً اكتسابه قيمة خاصة بسبب طبيعة الأحداث التي تدور خارج حدود سوريا، ولكن في الوقت نفسه تُركّز على جانب من المعاناة عبر متابعة قصص عدّة اتّسمت غالبية تفاصيلها بالواقعية الشّديدة ومحدودية ما أضافه المخرج لتأكيد الفرضية التي يطرحها في الفيلم.

وأضاف أن المخرج عَمد إلى إبراز العنف الذي تعرّض له السوريون في الداخل من خلال استعادة ماضيهم، إلى جانب استمرار اهتمامهم ببلدهم سوريا وما يحدث فيها. مشيراً إلى أن فكرة الحديث عن مراقبة السوريين بعد هروبهم تعكس الصُّعوبات التي يتعرض لها بعض الأشخاص الذين قد يعتقدون في وقت من الأوقات أنهم باتوا في أمان.

مخرج الفيلم (الشرق الأوسط)

يرى المخرج الفرنسي أن الفكرة التي أراد إيصالها ركّزت على رحلة البطل وفقدانه زوجته وابنه، ومحاولة رجوعه للحياة التي يعيشها وحيداً بعيداً عن والدته التي يتواصل معها عبر الإنترنت للاطمئنان عليها. مشيراً إلى أن الأبطال أُعجبوا بالفيلم بعد مشاهدته خلال مرحلة المونتاج، وبإيصال جزءٍ من المعاناة التي عاشوها على الشاشة.