«مدينة مُحتلّة»... أسئلة في التاريخ وساعات من التكرار

الفيلم لا يزال يتنقل بين عواصم العالم

من «مدينة مُحتلة»... (إيه 24)
من «مدينة مُحتلة»... (إيه 24)
TT

«مدينة مُحتلّة»... أسئلة في التاريخ وساعات من التكرار

من «مدينة مُحتلة»... (إيه 24)
من «مدينة مُحتلة»... (إيه 24)

بعد أكثر من عام على عرضه في دورة 2023 من مهرجان «كان» الشهير، ما زال فيلم ستيف ماكوين «مدينة مُحتلة (Occupied City)» يتنقل من مدينة عالمية إلى أخرى، ولديه عواصم كثيرة سيزورها: مكسيكو سيتي، وطوكيو، وروما، وآيرلندا، وكندا (رغم عرض سابق بدورة العام الماضي في «مهرجان تورونتو»)، والهند، والسويد التي ستعرضه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

خلال هذه الفترة الممتدة من مايو (أيار) في العام الماضي إلى الآن، أنجز المخرج ماكوين فيلماً آخر بعنوان «غارة (Blitz)». مثل «مدينة مُحتلة»؛ هو فيلم تسجيلي. على عكسه؛ فيلم من 120 دقيقة؛ أي نصف مدّة عرض الفيلم السابق تماماً.

احتلال وحصار

اختيار ماكوين مدينة أمستردام لتكون «المكان الجغرافي والزمني» لفيلمه «مدينة مُحتلة» ليس صدفة. هو الآن يعيش هناك، والفيلم هولندي الإنتاج (تدعمه شركتا إنتاج بريطانية وأميركية) وتعكس بعض مشاهده، التي تعرض جزءاً من الحياة الحاضرة، حُبّه المدينة.

‫لكن الموضوع ليس عن الحاضر، والفيلم ليس دعائياً أو سياحياً، ولو أنه في كلّيته احتفاء بها وتجسيد لحاضرها اليوم (مشاهد عدّة لأطفال يلعبون وراشدين يتمتعون بحياة المدينة)، بل يتناول حياة المدينة فيما بين عامي 1940 و1945. إنها الفترة التي احتل فيها الجيش الألماني هولندا بدعم من الحزب النازي الهولندي. في الواقع اهتم هتلر بضمّ هولندا إلى الإمبراطورية التي حلم بها، عادّاً أن الهولنديين هم أيضاً شعب آري. وعندما بدأ هجوم قوات التحالف الكبير في إحراز التقدم الذي شمل تحرير فرنسا، أمر هتلر بالدفاع عن هولندا وعاصمتها بكل قوّة؛ الأمر الذي لم تنجح فيه القوّات الألمانية التي بدأت التراجع أمام ضراوة الهجوم المضاد.

فيلم ماكوين، وهو مخرج معروف باختياره موضوعات صعبة وذات طابع إنساني عميق... مثل حاله في «جوع» (2008)، و«12 سنة عبداً» (2013)، لا يتحدّث عن المدينة فقط، بل عن اليهود الذي كانوا يعيشون فيها، ثم، بطبيعة الحال، عما آلوا إليه تدريجياً منذ الاحتلال النازي.

في البداية جرى تعدادهم (نحو 120 ألف فرد حينها)، ومن ثمّ منعهم من ارتياد الملاهي ودور العرض والنشاطات المختلفة. صاحب ذلك منع موسيقاهم، وتوسّع إطار الحظر ليشمل المدينة بكاملها. ثم (منذ عام 1942) بُدئ إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى المعسكرات ومراكز الإبادة.

يلتحم هذا الجانب مع تاريخ المدينة وتعريضها للجوع وسرقة ما أمكن سرقته من متاحفها، ولاحقاً، كيف تنفّست الصعداء حين تحريرها.

إنها تجربة صعبة لا ريب، لكن الفيلم الذي انتهى تصويره قبل «طوفان الأقصى» يذكّر على نحو خارج نطاقه بما حدث ولا يزال يحدث في غزّة. هذا التذكير هُلامي لا يخلو من الغموض؛ فمن ناحية قد يُقرأ بوصفه تبريراً تاريخياً وعاطفياً لحق اليهود في إقامة دولة خاصّة بهم، ومن ناحية أخرى يترك التساؤل فيما إذا كان الإنسان، في طبعه، عدو نفسه عندما يمارس على الآخرين الاضطهاد والعنف والقسوة التي مُورست جميعها عليه.

مسألة قبول

اقتبس المخرج «مدينة مُحتلة» من كتاب وضعته زوجته بيانكا ستيغتر بعنوان «أطلس مدينة مُحتلة: أمستردام 1940 - 1945». في معظم ما نشاهده إصرار على التفاصيل الآتية من لدن ذلك الكتاب.

ما يختلف فيه فيلم مقتبس من كتابٍ ما، أكثرُ من مجرد القدرة على استخلاص عناصر ومواد وفصول العمل المكتوب وتحويلها إلى فيلم مرئي. إذا لم يكن هناك داعٍ قوي يحّتم على المخرج الالتزام بأمانة بكل ما وضعه المؤلف بين دفّتي كتابه من حيثيات وإحصاءات وتفاصيل، فإن الاقتباس سينحني تحت ثقل المادة المصوّرة بدل أن يحييها.

هذا ما يحدث في «مدينة مُحتلة» خلال 4 ساعات من العرض (في منتصفها استراحة من 10 دقائق). ما يبدأ وعداً بفيلم تاريخي جيد، يتحوّل إلى تجربة في قدرة المُشاهد على قبول مشاهدة تفاصيل مذكورة لذاتها. هذه تؤدي، تلقائياً، إلى تكرار المعلومات والمفادات. وإذ تتكوّن الساعة الأولى من دفق يمزج بين ما حدث للمدينة ككل وما حدث لليهود على الأخص، ينجلي الفيلم فيما تبقى عن تكرار ورتابة. بعد الاستراحة يُصاب المشاهد ليس بالملل فقط؛ بل بالتساؤل عن قيمة ما يراه... عن جدوى تحقيق فيلم من 4 ساعات كان يمكن إنجازه على نحو أفضل في ساعتين أو أقل.

فيلم كهذا لا بدّ له من أن يأتي مليئاً بالصور، وهناك ما لا يُحصى منها، إلا إذا عمد المُشاهد إلى تعدادها. الناتج أن المدينة تحتل الواجهة، ومسألة الهولوكوست تحتل الموضوع. هي المرادف بالكلمات كون الفيلم يعتمد على تعليق متواصل. ربط التعليق بالمشاهد المتوالية جيد. التوقف عند حد من هذا الدفق المعلوماتي المتكرر هو ما ينسفُ ذلك العنصر الإيجابي أو يستهلكه.

أسئلة

بعيداً عن العاطفة المُسوقة في الفيلم بحذر لكنها حاضرة بوضوح، يجبر الفيلم مشاهديه على مقارنته بما قام به كلود لانزمان عندما حقق «Shoah» سنة 1985 في نحو 8 ساعات. «شواه» اعتمد على المقابلات والذاكرة، وقصد أن يُحيط بكل تجارب من جالسهم لاستجوابهم بغرض تقديم «الفيلم» الذي لا قبله ولا بعده في هذا المضمار.

نتيجة «شواه» ونتيجة «مدينة مُحتلة» واحدة: طول الفترة الزمنية لا علاقة له بفن السينما، بل بتحويلها إلى أداة إعلامية. هي بروباغاندا في نهاية المطاف بصرف النظر عن مفادها وقضيتها. الفارق أن فيلم ماكوين أكثر تنوّعاً، وفيه توليف جيد لألبومه من المشاهد واللقطات، بينما ما زال «شواه» عبارة عن كاميرا تصوّر وكلام يُنطق.

نال «مدينة مُحتلّة» ثناءَ عدد كبير من النقاد الغربيين، لكن ما هو لافت أن عدداً من النقاد اليهود هاجموا الفيلم بضراوة؛ بينهم ب. غرايتزر في موقع «فوروورد» (صحيفة إلكترونية أميركية يهودية مستقلة) الذي كتب: «يتّخذ الفيلم شكل عرض من السلايدات البصرية، ولا يستعين بأي مشاهد أرشيفية».

ناقد مجلة «ڤاراياتي» أووَن غلايبرمان وضع عبارة: «فيلم ماكوين التسجيلي عن الهولوكوست هو محنة من 4 ساعات، لكن بعمق بوصة واحدة» عنواناً لمقالته.

على ذلك، لا بدّ من الإنصاف هنا. صحيح أن الفيلم يستهلك الوقت والصبر لمتابعته، وصحيح أنه لا يستعين بمشاهد وثائقية، إلا إن متابعته، مع الاستعداد الكُلي لمشاهدته كاملاً، تُطلعنا على تنفيذ جيد على مستوى الانتقال من مشهد لآخر. ويتميّز بأنه لم يستَعِن بأشرطة وثائقية على عكس كثير من الأفلام الوثائقية السابقة.

ثم هناك أكثر من ذلك، لا يغيب عن الفيلم التأكيد على أن بعض اليهود وشوا بيهود آخرين على أساس أن يغضّ النازيون النظر عنهم فلا يُساقوا إلى التعذيب. في المقابل، يحيط الفيلم بكيف فعل مسيحيون ما وجب عليهم فعله لمساعدة اليهود على الهرب، وبعضهم (كما يذكر الفيلم) دفع حياته ثمن ذلك.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».