3 علماء يفوزون بـ«نوبل الكيمياء» لأبحاثهم المذهلة حول البروتينات

إنجازهم المتفرد قد يسهم في تطوير الأدوية واللقاحات

عالم الكيمياء الحيوية الأميركي ديفيد بيكر والباحث الأميركي جون جامبر وديميس هاسابيس (أ.ب)
عالم الكيمياء الحيوية الأميركي ديفيد بيكر والباحث الأميركي جون جامبر وديميس هاسابيس (أ.ب)
TT

3 علماء يفوزون بـ«نوبل الكيمياء» لأبحاثهم المذهلة حول البروتينات

عالم الكيمياء الحيوية الأميركي ديفيد بيكر والباحث الأميركي جون جامبر وديميس هاسابيس (أ.ب)
عالم الكيمياء الحيوية الأميركي ديفيد بيكر والباحث الأميركي جون جامبر وديميس هاسابيس (أ.ب)

منحت أكاديمية نوبل السويدية، الأربعاء، جائزة الكيمياء لعام 2024 إلى الأميركي ديفيد بيكر، من جامعة واشنطن الأميركية، لأبحاثه حول «تصميم البروتينات باستخدام التقنيات الحاسوبية»، في حين تقاسم النصف الآخر من الجائزة كل من البريطانيين ديميس هاسابيس وجون إم جامبر من مختبر «غوغل ديب مايند» بالمملكة المتحدة، لنجاحهما في «فك شفرة البنى المذهلة للبروتينات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي».

وكان بيكر قد نجح في تحقيق إنجاز يكاد يكون مستحيلاً، وهو بناء أنواع جديدة تماماً من البروتينات، كما طوَّر هاسابيس وجامبر نموذجاً للذكاء الاصطناعي نجح في حل مشكلة عمرها 50 عاماً، وهي التنبؤ بالهياكل البنائية المعقدة للبروتينات، ما يحمل في طياته إمكانات غير محدودة.

وهو ما علَّق عليه هاينر لينكه، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، في بيان صادر عن لجنة نوبل الأربعاء: «أحد الاكتشافات التي تم الاعتراف بها هذا العام يتعلق ببناء بروتينات مذهلة. والآخر يتعلق بتحقيق حلم عمره 50 عاماً، وكلا الاكتشافين يفتح الباب لإمكانات هائلة».

ووفق محمد شعبان الباحث في مجال البيولوجيا البنيوية بكلية إمبريال كوليدج لندن ومعهد فرانسيس كريك في المملكة المتحدة، فإنه «تم منح العلماء الثلاثة جائزة الكيمياء لهذا العام، لتطبيقاتهم الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لحل إحدى أكبر التحديات في علم الأحياء، وهو التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات».

وتمكنت خوارزمية «AlphaFold2»، التي طورتها شركة «ديب مايند» بقيادة هاسابيس وجامبر، من تحقيق قفزة نوعية في فهم كيفية طي البروتينات استناداً إلى تسلسل الأحماض الأمينية.

وأضاف شعبان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الخوارزمية تجاوزت الأساليب التقليدية التي كانت تعتمد على التجارب المعملية المكلفة والمعقدة، مثل حيود الأشعة السينية والرنين المغناطيسي النووي، والمجهر الإلكتروني فائق البرودة، ما جعلها تقنية استثنائية في قدرتها على التنبؤ بدقة تصل إلى 90 في المائة من شكل البروتينات، مما ساعد على تحديد آلاف من البنى البروتينية، بما في ذلك 98.5 في المائة من البروتينات البشرية».

وشدَّد شعبان على أن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام تحسينات كبيرة في مجالات تطوير الأدوية، واللقاحات، والعلاجات القائمة على البروتينات؛ حيث أصبحت المعلومات حول البنية البروتينية الدقيقة متاحة بشكل مجاني للعلماء عبر قاعدة بيانات ضخمة.

عالم الأحياء الحاسوبي ديفيد بيكر الحائز على جائزة نوبل (رويترز)

وعمل بيكر على تصميم بروتينات جديدة تماماً يمكن استخدامها في التطبيقات الطبية والصناعية»، وفق الباحث في مجال البيولوجيا البنيوية بكلية إمبريال كوليدج لندن، الذي أكد على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة في علم الأحياء، بل أصبح ركيزة أساسية للتقدُّم في فهم الوظائف الحيوية وتصميم العلاجات المبتكرة.

لبنات الحياة

وتتكوَّن البروتينات عموماً من 20 حمضاً أمينياً مختلفاً، يمكن وصفها بأنها لبنات بناء الحياة. ويشهد التنوع المذهل لأشكال الحياة المختلفة على قدرتها كأدوات تتحكم في جميع التفاعلات الكيميائية الحيوية، وتنظم عمل الهرمونات والمواد الحاملة للإشارات الحيوية والأجسام المضادة وكعناصر بناء للأنسجة المختلفة.

ووصفت آنا ويديل، أستاذة علم الوراثة الطبية في معهد كارولينسكا بالسويد وعضو الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، هذه الاكتشافات، عبر تصريح لشبكة «سي إن إن» بأنه «اختراق علمي ساهم في حل (الكأس المقدسة) في مجال الكيمياء الفيزيائية».

وعرف الكيميائيون منذ القرن التاسع عشر أن البروتينات مهمة لعمليات الحياة، لكن الأمر استغرق حتى خمسينات القرن العشرين عندما أصبحت أدواتنا البحثية دقيقة بما يكفي ليبدأ الباحثون في استكشاف البروتينات بمزيد من التفصيل.

البريطانيان ديميس هاسابيس وجون إم. جامبر من مختبر جوجل ديب مايند بالمملكة المتحدة (أ. ب)

لقد توصل الباحثان في كمبردج، جون كيندرو وماكس بيروتز، إلى اكتشاف رائد عندما استخدما بنجاح في نهاية ذلك العقد تقنية قادرة على تحليل البلورات الحيوية بالأشعة السينية لتقديم أول نماذج ثلاثية الأبعاد للبروتينات. وتقديراً لهذا الاكتشاف، حصلا على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1962.

استفاد الباحثون من تقنية تحليل البلورات بالأشعة السينية؛ حيث بذلوا جهوداً مضنية لإنتاج صور ناجحة لنحو 200 ألف بروتين، وهو ما وضع الأساس لجائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام؛ فقد نجح ديفيد بيكر، في عام 2003، في استخدام هذه الكتل البنائية في تصميم بروتين جديد لا يشبه أي بروتين آخر. ومنذ ذلك الحين، أنتجت مجموعته البحثية بروتينات جديدة مبتكرة، الواحد تلو الآخر، بما في ذلك البروتينات التي يمكن استخدامها كأدوية ولقاحات ومواد نانوية وأجهزة استشعار صغيرة.

اختراق مذهل

ويتعلق الاكتشاف الثاني بالتنبؤ بهياكل البروتينات. إذ ترتبط الأحماض الأمينية معاً في خيوط طويلة مطوية لتكوين بنى ثلاثية الأبعاد تلعب دوراً حاسماً في وظيفة البروتين. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، حاول الباحثون التنبؤ بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية، لكن هذا كان صعباً للغاية.

ومع ذلك، قبل أربع سنوات فقط، كان هناك اختراق مذهل. ففي عام 2020، قدم ديميس هاسابيس وجون جامبر نموذج "AlphaFold2" للذكاء الاصطناعي والذى بمساعدته تمكنا من التنبؤ ببنية جميع البروتينات البالغ عددها 200 مليون، والتي حددها الباحثون جميعها تقريباً.

شعار Google DeepMind في لندن (أ.ب)

ومنذ اكتشافهما، تم استخدام «AlphaFold2» من قبل أكثر من مليوني شخص من 190 دولة، فهو بمنزلة محرك البحث «غوغل»، ولكن عن هياكل البروتين، مما يوفر وصولاً فورياً إلى النماذج المتوقعة للبروتينات، مما يسرّع التقدم في علم الأحياء الأساسي والمجالات الأخرى ذات الصلة.

تقول ويديل، التي تستخدم هذه الأداة في عملها الخاص بالبحث عن الأمراض النادرة: «لقد جعلوا كل شيء متاحاً، لذلك يمكن لكل باحث تقريباً الآن اللجوء إلى قاعدة البيانات هذه واستخدام هذه الأدوات لمعالجة مشكلته البحثية؛ ما يمكن أن يسهم في تحقيق قفزات علمية في العديد من المجالات».

عالم الكيمياء الحيوية الأميركي ديفيد بيكر، والباحث الأميركي جون جامبر، وديميس هاسابيس (أ.ب)

ويرى الدكتور طارق قابيل، عضو هيئة التدريس في قسم التقنية الحيوية بكلية العلوم، جامعة القاهرة، أن «فوز العلماء بنوبل في الكيمياء 2024 لحلهم لغز البروتينات باستخدام الذكاء الاصطناعي يُعدّ نقلة نوعية في مجال العلوم، كما يفتح هذا الإنجاز آفاقاً جديدة لتطوير علاجات وأدوية جديدة، ويؤكد على دور التقنيات الحديثة في تسريع الاكتشافات العلمية».

وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال الكيمياء الحيوية، مما ساهم في تسريع عجلة الاكتشافات الجديدة في هذا المجال، وفتح آفاقاً واسعة في الطب والصناعة»، مؤكداً: «أصبحنا على عتبة عصر جديد في العلوم، فالتقنيات الحديثة، كالحوسبة والذكاء الاصطناعي، ستسهم في حل التحديات الصحية والبيئية المستقبلية».


مقالات ذات صلة

تدهور صحة السجينة الإيرانية نرجس محمدي ونقلها إلى المستشفى

شؤون إقليمية نرجس محمدي (رويترز)

تدهور صحة السجينة الإيرانية نرجس محمدي ونقلها إلى المستشفى

وافقت السلطات الإيرانية على نقل السجينة الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي إلى المستشفى بعد نحو تسعة أسابيع من معاناتها من المرض.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد الخبير الاقتصادي سايمون جونسون بعد فوزه المشترك بجائزة نوبل في الاقتصاد بمنزله في واشنطن يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الفائز بـ«نوبل الاقتصاد»: لا تتركوا قادة شركات التكنولوجيا العملاقة يقرّرون المستقبل

يؤكد الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد سايمون جونسون على ضرورة أن يستفيد الأشخاص الأقل كفاءة من الذكاء الاصطناعي، مشدداً على مخاطر تحويل العمل إلى آلي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق خلال إعلان الأكاديمية الملكية السويدية عن فوز ثلاثة أميركيين بجائزة نوبل للاقتصاد (رويترز)

«نوبل الاقتصاد» لـ 3 أميركيين

فاز خبراء الاقتصاد الأميركيون دارون أسيموغلو وسايمون جونسون وجيمس روبنسون، بجائزة «نوبل» في العلوم الاقتصادية، أمس، عن أبحاثهم في مجال اللامساواة في الثروة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد شاشة داخل «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» خلال الإعلان عن جائزة «نوبل الاقتصاد» في استوكهولم (رويترز)

عقد من التميز... نظرة على الفائزين بجائزة «نوبل الاقتصاد» وأبحاثهم المؤثرة

على مدار العقد الماضي، شهدت «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» تتويج عدد من الأسماء اللامعة التي أحدثت تحولاً جذرياً في فهم الديناميات الاقتصادية المعقدة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد خلال إعلان الأكاديمية الملكية السويدية عن فوز ثلاثة أميركيين بجائزة نوبل للاقتصاد (رويترز)

الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل للاقتصاد... سيرة ذاتية

تنشر «الشرق الأوسط» سيرة ذاتية للفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للاقتصاد والذين فازوا نتيجة أبحاثهم بشأن عدم المساواة بتوزيع الثروات.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».