«نوبل الطب» لأميركيين اكتشفا طريقة تنظيم نشاط الجينات

فيكتور أمبروس وغاري رافكن عكفا على تطوير مشروعهما منذ عام 1993

العالم الأميركي غاري رافكن (أ.ب)
العالم الأميركي غاري رافكن (أ.ب)
TT

«نوبل الطب» لأميركيين اكتشفا طريقة تنظيم نشاط الجينات

العالم الأميركي غاري رافكن (أ.ب)
العالم الأميركي غاري رافكن (أ.ب)

أعلنت جمعية «نوبل» في معهد كارولينسكا في ستوكهولم بالسويد، الاثنين، فوز العالمين الأميركيين، فيكتور أمبروس، الأستاذ في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس الأميركية، وغاري رافكن، أستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية في بوسطن، بجائزة «نوبل للفسيولوجيا والطب» لعام 2024، لاكتشافهما «آلية تنظيمية حيوية للغاية تستخدم في الخلايا للتحكم في نشاط الجينات».

وأشادت لجنة «نوبل» في مؤتمر الإعلان عن الجائزة، الاثنين، بـ«الاكتشاف الرائد»، واصفة إياه بأنه «كَشف عن بُعدٍ جديدٍ تماماً لتنظيم الجينات».

وكان فيكتور أمبروس وغاري رافكن مهتمَين بكيفية تطوّر أنواع الخلايا المتخصصة داخل أجسام الكائنات الحية، عندما اكتشفا جزيء «آر إن إيه الميكروي» (microRNA)، وهو فئة جديدة من جزيئات «RNA» الصغيرة التي تؤدي دوراً حاسماً في تنظيم الجينات. إذ أثبتت جزئيات «آر إن إيه الميكروي» أنها مهمة بشكل أساسي لكيفية تطوّر أجسام الكائنات الحية وكيفية القيام بوظائفها.

وقد قُوبل هذا الاكتشاف الذي جرى التوصل إليه عام 1993 بـ«صمت مطبق»، واعتقد بعضهم في البداية، أنه غير ذي صلة بالبشر.

ووفق أولي كامبي، أستاذ الغدد الصّماء في معهد كارولينسكا ونائب رئيس لجنة نوبل للطب، فإن «هذا المجال انفجر بعد اكتشاف أهمية الإنجاز العلمي. والآن، تم التعرف على أكثر من عشرات الآلاف من جزيئات (ميكرو آر إن إيه) في كائنات حية مختلفة».

وأوضح: «غالباً ما يتم تنظيم كل جزيئات الرنا الرسول بواسطة العديد من microRNAs المتميزة، مما يخلق نظاماً قوياً لتنظيم الجينات».

فيكتور أمبروس الحائز على نوبل للطب 2024 (أ.ب)

وأضاف ديفيد بيندلبري، رئيس تحليل الأبحاث في معهد كلاريفيت للمعلومات العلمية، أن كثيرين كانوا يتوقعون منذ سنوات حصول أمبروس ورافكن على جائزة نوبل.

ويساعد تنظيم الجينات بواسطة «microRNA» في تطوّر الكائنات الحية المعقدة بشكل متزايد. وإذا حدث خطأ في تنظيم الجينات، فقد يؤدي ذلك إلى الإصابة بالسرطان وأمراض أخرى موجودة لدى البشر والحيوانات الأخرى، مثل فقدان السّمع واضطرابات الهيكل العظمي.

ومن المعروف الآن أن الجينوم البشري يُشفّر أكثر من ألف جزيء «آر إن إيه ميكروي» للقيام بالعديد من المهام داخل الجسم البشري. إذ تتدفق المعلومات الجينية من الحمض النووي إلى الحمض النووي الريبي الرسول (mRNA)، عبر عملية تسمى النّسخ، ومن ثَمّ إلى الآلية الخلوية لإنتاج البروتينات. وهناك، تتم ترجمة الحمض النووي الريبي الرسول بحيث تُصنّع البروتينات وفقاً للتعليمات الجينية المخزنة في الحمض النووي.

ويمكن تشبيه المعلومات المخزنة داخل كروموسوماتنا بـ«دليل التعليمات» لجميع الخلايا داخل أجسامنا. إذ تحتوي كل خلية على الكروموسومات الحاملة للجينات نفسها، وبالتالي على مجموعة الجينات نفسها، ومجموعة التعليمات ذاتها بالضبط. ومع ذلك، فإن أنواعاً مختلفة من الخلايا مثل خلايا العضلات والأعصاب لها دائماً خصائص مميزة للغاية.

لقطة من الإعلان عن أسماء الفائزين بنوبل في الطب (أ.ب)

تكمن الإجابة في تنظيم الجينات بأنه يسمح لكل خليّة باختيار التعليمات ذات الصلة به فقط. وهذا يضمن نشاط المجموعة الصحيحة فقط من الجينات في كل نوع من الخلايا. وتعبر هذه الخلايا المختلفة عن مجموعات فريدة من البروتينات عن التنظيم الدقيق لنشاط الجينات، بحيث تكون المجموعة الصحيحة فقط من الجينات نشطة في كل نوعٍ معيّن من الخلايا. وهذا يمكن، على سبيل المثال، في خلايا العضلات، وخلايا الأمعاء، وأنواع مختلفة من الخلايا العصبية عبر أداء وظائفها المتخصصة.

وكان يُعتقد لفترة طويلة أن المبادئ الرئيسية لتنظيم الجينات قد حُلّت. ومع ذلك، في عام 1993، نشر العالمان نتائج بحثية غير متوقعة تصف مستوى جديداً من تنظيم الجينات، الذي تبيّن أنه مهم للغاية ومحفوظ في أجسامنا.

أثناء الاتصال بغاري رافكن (أ.ب)

لم يكن أمبروس ورافكن غريبين أحدهما عن الآخر؛ فقد أجرى الثنائي في أواخر ثمانينات القرن العشرين أبحاث ما بعد الدكتوراه في الوقت نفسه في مختبر روبرت هورفيتز، الذي تقاسم جائزة «نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب» في عام 2002.

في مختبر هورفيتز، درسا دودة أسطوانية صغيرة الحجم يبلغ طولها 1 مم، وهي «سي إليجانس». ورغم صغر حجمها، تمتلك كثيراً من أنواع الخلايا المتخصصة مثل الخلايا العصبية والعضلية الموجودة أيضاً في الحيوانات الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً، مما يجعلها نموذجاً مفيداً للتحقيق في كيفية تطوّر الأنسجة ونضجها في الكائنات متعددة الخلايا.

لقد نجح الحائزان على الجائزة في تحديد الجينات المتحوّلة وفهم وظيفتها، وتوصلا إلى مبدأ جديد لتنظيم الجينات، بواسطة نوعٍ غير معروف سابقاً من جزيئات «آر إن إيه RNA». ونشرت النتائج في عام 1993 في مقالين في دورية «سيل» (Cell) الشهيرة.

فيكتور أمبروس (أ.ب)

وقد رحب البروفسور فينكي راماكريشنان، الذي تقاسم جائزة نوبل في الكيمياء عام 2009 لعمله في توضيح بنية جهاز صُنع البروتين في الخلية، كثيراً بالخبر. وقال: «هذه جائزة مُستحقّة للغاية وطال انتظارها، إذ تُظهر أن الحمض النووي الريبوزي الصغير يمكنه تنظيم الجينات التي يُعبّر عنها في أنواع مختلفة من الخلايا. لقد فتحت مجالاً جديداً تماماً في علم الأحياء أصبحت له آثار واسعة النطاق».

وقال توماس بيرلمان، الأمين العام لجمعية نوبل، إن «هذا الاكتشاف الرائد قدّم آلية جديدة وغير متوقعة لتنظيم الجينات»، مضيفاً أن «(الميكرو آر إن إيه) مهم لفهمنا للتّطور الجنيني وعلم وظائف الخلايا والأمراض مثل السرطان».

وقالت جونيلا كارلسون هيديستام، أستاذة علم الأحياء في معهد كارولينسكا، للصحافيين: «هناك الكثير من التجارب الجارية، ليس فقط ضد السرطان ولكن أيضاً ضد أمراض أخرى، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والكلى».

في تصريح لـ«إذاعة السويد العامة»، قال رافكن (72 عاماً)، إنه شعر بالصّدمة عندما تلقى اتصالاً من لجنة الجائزة في الساعات الأولى من صباح الاثنين. وتابع: «إنه أمر عظيم. إنه أمر عظيم. إنه زلزال».

وعلق ضاحكاً: «الكلب مرتبكٌ بسبب الظلام في الخارج، في حين نحن نركض مسرعين في أنحاء المنزل».

وأضاف أنه يتطلع إلى مأدبة نوبل في 10 ديسمبر (كانون الأول) في ستوكهولم، حيث سيتسلّم الفائزون جوائزهم من يد ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف.

ولكن لجنة نوبل فشلت في الوصول إلى أمبروس، الذي علم بالخبر من مراسل «إذاعة السويد العامة»، الذي اتصل وأطلعه على الخبر.


مقالات ذات صلة

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك شعار «شات جي بي تي» يظهر أمام شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

هل يساعد «شات جي بي تي» الأطباء حقاً في تشخيص الأمراض؟ الإجابة مفاجئة

يتساءل الكثير من الأشخاص حول ما إذا كان برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي قادراً على مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يرفع العلاج الجديد مستويات البروتين في الخلايا الحساسة للضوء بشبكية العين (هارفارد)

علاج جيني يُعيد القدرة على السمع ويعزّز الرؤية

طوّر باحثون بكلية الطب في جامعة «هارفارد» الأميركية علاجاً جينياً للمصابين بمتلازمة «آشر من النوع 1F»، وهي حالة نادرة تسبّب الصمم والعمى التدريجي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

العالم العربي من داخل مجمع مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

«أطباء بلا حدود»: مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم الأحد، من أن مواصلة إسرائيل تدمير النظام الصحي في قطاع غزة ستَحرم مئات آلاف السكان من العلاج الطبي.

«الشرق الأوسط» (غزة)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
TT

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، الجمعة، مذكرة تفاهم في المجال الثقافي، عقب مباحثات جمعتهما في العاصمة اليابانية طوكيو، تناولت أهمية تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين البلدين.

وتهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو في مختلف القطاعات الثقافية، وذلك من خلال تبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، وفي مجال الرسوم المتحركة، والمشروعات المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، بالإضافة إلى تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، وتطوير برامج الإقامات الفنية بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية.

بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية (الشرق الأوسط)

وكان الأمير بدر بن عبد الله، التقى الوزيرة توشيكو في إطار زيارته الرسمية لليابان، لرعاية وحضور حفل «روائع الأوركسترا السعودية»؛ حيث بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية.

وهنّأ وزير الثقافة السعودي، في بداية اللقاء، نظيرته اليابانية بمناسبة توليها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيراً إلى أن مشاركة السعودية بجناحٍ وطني في معرض «إكسبو 2025» في أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين، متمنياً لليابان حكومة وشعباً التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.

وتطرّق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني، لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة «المانغا».

وتأتي مذكرة التفاهم امتداداً لعلاقات الصداقة المتميزة بين السعودية واليابان، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون عبر مجموعة من البرامج والمشروعات والمبادرات المشتركة. كما تأتي المذكرة ضمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».

حضر اللقاءَ حامد فايز نائب وزير الثقافة، وراكان الطوق مساعد وزير الثقافة، وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.