من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

وثائقي على «شاهد» يواكب الرحلة... وفريق الإنتاج يكشف كواليسها لـ«الشرق الأوسط»

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين
TT

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

من مخيّم البؤس إلى ملاعب البرازيل... الكرة تحقق حلم 4 لاجئين سوريين

في الغرفة فائقة التواضع داخل مخيّم الزعتري للّاجئين السوريين في الأردن، يتحلّق رجالٌ ونساءٌ وأطفال حول جهاز التلفاز. عيونهم شاخصة على مباراة لكرة القدم تبثّها قناة برازيلية. لا، ليست هذه نهائيات كأس العالم، فمن الواضح أن اللاعبين مبتدئون. من بينهم شابٌ ذو ملامح عربية، تخفق له قلوب الجالسين في الغرفة، تصفّق له أكفّهم، وتدمع عيونهم إن تعثّر أو أصيب.

بهذا المشهد ينطلق وثائقي «الحلم» (Chasing Dreams) على منصة «شاهد»، سارداً على مدى 6 حلقات، قصة 4 شبان سوريين من لاجئي مخيم الزعتري: حافظ، وعمر، وقيس، وأحمد. دخلوا المخيّم أطفالاً هاربين من الحرب في بلادهم، وخرجوا منه بعد 7 أعوام إلى قدَرٍ لم يُبصروه حتى في أحلامهم.

حافظ متوسطاً عائلته في مخيم الزعتري قبل انتقاله إلى البرازيل حيث صار اسمه «مارسيلو» (فريق الإنتاج)

يخبر المنتج المنفّذ للسلسلة الوثائقية هاشم صبّاغ «الشرق الأوسط» عن انطلاقة تلك الرحلة عام 2018، على هيئة تجارب أداء نظّمها نادي Black Pearls (اللؤلؤ الأسود) البرازيلي لكرة القدم في مخيّم الزعتري. يقول صبّاغ: «تفاجأ المدرّبون بكمية المواهب التي عاينوها بين اللاجئين المتراوحة سنهم ما بين 14 و17 عاماً»؛ لكن بعد اختيار 4 من بين تلك المواهب، تقرّر تحويل المغامرة إلى سلسلة وثائقية.

«حلمي أصير لاعب كرة محترفاً ومشهوراً، عشان نطلع من هالمخيّم». بكلماتٍ عفويّة يرسم حافظ ملامح الغد الذي يريد. لا يعرف بعد أنّ أياماً معدودة تفصله عن اسمِه الجديد «مارسيلو»، وعن جبال البرازيل الخضراء الشاهقة، وعن شواطئ كوبا كابانا الفسيحة. مثلُه عمر وقيس وأحمد، الذين بين ركلة وركلة بأقدامهم الحافية على رمال المخيّم، يتحدّثون عن عشقهم للطابة، ويبصرون في عيون أهلهم الآمال المعلّقة عليهم.

في قالبٍ تصويري حقيقي وبسيط، أدار دفّته المخرج الأردني باسل غندور، تتصاعد سرديّة الأمل؛ خصوصاً بعد انتقال الشبّان اليافعين إلى البرازيل.

على عكس ما قد يتصوّر البعض، فإنّ الطريق لم يكن مسيّجاً بالورد. يلفت صبّاغ في هذا السياق إلى صعوبات كثيرة واجهها الشبّان؛ لا سيما في البداية، من بينها الشعور الثقيل بالغربة عن الأهل، ومجرّد الانتقال إلى بلدٍ بعيد. أما أصعب ما في الأمر فكان تعلّم اللغة البرتغاليّة المعروفة بأنها من إحدى أكثر اللغات تعقيداً، وذلك بعد انقطاع عن الدراسة دام 6 أعوام. «إلا أن ما سهّل الموضوع ذكاؤهم ومثابرتهم»، وفق صبّاغ الذي واكب الرحلة لحظة بلحظة، موجوداً مع الشبّان الأربعة في معظم محطّاتها.

المنتج هاشم صباغ إلى يسار الصورة مرافقاً الشبان الأربعة في رحلتهم البرازيلية (فريق الإنتاج)

«ثمّة عدالة في كرة القدم»، هكذا يقول المدير الفني للنادي البرازيلي المُضيف. الرجل الخمسيني الذي يحيط الضيوف بمحبة أبويّة، يرى فيهم براعم واعدة. يؤمن بأنّ تلك العدالة تنبع من المثابرة: «إذا لعبت جيداً فسوف تنجح، وإن لم تفعل فسوف تخسر». لكنّ كرة القدم في وثائقي «الحلم» حققت العدالة بشكلٍ آخر للّاجئين السوريين. يوضح صبّاغ الذي باتت تجمعه «عِشرة عمر» بأبطال السلسلة، أنّ «هؤلاء الشبّان لم يكن لديهم أمل في الحياة، وظنّوا أن آفاقهم مسدودة؛ لكنهم بين ليلة وضُحاها رأوا حلمهم يتحقق».

العدالة من صلب العمل؛ لكنها تمتدّ من خلاله إلى سائر أصحاب الأحلام الأسيرة. يقول رئيس دائرة الأعمال في استوديوهات «كتارا» التي تولّت مرحلة ما بعد الإنتاج للسلسلة الوثائقية، إنّ «العمل يقدم سرداً واقعياً لمعاناة اللاجئين، ويرفع أصواتهم موثّقاً تجاربهم الإنسانية. هذا يمكّن الجمهور من فهم تلك المعاناة بشكلٍ أعمق». ويوضح فخري أن «استوديوهات (كتارا) تحرص على إيصال قصص عربية أصيلة بمواضيع ملهمة، يسهل على المشاهدين التماهي معها، مهما كانت هويّاتهم ومهما اختلفت ثقافاتهم».

تعامل المدير الفني للفريق البرازيلي كأب مع ضيوفه الأربعة (فريق الإنتاج)

بين حصّة لغة في قاعة الصف، وجولة تدريبٍ على أرض الملعب، يسرق الرباعي السوري دقائق قليلة للاتصال بعائلاته. هذا التواصل عبر الفيديو من أقصى الأرض إلى أقصاها، هو من بين أكثر اللحظات المؤثّرة في الوثائقي. واحدٌ يسأل أمه: «شو طابخة اليوم؟»، فقد حلّ شهر رمضان بموائد إفطاره وهم بعيدون عمّن يحبون. وآخر يتلقّى تعليمات اللعب من والده، فهو ملهمُه الأول، قبل المدرّب البرازيلي، وحتى قبل كريستيانو رونالدو.

«كل ما في السلسلة حقيقي؛ كل لقطة، وكل ردة فعل على امتداد سنوات التصوير الأربع»، هذا ما يؤكده صبّاغ. ليس من الصعب الاستنتاج أصلاً، ألَّا مشاهد تمثيلية، ولا سيناريوهات معدّة مسبقاً في العمل. الانتصارات كما الخيبات تُوثَّق كما هي.

تعلُّم اللغة البرتغالية من بين أصعب التحديات التي واجهت الشبّان (فريق الإنتاج)

تحلّ جائحة «كورونا» لتبتر الحلم وهو لم يزهر بعد. تتوقّف المباريات بين الفرق المحلية، فيستبدل الشبان بها تدريباتٍ لتحسين الأداء، وجلساتٍ توطّد الصداقة بينهم. ولعلّ تلك الصداقة الناشئة هي من أجمل وأصدَق ما في الوثائقيّ. لا تنافسَ بين الأربعة؛ بل اتّحاد ومحبة. هم طالعون من المعاناة نفسها، اختبروا رعب الحرب ذاته، وعاشوا في مخيّمٍ غالباً ما تعود أزقّته في مشاهد استرجاعيّة (فلاش باك) ضمن الوثائقي، لتذكّر بجذور اللاعبين الصاعدين، وبالأرض التي زرعوا فيها بذور أحلامهم.

يقول فخري الذي أشرف على أعمال ما بعد الإنتاج: «على قاعدة أن تلك الأحلام هي انعكاسٌ لأحلام ملايين من النازحين واللاجئين حول العالم، انخرطت (كتارا) في المشروع». ويضيف أن «القصة ملهمة ومؤثرة في آن، فهي تحكي عن مجموعة من الأولاد الذين يكافحون من أجل البقاء وتحقيق أحلامهم. وقد كنا فخورين بأن نكون جزءاً من رحلة السعي إلى تحقيقها».

كواليس تصوير إحدى أوليات المباريات الرسمية التي خاضها الرباعي السوري في البرازيل (فريق الإنتاج)

يشهد متابعو الوثائقي على تفتّح براعم بعض تلك الأحلام، كانضمام «مارسيلو» إلى فريق برازيلي من الدرجة الأولى، ثم التحاقه بالمنتخب السوري لخوض بطولة غرب آسيا معه. ويكتمل المشهد بمشاركة الشبّان في فعالياتٍ على هامش كأس العالم في قطر؛ حيث تجمعهم لحظاتٌ استثنائية بلاعب الكرة العالمي ديفيد بيكهام.

وفق المنتج صبّاغ، فإنّ حافظ وعمر وأحمد وقيس ما زالوا في البرازيل، يتابعون مسيرتهم الكرويّة، طامحين إلى أن يصبحوا يوماً ما نجوماً من بين نجوم كأس العالم.


مقالات ذات صلة

غوارديولا بعد تجديد عقده: لم يحن وقت الرحيل

رياضة عالمية غوارديولا (أ.ف.ب)

غوارديولا بعد تجديد عقده: لم يحن وقت الرحيل

قال المدرب الإسباني بيب غوارديولا الخميس عقب تمديد عقده مع مانشستر سيتي بطل إنجلترا لعامين اضافيين حتى العام 2027 إنّه «لم يستطع الرحيل الآن».

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة سعودية الأخضرسيظهر في بطولة الكأس الذهبية للمرة الأولى في تاريخه (الشرق الأوسط)

«الأخضر» في بطولة الكونكاكاف للمرة الأولى في تاريخه

سيشارك المنتخب السعودي الأول لكرة القدم في بطولة الكونكاكاف «الكأس الذهبية» المقررة في الولايات المتحدة خلال الفترة ما بين 14 يونيو (حزيران) و6 يوليو (تموز)

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة عالمية غوارديولا مدد عقده لعامين مقبلين (أ.ف.ب)

ماذا يعني بقاء بيب غوارديولا لمانشستر سيتي؟

في وقت تسود فيه حالة كبيرة من عدم اليقين حول مانشستر سيتي والدوري الإنجليزي الممتاز، فإن العقد الجديد لبيب غوارديولا يمثل دفعة كبيرة للنادي.

The Athletic (مانشستر)
رياضة عالمية الخليفي أكد أن الفريق الباريسي بحاجة إلى ملعب جديد (الشرق الأوسط)

الخليفي: الملعب الجديد سينقذ سان جيرمان من الموت

قال القطري ناصر الخليفي، رئيس باريس سان جيرمان، إنّ النادي يحتاج «لبناء ملعب جديد بأسرع وقت ممكن» بعيداً عن ملعبه الحالي المملوك من قبل بلدية العاصمة.

«الشرق الأوسط» (باريس )
رياضة سعودية المنتخب السعودي سيشارك في الكأس الذهبية للمرة الأولى في تاريخه (تصوير: علي خمج)

للمرة الأولى في تاريخه... الأخضر يشارك في «الكونكاكاف 2025»

أبلغت مصادر مطلعة «الشرق الأوسط» أن المنتخب السعودي لكرة القدم سيشارك في بطولة الكونكاكاف الذهبية المقرر إقامتها في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 14 يونيو

«الشرق الأوسط» (الرياض: )

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».