«عاشق النحت» المصري علي حبيش يعالج أمراض الشجر بالفن

في معرض يضم 63 عملاً ضخماً

تمثال طفل الانتفاضة  المنحوت من الخشب (الشرق الأوسط)
تمثال طفل الانتفاضة المنحوت من الخشب (الشرق الأوسط)
TT

«عاشق النحت» المصري علي حبيش يعالج أمراض الشجر بالفن

تمثال طفل الانتفاضة  المنحوت من الخشب (الشرق الأوسط)
تمثال طفل الانتفاضة المنحوت من الخشب (الشرق الأوسط)

لجأ النحات المصري علي حبيش إلى وسيلة لمعالجة أمراض الشجر بالفن من خلال منحوتاته الخشبية التي قدمها في معرض استيعادي بغاليري «ضي» في القاهرة، عامداً إلى استخدام الألوان وتقنيات نحتية مبتكرة في تحقيق هذا الهدف، والخروج بأعمال تعبر عن مسيرته الفنية الممتدة عبر عقود.

وفي المعرض الذي يستمر حتى 7 أكتوبر (تشرين الأول) ويضم نحو 63 عملاً نحتياً ضخماً، معظمها من الخشب، فضلاً عن خامات أخرى مختلفة منها البرونز، والطرق على المعادن، والبوليستر، والحجر، اهتم الفنان المصري بشكل خاص بالنحت على الخشب مجسداً جماليات الخامة، متلاعباً بالأشكال والأبعاد؛ بهدف تحقيق تأثيرات متنوعة تضفي الحيوية والعمق على العمل الفني.

يعيش الزائر للمعرض لحظات إنسانية مختلفة (الشرق الأوسط)

ويُعِد الدكتور علي حبيش أستاذ النحت الميداني في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان نفسه «من الفنانين القلائل في الحركة التشكيلية الذين يحتفون بالنحت على الخشب»، لأنه على حد تعبيره «خامة صعبة للغاية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما أعمل عليه أشعر بأنني أعيد إحياء روح الشجرة؛ فالشجرة حتى بعد قطعها لا تموت».

ويتابع «أثناء العمل أشعر بـ(القيمة الشجرية)؛ أحسها تتحرك وترقص من السعادة؛ لأنني لا أقهر الخامة، ولا أتعامل معها وكأنها طين صلصال، أمنحها مكانتها كسائر الفنانين الأفارقة الذين يقدمون إبداعات فنية من الخشب».

الفنان علي حبيش (إدارة الغاليري)

هذا الانحياز الظاهر من جانب حبيش تجاه الخشب يترسخ عند تأمل الأعمال الخشبية في معرض «عاشق النحت»، حيث يبدو واضحاً أنه يحفز خياله، ويترك له مجالاً رحباً للتعبير الإبداعي؛ التي يقول عنها الفنان «إنها من الخامات التي أفضل استخدامها؛ لقدرتها على التشكل والتغير وتجسيد رؤيتي الفنية».

ويضيف «عندما أعمل أنظر إلى الفراغات، فأجدها وكأن الشمس تطلع من بين أوراق الشجر، لكن هذا لا ينفي أنها الخامة الأكثر صعوبة في النحت». وأردف «قد تقابل النحات مشكلات عديدة غير متوقعة، ومنها أمراض الشجر، وفي هذه الحالة ينبغي للفنان أن يعالجها بطلاءات وزيوت معينة، ثم يعمل على إعادة صياغة التمثال من جديد، أو أن يوظفها كجزء من الفراغ أو التكوين».

من أعمال الفنان علي حبيش (الشرق الأوسط)

ويمضى إلى القول «كما أن الخشب يتطلب بشكل عام معالجة خاصة قبل بدء التعامل معه، حيث أحضر الخشب الخام، وأعالج باطنه أولاً، ثم أغمره في الماء، وأجففه، وأضع تحته الملح؛ لكي يتماسك ولا يتعرض للتلف، وذلك هو السر في أن منحوتاتي الخشبية الضخمة لا تتعرض للتشقق».

وتسري الحيوية في الكتل الخشبية، والعاطفة المنبثقة منها تنتقل إلى روح من يشاهدها، تفاصيل الوجوه تسرد قصصاً وحكايات للتماثيل، وكأنها بشر من لحم ودم، وهو برغم التقنية الحديثة التي يستخدمها غير متأثر بالفن الغربي؛ ولهذا السبب فإن بعض ملامح الوجوه وتكوينات التماثيل التي نحتها تذكرنا بالأقنعة الأفريقية، كما أن بعض التجاويف والتفاصيل المرتفعة والمنخفضة تأخذ المتفرج إلى قلب الغابة، الأعجب من ذلك هو شغف حبيش بالبدائية، التي تظهر أحياناً في أعماله الفنية الخشبية عبر دمج الخطوط المستقيمة والمنحنية في منحوتاته.

جاءت أعماله لتتميز بأصالتها والتركيز على الشكل البشري (الشرق الأوسط)

ومن اللافت أن بعض أعمال المعرض تحمل تصاميم منحنية أنيقة وسلسة، والشكل العام لها يشبه المادة العضوية في الطبيعة، كما لو أنه قام بتلميع الخشب الداكن بعناية؛ ليكشف عن سطح أملس وبريق دافئ، وتتميز الأعمال بروح الأصالة والتحيز للتيمات البشرية والإنسانية عبر مظاهر وإشارات عدة.

يشير حبيش بإصبعه إلى تمثال طفل الانتفاضة في المعرض قائلاً «هذا التمثال عبارة عن طفل يحمل الحجارة، شاهده الزعيم ياسر عرفات، وقال لي: يوماً ما سنضع هذا التمثال في فلسطين بعد تحريرها، وما زال داخلي الأمل، وسأبقى أنتظر هذا اليوم ما حييت».

الفنان علي حبيش وهشام قنديل مدير الغاليري في المعرض (إدارة الغاليري)

تجدر الإشارة إلى أن الفنان حبيش أقام العديد من المعارض الشخصية، كما شارك في المئات من المعارض المحلية والدولية داخل مصر وخارجها، وله عدد من المجسمات المنصوبة في ميادين مصر، وتمثال ميداني في دار الأوبرا المصرية، ومكتبة الإسكندرية، وحصل على العديد من الجوائز منها جائزة صالون الإسكندرية الأول وجائزة يوم الأرض، وله مقتنيات في متحفي الفن الحديث، وأحمد شوقي بالقاهرة، فضلاً عن متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية (شمال مصر)، ومقتنيات في مؤسسات دولية في بلدان مختلفة.


مقالات ذات صلة

السعودية على درب التحضير لـ«إكسبو 2030»

إعلام الموضوع العام الذي سينعقد «إكسبو الرياض 2030» على ضوئه يحمل رؤية المملكة وهو «تخيل الغدّ» (موقع إكسبو الرياض 2030)

السعودية على درب التحضير لـ«إكسبو 2030»

السعودية تعرض بمناسبة الجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض التقدم الذي أحرزته في تحضير «إكسبو 2030».

ميشال أبونجم (إيسي لي مولينو: باريس)
يوميات الشرق ملتقى الأقصر الدولي للتصوير (إدارة الملتقى)

ملتقى الأقصر الدولي للتصوير يتفاعل مع روح المدينة القديمة

مع انطلاق فعاليات الدورة الـ17 من «ملتقى الأقصر الدولي للتصوير» في مصر، الاثنين، بدأ الفنانون المشاركون في التفاعل مع فضاء مدينة الأقصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.