ليس متحف اللوفر في أبوظبي، وإن كان الأشهَر، هو الوجهة الثقافية الوحيدة بالعاصمة الإماراتية، بل هناك مواقع كثيرة تحولت إلى مهد للإبداع والابتكار في كل أصناف الثقافة والفنون.
فإذا كانت المنطقة الثقافية في السعديات؛ حيث يوجد اللوفر ومراكز أخرى، تُعد منارة عالمية للأمل والفرص، وملتقى للتعارف والحوار وتبادل المعرفة والثقافة، فإن أبوظبي حولت المستودعات القديمة لميناء زايد إلى مهد تتعزز فيه القوة التحويلية للثقافة والإبداع، بما يعكس ترجمة لرؤية أبوظبي وقيم دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثلة في الاحترام والتعايش والتسامح.
أبزر تلك المستودعات، التي أصبحت مركزاً للفنون على أنواعها، «مجمع 421 للفنون»، الذي يزين رصيف قريب من أحد مداخله هيكل حديد صدئ لمركب قديم، أُعيد تركيبه بشكل فني ليقول للزائر: أهلاً بك في المجمع الذي يُعد منصة مستقلة تُعنى بالفنانين الواعدين والممارسين المبدعين في دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع أنحاء المنطقة، وفق ما قال مديره فيصل الحسن، لـ«الشرق الأوسط» التي حاورته على هامش معرض «سبيل الغاب» الذي يستضيفه المجمع، من 22 سبتمبر (أيلول) الحالي حتى 29 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
بداية الحوار كان عن معنى الرقم 421، الذي سُمي به المجمع، فأجاب الحسن مبتسماً: «ليس لاختيار هذا الرقم أي معنى فني، بل هو، ببساطة، رقم المستودع الذي كان مخصصاً للبضائع الواردة عبر ميناء زايد، لكن قبل نحو 10 سنوات انتقل التجار الذين كانوا يشغلون كل هذه المستودعات إلى منشآت الميناء الجديد، وارتأى المعنيون أن يحوّلوا كل واحد من تلك المستودعات إلى مهد ثقافي وفني بما يدعم رؤية الدولة بأن يكون للإنتاج الفني والإبداعي دور في الناتج المحلي، ورفع نسبته فيه إلى 5 في المائة». ويقول إن «الموانئ تاريخياً لم تكن لاستيراد البضائع فحسب، بل كانت باباً واسعاً للتبادل الثقافي، ونحن نحاول أن نعيد هذه الفكرة بمركز محلي وبرؤية إقليمية».
ويوضح الحسن أن المجمع الذي يحتفي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعامه التاسع، يشكل مساحة للبحث والتعلم والتجريب، ويوفر بيئة ترعى الجماعات الإبداعية الناشئة وكل من يرغب في تكريس الفنون بوصفها عاملاً للبحث وتحقيق التحول المجتمعي. كما يشجع الممارسين على استكشاف إمكانات المساحات العامة بوصفها وسيلة للتقدم والمشاركة المجتمعية، من خلال نموذج منهجي واسع النطاق يتيح أشكال التبادل الفني والحوار النقدي.
كما يقدم «مَجمع 421 للفنون» برنامجاً سنوياً من المعارض والمحاضرات والحوارات ووِرش العمل والفعاليات والمبادرات التعليمية التي توفر فرصاً ميسرة للتعليم موجهة للمجتمع الأوسع نطاقاً ولعامة الجمهور. ويجري تنظيم عدد من برامج 421، بالتعاون مع شركاء محليين وإقليميين ودوليين، مع الحرص على إشراك الصغار والطلاب والمعلمين والمهنيين المبدعين في نهج تشاركي فني وإبداعي. وقد وُضعت هذه البرامج بغية صقل المهارات الفنية والإبداعية، ودعم نمو منظومة الإبداع والابتكار بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وعن النتائج الملموسة لرحلة السنوات التسع، يؤكد الحسن أن «النتائج نلمسها يومياً من خلال التغير الواضح في إقبال الجمهور على المراكز الفنية بشكل عام في أبوظبي، وعندنا بشكل خاص. الإقبال يظهر من تضاعف أعداد الزيارات بشكل سنوي، إذ كنا نتحدث عن مئات الزوار، وأصبحنا نتحدث عن آلاف، وفي الوقت نفسه نرى تطور الفنانين أنفسهم، إذ كانوا يعرضون أعمالهم عندنا قبل 6 سنوات، والآن أصبحوا يعرضون في متاحف ومحافل فنية إقليمية وعالمية».
وهل تطور المجمع بموازاة تطور الفنانين، يجيب الحسن قائلاً: «بكل تأكيد، المجمع بدأ كصالات عرض لأعمال الفنانين وأعمال ننتجها نحن أو مؤسسات أخرى، وأصبح، الآن، أبرز الداعمين للفنانين من خلال برامجه، خصوصاً برنامجي الإقامة الفنية، والمِنح الفنية. هذان البرنامجان هدفهما تطوير التجربة الفنية، عبر تقديم الدعم المادي لتطوير أفكار فنية والتفكير بمواد وتجارب جديدة»، موضحاً أن أي شخص لديه فكرة جديدة في أي مجال فني يمكنه أن يتقدم إلى البرنامجين، ولافتاً إلى برنامج الإقامة الفنية مُدته 5 أشهر، وينظَّم مرتين في السنة لـ8 مرشحين، وبرنامج المنح الفنية، مرة كل سنتين ولفترة أطول. ويقول: «الهدف أن نوفر للفنان البيئة المناسبة والإقامة والدعم المالي لئلا ينشغل بأي أمر آخر سوى الفكرة الإبداعية الجديدة ليقوم بتجربتها، وليس بالضرورة أن يكون نجاحه مائة في المائة. المطلوب منه فقط فكرة جديدة وخلاقة، ومن ثم أن نوجِد في المنطقة جواً يدعم الإنتاج الفني والنقد الفني». وأكد أن «مجمع 421 للفنون» طوّر، خلال 9 أعوام، مهارات عشرات الفنانين وبعضهم أنتج أفكاراً جديدة وأعمالاً مبتكرة جسّدت على أرض الواقع، وانتقلوا بها إلى معارض وأماكن داخل الإمارات، مثل اللوفر، وإلى خارج الإمارات في عواصم ومدن عربية وإقليمية.