الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

حاصد 3 نجوم «ميشلان» عُيِّن سفيراً للنيات الحسنة للتثقيف الغذائي

التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)
التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)
TT

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)
التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

أعلنت المديرة العامة لـ«اليونيسكو»، أودري أزولاي، اختيار الشيف السويسري دانييل هوم سفيراً للنيات الحسنة للمنظّمة للتثقيف الغذائي. وأُقيم حفل التعيين في مطعم «إلفين ماديسون بارك» بنيويورك، الذي يديره الطبّاخ المعروف بمناصرة الأغذية النباتية، والحائز على 3 نجوم في دليل «ميشلان».

وقالت المديرة العامة، في بيانها، إنّ «دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته المهنية على معتقداته، وتحدّى المُشكّكين، وأثبت لنا جميعاً أنّ أرقى الأطباق يمكن أن تكون حليفة في حماية كوكبنا الثمين. وبوصفه شخصية مُلهمة في عالم الطهي، فهو أفضل مَن يوطّد العلاقات المتينة بين الطعام والتعليم».

من جهته، قال هوم: «إنه لشرفٌ كبير أن أنضمَّ إلى (اليونيسكو) سفيراً للنيات الحسنة. لغة الطعام قوية جداً، وسنعمل معاً على إبراز قدرة الخيارات المتعلّقة به على إيجاد الحلول وتمكين أجيال الغد، وسنعمل أيضاً على إذكاء الوعي بشأن تقاليد طهي الشعوب الأصلية، ودورها الحاسم في تحقيق الاستدامة والإنصاف الغذائي».

دانييل هوم، بوصفه سفيراً للنيات الحسنة لـ«اليونيسكو»، ينوي التركيز على التثقيف الغذائي. وهو نقطة تلتقي مع دورها بصفتها منظمةً تهتم بالبرامج العالمية المتعلّقة بالتثقيف البيئي والصحّي، وحماية الممارسات الثقافية غير المادية، فضلاً عن حماية التراث الطبيعي والتنوّع البيولوجي في مواجهة الاختلال المناخي.

اتفقت أزولاي وهوم على خريطة طريق سيوصل الشيف، بموجبها، صوت «اليونيسكو»، خلال الاجتماعات الدولية الرئيسية، مثل مؤتمر الأطراف المقبل بشأن التنوّع البيولوجي، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) في كولومبيا. وسيروّج أيضاً للمواقع التي تزخر بتقاليد الزراعة والطهي وتذوّق الطعام، بما فيها مواقع التراث العالمي، ومحميات المحيط الحيوي، وشبكة «اليونيسكو» المكوَّنة من 350 مدينة مُبدعة، 56 منها في مجال فنّ الطهي.

وزار الشيف هوم محمية «شامبلين أديرونداك» في فيرمونت بالولايات المتحدة الأميركية؛ هي التي اتُّخذت فيها مبادرات عدّة؛ سعياً إلى إذكاء الوعي لدى الشباب المحلّيين بشأن إنشاء نُظم غذائية مستدامة. كما سينظِّم أولى مبادراته سفيراً للنيات الحسنة، مطلع العام المقبل، عشاءً نباتياً للعموم، بالشراكة مع زميله سفير النيات الحسنة الشيف مورو كولاغريكو. ومن المُنتظر أن يسهم في إعداد الأطلس الدولي الجديد للغذاء.

وُلد دانييل هوم في سويسرا عام 1976، وبدأ العمل في المطابخ عندما كان في سنّ الـ14، وحصل على أولى نجوم «ميشلان» بعمر الـ24. وفي عام 2003 انتقل إلى الولايات المتحدة، وأصبح الشيف التنفيذي في «كامبتون بليس» بسان فرنسيسكو، وانتقل بعدها بـ3 سنوات إلى نيويورك ليصبح الشيف التنفيذي في «إيلفن مادسون بارك»، ثم نال شهادات تميُّز عدّة؛ من بينها حصوله على الموقع الأول بين أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2017.

شارك هوم في تأسيس منظمة «ريثنك فوود» غير الربحية، التي تتّخذ من نيويورك مقرّاً لها، وهي تسعى إلى إنشاء نظام غذائي يتّسم بقدر أكبر من الإنصاف والاستدامة. وقد أطلق خلال تفشّي جائحة «كوفيد - 19» مبادرات لتغذية الأفراد الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في المدينة. وتضمَّن ذلك تعديل الهدف من مطعمه الفاخر ليتحوّل مطبخاً ينتج 2000 وجبة في الأسبوع لمصلحتهم.

وفي عام 2021، عدَّل الشيف دانييل هوم قائمة الطعام في مطعم «إيلفن مادسون بارك»، فحوَّلها نباتيةً بالكامل مع حفاظه على نجوم ميشلان الـ3؛ وهو إنجاز يحدث للمرّة الأولى بالنسبة لمطعم نباتي، وذلك في قطيعة تامة مع ماضيه في مجال الطهي، وبسبب الشواغل البيئية مثل الاضطراب المناخي والصيد المفرط.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك المستهلك يمكنه تجنب فقدان العناصر الغذائية والنكهة عن طريق اختيار لحوم البقر والدجاج المجمدة (رويترز)

6 أطعمة من الأفضل تناولها مجمدة وغير طازجة

خبيرة التغذية البريطانية ريانون لامبرت، كشفت هذا الأسبوع عن أن وجهة نظرنا السلبية تجاه الأطعمة المجمدة قد تحرمنا عناصر غذائية قيّمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.