«صديقتي الرائعة» يصل إلى نهاية رائعة

إيلينا فيرانتي تُكمل واحدة من أفضل القصص طويلة الأمد على شاشات التلفزة.

إلى يسار الصورة إيرين مايورينو ومارغريتا مازوكو وسافيريو كوستانزو وألبا روهرفاشر ولورا بيسبوري (شاترستوك)
إلى يسار الصورة إيرين مايورينو ومارغريتا مازوكو وسافيريو كوستانزو وألبا روهرفاشر ولورا بيسبوري (شاترستوك)
TT

«صديقتي الرائعة» يصل إلى نهاية رائعة

إلى يسار الصورة إيرين مايورينو ومارغريتا مازوكو وسافيريو كوستانزو وألبا روهرفاشر ولورا بيسبوري (شاترستوك)
إلى يسار الصورة إيرين مايورينو ومارغريتا مازوكو وسافيريو كوستانزو وألبا روهرفاشر ولورا بيسبوري (شاترستوك)

«ولدت في حي فقير متهالك جداً، حيث كان غضب الرجال وعنفهم حدثاً يومياً».

تصف المؤلفة إيلينا غريكو (ألبا روهرفاشر)، المعروفة لنا بلينو، نفسها بالطريقة التي التقيناها في الموسم الأول من «صديقتي الرائعة».

داخل منطقة خانقة في حي من أحياء نابولي الإيطالية، حين كانت تعجّ بالعصابات في خمسينات القرن الماضي، وجدت لينو لنفسها حليفة، ومنافسة بعض الأحيان، في رافاييلا سيرولو، تُدعى ليلا التي سترتبط بها مدى الحياة.

بحلول الموسم الرابع والأخير من المسلسل، الذي يبدأ الاثنين على شاشات «إتش بي أو»، أصبحت لينو كاتبة قصتها الخاصة، عبر مقالات وروايات مشهورة. ومع ذلك، فإنها لا تزال تعيشها، بالوقت نفسه، إلى حد كبير، منجذبة إلى حيّها القديم، وما يعتمل في داخله من عواطف ومخاطر، ليصل أحد أفضل المسلسلات التلفزيونية إلى خاتمة قوية.

لقطة من المسلسل الذي يُعرض على شبكة «إتش بي أو» الأميركية

التقت لينو وليلا في بداية المسلسل زميلتين في الدراسة، فتاتين ذكيتين في حيٍّ فقير وشوارعَ مكتظة، حيث لا فُرص كثيرة للنساء.

بوجه عام، يبدو ذكاء لينو قيد السيطرة وطبيعتها مجتهدة؛ فهي دؤوبة وقادرة على إحراز النجاح داخل البيئات الأكاديمية. أما ليلا فعبقريتها جامحة وغير منضبطة، فهي عبقرية قابلة للاشتعال والانفجار. وفي الوقت الذي تبدو لينو حذرة وتحب إرضاء الناس، تتّسم ليلا بشخصية غامضة وشجاعة، ولديها حسّ عنيف بالعدالة. اللافت أن كلاً منهما تفتقر إلى شيء موجود في الأخرى. بمرور الوقت، تتبنّى لينو شيئاً من تمرد ليلا. ورغم أن ليلا تنتقد، أحياناً، مساعي لينو في برجها العاجي، فإنها تبدو معجبة بنجاحها، وربما تحسدها عليه.

وتُنبئ الاختلافات في ذكائهما وشخصيتهما عن مساراتهما المستقبلية. تلتحق لينو بالأوساط الأكاديمية، وتترك منزلها، نهاية المطاف، لتصبح كاتبة. أمّا ليلا فتترك المدرسة، وتتزوج بابن مرابٍ، وتبدأ العمل لحسابها الخاص، لتصبح في النهاية زعيمة محلية يخشاها الناس، مثل رجال العصابات في الحي.

إلى يسار الصورة مارغريتا مازوكو وألبا روهرفاشر (شاترستوك)

تبحث كلتاهما، بطريقة ما، عن القوة التي تفتقر إليها كلٌ منهما هي وأسرتها. فيما يتعلق بلينو، يتحقق ذلك عبر الهروب والفوز بالثناء في العالم الأوسع. أمّا ليلا فتحقق ذلك عبر كسب المال والنفوذ لمواجهة المحتالين والبلطجية الفاشيين، الذين لا يزالون يسيطرون على المدينة بعد عقود.

خلال الموسمين الثاني والثالث، يتنقل المسلسل بالصديقتين عبر مرحلة البلوغ: الزيجات، والانفصال، والأطفال، والعلاقات، وخيبات الأمل والمنافسات، ويعكس بمهارة سياسات الطبقة والاضطرابات السياسية في إيطاليا في الستينات والسبعينات، حيث تنفصل حياة المرأتين وتعود لتتقاطع مثل موجاتٍ برسمٍ بيانيّ.

يستند مسلسل «صديقتي الرائعة» إلى روايات نابولي التي كتبتها إيلينا فيرانتي، والتي يُشار إليها باعتبارها كاتبة المسلسل الذي يقترب من الروايات من حيث الحبكة والسّرد، إلا أنه على عكس كثير من التعديلات التلفزيونية، يُعدّ هذا المسلسل، في جوهره، أكثر من مجرد كتاب صوتي مصور، فقد نجح في الوصول إلى لغته البصرية الخاصة، لإعادة خلق الحالة المزاجية التي رسمتها أنامل فيرانتي بالكلمات.

تنقل لورا بيسبوري، التي تولّت إخراج جميع حلقات الموسم الجديد، حميمية وحشية من خلال الإمساك بلقطات رأسية ضيقة للممثلين. في هذه القصة، نُعاين أشخاصاً لا يُمكنهم الهروب من محيطهم، كما لا يستطيع المشاهد ذلك هو الآخر. وتدفعك الكاميرا نحو مطالعة وجوه الغضب والشهوة والحزن الساخنة. اللافت أن المسلسل يحتفظ بنثر الكاتبة فيرانتي بصوت لينو، لكنه يمنحك كذلك العَرَق والدّموع والشوارع القذرة التي يلتصق هواؤها بجلدك.

يُكمل الموسم الأخير المسلسل ليغلق دائرة كاملة. انتقل المشهد الأول من الموسم الأول إلى لينو المرأة العجوز (إليزابيتا دي بالو) تتلقّى مكالمة من ابن ليلا، الذي يُبدي انزعاجه من اختفاء والدته فجأة، (على ما يبدو عمداً). ويأتي الموسم الرابع ليسلط الضوء على الأسباب التي ساقتها ليلا، والتي كانت مضطربة منذ فترة طويلة بسبب رؤيتها «ذوبان الحدود» بين الأشياء في العالم، أخيراً لتبرير هذا الفعل.

لقطة من «صديقتي الرائعة» الجزء الرابع والأخير

تركت لينو، وهي كاتبة معروفة الآن (في المسلسل)، زوجها، بييترو (بيير جورجيو بيلوتشيو)، من أجل نينو (فابريزيو جيفوني)، وهو مثقف، ولطالما شعر بالإعجاب تجاهها وبليلا، ويجد صعوبة في إظهار القدر المناسب من الوفاء والإخلاص. (تدرك لينو المفارقة المتمثلة في كونها مؤلفة نسوية تجد نفسها معتمدة على رجال سيئين)، وتُعيدها العلاقة هي وابنتيها الصغيرتين إلى نابولي، حيث تخوض ليلا، التي أصبحت الآن سيدة أعمال قوية، حرباً في مواجهة المتنمرين أنفسهم، الذين سيطروا على الحيّ في طفولتهما.

المثير أنه حتى لنساءٍ ناجحات يقتربن من منتصف العمر، ظلّ الماضي شبحاً لا مفر منه.

ولا تزال الاستياءات والتهديدات القديمة موجودة، بالإضافة إلى شعورٍ أكثر غموضاً بالرعب.

تحمل قصة «صديقتي الرائعة»، بوجه عام، نمطاً مستمراً من الرّعب الباطني. في الحلقة الأولى، تترابط الفتاتان عبر رمي دميتهما في قبوٍ مظلمٍ مخيفٍ. ولاحقاً، تحلم لينو بمخلوقات صغيرة تتجمّع من تحت الشوارع ليلاً، وتصيب البالغين بالغضب الذي يظهرونه في النهار.

وفي حلقة مذهلة من الموسم الرابع، تجد لينو وليلا نفسيهما وسط زلزال عام 1980 الذي ضرب نابولي. وبينما تهتز المباني ويهرب الناس، ترى لينو نسخة من كابوسها تتجسّد في الحياة: الفئران تتدفق من مجاري الصّرف الصّحي إلى الشارع. ويُثير ذلك في النفس فكرة مفادها أنه يمكنك بناء حياة مستقرة لنفسك قدر الإمكان، لكن لا يمكنك التخلص أبداً من الخوف أو من احتمالية انشقاق الأرض وتفجّر أهوال الجحيم.

ويحمل الموسم عنواناً فرعياً، على غرار آخرِ كتاب لفيرانتي في السلسلة، «قصة الطفل الضائع». يحمل العنوان معنى حرفياً، لكنه يحمل كذلك عديداً من المعاني المجازية. هناك أطفال ضاعوا بسبب المخدرات، واليأس، والخلّل الأُسري. وهناك آخرون مثل لينو وليلا وأصدقائهما، ضاعوا في خضمّ حركة الزمن.

وتبدو أحداث الموسم الأخير من المسلسل حسّاسة ومدمّرة ومؤثّرة. في الغالب، ما يلخص الناس القصص عن النساء تحت عنوان شامل يتعلق بالصداقة الأنثوية، لكن ما يجمع بين هاتين البطلتين أكثر تعقيداً ومراوغة عن ذلك، فهو يرتبط بالوقت نفسه بالمنافسة، والاعتماد، والانبهار والتكافل. هذه، ببساطة، واحدة من أكثر الصور حدّة لعلاقة مستمرة مدى الحياة قُدّمت على شاشات التلفزة على الإطلاق.

ويبلغ مسلسل «صديقتي الرائعة» محطته النهائية، في وقت تحتفل فيه شبكة «إتش بي أو» بالذكرى الـ25 لمسلسل «آل سوبرانو»، عبر إطلاق فيلم وثائقي جذّاب من إخراج أليكس غيبني، بعنوان «الرجل الحكيم: ديفيد تشيس وآل سوبرانو».

وعلى مرّ السنين، حاولت مسلسلات درامية أخرى من إنتاج «إتش بي أو» إعادة إحياء سحر قصص الجريمة، مثل «Boardwalk Empire»، وصولاً إلى مسلسل «The Penguin».

الحقيقة، أن مسلسل «صديقتي الرائعة» لم يكن قط من المسلسلات الناجحة على نطاق واسع في هذا البلد، لكنه قد يكون في حقيقته، الخليفة الحقيقي لمسلسل «آل سوبرانو». ولا أقصد هنا الصّلة السّطحية التي تربطه بإيطاليا، بل أقصد الطريقة التي يُصوِّر بها المسلسل العنف العاطفي والجسدي. (لم تكن هناك حادثة عنف أشد وحشية من حادثة الانفصال بين توني وكارميلا في حلقة «القبعات البيضاء»). والواقع أن كلا المسلسلين، قبل كل شيء، يحمل إحساساً عميقاً بثقل الأسرة والتاريخ، فالماضي ثقب أسود، ولا يمكن لأيّ قدر من النجاح أن يحول دون غرقك في هاوية آلام الإهانة التي تعرّضت لها في طفولتك، أو ذكرى الخيانة، أو حكم الأم عليك، بمقدورك أن تترك الحي القديم، مثلما حدث في مسلسل «صديقتي الرائعة»، لكنك لا تستطيع أن تبتعد عنه.

* خدمة: «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

«ذا فويس 6» والمدرّبون ناصيف زيتون وأحمد سعد ورحمة رياض (إنستغرام)

مدرّبو «ذا فويس»: الموسم السادس يحمل مواهب استثنائية

كانت لـ«الشرق الأوسط» لقاءات مع المدرّبين الثلاثة خلال تسجيل إحدى حلقات الموسم السادس، فأبدوا رأيهم في التجربة التي يخوضونها...

فيفيان حداد (بيروت)
أوروبا شعار هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (متداولة)

هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية توقف النشر على منصة «إكس» جرّاء «معلومات مضللة»

قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (إن أو إس)، الثلاثاء، إنها توقفت عن النشر على منصة «إكس» بسبب نشر المنصة معلومات مضللة.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
يوميات الشرق بيونة (أرشيفية - أ.ف.ب)

غياب بيونة... الفنانة الجزائرية الشاملة

توفيت في الجزائر العاصمة، اليوم (الثلاثاء)، الممثلة القديرة بيونة عن عمر ناهز 73 عاماً، إثر معاناة مع المرض، وفق ما أعلن التلفزيون الحكومي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
يوميات الشرق بسمة وهبة مقدمة برنامج «90 دقيقة» (صفحتها على «فيسبوك»)

منع بسمة وهبة وياسمين الخطيب من الظهور على الشاشة لمدة 3 أشهر

قرر «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر، الخميس، منع ظهور بسمة وهبة المذيعة بقناة «المحور»، وياسمين الخطيب المذيعة بقناة «الشمس»، إعلامياً، لمدة 3 أشهر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق صورة جماعية من برنامج «دولة التلاوة» (فيسبوك)

«دولة التلاوة» يخطف الأنظار ويعيد برامج المسابقات للواجهة في مصر

خطفت الحلقة الأولى من برنامج «دولة التلاوة»، والتي ضمت تلاوات قرآنية لعدد من المتنافسين على جوائز مليونية، وعرضت على منصات مصرية، الجمعة، الأنظار.

داليا ماهر (القاهرة)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.