اصطحب محمود عبد الفتاح، موظف في بنك (على المعاش)، أسرته إلى مطعم مشهور في شبرا يقدم وجبات لحوم ومشويات، إلا أنه حسبما قال لـ«الشرق الأوسط»، وجد نفسه ضمن قائمة انتظار تتعدى 15 فرداً؛ «ذهبت إلى مشوار آخر ثم عدت للمطعم بعد ساعة وفق حجزي لأنني حريص على تجربة طعامه بعد أن سمعت عنه كثيراً، رغم أسعاره المرتفعة».
وعلى الرغم من أن هذه المطاعم لا تقدم وجبات شعبية أو رخيصة، إذ إن أسعار وجباتها تبدأ بـ200 جنيه (الدولار يعادل 48.50 جنيه مصري)، فإنها تجد زبائن كُثراً سواء ممن يهوون الطعام الجيد أو من الذين يذهبون إليها بسبب «السمعة»، أو بوصفها نوعاً من النزهة والرفاهية.
وفي ظل أزمة الغلاء التي تعاني منها مصر خلال الفترة الأخيرة، فإنّ هناك مطاعم ترفع لافتة «كامل العدد» في أحيان كثيرة، وتضع روّادها على قائمة انتظار قد تستمر لساعات.
وترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، أن «قوائم الانتظار في بعض المحلات ترتبط عادة بمواسم أو شهر رمضان، كما أنها ترتبط بفئة اجتماعية قادرة تتعامل مع هذه المطاعم بوصفها فسحة ترفيهية، وتُعدّ تناول وجبة في مثل هذه المحلات ذات قوائم الانتظار، تعويضاً عن الذهاب إلى المصيف».
ويوضح عبد الفتاح: «راتبي التقاعدي يصل إلى 10 آلاف جنيه، والوجبة في محل كهذا قد تكلّف نحو ألفي جنيه لأسرة مكونة من 4 أفراد، لذلك لا يمكننا الذهاب إليه كثيراً، ويقتصر الأمر عادة على المناسبات فقط».
وارتفعت أسعار السلع والخدمات في مصر منذ مارس (آذار) الماضي، بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري إلى نحو 49.50 مقابل الدولار الأميركي، من مستوى 30.85 جنيه ظل ثابتاً عليه لعام سابق. وتضمّنت موجة الغلاء وارتفاع الأسعار زيادة في أسعار تذاكر المترو ووسائل النقل العام، بعد زيادة أسعار البنزين، ورفع سعر رغيف الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشاً.
ويفسر الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، رئيس مركز «العاصمة للدراسات الاقتصادية»، قوائم الانتظار في بعض المطاعم، بـ«وجود بذخٍ في بعض قطاعات المجتمع، ممن يحبون التباهي»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «ارتفاع الأسعار أو معدل التضخم والتفاوت الكبير بين متوسط دخل الفرد والأسعار، جعل من الصعب على فئات معينة؛ سواء كانوا موظفي الحكومة أو القطاع الخاص، توفير وجبة طعام واحدة من أحد هذه المطاعم، التي تخرج بالصواني المليئة باللحوم التي نشاهد إعلاناتها، ولكنّ هناك تفاوتاً بين طبقات المجتمع، حيث إن الطبقة المرفهة تتزاحم على مثل هذه المطاعم».
وتصل أسعار بعض الصواني (الوجبات العائلية أو الجماعية) في محلات بها قوائم انتظار، إلى 3 آلاف جنيه، ولا تقتصر قوائم الانتظار على المطاعم مرتفعة الأسعار فقط، بل تمتد إلى بعض المطاعم العادية أو مطاعم الوجبات الخفيفة صاحبة التوكيلات الأجنبية، وتصل أحياناً إلى مطاعم الكُشري الشهيرة ومحلات الحلويات.
ويقول محمد السيد، مسوّق عقارات (42 عاماً)، إنه ذهب لمحل كُشري شهير في وسط القاهرة رفقة صديق، وفوجئ بالزحام الشديد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اضطررنا للانتظار فترة حتى وجدوا لنا مكاناً». وأوضح: «على الرغم من أنّ أسعار المحل ليست رخيصة بالنسبة لأسعار الكُشري في مصر، فإن سمعته وطعمه هما اللذان يؤديان للزحام عليه لدرجة الوقوف في قائمة انتظار».
ويتراوح سعر طبق الكُشري في بعض المحلات بين 35 و60 جنيهاً، وفي المحلات التي تشهد زحاماً تبدأ الأسعار تقريباً من 50 جنيهاً للوجبة، في حين تبدأ أسعار علب الكشري في المناطق الشعبية من 20 جنيهاً.
ويرى الخبير الاقتصادي أن «هناك فئات من العرب الموجودين في مصر، سواء للسياحة أو بسبب النزوح، أسهموا في صناعة هذه الظاهرة، باعتمادهم على المطاعم الفاخرة والتزاحم عليها، ومن ثمّ منحها رخصة ضمنية بالمغالاة في الأسعار».
وعاد محمد السيد ليوضح نقطة مهمة يلجأ إليها بعض المطاعم كنوع من الدعاية أو إثبات الجودة؛ «وهي افتعال قوائم انتظار تتمثل في طوابير أمامها أو داخلها، حتى يبدو للمارة أن الإقبال عليها كبير، في حين أنها في الحقيقة يمكنها إنجاز طلبات الزبائن من دون الحاجة للانتظار».
وتقدر شركة «فودكس مصر»، وهي شركة برمجيات لتكنولوجيا المطاعم، عدد المنشآت التي تعمل ضمن قطاع المطاعم والكافيهات بـ400 ألف منشأة، عادّة «السوق المصرية واعدة وضخمة»، وهو ما دفعهم للاستثمار فيها.
وتلفت أستاذة علم الاجتماع إلى أن «بعض الأُسر يتفاخر ويتباهى بالذهاب لمطاعم غالية، وتعدّ هذا ميزة طبقية، ويكون ذلك بعد سماع أن هذا المطعم يقدّم طعاماً جيداً أو ترتاده الصفوة، ومن هنا تظهر القوائم رغم ارتفاع أسعار هذه المطاعم التي عادة ما تبالغ في أسعارها بحجة خصوصيتها وتوجهها لزبائن بعينهم».
وتضمّ مصر 1500 مطعم سياحي مرخص، وفق تصريحات لمسؤولي وزارة السياحة في مصر، كما تضمّ كثيراً من المطاعم ذات التوكيلات الأجنبية التي تصل فروع بعضها إلى المئات، وتبدأ أسعار وجباتها من 150 جنيهاً.
ووصف محمود العسقلاني، رئيس «جمعية مواطنون ضد الغلاء»، هذه المطاعم بأنها «تخاطب شريحة معينة من المجتمع المصري»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفقراء الذين يعيشون على الخبز المدعم لا يقفون في هذه القوائم، فزبائن هذه القوائم ليسوا حتى من الطبقة المتوسطة، بل من كريمة الطبقة المتوسطة وطبقة الأثرياء التي لديها فائض من المال».
ويرصد مصباح قطب، الخبير الاقتصادي المصري، أكثر من مطعم ومكان به قوائم انتظار مثل «المنوفى الكبابجى» في شارع التسعين بالتجمع، وهناك مطعم وكافتيريا قرب الهرم تتطلب الحجز قبلها بيومين، وأيضاً تتطلب الانتظار عند الحضور.
ويؤكد قطب أن «هناك عوامل متداخلة تفسر هذه الظاهرة؛ منها أن النّخبة المصرية القادرة على ارتياد مطاعم ومرافق خدمية ذات أسعار مرتفعة للغاية تصل إلى نحو 5 في المائة من السكان، أي نحو 5 ملايين نسمة، يشكلون بحدّ ذاتهم دولة تحتاج إلى كثير من هذا النوع من الخدمات».
ويختم حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إلى جانب سياحة الأغنياء التي تجعل الطّلب كبيراً على هذه المحلات، فهناك أيضاً بعض الأسر فوق المتوسطة، التي تحبّ ارتياد هذه المطاعم مرة أو اثنتين في العام، بوصفها مطاعم مضمونة الجودة وأحياناً للتباهي أو الترفيه».