رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

قسورة حافظ: عبد الحليم رضوي أطلق الشرارة في الستينات وما زال وهجها يشع

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
TT

رحلة الفن في السعودية... محطات وأسماء في معرض لندني

لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)
لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر ومنيرة موصلي ونبيلة البسام في المعرض (سوذبيز)

رغم قصر مدته نجح معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» في جذب جمهور من المصطافين العرب والمقيمين في لندن لرؤية أعمال لفنانين سعوديين رواد لأول مرة في العاصمة البريطانية. المعرض أقيم في دار «سوذبيز» للمزادات، التي أفردت عدداً من قاعاتها لعرض نتاج عقود من الأعمال الفنية التي أبدعها رواد الفن السعودي، أمثال عبد الحليم رضوي، ومحمد السليم، وصفية بن زقر، وغيرهم كثير. وخلال الجولة على الأعمال، يتبدّى للزائر التطورات الفنية التي حدثت في المملكة منذ الستينات من القرن الماضي، التي تظهر في أساليب فنية مختلفة تُعبر ببلاغة بصرية عن تطور المجتمع والمراحل التاريخية التي مرت بها البلاد.

لوحة للفنان محمد عجم من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» (سوذبيز)

صاحب فكرة العرض هو قسورة حافظ مالك «حافظ غاليري» في جدة، وهو من أهم المشتغلين بالفن في المملكة، ومن الحريصين على إبراز أعمال رواد الفن السعودي في العصر الحديث، التي غابت عن العروض لفترة طويلة، وعادت مؤخراً لتشغل مكانها المستحق في تطور حركة الفنون البصرية في السعودية. الحديث مع قسورة حافظ يفتح لنا نوافذ الدهشة على فنانين وتيارات مختلفة ميّزت أعمال عدد ضخم من الفنانين، يختار خلال حديثه أن يضع أعمال الرواد في سرد فني تاريخي، ليكون أساساً للحركة الفنية المنتعشة حالياً في البلاد.

أتحدّث مع قسورة حافظ حول اهتمامه بصفته مقتنياً وخبيراً عن الفن السعودي الحديث، وبدايات رحلته معه. يرجع بالذاكرة لسنوات شبابه، قائلاً: «إن الأمر بدأ حين طلب منه والده، الراحل هشام حافظ، أن يختار لوحة لشرائها خلال زيارة معرض فني في عام 1995».

بداية الشغف

«كان عمري 18 عاماً، وكانت أول مرة في حياتي أدخل غاليري، هذا الطلب فرض عليَّ، على نحو غير مباشر، أن أنظر إلى الأعمال بعين ناقدة، وأعجبتني لوحة للفنان عبد الله إدريس. بعدها بفترة طلب مني الوالد أن أختار لوحة كان يريد إهداءها لصديق، فاخترت لوحة للفنان هشام بنجابي». مع الوقت زاد اهتمامه بزيارة المعارض الفنية داخل وخارج المملكة، وحاول دخول المجال بصفته فناناً؛ إذ أقام معرضين في جدة وبيروت، ولكن الشغف حوّله لدور آخر، «بعدها اكتشفت إمكانية أن يكون لي دور في هذا العالم على نحو مختلف، عبر تأسيس منصة لعرض أعمال فنانين آخرين».

لقسورة حافظ اهتمام قوي بأعمال الفن الحديث في السعودية وباللوحات على نحو خاص: «كنت أحب أعمال عبد الحليم الرضوي، ومحمد السليم، وعبد الله الشيخ، وهم فنانون أسّسوا الحركة التشكيلية في المملكة. قرأت عن أعمالهم، وتعرّفت على بعضهم».

في عام 2014، ولدت فكرة إقامة معرض لتوثيق الذكرى الـ50 لأول معرض أقامه رضوي، وكان في عام 1965. الفكرة لم تترجم لمعرض نتيجة عدد من الأسباب، ولكن الفرصة سنحت بعدها بعشر سنوات ليُقيم المعرض المنشود في العاصمة اللندنية، وليوسع دائرته، لتشمل فنانين آخرين إلى جانب رضوي. يقول إنَّ الفكرة عادت لتداعبه بعد تواصل دار «سوذبيز» معه لعرض بعض الأعمال السعودية في المزاد بلندن، وقتها اقتنص حافظ الفرصة لإقناع المسؤولين في الدار بفكرة إقامة معرض عن 50 عاماً من الفن السعودي. مع موافقة الدار، بدأت الرحلة للبحث عن الأعمال المناسبة. ولعرض 60 لوحة تواصل مع مقتنين وصالات عرض، ومع الفنانين أنفسهم أو أسرهم، وفي سباق مع الزمن استطاع حافظ في 4 أشهر الحصول على الأعمال، وبعضها على سبيل الإعارة.

قسورة حافظ (سوذبيز)

أسأله إن كان العرض يعكس جميع الفترات المهمة في الفن السعودي، يقول «لم يكن من الممكن تقديم العرض من ناحية تاريخية نظراً لقصر وقت التحضير، ولكنني نسّقت العرض بناءً على تصوري الخاص للمراحل المهمة في تطور الفنون البصرية في المملكة، وهي 3 مراحل، ويمثل كل مرحلة بعض الفنانين النشطين المؤثرين، وقد حاولت قدر الاستطاعة أن يغطي المعرض كل حقبة على نحو مقنع».

الفنانات السعوديات

أبرز المعرض حضور وتأثير الفنانات السعوديات على الحركة الفنية، فاجتمعت في القاعة الأولى 3 لوحات لرائدات الفن السعودي صفية بن زقر، ومنيرة موصلي، ونبيلة البسام، لما كان لهن من دور كبير في تسجيل دور النساء في بدايات الحركة التشكيلية. ولم يتوقف العرض عند ذلك، فحرص المنسق على أن تكون هناك أعمال لفنانات من أجيال معاصرة، مثل لولوة الحمود، ومنال الضويان، وحنان باحمدان، ودانية الصالح.

عمل للفنان السعودي محمد الفرج (الشرق الأوسط)

بالنسبة إلى قسورة حافظ، فاللوحات تكتسب أهميتها من موضوعها وقوة تعبيرها، ولا يرى أن الفروق بين عطاء الرائدات والمعاصرات تكمن في الموضوعات، وإنما لأماكنهن في محطات الحركة الفنية «الموضوع يمكن النظر إليه بطريقة ثانية، مرحلة البداية من منتصف الستينات لأواخر السبعينات، هذه المرحلة التي أُرْسِيت فيها الأساسات للفنون في المملكة، الشيء المشترك بين جميع الفنانين والفنانات في هذا الجيل كان الاهتمام بتصوير البيئة المحلية، كلٌّ بأسلوبه، سواء أكان انطباعياً أم تجريدياً، في النهاية بيئة الفنان تجد نفسها في اللوحة، فهو تأسيس للهوية بشكل أو آخر، وتميزت أعمال المرحلة بهذا الأمر. قد تكون الفنانة منيرة موصلي مختلفة بعض الشيء عن بقية جيلها، فقد كانت سابقة لغيرها في مناقشتها لقضايا إنسانية، مثل موضوع المرأة، ومن جيلها تميز الفنان عبد الجبار اليحيى، الذي تغيّرت موضوعاته إلى حد بعيد بعد عام 1979، فبدأنا نشاهد لوحات له ليست جمالية أو تعبيرية، بل لوحات تناقش قضايا إنسانية، متأثراً بالأحداث التي مرت على المنطقة».

ومن الفنانين اللافتين في المعرض، ويبدو متميزاً بأسلوب بصري مختلف هو الفنان عبد الستار الموسى، يقول حافظ «هو الفنان الوحيد الذي درس الفن في موسكو في السبعينات، ويمثل حالة خاصة من الناحية البصرية».

عمل للفنان عبد الستار الموسى (الشرق الأوسط)

الفن السعودي في المزادات العالمية

بما أن المعرض يقام داخل دار مزادات، فليس بالمستغرب أن تباع بعض اللوحات من العرض، وهو ما يطرح السؤال عن حظ الفنانين الرواد في السوق الفنية، وهل تختلف أسعار لوحاتهم عن غيرهم من الفنانين المعاصرين؟

يقول المنسق إن الأعمال السعودية المعاصرة منذ أن بزغت حركتها في عام 2008 تزامناً مع معرض «إيدج أوف آرابيا» في لندن، أطلقت أسماء فنانين سعوديين في العالم، ومع جولات معارض «إيدج أوف آرابيا» بدأ العالم يتعرّف على الفن السعودي، وهو ما ترجم بعد ذلك بحضور أعمال الفنانين المعاصرين في دور المزادات العالمية.

جانب من معرض «خمسين... نظرة على الفن السعودي» ويظهر فيه أعمال للفنانين عادل قريشي وسعيد قمحاوي وناصر السالم (الشرق الأوسط)

تبع هذا الاهتمام بالفن المعاصر نهضة ثانية لأعمال الرواد في المعارض، وفي المزادات «أصبح العثور على لوحات فنانين سعوديين من الخمسينات والستينات أمراً نادراً، وإذا وجدت فهي ليست للبيع. بدأت السوق تتجاوب مع هذا الشيء. مثال في المزاد الأخير في (سوذبيز) بيعت لوحة السليم بنحو مليون جنيه إسترليني، وهو رقم قياسي بكل المقاييس، وكنت أنا جزءاً من هذه القصة، بدأ الاهتمام بالشراء أيضاً مع الإعلان عن افتتاح مجموعة كبيرة من المتاحف في المملكة، ومع الإدراك أن اللوحة ممكن أن تكون استثماراً ممتازاً، نتج عن ذلك قلة المعروض، والآن يعد العثور على لوحة لمحمد السليم (على سبيل المثال) للبيع في السعودية أمراً ليس سهلاً». يضيف قائلاً: «هناك عناصر قوية أخرى تؤثر في أسعار الأعمال الفنية، منها ثقافة واطلاع رأس المال بهذه السوق، وأيضاً هيمنة وقوة الدولة المنتجة، فهذان العنصران لهما تأثير كبير في السعر، طبعاً مع دور الفنان وقصته وقوة العمل الفني».

قصة الفن السعودي... مراحل ومحطات

نتحدث عن الفن السعودي اليوم، ولكن بداياته وقصته تستحق التوقف عندها، يروي قسورة حافظ تاريخاً مختصراً لبدايات الحركة الفنية في المملكة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين.

يقول إن البداية الحقيقية كانت مع عبد الحليم رضوي في عام 1965، مع أن التاريخ سجّل أسماء مثل الخطاط محمد طاهر الكردي، الذي نسخ المصحف الشريف في عهد الملك عبد العزيز، وصمّم الحلية المحيطة بالحجر الأسود، وله مخطوطات معروفة. يذكر أيضاً الفنان محمد راشد الذي أقام معرضاً فنياً في ثلاثينات القرن الماضي، ولكن لم تستمر المحاولة الوحيدة وقتها، بسبب عدم وجود قبول مجتمعي لهذا النوع من التعبير البصري، وهو ما يأخذنا لعام 1964، حين أقام الفنان عبد الحليم رضوي أول معرض له بعد عودته من إيطاليا حاملاً دبلوم الفنون الجميلة، «يعد الرضوي مطلق الشرارة التي لا تزال متوهجة لليوم».

حملت عودة رضوي من إيطاليا نشاطاً في الفنون البصرية، فعيّن مديراً لمعهد التربية الفنية، الذي خرّج فنانين ومدرسين للفنون. في عام 1967، أقام الفنان محمد السليم معرضه الأول في الرياض. وتبع معرض السليم في الأهمية معرض صفية بن زقر ومنيرة موصلي في عام 1978، وهكذا تشكّلت بدايات الحركة الفنية في المملكة.

يعد حافظ مرحلة السبعينات المحطة الثانية المهمة للفن في السعودية، قائلاً: «في عام 1979 حدثت الثورة الإيرانية، وفي الوقت نفسه كانت هناك طفرة البترول، وبداية مرحلة الصحوة، في تلك الفترة ظهرت أسماء جديدة على الساحة الفنية أمثال مهدي الجريبي وشادية عالم وفيصل سمرة ومحمد الغامدي، الذين قدموا أعمالاً تختلف عن أعمال من سبقوهم من حيث الأسلوب والألوان. في أعمال الجيل الأسبق كانت الألوان حية، وتحمل روحاً منطلقة». في المرحلة التالية تبدى التغيير في الأسلوب، عاكساً الأوضاع الجارية، فلجأت اللوحات إلى التجريدية والألوان الغامقة واستخدام الرموز. تلك المرحلة استمر تأثيرها حتى منتصف التسعينات حين دخلت عناصر جديدة على الثقافة المجتمعية مع دخول الأطباق الفضائية والستالايت داخل المملكة، وانطلاق ثورة التكنولوجيا والمعلومات، واكب ذلك ظهور جيل جديد متأثر بالتكنولوجيا، وبعدها صارت أحداث سبتمبر (أيلول) كانت هناك حاجة حقيقية لأن نعرف العالم بنا في وقت ندرة المعلومات عن المملكة.

في تلك الفترة، ظهرت مبادرة «إيدج أوف آرابيا» وحملت راية الفن السعودي المعاصر وعرضته للعالم، وتبع تلك المرحلة ما يحب حافظ أن يطلق عليه «عهد الإصلاح»، في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، ويمكن اعتباره المرحلة الرابعة في مسيرة الفنون بالسعودية. فشهدت المرحلة تأسيس وزارة متخصصة للثقافة التي حققت منجزات هائلة في وقت قصير، مثل تأسيس «بينالي الدرعية» للفن المعاصر، و«بينالي الفنون الإسلامية» والإعلان عن إقامة عدد من المتاحف في المملكة إضافة لتأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية وغيرها.


مقالات ذات صلة

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

يوميات الشرق نادرة جداً (مواقع التواصل)

للبيع... تذكرة لدخول مسرح بريستول تعود إلى عام 1766

من المتوقَّع أن تُحقّق ما وُصفَت بأنها «قطعة حقيقية من تاريخ بريستول» آلاف الجنيهات منذ عرضها للبيع في مزاد ببريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز) play-circle 01:27

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)

كيف بلغت قيمة موزة مثبتة على الحائط مليون دولار؟

يمكنك شراء موزة بأقل من دولار واحد في أي سوبر ماركت، ولكن ماذا عن الموزة المثبتة بشريط لاصق على الحائط في معرض فني؟ قد تباع هذه الموزة بأكثر من مليون دولار!

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق صورة لتشرشل بالأبيض والأسود التُقطت عام 1941 (دار سوذبيز)

محامٍ إيطالي يشتري صورة تشرشل الشهيرة مقابل 4200 جنيه إسترليني

اشترى محامٍ صورة للسير وينستون تشرشل مقابل 4200 جنيه إسترليني معتقداً أنها نسخة رخيصة، ليجد نفسه أمام فضيحة بعد أن اكتشف أن الصورة كانت النسخة الأصلية المسروقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ساعة الجيب المصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً قُدّمت إلى الكابتن روسترون من قبل 3 أرامل لرجال أعمال بارزين وأثرياء فقدوا حياتهم عندما غرقت السفينة تيتانيك (ب.أ)

بيع ساعة ذهبية تم تقديمها لقبطان قارب أنقذ ركاباً من «تيتانيك» مقابل مليوني دولار

بِيعت ساعة «جيب» ذهبية تم تقديمها لقبطان قارب، أنقذ أكثر من 700 راكب من سفينة تيتانيك، مقابل مبلغ قياسي يقدر بـ1.56 مليون جنيه إسترليني (مليونا دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.