مصبح الحويطي... مُقلِّد لهجات بحُبٍ خاص للبنان

صانع المحتوى الإماراتي لـ«الشرق الأوسط»: الكوميديا علاجي

أعلن التفرُّغ للفنّ ويرسم من أجله الأحلام والخطط (حسابه الشخصي)
أعلن التفرُّغ للفنّ ويرسم من أجله الأحلام والخطط (حسابه الشخصي)
TT

مصبح الحويطي... مُقلِّد لهجات بحُبٍ خاص للبنان

أعلن التفرُّغ للفنّ ويرسم من أجله الأحلام والخطط (حسابه الشخصي)
أعلن التفرُّغ للفنّ ويرسم من أجله الأحلام والخطط (حسابه الشخصي)

18 عاماً أمضاها الإماراتي مصبح بن هاشم أبو جراد الحويطي موظفاً في مصرف، يودّعها لملاحقة الشغف. إعلانه التفرُّغ للفنّ يأتي بعد التأكُّد بأنه الملعب المفضّل. فالشاب المولود في أبوظبي أثبت خطوات أولى في السينما ومثَّل بأفلام اختارت «نتفليكس» ضمَّها إلى بستانها. بتحوُّل مواقع التواصل إلى فرص تتيح الانتشار العريض، اتّخذها مساحة لتأكيد حضوره. يُخبر «الشرق الأوسط» حكاية شاب وجد في الكوميديا علاجه.

يُعرَف بتقليد اللهجات مع تفضيل خاص للهجة اللبنانية (حسابه الشخصي)

يُعرَف بفيديوهات يُقلِّد فيها اللهجات، مع تفضيل يبدو خاصاً للهجة اللبنانية. يقول إنه يأتي من أرض تحتضن عشرات الجنسيات والشعوب، ووجد في الاختلاف الثقافي مادة جاذبة لمحاكاة المتابعين: «اللهجة مسؤولية تتطلّب الوعي والحذر. الخطأ ممنوع وإلا سيُساء فهمي وتخرج الكوميديا عن مسارها. أدرس اللهجات وأتعمّق بفهم كاراكتير الشعوب. حين أرتدي الثوب الخليجي الأبيض وأتحدّث باللهجة اللبنانية مثلاً، فذلك يصدم المتلقّي. سيشعر بالغرابة، وبأنّ الصوت لا يلتقي بالضرورة مع الصورة. هذا (ماركتينغ) يُسهِّل وصولي. لكنني لا أحافظ على الوصول إلا لأنني أخشى خدش الآخرين».

يعطي نسبة 99 في المائة لكون محتواه خالياً من الأذى، لإدراكه «حساسية الجمهور». فالشاب البالغ 37 عاماً، لا يستخفّ. يكترث للوَقْع على المتلقّي. ولا يُهمل ما يتعلّق بالمداراة. يقول: «أقدّم المحتوى وفق دراسة. تابعتُ حروب لبنان مثلاً ومزاج شعبه. أصدّق أسطورة طائر الفينيق المُصرّ على النهوض من خرابه. فَهْم الموضوع مطلوب قبل التطرُّق إليه. وضروري جداً».

لا يُقدّم مصبح الحويطي لهجة فقط، بل لغة جسد. يعمل على صناعة الكاراكتير ليُحمّله الكلام المنقول عن لسان آخر. المحتوى ليس مشهداً في «إنستغرام» ينتهي بكبسة الإعجاب. بالنسبة إليه هو توطيد علاقته بالإنسان: «أنوّه في بداية الفيديو ونهايته بأنني أنقل للمتابعين ما أراه. الكاراكتيرات واللهجات تمثّلان وجهة نظري. أشعر بأنّ عليَّ التوضيح تحسُّباً لأي لغط. هكذا بدأتُ وسأستمرّ، مدركاً أنّ الإساءة مُكلفة والمتلقّي أحياناً لا يسامح».

لِمَ لبنان والحبّ الخاص؟ متابعوه يلمحون العاطفة الفريدة تجاهه، وربما يتساءلون عن حكاية التعلُّق. يجيب: «جيراني لبنانيون، وزملاء العمل أيضاً. لكني أعتقد أنّ القصة تعود إلى تسعينات القرن الماضي. أذكر اسمين: (أم فراس وأبو فراس). كانا جارَي أهلي شديدَي الكرم، وتجمعنا بهما صداقة طيّبة. كنتُ صغيراً حين كانا يزيّنان شجرة عيد الميلاد، فبهرتني ألوان الطابات والأضواء. وكانوا يشاركوننا صوم بعض الأيام في رمضان لتأكيد متانة الجيرة. في العقل الباطني للطفل الذي كنته، ترسَّخ المشهد وأثَّر».

ماذا عن التقبُّل؟ حين يقلّد لبنانياً أو فلسطينياً أو أردنياً، أي صدى يحصد؟ جوابه أنّ الأصداء مُشجِّعة: «قلّما أُقابَل بانتقاد لحرصي على صنف المحتوى. نقلي صورة مَن أقلّدهم منبعُه الإلمام بثقافاتهم. أكتب النصّ بتأنٍ، وأختار الكلمات بدقّة. وقبل التصوير، أقف أمام المرآة لإعادة المشهد. أتأكّد من إتقانه قبل الانتقال إلى مرحلة الكاميرا. كما أفضّل عدم التصوير أكثر من مرّة. ذلك يهدّد العفوية. أريد مشهدي كما هو بعد التدرُّب عليه، فلا أُخضعه للتكلُّف».

أين ثقافته الإماراتية من هذا كلّه؟ ردُّه أنها بثوبه ولهجته وسط تداخُل اللهجات. بالنسبة إليه، يشاء أن يُشار بالإصبع إلى شاب خليجي يُقدّم محتوى يجعل الآخرين يبتسمون ويلمحون موهبة ولطافة: «أنا كاراكتير إماراتي يحاكي جنسيات أخرى. رؤيتي البعيدة هي تعريف المتابعين أكثر على ثقافة بلادي. أستقيل من وظيفتي لأمنح كلّي للفنّ. أتفرّغ من أجله، فأكون صانع محتوى لديه ما يميّزه. أرسم الخطط، وقد أُحضّر مسلسلاً قصيراً لرمضان. يُحرّكني التمثيل، وأتطلّع إلى أدوار تُغلِّب الفنّ على التجارة. إنْ لم أجدها في الإمارات، قد أترقّبها آتيةً من الدراما السورية أو اللبنانية».

الشاب الإماراتي يدرس اللهجات ويتعمّق بفهم كاراكتير الشعوب (حسابه الشخصي)

يتلقّى لبنانيون تقليدَهم بضحكة: «سمعتُ كلمة (مهضوم) مئات المرات. أحبّوني سريعاً. هذه المحبة أطبطبُ عليها وأسقيها كل يوم». ولكن ماذا خلف الضحكات؟ هل يتربّص ألمٌ أو غصّة؟ يروي أنّ والده ألهمه الروح المرحة، فقد عشق الأسفار وأحبَّ الحياة: «عشتُ انفتاحاً في عائلتي، لكنّ بعض مَن حولي لم يتقبّلوني. كان وَقْع التنمُّر قاسياً، وتطلّب وقتاً ومساعدة نفسية لتجاوزه. لم يكن (تيك توك) قد صعد بعد، حين بدأتُ أطلّ بفيديوهات بدت غريبة. رواج وسائل التواصل سهَّل التقبُّل وقرَّب المسافات. عشتُ فترات هشّة قبل التشافي. وعلُقَ فيَّ طعم القلق والكآبة. وسط هذا كلّه، شكَّلت الكوميديا علاجي. ظلَّت روحي مرحة لتنقذني من قسوة العالم».


مقالات ذات صلة

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

المشرق العربي مبنى مقر «اليونيسكو» في باريس (رويترز)

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

أعلنت «اليونيسكو» أنها منحت عشرات المواقع التراثية المهددة بالغارات الإسرائيلية في لبنان «حماية مؤقتة معززة»، لتوفر لها بذلك مستوى أعلى من الحماية القانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية أعربت القنصلية الفرنسية في القدس في بيان عن «غضب» باريس من عمليات الهدم الإسرائيلية مشيرة إلى أنها دعمت المركز الثقافي المدمر (مقر جمعية البستان) «بأكثر من نصف مليون يورو» منذ عام 2019 (وفا)

فرنسا تطلب «تفسيراً» من السلطات الإسرائيلية بعد هدم مركز ثقافي في القدس

أكدت الخارجية الفرنسية، الجمعة، أن باريس طلبت «تفسيراً من السلطات الإسرائيلية»، بعد هدم مقر جمعية البستان الذي موّلته فرنسا في حي سلوان بالقدس الشرقية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق اجتماع اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية استعرض الإنجازات (وزارة الخارجية السعودية)

اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن «العُلا» تناقش توسيع التعاون

ناقشت اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير العُلا سبل توسيع التعاون المشترك بين الجانبين في مختلف القطاعات، خصوصاً في مجالات الآثار والرياضة والفنون.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق وصل عدد أعضاء النادي إلى 85 عضواً في وقت قياسي (الشرق الأوسط)

نادٍ للكتّاب السعوديين انتقل من مبادرة إلكترونية إلى ملتقى حي لدعم المبدعين

بدأت تظهر مشاريع ومبادرات نوعية في جميع المجالات والاهتمامات لرعاية المواهب وخلق بيئة واعدة لكل مجال في السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
TT

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)
معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

ضمن مشروع الأفلام الذي يعدّه «مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري» في «مكتبة الإسكندرية» بعنوان «عارف»، يروي فيلم الأقصر التسجيلي الوثائقي تاريخ واحدة من أقوى العواصم في تاريخ الحضارات القديمة، ويستدعي ما تمثّله هذه المدينة من كنز حضاري منذ أن كانت عاصمة مصر في عهد الدولة الوسطى.

في هذا السياق، قال مدير المركز التابع لـ«مكتبة الإسكندرية»، الدكتور أيمن سليمان، إنّ «سلسلة أفلام (عارف) تقدّم القصص التاريخية عن الأماكن والمدن والمعالم المهمة في مصر، بصورة أفلام قصيرة تُصدّرها المكتبة»، موضحاً أنه «صدر من هذه السلسلة عدد من الأفلام ضمن منظور غير تقليدي هدفه توعية النشء والشباب بأسلوب سهل ومبسَّط؛ ولا تتعدى الفترة الزمنية لكل فيلم 3 دقائق، وهو متاح باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «فيلم (الأقصر) يتناول قصة واحدة من أقوى عواصم العالم القديم، عاصمة الإمبراطورية المصرية. طيبة أو (واست) العصية كما عُرفت في مصر القديمة، التي استمدت قوتها من حصونها الطبيعية. فقد احتضنتها الهضاب والجبال الشاهقة من الشرق والغرب، مثل راحتَي يد تلتقيان عند مجرى نهر النيل. وكانت رمز الأقصر عصا الحكم في يد حاكمها الذي سيطر على خيرات الأرض، فقد منَّ الله عليها بنعمة سهولة الزراعة، كما وصفها الإغريق».

«بوستر» الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

ولم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة. فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد كلما عانت التفكك والانقسام. ومن أبنائها، خرج محاربون عظماء، مثل منتُوحتب الثاني الذي أعاد توحيد الدولة المصرية وجعل الأقصر عاصمةً لها، وأحمس الذي صدَّ عدوان الغزاة، وفق ما يشير الفيلم.

وأوضح سليمان أنه «مع استقرار البلاد، تهيّأت الظروف لازدهار الثقافة والحضارة التي تحترم الإنسان وقدراته، رجالاً ونساءً. فقد تركت حتشبسوت نماذج فريدة في العمارة والفنون والثقافة والاستكشاف. وفي ساحات معابد الكرنك، اجتمع الأمراء والطلاب للعلم والعبادة معاً، مُشكّلين بذلك طابعاً خاصاً للشخصية المصرية. وسجّل تحتمس الثالث الحياة اليومية في الإمبراطورية المصرية، جنباً إلى جنب مع الحملات العسكرية، على جدران معبد الكرنك، في حين شيّد أمنحتب الثالث نماذج معمارية مهيبة شرق النيل وغربه».

جانب من الفيلم الوثائقي عن الأقصر (مكتبة الإسكندرية)

وتابع: «الأقصر تحتفظ بدورها الثائر ضدّ المحتل عبر عصور الاضطراب والغزو، مثل حائط صدّ ثقافي حافظ على الهوية المصرية. ودفع هذا الإسكندر والبطالمة والأباطرة الرومان إلى تصوير أنفسهم بالهيئة المصرية القديمة على جدران المعابد، إجلالاً واحتراماً. وقد احتضنت معابد الأقصر الكنائس والمساجد في وحدة فريدة صاغتها الثقافة المصرية، لتشكّل جسراً جديداً من جسور التراث والفكر».

ولفت إلى أنّ «شامبليون طاف بها 6 أشهر كاملةً ليملأ عينيه بجمال آثارها. فهي قبلة الباحثين من شتى أنحاء العالم، الذين يأتون إليها آملين أن تبوح لهم أرضها بأسرار تاريخ البشر، وأن تكشف لهم مزيداً من كنوز الفنون والآداب والعلوم».

وتهدف سلسلة «عارف» إلى تقديم نحو 100 فيلم وثائقي، وأصدرت أيضاً أفلام «توت عنخ آمون»، و«بورتريهات الفيوم»، و«هيباتيا»، و«سرابيوم الإسكندرية»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«القاهرة التاريخية».