النحت على الشاطئ... مواجهة الزوال بالبرهة الساطعة

اللبناني أنطونيو عبود يشعُر بتقدير جهده بحدوث التصوير والتشارُك

تستميل الفنان اللبناني اللحظة المُجسَّدة بالمنحوتة الرملية (صور أنطونيو عبود)
تستميل الفنان اللبناني اللحظة المُجسَّدة بالمنحوتة الرملية (صور أنطونيو عبود)
TT

النحت على الشاطئ... مواجهة الزوال بالبرهة الساطعة

تستميل الفنان اللبناني اللحظة المُجسَّدة بالمنحوتة الرملية (صور أنطونيو عبود)
تستميل الفنان اللبناني اللحظة المُجسَّدة بالمنحوتة الرملية (صور أنطونيو عبود)

غيَّر الفنان اللبناني أنطونيو عبود اتجاهه من الرسم إلى النحت، فالسوق اللبنانية، وفق «دراسته»، تنشط في اقتناء التماثيل لتعدُّد المناسبات، وزيادة الطلب على التذكارات. الأخيرة يُصمّمها بدءاً من 6 سنتيمترات، لتتجاوز تماثيله ارتفاع الـ3 أمتار. لكنّ التصميم المُتحلّي بعُمر مديد، ليس وحده ما يبرع به. تستميله اللحظة المُجسَّدة بالمنحوتة الرملية أو الثلجية، ولذّة تمرّدها على الزمن. يقول لـ«الشرق الأوسط» إنها اختزال للزوال، وما يقتنصه المرء من «مكاسب» قبل فوات الأوان.

النحت على الرمل اختزال «المكاسب» المُقتَنصة قبل فوات الأوان (صور أنطونيو عبود)

أكثرُ الشطآن المتآلفة مع نحته، شاطئ الهري بمنطقة شكا الشمالية المُعلَّقة بين الجبل والبحر. يتّخذ من رمله فضاءً لـ«لوحته» بعد تحضير الموضوع أو تسليمه «لِما يخطُر فجأة على البال». يقصد هذا الحيِّز، بعد تآخٍ بينهما وطَّدته اللقاءات المتكرِّرة بين الفنان والرمل المُسلِّم نفسه للفكرة العفوية أو المدروسة. يقول أنطونيو عبود: «الموهبة هدية السماء للإنسان، وعليه الاجتهاد لتنمو. تناديني الفنون الجميلة منذ الصغر، وأستجيب. توافَر الوقت والرغبة، وبسببهما أصبحتُ مثل سمك يختنق بفراق مائه. المرسمُ مائي وإيقاع أنفاسي».

قاده رسم البورتريهات إلى تنفيذها بمواد نحتية وتصميم مجموعة متشابهة من قوالب موحَّدة، لكنه يحرص على اللمسة الخاصة بكل منحوتة؛ بظلال اللون أو التفصيل الإضافي، وإنْ تشابهت قوالبها. فأنطونيو عبود يملك الثقة بنحت أي وجه، «كما لو أنه صاحبه»، مُرجئاً تسلميه قبل تأكُّد الشاري من مطابقته للصورة أو الشخصية المُكرَّمة.

بارتفاع 3 أمتار و30 سنتيمتراً، نحت تمثال المناضل اللبناني يوسف بك كرم في مدخل بلدة زغرتا الشمالية جارة مسقطه إهدن، بعدما رسمه قبل سنوات وهو يتضرَّع لسيدة زغرتا، لينتشر الرسم بين متداوليه، وفي مواقع التواصل، من دون أن يعرف كثيرون أنه صاحبه. حصد التمثال الضخم اهتمام الإعلام المحلّي، رغم التزام الفنان بوظيفة رسمية تَحدُّ من ظهوره الإعلامي وتضبط إطلالاته. عنه يقول: «لنحو 7 أشهر، واصلتُ العمل لإتقان تفاصيله. صاحبه رمز وطني كبير يُذكّر بالشهامة والبطولة. كان عليَّ الانتباه إلى هيبته، وألا أفرِّط في تلك التفاصيل».

البرونز يمنح المنحوتة عمراً طويلاً (صور أنطونيو عبود)

لنعُد إلى الرمال وقدرها الهشّ. ألا تؤلم الفنان حتمية الزوال؟ ألا يشعر بضياع الجهد وتبدُّد النتيجة؟ مصير اللوحة وهو يواجه المَهبّ، أليس ملفوحاً ببعض القسوة؟ ردُّه: «لا مفرّ من هذا المصير المحتوم. الزوال قدرٌ، لا نجاة منه عندما يكون فضاء الموضوع شديد التقلُّب مثل الرمل. أدركُ أنّ العمل زائل خلال 24 أو 48 ساعة. وفي حدّه الأقصى يبقى لأيام أو أسبوع وفق تسامُح الطبيعة، وذلك ليس مدعاةً للأحزان. العكس يصحّ. يسعدني إنجازه رغم صعوبة العوامل. يكفي تحقُّق هذا الإنجاز والتقاط صورة له. ذروة البطولة تكمن بفَهم الرمزية وإحباط الزمن».

على الطريقة اللبنانية، يختار مصطلح «مَرْجلة»، فزوال الشيء أصعب من احتمال بقائه. يقصد بـ«المَرْجلة» التحلّي بامتياز الخَلْق تحت الضغط: «على الرمل، أفقد ترف الزمن. لا يملك النحّات أكثر من ساعة لإنجاز المنحوتة. المُحترَف يسمح بالعمل على مدى أشهر. التفلُّت من الوقت غير متاح أمام هيبة الرمل. المَهمَّة قاسية لارتباطها بالاحتمالات المفاجئة. كأنْ يهبّ هواء ويُبدِّل ملامح، أو يُفسد جزءاً اكتمل. الرمل أصعب من الصخر. على الفنان تجاوُز التذمُّر إنْ حدث طارئ، والاستعداد لإكمال المحاولة».

يتّخذ من الرمل فضاءً لـ«لوحته» بعد تحضير الموضوع أو ارتجاله (صور أنطونيو عبود)

حبُّ الصيف وشطآن لبنان أبعداه عن ثلوج الجبال القاسية. على ثلج إهدن الصلب، نحت تمثالاً يُجسِّد رأس السيد المسيح، يرتفع مترين عن الأرض. ولمّا أُحيط بالإنارة الليلية، وانتشرت صوره في مواقع التواصل، راح يُعرَف أبعد من منطقته. مصير المنحوتة الثلجية مُعرَّض أيضاً للهبوب، فالشمس تُحيلها على الذوبان، وتقلُّب الغيوم يُبدّل ملامحها. ضياع التفاصيل يُفقدها قيمتها؛ فلن تعود مكتمِلة، ما يُبدِّد سُلطتها على المتلقّي.

ولكن، أليس التبدُّد خيبة فنّية؟ يجيب بأنّ معادلته تنطبق على الفضاءَين الرملي والثلجي بلا تفرقة، أسوةً بالمشاعر المترتّبة حيال مآلات المنحوتة: «أعود إلى عظمة البرهة وتفوّقها على الزمن. التبدُّد بفعل العوامل الطبيعية ومرور الوقت لا يعني تقليل قيمة العمل. فما إنْ يُصوِّر المتلقّي النتيجة ليُشاركها في مواقع التواصل، حتى يصلني تقدير جهدي».

الفنان يرى الموهبة هدية من السماء (صور أنطونيو عبود)

يُعرَف بالوجوه، وإنْ جسَّد نماذج أخرى منها الأحصنة وحوريات البحر. وليُطوّر صناعة التماثيل، يبدأ باستعمال البرونز، بعد اكتفاء بمواد مثل الجفصين والبلاستيك. يقصده أيضاً مَن يشاء ترميم تماثيله بعد إصابتها بهلاك الزمن. يعيدها نابضة كأنّها مولودة من الانسياق لحتفها.


مقالات ذات صلة

حفل «موريكس دور»... مسك الختام لعام صعب تُوّج بالأمل

يوميات الشرق حفل «موريكس دور» 2024

حفل «موريكس دور»... مسك الختام لعام صعب تُوّج بالأمل

سجّلت النسخة الـ24 من حفل «موريكس دور» اختلافاً، فطغى عليها جوائز تكريمية لنجوم غالبيتهم من لبنان. وغاب عنها النجوم الأتراك الذين كانوا يشاركون في نسخ سابقة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

في بعض الأحيان، تكون الأشياء التي نرويها لأنفسنا لإنكار الموقف أو تجاوزه هي السلاسل التي تقيدنا وتقيد نجاحنا، حسبما أكده عالم النفس جيفري بيرنستاين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق نجمة بلخديم (الفيغارو)

الجزائرية نجمة بلخديم... مرشحة لجائزة فرنسية لنساء الأعمال

جاءت سيدة الأعمال المغربية نجمة بلخديم ضمن الأسماء العشرة المرشحة للفوز بجائزة «بيزنس وذ أتيتود» التي تكافئ أكثر امرأة مجددة في المؤسسة الخاصة التي تديرها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

أُجبر أحد ركاب شركة «دلتا للطيران» على التخلي عن مقعده الفاخر في الدرجة الأولى لمسافر آخر، اكتشف فيما بعد أنه كلب، الأمر الذي أثار غضبه ودهشته.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق أول كائن مولود رقمياً (متحف الحياة الريفية الإنجليزية)

«ميم» في متحف إنجليزي للمرّة الأولى

أصبحت صورة «الوحدة المطلقة» التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، أول «كائن مولود رقمياً» يُعرض في المتحف الوطني للعلوم والإعلام بإنجلترا. 

«الشرق الأوسط» (لندن)

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
TT

3 أكاذيب تُقنع بها نفسك قد تتسبب في فشلك

يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)
يغوص الشخص في حالة من الإنكار حين يمر بموقف محبط (رويترز)

أحياناً، حين يمر الشخص بموقف محبط، فإنه قد يغوص في حالة من الإنكار، ظناً منه أنه يحمي نفسه.

لكن في بعض الأحيان، تكون الأشياء التي نرويها لأنفسنا لإنكار الموقف أو تجاوزه هي السلاسل التي تقيدنا وتقيد نجاحنا، حسبما أكده عالم النفس جيفري بيرنستاين، لموقع «سيكولوجي توداي».

وقال بيرنستاين: «هذه الأكاذيب المريحة التي يراد بها حماية الذات، تبقينا عالقين في الفشل، وفي أنماط غير صحية، وعلاقات غير مُرضية، وفي وظائف لا تضمن لنا تحقيق طموحاتنا».

وأكد أن هناك 3 أكاذيب شهيرة يُقنع بها الأشخاص أنفسهم وتتسبب في فشلهم؛ مشيراً إلى أن مواجهة هذه الأكاذيب هي الخطوة الأولى نحو النجاح.

وهذه الأكاذيب هي:

الكذبة الأولى: «ليس الأمر بهذا السوء»

إن قبول عيوب شخص أو وظيفة ما بزعم أن هذه العيوب لا تجعل الأمور سيئة للغاية، وقد تكون محتملة، هو من أسوأ الأشياء التي قد يفعلها الشخص، وفقاً لبيرنستاين.

وأضاف أن هذه الكذبة تتسبب في فشل الشخص، وتؤثر سلباً على ثقته بنفسه وتقديره لذاته بمرور الوقت.

الكذبة الثانية: «سأتعامل مع الأمر لاحقاً»

يقول بيرنستاين: «إذا كنت تكره وظيفتك على سبيل المثال، إلى درجة تجعلك تشعر في كل صباح وكأنك ذاهب إلى معركة؛ لكنك تقول لنفسك: «سأستمر في العمل لمدة عام آخر، ثم سأبدأ في البحث عن شيء جديد»، ففي الأغلب ستظل عالقاً في الوظيفة نفسها أعواماً عدة، وستصبح أكثر بؤساً بمرور الوقت».

ويضيف: «التسويف ليس مجرد مضيعة للوقت؛ بل إنه قاتل للأحلام والتطور والرخاء».

الكذبة الثالثة: «أنا كبير في السن» أو «أنا صغير في السن»

يقول بيرنستاين: «أحياناً أرى أشخاصاً تخطوا سن الخمسين، يطمحون لتحقيق حلم ما أو تعلم مهارة ما؛ لكنهم يشعرون بأنهم كبار في السن، وبأن الوقت قد فات لتحقيق حلمهم. وأحياناً أخرى أرى أشخاصاً صغاراً في السن يرون أنهم أصغر من تحقيق أمر ما».

وأشار إلى أنه في كلتا الحالتين، لن تؤدي هذه المخاوف إلا إلى الفشل؛ لأنها ستمنع الأشخاص من المحاولة في حياتهم بشكل عام.