مكافحة الاستهلاك المفرط... تيار يتّسع على «تيك توك»

صورة التقطت في 19 مارس 2024 في ساكسونيا بألمانيا تظهر شعار منصة «تيك توك» على هاتف ذكي (د.ب.أ)
صورة التقطت في 19 مارس 2024 في ساكسونيا بألمانيا تظهر شعار منصة «تيك توك» على هاتف ذكي (د.ب.أ)
TT

مكافحة الاستهلاك المفرط... تيار يتّسع على «تيك توك»

صورة التقطت في 19 مارس 2024 في ساكسونيا بألمانيا تظهر شعار منصة «تيك توك» على هاتف ذكي (د.ب.أ)
صورة التقطت في 19 مارس 2024 في ساكسونيا بألمانيا تظهر شعار منصة «تيك توك» على هاتف ذكي (د.ب.أ)

ينظّم بالغون شباب عبر تطبيق «تيك توك» صفوفهم لمكافحة مظاهر الإفراط في الاستهلاك، متصدّين خصوصاً للإعلانات المقنّعة ومقاطع التباهي بالمشتريات، في محاولة للترويج لفكرة الاعتدال في الإنفاق والحدّ من النزق الاستهلاكي المنتشر على الشبكات الاجتماعية.

فمن تعليم ترقيع الملابس إلى إعادة التدوير مروراً بترشيد الإنفاق واعتماد البساطة في أسلوب الحياة، مقاطع مرتبطة بتيّار يُعرف بـ«underconsumption core» (جوهر تخفيف الاستهلاك) تحقق شعبية كبيرة على «تيك توك»، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتشجع هذه المنشورات على العودة إلى أشكال المتعة والمهارات البسيطة في الحياة، في تناقض صارخ مع المحتوى الشائع عادةً على المنصة.

وتشرح الفرنسية أنيسة إبرانشار، المتخصصة في تحليل السلوكيات الرقمية، أن هذه المقاطع «تروّج لأسلوب حياة قائم على الاستهلاك المعتدل: فبدلاً من امتلاك 15 منتجاً للتجميل أو 50 زوجاً من الأحذية، يكفي اقتناء 3 فقط».

وتشير إلى أنه في وقت أصبح كل شيء «موضوعاً للاستهلاك، من الخطاب السياسي... إلى العناية بالبشرة»، فإن هذا الاتجاه يشير إلى «الملل من النزعة الاستهلاكية السائدة في المحتوى» المنتشرة عبر الشبكات الاجتماعية.

وتقول كارا بيريز، وهي مؤثرة أميركية متخصصة في القضايا المالية والبيئية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عندما يحاول الناس باستمرار بيع شيء ما لك وفي ظل ارتفاع الأسعار، فإنك ستعاني في نهاية المطاف إجهاداً مالياً».

وتوضح على سبيل المثال إحدى مستخدمات الإنترنت في مقطع فيديو نُشر في يوليو (تموز) على «إنستغرام»: «أستخدمُ عناصر من الطبيعة لتزيين شقتي، وأغلبُ ملابسي مستعملة».

وتُبرز مقاطع فيديو كثيرة قطع أثاث قديمة موروثة من الأجداد، أو ملابس مرقّعة، أو منتجات نظافة منزلية الصنع.

«روتين غير واقعي»

ترى إبرانشار أن هذا الاتجاه يأتي من التعب في مواجهة «الروتين غير الواقعي أو عرض المشتريات بطريقة غير لائقة».

ويتجلى هذا السأم بشكل أكثر وضوحاً في الولايات المتحدة، حيث يعاني الشباب من ارتفاع الأسعار منذ جائحة كوفيد.

ويشعر المستهلكون بـ«الغبن» في سياق جيوسياسي واقتصادي غير مستقر، على ما توضح تاريرو ماكوني، المتخصصة في تحليل الحركات الاستهلاكية والاجتماعية.

وعلى محرك البحث «غوغل»، سجلت عمليات البحث المرتبطة باتجاهات «نقص الاستهلاك» ارتفاعاً يناهز الضعف هذا الصيف في الولايات المتحدة، إلى جانب عمليات البحث عن «فائض الإنتاج» و«الكساد الكبير».

وبحسب الخبيرات اللواتي تحدثت معهنّ «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن الأجيال الشابة تُدرك أنها لا تستطيع مواكبة وفرة المنتجات التي يُروّج لها على الشبكات.

وفي بحثهم عن الهوية، يستهلك شباب كثر «بشكل قهري» الأزياء التي يمكن التخلص منها والقابلة للاستبدال، بحسب ما أوضحت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» صانعة المحتوى البريطانية أندريا تشيونغ، مؤلفة كتاب عن الموضة المستدامة.

على حسابها على «إنستغرام»، توضح تشيونغ لمتابعيها كيفية ترقيع حتى القطع الأكثر غرابة في خزانة أزيائها، مثل الملابس الداخلية، وتحويل فستان زفاف قديم إلى قميص من دون أكمام.

بساطة واستدامة

يسعى هذا التيار إلى الترويج لفكرة الجمال في النقص، وهو جزء من البحث عن الاستدامة يتباين مع الاتجاهات السابقة في «إنستغرام» و«تيك توك».

تقول تشيونغ «أود أن يكون هذا أكثر من مجرد اتجاه»، «لأنه بالنسبة إلى البعض أسلوب حياة».

ولاحظت الخبيرات اللواتي استطلعت «وكالة الصحافة الفرنسية» آراءهنّ وجود شهية متزايدة على المحتويات الأصلية التي تبتعد من الثقافة الكلاسيكية للمؤثرين الذين يدفعون نحو الاستهلاك المفرط.

وتقول ماكوني إن اتجاهات إعادة التدوير والحفظ «أصبحت أمراً عصرياً». وتشير إلى أن «حركة مشابهة نشأت بعد الانهيار المالي في عام 2008».

فقد طوّر عدد متزايد من الشباب وعياً بيئياً، لكن القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا الاتجاه تظل القوة الشرائية، بحسب أندريا تشيونغ، التي ترى مع ذلك في هذا المنحى تغييراً إيجابياً لكوكب الأرض.

وفي واشنطن، شاركت أنجالي زيلينسكي (42 عاماً) وابنتها مينا البالغة سبع سنوات، أخيراً في ورشة لتعليم ترقيع الملابس.

وبالتالي، تأمل زيلينسكي في الحفاظ على إبداع ابنتها، ولكنها أيضاً تذكّرها بـ«قيمة الأشياء» وبـ«العمل الضروري لإنتاجها»، في عالم تعتبره منفصلاً بشكل متزايد عن هذه الحقائق.


مقالات ذات صلة

مقترح برلماني مصري لـ«تقنين» أرباح «تيك توك»

شمال افريقيا شعار تطبيق «تيك توك» على هاتف ذكي أمام شاشة تعرض صفحة من الموقع (أ.ب)

مقترح برلماني مصري لـ«تقنين» أرباح «تيك توك»

يعتزم رئيس «لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات» بالبرلمان المصري التقدم بمقترح لإجراء تعديلات تشريعية تتضمن الحصول على عائدات ضريبية من أرباح تطبيق «تيك توك».

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق شعار تطبيق «تيك توك» (د.ب.أ)

فيديوهات فقدان الوزن على «تيك توك» قد تضر بصحتك العقلية

وجدت دراسة جديدة أن مشاهدة فيديوهات عن كيفية فقدان الوزن والشهية من خلال تطبيق «تيك توك» لمدة 8 دقائق فقط قد تكون ضارة جداً بالصحة العقلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد أشخاص يمرون أمام إعلان يحمل شعار «تيك توك» في محطة قطار في تشنغتشو بالصين (أ.ف.ب)

«تيك توك» تسحب مكافآت «لايت» من الاتحاد الأوروبي للامتثال لقواعد التكنولوجيا

قالت المفوضية الأوروبية يوم الاثنين إن «تيك توك» وافقت على سحب برنامج مكافآت «تيك توك لايت» بشكل دائم من الاتحاد للامتثال لقانون الخدمات الرقمية.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
تكنولوجيا شعار تطبيق «تيك توك» يظهر فوق العلم الأميركي (رويترز)

الحكومة الأميركية تتهم «تيك توك» بانتهاك قوانين خصوصية الأطفال

ذكرت وزارة العدل الأميركية في دعوى قضائية رفعتها أمس (الجمعة) بالتوقيت المحلي أن تطبيق «تيك توك» فشل في منع الأطفال من الانضمام إلى المنصة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار «تيك توك» (أ.ف.ب)

الحكومة الأميركية تدافع أمام القضاء عن إلزام مالكي «تيك توك» ببيعه

في فصل جديد من المواجهة بين شبكة التواصل الاجتماعي الصينية «تيك توك» والحكومة الأميركية، قدمت وزارة العدل الأميركية الجمعة حججها إلى المحكمة الفيدرالية

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو )

الرق... ظاهرة فنية تراثية تعود للحياة في السعودية بعد مئات السنين

في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
TT

الرق... ظاهرة فنية تراثية تعود للحياة في السعودية بعد مئات السنين

في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)
في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)

تتميز كل مدينة سعودية بهويتها التي تتفرد بها عن قريناتها. هوية ضاربة في التاريخ، تشكل جزءاً من النمط اليومي لقاطني تلك المدن والقرى في حقبٍ زمنية مختلفة، ولعلها كانت جواز العبور لكثيرٍ من القرى والمدن التي اشتهرت بمورث ما، فخرجت من حدودها لعموم الجزيرة العربية.

أصبحت أبواب «فن الرق» سمة منتشرة في كثير من القرى (الشرق الأوسط)

ومن تلك الحالات والأنماط التي اشتهرت قبل مئات السنين، خصوصاً في جنوب السعودية، ما يعرف بفن «الرق»، الذي كان رائجاً في كثير من القرى والمدن، لما يشكله من حالة جمالية في الشكل العام، ما دفع بكثيرين لتنفيذه داخل منازلهم على أيدي حرفيين مهرة لديهم القدرة على الحفر والنقش على جذوع الأشجار التي تُحسّن بآلات تقليدية قديمة، ومن ثمّ تلوينها بمواد تُستخلص من الطبيعة في عمليات الرّسم.

ورغم أن تاريخ فن «الرق» قديمٌ يتجاوز الأربعة قرون، فقد بدأ يعود تدريجياً للواجهة، وها هو اليوم يَبرزُ مع تدفّق الزائرين والسائحين من مختلف دول العالم لمنطقة الباحة. كما يسعى كثيرٌ من الباحثين والمهتمين لدراسة هذا الفن وأبعاده الجمالية والتاريخية؛ كونه من الحرف اليدوية التي تُبرز أدقّ التفاصيل في عمليتي الحفر والتلوين.

في حديث لـ«الشرق الأوسط» قتا يحيى عارف عضو جمعية التراث العمراني في السعودية، قال: «تتميّز منطقة الباحة بكثير من الفنون التّراثية الغارقة في التاريخ، ومنها ما يُعرف بفن (الرق) وهو في أصله نقش متفرد يُنفذّ على أخشاب الأشجار، خصوصاً الطلح التي تُجلب من مختلف المواقع، وتدخل هذه الأشجار في عملية إصلاح وتحسين لتكون جاهزة للاستخدام».

مزج الألوان من خصائص فن الرق (الشرق الأوسط)

وللتعريف أكثر بهذا الفن الذي يأخذ طابعي «الغائر» و«البارز» يقول عارف، إن «فن الرق عُرف بوصفه حرفة جمالية منذ مئات السنين (تزيد على 400 عام)، ويأتي كلٌ من الرسم والنقش واضحين وجليين في الأعمدة الخشبية، التي تسمى (الزافر، والمرزح)، وهي أعمدة تُوضع بشكلٍ هندسي فريد تحمل أسطح المجالس، كما أنه يوجد في المساجد والشرفات المعروفة بـ(البداية)»، لافتاً إلى أنّ فني النقش والتلوين أخذا أشكالاً ومسميات مختلفة، ومن ذلك «القمرية»، و«العراقي»، و«العيون»، و«الخط المعلق»، وكلُ نوع له شكل وأسلوب يتفرد به.

ويبرز هذا الفن والرسومات، وفقاً لعضو جمعية التراث، «بين سكان قرية المكارمة في محافظة بلجرشي، الذين نقلوا هذا الفن خلال تلك الحقب الزمنية، إلى جميع القرى والمدن المجاورة، ومنها تهامة، موضحاً أنه لجمال هذا الفن فقد انتقل من المنازل والمساجد إلى تزيين الحصون بأشكال ورسومات مختلفة، إضافة إلى أن كثيراً من إطارات الأبواب، أو ما يعرف بـ(حلق الباب)، فقد تعامل معه الحرفيون حفراً ونقشاً بشقيه وزيّنوه بالألوان الخاصة».

حاملة الأسقف تتزين بفن الرق (الشرق الأوسط)

وعن المواد المستخدمة في عمليتي الرسم والنقش، قال عارف، إن كل هذا النقش والحفر على الأشجار التي تُحسّن، ويضاف إليها مادة تسمى «القار» التي تُستخدم في عملية التلوين، كذلك «المهل»، وهي عبارة عن مادة سائلة لها خصائص عدة في إبراز الفن وتحديداً الغائر منها، إذ تُبرز تلك الثقوب من دون حشوها، كما يحدث الآن لدى استخدام «البويا» التي تُسبب في طمس ذلك النقش الذي حفره الحرفيون بعناية.

ولفت عارف إلى أن هذه النقوش ودرجاتها ومساحاتها تختلف من منزل إلى آخر. وهذا الفن مكون أساسي في تراث المنطقة، ويستحق الدراسة الكافية وإعادة توثيقه قبل اندثاره.

الأبواب واجهة المنازل أخذت حيزاً كبيراً من هذا الفن (الشرق الأوسط)

ومع تدفق السائحين والزائرين لمنطقة الباحة، أخذ هذا الفن بُعداً ترويجياً لتراث المنطقة، وتزايدت التساؤلات وبشكل تفصيلي عن تاريخه ومكوناته وخصائصه، التي تظهر على شكل لوحة فنية؛ وفق عارف، الذي دعا إلى ضرورة أن يكون هناك حراك كبير بين الجهات والمهتمين بالتراث لتصنيف هذا النقش، خصوصاً وزارة الثقافة، من خلال وضع دراسة متكاملة بهدف إدراجه في قائمة التراث العالمي على غرار فن «القط العسيري».