«جبيل تحتضن بيروت» مدينة الأمل العنيد

معرض في ذكرى مأساة المرفأ يستعيد مسار التشكيل اللبناني

المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)
المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)
TT

«جبيل تحتضن بيروت» مدينة الأمل العنيد

المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)
المنزل التراثي بحجره العتيق وَهَب شكله المُهدَّم إلى فكرة إعادة الإحياء (صور جوني فنيانوس)

في داخل منزل تراثي جوار قلعة جبيل التاريخية، اتّكأت لوحات ومنحوتات تُخبر حكاية بيروت وفنّها التشكيلي. فالمَعْلم السياحي يستعدّ لعملية ترميمه، ممّا ألهم الدكتور في علم الإدراك البيئي جوني فنيانوس فكرةَ العلاقة بين اللوحة البيروتية ومأساة المرفأ في ذكراها الرابعة، وسط ما يبدو أنه دُمِّر أو هُشِّم جراء مشروع الترميم. في «ذي هاوس» الشهير بـ«قلب بيبلوس»، أُقيم معرض «إكسبو إكسبلو، جبيل تحتضن بيروت»، بمشاركة نحو 60 فناناً شكَّلت لوحاتهم ومنحوتاتهم سرداً تاريخياً لمدينة الأمل العنيد.

المنزل المُقبل على الهدم وإعادة البناء شكَّل محاكاة لبيروت (صور جوني فنيانوس)

تُخبر منسّقة الأعمال الفنّية كارلا شنتيري صفا «الشرق الأوسط»، بأنّ البَيْع أُريد منه رَيْع أعمال الترميم. فالمنزل المُقبل على الهدم وإعادة البناء شكَّل محاكاة لبيروت المُرتَطمة بالمآزق لكنها المُحرِّضة على النهوض. ليست فاجعة الرابع من أغسطس (آب) وحدها «سيّدة» العرض، وإن شكَّلت مناسبته وتحوّلت الناطقة الأولى باسمه. بل المدينة قبله وبعده، مُجسَّدة بإبداعات تشكيليين ونحّاتين صوَّروها متباهية وجريحة، فاقعة الألوان وبالأسود والأبيض، وبذروة جموحها واستغرابها وأسئلتها وهواجسها وصدى الآهات الهائمة في سمائها المُقمِرة رغم الظلمة.

المعرض يشكّل مشهدية بانورامية لثنائية الورطة والنجاة (صور جوني فنيانوس)

أُريد للذكرى الأليمة التجسُّد بجانب لوحات ومنحوتات تهمس أخبار بيروت بين الأمس واليوم. بدا المعرض أشبه بمسيرة وطن طبعها التشكيل والنحت على مدى عقود. فالمنزل التراثي المقسوم إلى غرف - بحجره العتيق وتشرُّب جدرانه رائحة الملح الآتية من البحر القريب - وَهَب جدرانه وزواياه ورمزية شكله المُهدَّم إلى إعادة الإحياء، فتُخبر تلك الجدران، وما عُلَّق عليها ووقف صامداً في زواياها، عن نُبل الاحتضان وجدوى التآزُر في المواجع. اللوحات؛ تلك النازفة بدماء الضحايا والبيوت المُشلَّعة، وتلك المُحاكية لمجد جبيل العائمة على صفاف البحر المتوسط، تُمثّل، إضافة إلى أخرى، ثيمات تعمَّد المعرض فرزها لخَلْق مزاج قابل ليُسقَط على الزائر؛ وهو الشعور الإنساني الموحَّد أمام المأساة أو النوستالجيا أو صفحات التاريخ.

وفَّر «ذي هاوس» على صاحب فكرة المعرض جوني فنيانوس هدم الجدران للإشارة إلى الخسائر بعد الانفجار الرهيب. فبعضها مُهدَّم من تلقائه مما سهَّل التنفيذ. «أردنا الإشارة إلى صمود الفنّ أمام الأهوال»، يقول لـ«الشرق الأوسط». ذلك الصمود تؤكّده لوحة تظلُ مُعلَّقة على جدران انهار ما حولها، وتجسّده موسيقى تُعزَف لتُطيّب الجراح، فيتسلّل نغمها إلى الفوضى والخراب والأرض المحروقة ليس بالنار وحدها بل بالقهر والغضب والموت.

المعرض أشبه بمسيرة وطن طبعها التشكيل والنحت على مدى عقود (صور جوني فنيانوس)

ولأنّ الأذواق تتدخّل في شكل العلاقة بين العمل الفنّي ومُتلقّيه، توقّف فنيانوس ومعه كارلا شنتريري وتجمُّع الفنّ النسائي في لبنان، «آرتيست أوف بيروت»، مع منسّقة المعارض موريال أسمر، عند جدوى الفصل بين العناوين، فتتلاقى في ما يوحِّدها، أي المدينة، وتتشعَّب أمام ما مرَّت به، لتشكّل محطّاتها منذ عقود، حتى الذكرى الرابعة لاغتيال المرفأ، مشهدية بانورامية لثنائية الورطة والنجاة.

«ذي هاوس» الشهير بقلب بيبلوس في الليل (صور جوني فنيانوس)

المنحوتة فوق الردم، وصرخة «وي وِلْ رايز أغاين» (سننهض مرّة أخرى)، يُجسّدان أيضاً رؤية النحّات اللبناني بسام كريلوس للتجاوز، مُختزلة روح المعرض وفعل الاحتضان. وإنْ أيقظت الذكرى المرعبة مشاعرَ وأحالتها على فَيْضٍ يأسر العيون والخفقان ضمن لوحات ومنحوتات مُحاكية لليوم الأليم، فإنّ الجانب الآخر للعرض، أي التاريخ والتراث ومسار الإبداع اللبناني في فضاء الفنّ التشكيلي له حضوره، ويستوجب التوقّف عنده لمعاينة الماضي وإسقاطاته على ما تمنحه الريشة أو أداة التشكيل والنحت إلى المادة من فكرة وسياق.

المدينة مُجسَّدة بإبداعات تشكيليين ونحّاتين صوَّروها متباهية وجريحة (صور جوني فنيانوس)

يحلو لمنسّقة جميع الأعمال في المعرض الإشارة إليها فرادةً، بدءاً من المدرسة القديمة في التشكيل، مروراً بالتجريدي والمعاصر والواعد. تخشى من نسيان فنان لتأكيدها على نتاجهم في مسار الحركة التشكيلية اللبنانية، منذ مصطفى فروخ وعمر أنسي وسيزار الجميّل، إلى خطّ سامية عسيران، ومدارس جميل ملاعب وحسن جوني وحسين ماضي المُغادر في يناير (كانون الثاني) 2024 تاركاً الإرث القدير.

نحو 60 فناناً شكَّلت أعمالهم سرداً تاريخياً لمدينة الأمل العنيد (صور جوني فنيانوس)

بدوره، يتطلّع المدير العام لشركة «إيه إيه سي» للاستشارات، القائمة على مشروع «ذي هاوس»، أندريه أبي شديد، إلى استضافته نشاطات اجتماعية وثقافية وترفيهية بزخم بعد ترميمه. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الشركة تموِّل المشروع من خلال تجمُّع لشخصيات، لتشغيله في مرحلة ما بعد الترميم. إعادة إعمار المنزل التراثي محاكاة لإعادة الحياة إلى لبنان بعد كل أزمة»، مستعيداً أسطورة «طائر الفينيق» الشهيرة في بلسمة الجرح المتّسع. فالمنزل مثَّل الحاجة إلى نفض الخراب والعبور؛ ولمّا احتضن لوحات رُسم بعضها قبل 7 عقود، مع نتاج ما بعد الانفجار، شهد على لقاء المراحل التاريخية أمام عظمة الصمود.

تجسُّد فاجعة المرفأ بجانب لوحات ومنحوتات تهمس أخبار بيروت (صور جوني فنيانوس)

في منحوتة الأهراءات المُهشَّمة لبسام كريلوس، ولوحة الطائرة المغادرة فوق منازل المدينة وبحرها المُعانِق لصخرتها الأسطورية بمنطقة الروشة لجميل ملاعب، بجانب أعمال لعشرات، منهم ريتا عضيمة وندى كرم وبولا شاهين، والدخان اللئيم المُتصاعد من مقتلة أغسطس في لوحة جان جبور... حضرت بيروت بسحر المتغلّبين على عذاباتهم، المُحلّقين بأجنحة مكسورة.


مقالات ذات صلة

«سكر نبات»... تعبّر فيه الفنانة نوران منصور عن ألم فقدان ابنتها الصغيرة

يوميات الشرق لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)

«سكر نبات»... تعبّر فيه الفنانة نوران منصور عن ألم فقدان ابنتها الصغيرة

تعكس أعمال الفنانة المصرية نوران منصور شغفها بعالم الطفولة، وميلها إلى تجسيد مشاعرها وأفكارها بطريقة عفوية من خلال الرسم والحكي باللون والخط.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق يشمل الحدث برنامجاً متكاملاً مُصمَّماً لجميع الفئات (كتاب المدينة) play-circle 02:11

معرض المدينة المنوّرة للكتاب... إطلالة على عوالم معرفية جديدة

يُقام المعرض على مساحة 20 ألف متر مربّع خلف «مركز الملك سلمان الدولي للمؤتمرات والمعارض»، ويفتح أبوابه للجمهور طوال أيامه الـ7 حتى 5 أغسطس.

عمر البدوي (المدينة المنورة)
يوميات الشرق يأتي معرض المدينة بدورته الثالثة ضمن مبادرة معارض الكتاب في السعودية (واس)

فصول ثقافية ومعرفية تبدأ في معرض المدينة المنورة للكتاب

تنطلق اليوم الثلاثاء، فعاليات النسخة الثالثة من معرض المدينة المنورة للكتاب، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، في الفترة من 30 يوليو الحالي حتى 5 أغسطس.

عمر البدوي (المدينة المنورة)
يوميات الشرق إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

يقدّم المعرض وكتابه التعريفي السيرة الذاتية للفنان وكيف بدأ حياته محباً للرسم، واضطراره للعمل في القضاء تماشياً مع رغبة أسرته التي كانت من النخبة الحاكمة لمصر.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق يستطيع الفنّ أن يُنقذ (إكس)

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

لم تكن جولةً عاديةً في المعرض، بل مثَّلت جهداً متفانياً للترحيب بالزوّار المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تفاعل مع القبض على مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا

مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)
مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)
TT

تفاعل مع القبض على مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا

مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)
مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)

حظيت واقعة القبض على مؤدي المهرجانات المصري عصام صاصا بتفاعل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد توقيفه لإدانته بإحراز المواد المخدرة في قضية اتهامه بدهس موظف على الطريق الدائري (غرب القاهرة).

وكانت جهات التحقيق في مصر أحالت عصام طه طلعت، الشهير بـ«عصام صاصا»، إلى محكمة جنايات الجيزة لاتهامه بإحراز مواد مخدرة بقصد التعاطي، والتسبب خطأ في موت المدعو أحمد مفتاح محروس، موظف، نتيجة قيادته المركبة تحت تأثير المواد المخدرة.

ومن المقرر أن تستكمل محكمة جنايات الجيزة، الأحد، ثاني جلسات محاكمة المطرب، وكشف أمر الإحالة بخصوص المتهم عن ملابسات الحادث الذي وقع على الطريق الدائري، وأشار إلى إحرازه جوهر مخدر الحشيش بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.

وأصدرت جهات التحقيق قراراً بضبطه وإحضاره بتهمة تعاطي المواد المخدرة، لكنه سافر إلى دبي، وصدر قرار بوضعه على قوائم ترقب الوصول، بعد أن قضت المحكمة في وقت سابق بإدانته بتهمة تعاطي المواد المخدرة، وفقاً لما أثبته تقرير الطب الشرعي في القضية.

وحظيت قضية مطرب المهرجانات باهتمام على وسائل التواصل، وتصدر «التريند» على «إكس» و«غوغل»، السبت، وكان المطرب قد نشر على صفحته بـ«فيسبوك» مقطع فيديو يتحدث فيه عن الواقعة، ويطلب من محبيه الدعاء له.

وقال في الفيديو إنه عاش ظروفاً صعبة مع والدته وشقيقه، وبدأت شهرته منذ عامين تقريباً، وإنه بعدما عاش تحت خط الفقر ومر بظروف صعبة لا يمكن أن يفعل مثلما يتهمه البعض بأنه «يدوس على الناس بفلوسه»، وفق قوله، متحدثاً عن ملابسات الحادث وأنه فوجئ بالضحية على الطريق الدائري.

مؤدي المهرجانات عصام صاصا (إكس)

وعلّق مؤدي المهرجانات «حمو بيكا» على الفيديو الخاص بعصام صاصا، قائلاً: «ربنا معك يا صاحبي ويفك كربك... كلنا في ظهرك وجنبك».

وعلق أكثر من حساب على «إكس» بالتعاطف مع مؤدي المهرجانات، من بينهم حساب باسم «عبد الله بهجت» داعياً له: «ربنا يفك ضيقته».

وفي واقعة أخرى تزامنت مع حادث عصام صاصا، سبق أن ألقت السلطات الأمنية القبض على مؤدي مهرجانات آخر يُدعى مجدي شطة، في مايو (أيار) الماضي، ووجدت بحوزته كمية من المخدرات، وتم عرضه على جهات التحقيق.

وأثارت موجة مؤدي المهرجانات جدلاً في مصر، وواجهت اتهامات من نقيب الموسيقيين السابق هاني شاكر بـ«إفساد الذوق العام»، وانتقد ما تحتويه كلماتهم من ألفاظ وتعبيرات «غير لائقة»، وأصدرت نقابة المهن الموسيقية برئاسة الفنان مصطفى كامل قراراً قبل عامين بوقف تصاريح العمل الخاصة بـمؤدي المهرجانات مؤقتاً، من أجل درس ملفهم فيما يتماشى مع «قيمة مصر الفنية»، وفق بيان للنقابة.