«سكر نبات»... تعبّر فيه الفنانة نوران منصور عن ألم فقدان ابنتها الصغيرة

معرض فني يجسّد الشغف بعالم الطفولة

لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)
لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)
TT

«سكر نبات»... تعبّر فيه الفنانة نوران منصور عن ألم فقدان ابنتها الصغيرة

لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)
لعب ومرح بخطوط عفوية (الشرق الأوسط)

تعكس أعمال الفنانة المصرية نوران منصور شغفها بعالم الطفولة، وميلها إلى تجسيد مشاعرها وأفكارها بطريقة عفوية من خلال الرسم والحكي باللون والخط. وفي معرضها «سكر بنات»، المقام حالياً في غاليري «وهبة» بالقاهرة، تستدعي هذا العالم الساحر ببساطة وانسيابية.

تعدّ نوران الفن وسيلة للتعبير عن نفسها، وتقول: «عندما أرسم أشعر أنني أمارس لعب الأطفال من دون أبعاد فلسفية، لا يشغلني التفكير العميق فيما وراء اللوحة، أو البحث عن معانٍ مصطنعة أو تسميات غامضة».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أرسم على سجيتي، ما يهمني هو العمل الفني نفسه، وأن تصل مشاعري وأحاسيسي بسلاسة إلى المتلقي، من دون حواجز أو مسافات تعوق التواصل بيننا، أو تشوّه جماليات العمل».

الفنانة المصرية نوران منصور مع إحدى لوحاتها (الشرق الأوسط)

«الانطباعية»، أو رسم مشاهد الحياة اليومية بطريقة عفوية، اتجاه فني ظهر في بدايات القرن الماضي، ويكون المصدر الأساسي للعمل الفني اللاوعي لدى الفنان، ومن ثم تأتي رسومه وثيقة الارتباط بخوالجه وحالته النفسية.

وبالتمعن في لوحات معرض «سكر بنات» يظهر أنها نتاج تراكم للمشاعر والأفكار، وأن ثمة خيوطاً لا مرئية تربط الماضي بالحاضر، بشكل يمثّل تجربة شخصية وخصوصية واضحة للفنانة.

على مسطح اللوحات تلعب الفتيات الصغيرات وسط جمال الطبيعة، ويقفزن هنا وهناك، ويركبن الدراجات ويمرحن في السيرك، ويحملن حيواناتهن الأليفة في لحظات متتابعة من البهجة والسعادة، لكنها في واقع الأمر تعكس الوجه الآخر الأليم للحالة التي تمر بها نوران.

يعتصر الوجع قلب الفنانة حزناً على رحيل ابنتها الصغيرة (حنين)، ويغلبها الحنين الجارف للحظاتها الدافئة معها، وتقول: «تُوفيت طفلتي (حنين) في التاسعة من عمرها، وكانت من ذوي الاحتياجات الخاصة، كفيفة وتجلس على كرسي متحرك». وتتابع: «من خلال لوحاتي حاولت أن أحقق لها كل شيء تمنّت صغيرتي أن تعيشه، وكذلك كل ما كنت أتمناه لها».

حققت الفنانة لابنتها الراحلة كل ما تمنته على مسطح اللوحات (الشرق الأوسط)

«جعلتها تجري في مساحات واسعة ممتدة، ترى جمال الزهور والخضرة والبحر، تقود دراجتها بسرعة وثقة طفلة في مثل عمرها، ترتدي أجمل ثيابها وتتنزه مع صديقاتها، وتخوض معهن أحاديث طويلة مرحة»، وفق قولها.

وأوضحت: «خرجت هذه المشاعر كلها من دون قصد أو تعمّد، فهي مستقرة في اللاوعي داخلي، لكنها كانت تلحّ عليّ لتخرج؛ لكي يشعر بي الناس، ويشعرون أيضاً بابنتي حنين، وبكل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة».

السيرك والألعاب المختلفة من شغف الطفولة ( الشرق الأوسط)

جاء عنوان المعرض «سكر نبات» متوافقاً مع أجواء الأعمال وذكرياتها مع ابنتها: «كنت أدلّلها بقولي لها (يا سكر نبات) مثل كثير من الأمهات المصريات؛ كدلالة على جمالها، وأنها هي من تجعل حياتي حلوة».

يضم المعرض 38 لوحة مختلفة الأحجام، «ميكس ميديا» على توالٍ، وتسودها تعبيرية كثيفة وتجريدية موحية مليئة بالخطوط والعلامات الممتزجة بأشكال وخطوط وألوان تعيدنا إلى زمن الطفولة في براءته وشغبه الجميل، وذلك عبر مشاهد تشكيلية تتداعى فيها صور الواقع والخيال معاً، يسودها التفاؤل رغم الوجع الشخصي الكامن خلفها.

من أعمال المعرض (الشرق الأوسط)

لم تتأثر تجربة نوران الفنية بكونها طبيبة بشرية تعمل في مستشفى حكومي بمدينة المنصورة (شرق الدلتا)، وإن كان فنّها قد انعكس على مهنتها وحياتها الشخصية حسبما تقول: «جعلني الفن أكثر حساسية، وخلق داخلي مشاعر مرهفة في عملي، تمثّلت في الرفق الشديد خلال التعامل مع الآخرين».

لا تعتقد الفنانة أن أياً من المجالين قد أثّر بالسلب في الآخر: «لم يأخذني الطب من الفن، ولم يحدث العكس أيضاً». وتوضح: «تعوّدت منذ كنت في التاسعة من عمري حين بدأت أتلقى دروساً متخصصة في الرسم ألا أفرّط في تفوقي الدراسي، ولم أتخيّل يوماً حياتي من دون الرسم، الذي أشعر أنني أعثر على نفسي حين أمارسه؛ ولذلك ظللت أحرص على التوازن التام بينهما».

الصغيرات يلتقين في عالم من الخيال (الشرق الأوسط)

«سكر نبات» هو المعرض الفردي الأول لنوران في القاهرة، وتعده خطوة مهمة في مشوارها الفني: «سبقته معارض فردية وجماعية أخرى لي في مسقط رأسي، لكن بالتأكيد أي فعالية في العاصمة يكون لها مردود مختلف، وتلقى صدى أوسع، لأن فناني الأقاليم لا يزالون يعانون، ومطالبون ببذل جهد أكبر لإثبات وجودهم في المشهد التشكيلي».


مقالات ذات صلة

بينالي أبو ظبي... التوقيع بالفن على المساحات العامة

يوميات الشرق عمل الفنانة عزة القبيسي (بينالي أبوظبي للفن عام 2025 - 2024 © لانس جربر)

بينالي أبو ظبي... التوقيع بالفن على المساحات العامة

أطلقت أبوظبي النسخة الافتتاحية من بينالي أبوظبي للفن العام، وتستمر حتى 30 أبريل (نيسان) المقبل.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني.

محمد الكفراوي (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يتحدث في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي 9 فبراير 2012 (أ.ب)

الجزائر تواجه دعوات متزايدة للإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال

دعا سياسيون وكتاب وناشطون إلى الإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
يوميات الشرق الموزة الصفراء المثبتة على الحائط الأبيض بشريط لاصق فضي هي عمل بعنوان «كوميدي» للفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان (أ.ب)

سعرها 35 سنتاً... بائع فواكه في مانهاتن يتحسّر على «موزة» بيعت بملايين الدولارات

باع عامل مهاجر موزة أصبحت لاحقاً جزءاً من عمل فني عبثي بيع بمبلغ مذهل بلغ 6.2 مليون دولار في مزاد «سوذبيز».

يوميات الشرق ثيمات مسرحية وأغراض متنوعة في العمل التركيبي (الشرق الأوسط)

«مُستعد للرحيل»... سردية تشكيلية عن الهجرة ونوستالجيا القاهرة

تستقبل زائر معهد جوته الألماني بالقاهرة سيارة حمراء قديمة تحمل فوق سقفها أغراضاً ومتعلقات شخصية متراصة بصورة تدعوك للتوقف وتأملها.

منى أبو النصر (القاهرة )

إعادة فتح جوهرة «نوتردام» القوطية في باريس

منظر عام لكاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
منظر عام لكاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
TT

إعادة فتح جوهرة «نوتردام» القوطية في باريس

منظر عام لكاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)
منظر عام لكاتدرائية نوتردام في باريس (أ.ف.ب)

يلقي العالم، الجمعة، نظرة أولى على كاتدرائية نوتردام الجديدة، في الوقت الذي يجري فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة تلفزيونية بمناسبة إعادة افتتاح الكاتدرائية، حسب «بي بي سي». وبعد مرور 5 سنوات ونصف السنة على الحريق المدمر الذي اندلع عام 2019، تم إنقاذ جوهرة باريس القوطية، وترميم هذه الجوهرة وتجديدها - ما يقدم للزوار ما يعد بأن يكون متعة بصرية مبهرة. ويبدأ الرئيس - رفقة زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش - برنامج احتفالات يتوَّج بـ«الدخول» الرسمي إلى الكاتدرائية في 7 ديسمبر (كانون الأول) وأول قداس كاثوليكي في اليوم التالي. وبعد أن يُعرض عليه أبرز ما تم ترميمه في المبنى، بتكلفة بلغت 700 مليون يورو (582 مليون جنيه إسترليني) - بما في ذلك خيوط السقف الهائلة التي تحل محل إطار القرون الوسطى الذي استهلكته النيران - سيلقي كلمة شكر لنحو 1300رجل وامرأة من الحرفيين الذين تجمعوا في صحن الكنيسة. ظلت أعمال التجديد التي شهدتها كاتدرائية نوتردام سرية للغاية - مع نشر بعض الصور فقط على مر السنين التي تشير إلى التقدم المحرز في أعمال التجديد، ولكن الناس الذين كانوا في الكاتدرائية مؤخراً يقولون إن التجربة توحي بالرهبة، وإن الكاتدرائية رفعت بصفاء وبريق جديدين يدل على تباين حاد مع الكآبة السائدة من قبل.