«سيادة الفراغ» بعد 20 عاماً على برنامج الأطفال الأيقوني «كيف وليش»

ديدي فرح لـ«الشرق الأوسط»: سأعود قريباً بما يليق

20 عاماً مرّت على فسحة الألوان الجميلة وبراءة الأحلام (أرشيف ديدي فرح)
20 عاماً مرّت على فسحة الألوان الجميلة وبراءة الأحلام (أرشيف ديدي فرح)
TT

«سيادة الفراغ» بعد 20 عاماً على برنامج الأطفال الأيقوني «كيف وليش»

20 عاماً مرّت على فسحة الألوان الجميلة وبراءة الأحلام (أرشيف ديدي فرح)
20 عاماً مرّت على فسحة الألوان الجميلة وبراءة الأحلام (أرشيف ديدي فرح)

ظنَّت صانعة برنامج الأطفال الأيقوني «كيف وليش»، ديدي فرح، أنّ الذاكرة خوّانة، ولا بدّ أنّ اللبنانيين نسوا. 20 عاماً مرّت على الفسحة الجميلة للغناء والرسم والتلوين وبراءة الأحلام. شكَّل حالة ودخل المنازل ليُهدي أطفالها ابتسامات بطعم يُعلِّم حتى الكِبر. ولمّا ظنَّت أنّ النسيان حلَّ، أتى مَن يُذكّرها بالصور والشخصيات. تعترف لـ«الشرق الأوسط» بتعمُّد البُعد عن مواقع التواصل، لكنها تقرّ بفضلها في إعادتها عقدين إلى حيث لمّة الأطفال حول السعادة الأكيدة.

كان «كيف وليش» المنعطف وما لا يتكرّر لفرادته (أرشيف ديدي فرح)

مَن تربّوا على برنامجها أصبحوا شباناً وبعضهم تزوَّج وأنجب. برامج طفولة استمرَّت بعد «كيف وليش»، ولم تدُم. كان المنعطف، وما لا يتكرّر لفرادته. لم تُقدّم ديدي فرح الغناء الحالم فقط، ولا الرسم والتلوين والأشغال اليدوية وتحريك المخيّلات فتتمدّد بحجم السماء. قدَّمت أيضاً قيم العائلة وأعلت روح المحبة والجَمعة وتبادُل الخير. كان التلفزيون اللبناني مرآة لذهبية ذلك العصر، فأضاف «كيف وليش» ما يلمع ويؤكد التلألؤ والضوء.

حلَّت ظروف أخرجتها من ملعبها نحو ملعب أشمل عنوانه الإنسان. تُخبر: «الزمن رحلة، وقدرُنا التوقّف أمام محطّاته. كان (كيف وليش) أبرز محطّاتي طوال 11 عاماً. ثم امتدّت المحطة 7 أعوام أخرى كرّستُها للأطفال. الخلاصة 18 عاماً. جمع التلفزيون أجيالاً على مدى سنوات وشكَّل صلتهم الوحيدة بألوان العالم. اليوم، أعترفُ بأنّ تفاصيل وصوراً غادرت الذاكرة واستلقت في النسيان. لكنّ الاستعادة لِما فات تتحقّق في كلّ مرّة يستوقفني شاب أو شابة تخرّجوا، وبعضهم جرَّب الأمومة والأبوَّة، ليقولوا لي: نُربّي أولادنا على قيم (كيف وليش). لا نزال نحتفظ بصور الشخصيات (ست حشورة وجوجو المُهرِّج)... وبكاسيتات الأغاني. أعادوا إشعال ذاكرتي وما ظننته قد هَمَد».

البرنامج شكَّل حالة ودخل المنازل ليُهدي أطفالها ابتسامات (أرشيف ديدي فرح)

ودَّعَت البرنامج وهو في القمّة: «أردتُه أن يحافظ على جماله في البال، فيروي مشاهدوه لأولادهم عما بقي من تلك الحقبة. لو شئتُ له النهاية بعد استهلاك أو استنزاف، لانطفأ جمره وما علَّم عميقاً. كان الوقت سيتدخّل ليُرسله إلى الرفوف المتآكلة بالغبار حيث كل ما هو عابر. كبرتُ وشبَّ أولادي، ولا يزال جيل بأكمله يُردّد أغنيات (كيف وليش)». صاحبة السطور تذكر منها: «أنا الستّ حشورة بحشّر حالي بكل شي/ وين ما في خبرية بركض أول شي/ بحب أعرف شو صار ويلّي بدو يصير». بتلك البساطة تعلّمنا أنّ حشر الأنوف في شؤون الآخرين لا يليق.

قدَّم البرنامج قيم العائلة وأعلى روح المحبة والخير (أرشيف ديدي فرح)

تحزن على أطفال هذا العصر، وتراهم «أسرى الأجهزة الذكية ولا يجتمعون أمام شاشة واحدة». بعد 20 عاماً، فرغ التلفزيون اللبناني من عطاءات عنوانها الطفل. أصابه عطب، واستغنى عما ميّزه في عزِّه. بانسحاب ديدي فرح إلى برامج الإنسان واحتضان الموجوعين وجَمْع التبرّعات من أجل شفائهم، تكرَّس الفراغ إلا ما ندَرَ؛ وليس معناه أنّ المشهد خلا ممّا يتوجّه إلى الصغار بشخصيات كرتونية ويُغنّي لهم، بل ممّا يُجمِع على المحبة والإنسان، بلا أجندة وضخّ وغسل أدمغة.

20 عاماً مرّت على فسحة الألوان الجميلة وبراءة الأحلام (أرشيف ديدي فرح)

انطوى «كيف وليش» قبل 20 عاماً، ومعه جمال الجلسة حين يتناول طفل شاندويتشه ويشرب كوب الحليب أمام الشاشة، وهو يستمع إلى أغنيات عيد الميلاد ويراقب كيفية ابتكار شخصيات بورق الكرتون. تقول: «اختلاف الزمن لا يعني أنّ الطفل لم يُعد طفلاً، والتربية الصالحة لم تعُد غاية نبيلة. الوقت المُخصَّص للطفل ينبغي ألا يتقلّص، ولو بلغنا عام 2100. قبل 3 سنوات، لم أشعر بذنب هجراني برامج الأطفال. اليوم بلى. لذا، أحارب بالإمكانات المتاحة. يُطالبونني بالعودة، وسأعود قريباً. أرسمُ خطاً جديداً من روحية (كيف وليش) وأسعى من أجل عرضه على التلفزيون أيضاً بجانب منصات التواصل الاجتماعي. لم تُغلق الشاشات اللبنانية أبوابها في كلّ مرّة طرقتُها. لكنّ الإنتاج مُكلِّف. (يوتيوب) اليوم يُسهِّل الوصول. أواصل العمل منذ أشهر لتقديم قصص تليق بالطفل وقيم العائلة».

لمساتُها واحدة على ما سبق وترسَّخ، وما يُحضَّر: «لم أتغيَّر. الزمن يجري بسرعة، ونحاول التكيُّف. ستختلف الطريقة فقط. أما الروح فمَن أحبّها وانتظرها، سيعانقها من جديد».

تتوجّه إلى الأمهات: «مواقع التواصل مساحة حلوة، لكنّها لا تُشكّل حقيقة العالم. جَرُّ أولادنا إلى عالم ليس حقيقياً تماماً مخيف. الحياة واقعية وأشدّ صراحةً مما يصل إليهم من خلال شاشة بحجم الكفّ. أَعطين أوقاتكنّ لهم. إنهم المستقبل».


مقالات ذات صلة

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

المشرق العربي طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي، بغارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق من المهم مراقبة مسارات تطوّر تنظيم المشاعر لدى الأطفال (جامعة واشنطن)

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة الذين يواجهون صعوبة في التحكُّم بمشاعرهم وسلوكهم عبر نوبات غضب، قد يظهرون أعراضاً أكبر لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا طفل باكستاني يتلقى لقاح شلل الأطفال (رويترز)

وسط ارتفاع معدلات العنف... حالات شلل الأطفال تواصل الانتشار في باكستان

سجلت باكستان اليوم (الجمعة)، حالتي إصابة إضافيتين بشلل الأطفال، مما رفع عدد الإصابات بالمرض المسبب للإعاقة إلى 52 حتى الآن خلال العام الجاري

«الشرق الأوسط» (إسلام أباد)
العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.