أطعمة صديقة للبيئة وأثاث غير مريح يثيران الانتقادات في القرية الأولمبية بباريس

شكاوى من قلة تقديم اللحوم وعدم استخدام أجهزة تكييف الهواء

المستشار الألماني أولاف شولتز تناول الطعام مع فريق بلاده في القرية الأولمبية بباريس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتز تناول الطعام مع فريق بلاده في القرية الأولمبية بباريس (أ.ف.ب)
TT

أطعمة صديقة للبيئة وأثاث غير مريح يثيران الانتقادات في القرية الأولمبية بباريس

المستشار الألماني أولاف شولتز تناول الطعام مع فريق بلاده في القرية الأولمبية بباريس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتز تناول الطعام مع فريق بلاده في القرية الأولمبية بباريس (أ.ف.ب)

للطعام الفرنسي سمعة شهية تخطت الحواجز والثقافات، ولذلك عندما يشتكي الرياضيون المشاركون في أولمبياد باريس من مستوى الطعام، يصبح الأمر مثاراً للتعجب. فعلى الرغم من الوعود التي أطلقتها فرنسا بتقديم أشهى الأطعمة التي تشتهر بها في القرية الأولمبية في باريس أثناء الألعاب، أبدى كثير من الرياضيين عدم رضاهم عن جودة الطعام، وعبروا عن توقهم لمزيد من اللحوم في قوائم الطعام الصديقة للبيئة بحسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وكان رئيس اللجنة المنظمة للألعاب توني إستانغيه أكد خلال تجربة تشغيلية في مطعم القرية الأولمبية في يونيو (حزيران)، أن باريس 2024 تهدف إلى خفض متوسط انبعاثات الكربون لكل وجبة إلى النصف، مقارنة بالألعاب الأولمبية السابقة في طوكيو (2021) من خلال جعل 50 في المائة من الأطباق نباتية.

وعدت اللجنة المنظمة بعدم خذلان زوار فرنسا، كما استعانت بعدد من الطهاة الحاصلين على نجمة ميشلان بوصفهم مستشارين للعمل جنباً إلى جنب مع الشركة الفرنسية «سوديكسو» المسؤولة عن تأمين الطعام.

وزير الدفاع المجري في أثناء زيارته لمطعم لقرية الاولمبية بباريس (أ.ف.ب)

لكن الأيام القليلة الأولى في القرية، الواقعة في ضواحي شمال باريس، شهدت طلباً على مزيد من اللحوم والبيض وكميات أكبر من الطعام، لما له من تأثير كبير على الرياضيين الساعين لتجديد طاقتهم بعد المسابقات الشاقة أو التمارين في الصالة الرياضية.

قالت نجمة الجمباز الأميركية سيمون بايلز إنها شعرت بخيبة أمل إزاء قاعة الطعام التي تتسع لـ3300 مقعد، وتضمّ ست مناطق مختلفة لتناول الطعام تقدّم وجبات من جميع أنحاء العالم، وأضافت: «ليس هو المطبخ الفرنسي الحقيقي مثل الذي تتناولونه أنتم، لأنكم خارج القرية».

ولم تشذ كلمات هيزلي ريفيرا (16 عاماً) عن زميلتها في الفريق، إذ قالت: «أعتقد بالتأكيد أن الطعام الفرنسي جيد، ولكن ما نتناوله هناك لا أعتقد أنه الأفضل. ولكنه يؤدي الغرض المطلوب».

من ناحيته، وصف العداء الإيطالي مارسيل جاكوبس، حامل الذهبية الأولمبية لسباق 100م القرية بأنها «لطيفة، أما الطعام فلا»، بينما اتفقت الجامايكية شيريكا جاكسون، بطلة العالم مرتين في سباق 200م، معه قائلة: «الطعام ليس جيداً... لا نملك مطبخاً فرنسياً مناسباً في القرية».

وخلال زيارة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» للمجمّع الصاخب هذا الأسبوع، قال كثير من الرياضيين إنهم واجهوا صعوبات في البداية مع قوائم الطعام، حيث كان هناك 50 طبقاً نباتياً متاحاً كل يوم بنسبة 100 في المائة.

أما السّباح خوليو هوريجو من هندوراس فقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» الاثنين عندما سُئل عن الحياة في القرية: «المشكلة الوحيدة هي نقص الغذاء. إنه أمر مفاجئ بعض الشيء»، مؤكداً أنه يأكل ما يصل إلى 5 آلاف سعرة حرارية يومياً، وأنه وصل لتناول الإفطار صباح الأحد ليجد أنه لم يتبقَ سوى البيض.

وقال عند مدخل القرية التي تعجّ بالنشاط وتتّسع لنحو 10 آلاف و500 رياضي في نحو 40 برجاً منخفض الارتفاع: «إذا وصلت متأخراً قليلاً فلن يكون هناك ما يكفي» لتناول الطعام.

أعطى لاعب التجديف الروماني يوليان كيلارو إجابة واضحة عندما سُئل عما إذا كان هناك شيء مفقود: «اللحوم»، وأضاف: «لم يكن لدينا ما يكفي من اللحوم، لكن المشكلة تم حلّها الآن». أما السّباح الألماني لوكاس ماتسيرات (24 عاماً) فقال إن حجم الحصص الغذائية المقدمة للرياضيين لم تكن كبيرة، وإن الوضع تحسن كثيراً. وأضاف: «حجم الحصص الغذائية آخذ في الازدياد أيضاً».

وبدورها، قالت لاعبة الكرة الطائرة الشاطئية الكندية صوفي بوكوفيتش وهي تغادر المجمع: «نستمتع بالخضراوات، لذا فإن الأمر لا يمثل مشكلة. بعض الرياضيين يأكلون اللحوم بشراهة. وهم يحاولون إيجاد حلّ لهذه المشكلة. هناك بروتين، عليك فقط أن تعرف أين تجده».

شكاوى على «تيك توك»

وسارع الرياضيون إلى بث شكاواهم عبر مواقع التواصل، وخصوصا موقع «تيك توك»، فنشرت الرياضية الأميركية راتشيل غلين مقطعاً لها وهي تتناول طبقاً من المعكرونة في مطعم القرية الأولمبية مع إضافة عبارة «ساعدوني!»، بحسب مجلة «فوربس». أم لاعبة ألعاب القوى الأميركية رافن سوندرز التي تتنافس في دفع الجلة ورمي القرص، فنشرت مقطع فيديو على «تيك توك» في قاعة الطعام مع صوت يقول: «لقد خيبت أملي»، بينما تحمل قطعة من الطعام أمام الكاميرا - ولم يتمكن المعلقون من معرفة ما يفترض أن يكون الطعام. ونشرت إميليا تشاتفيلد، لاعبة ألعاب القوى التي تمثل هايتي، مقطع فيديو على «تيك توك» تمنح طعام قاعة الطعام تقييماً تقريبياً 0 - 10. ووصفته بأنه «مقزز»، لكنها اعترفت بأنه يمكن أن يكون 2 - 10 «في بعض الأيام». في مراجعة أكثر تبايناً، قالت السباحة السنغافورية كواه جينج وين إن نكهة بعض الطعام الذي حصلت عليه، وخاصة طبق السلمون الفرنسي ويلينغتون «فاجأتها»، لكنها أضافت أن الطعام يفتقر دائماً إلى الملح. وبالمثل، قالت لاعبة الجمباز الفلبينية ألياه فينيجان إن الطعام لم يكن سيئاً، لكنه لم يكن متبلاً بدرجة كافية.

سارع الرياضيون إلى بث شكاواهم عبر مواقع التواصل خصوصاً موقع «تيك توك»

وقد انتقدت لاعبات فريق الجمباز النسائي الأميركي عروض قاعة الطعام بعد أن سألهن أحد المراسلين عما إذا كن يستمتعن بالمطبخ الفرنسي. قالت سيمون بايلز للصحافيين: «لا أعتقد أننا نتناول مطبخاً فرنسياً لائقاً في القرية كما قد تأكلون لأنكم خارج القرية». وقالت هيزلي ريفيرا، أصغر عضو في فريق الجمباز: «لا أعتقد أنه جيد جداً، على الأقل ما نتناوله في قاعة الطعام». قال أحد الرياضيين البريطانيين، الذي تحدث دون الكشف عن هويته لصحيفة «ذا تايمز» البريطانية، إن «الطعام يمثل تحدياً في الوقت الحالي»، مشيراً إلى أن قاعات الطعام أكثر فوضوية وأقل تنظيماً مما كانت عليه في أولمبياد طوكيو 2020.

ومن جانب فريق بريطانيا، فقد اضطر المسؤولون إلى استقدام طاه للمساعدة في إعداد وجبات الطعام للاعبيه في نزل للأداء في كليشي بعد تقديم وجبات مخيبة للآمال، وتقنين الأطعمة الغنية بالبروتين داخل القرية الأولمبية؛ بحسب تقرير لصحيفة «الإندبندنت». وقد ألقى منظمو تقديم الطعام باللوم على مشاكل التوريد في انخفاض مستوى الطعام، حيث قالت الشركة المسؤولة عن تقديم الطعام، إنها زادت الطلب اليومي على كثير من أكثر العناصر شعبية بعد الشكاوى التي وردت عشية الألعاب.

على النار

أما شركة «سوديكسو» المسؤولة عن تأمين الطعام، فعلقت أنها عدّلت قوائم الطعام التي تقدمّها، وأضافت المتحدّثة باسم المجموعة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كان الطلب على البيض واللحوم المشوية مرتفعاً، لذا زادت الكميات بشكل كبير. ومنذ عدّة أيام أصبحت الكميات المعروضة متماشية مع الطلب».

لا يشكّل الطعام النباتي الفارق الوحيد في القرية الباريسية مقارنة بالنسخ السابقة، ما دفع بعض المنتقدين إلى الصراخ بصوت عال «استيقظوا».

بُنيت القرية الأولمبية التي ستتحوّل بعد نهاية الألعاب إلى شقق، من دون أجهزة لتكييف الهواء، وبدلاً من ذلك تحتوي على نظام تبريد وتدفئة حراري متجدّد تحت الأرضية.

وقد اختارت بعض الفرق مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وفرنسا تركيب مبرّدات محمولة للاعبيها، لكنّ فرقاً أخرى لم تقم بذلك، حيث تجاوزت درجات الحرارة الثلاثاء والأربعاء 30 درجة مئوية مع ارتفاع نسبة الرطوبة.

عكست لاعبة الكرة الطائرة الشاطئية الإيطالية مارتا مينيغاتي ما تعانيه، قائلة: «أعاني من الطقس الحار، ولكن حتى الآن كنت أنام جيداً باستخدام مروحة فقط. لكن المكيّف سيكون أفضل للتعافي».

أسرّة من الورق المقوّى

وإلى جانب نقص أجهزة التكييف وجد آخرون صعوبة في التكيّف مع الأسرّة المبتكرة المصنوعة في اليابان والمستخدمة في القرية، والتي صُنعت قواعدها من الورق المقوّى، وصنعت المراتب من البلاستيك المعاد تدويره بما في ذلك شبكات صيد السمك، ما دفع البعض إلى المزاح في الماضي بأنها مصممة لمنع الرياضيين من القفز بين الأغطية.

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» قالت لاعبة كرة اليد الإسبانية ليزا تشابتشيت: «سريري صلب للغاية، إنه ليس الأفضل»، وهي الكلمات التي ردّدتها المبارزة البولندية مارتينا فساتوفسكا - فينغلارتشيك.

وجد البعض صعوبة في التكيّف مع الأسرّة المبتكرة المصنوعة في اليابان والمستخدمة في القرية والتي صُنعت قواعدها من الورق المقوّى (أ.ف.ب)

وأعرب آخرون عن حماسهم للجهود التي تبذلها اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024 لتحقيق مزيد من الاستدامة، بما في ذلك خفض الانبعاثات، والتأكد من إمكانية إعادة تدوير جميع المعدات، بما في ذلك الأسرّة، أو إعادة استخدامها بعد ذلك.

وقال السبّاح الدنماركي سيغن برو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أستمتع بهذا المكان وأنا مُعجب بما فعلوه في القرية. إنه يؤدي وظيفته الآن، ولكن من الرائع أن نعرف نحن الرياضيين كيف سيتم استخدامه في المستقبل، وأنه تم بناؤه بطريقة مستدامة».

وختم قائلاً: «يمكنك أن تضحك على الأسرّة، ولكن من الجيد أن تعرف أنه لن يتبقى لديك 10 آلاف سرير في النهاية».


مقالات ذات صلة

«الأولمبية»: ما تعرضت له الملاكمة الجزائرية إيمان بسبب جنسها «أمر محزن»

رياضة عالمية الملاكمة الإيطالية كاريني تبكي عقب خسارتها من الجزائرية إيمان بالقميص الأحمر (إ.ب.أ)

«الأولمبية»: ما تعرضت له الملاكمة الجزائرية إيمان بسبب جنسها «أمر محزن»

دافعت اللجنة الأولمبية الدولية عن قرارها بالسماح لملاكمتين بالمنافسة في أولمبياد باريس على الرغم من الخلاف المستمر حول تحديد جنسيهما.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية سيدات أميركا يحققن ذهبية سيف الشيش (أ.ف.ب)

«أولمبياد باريس – مبارزة»: أميركا تفوز بذهبية تاريخية لفرق السيدات في سيف الشيش

فازت أميركا بذهبية المبارزة بسيف الشيش لفرق السيدات بأولمبياد باريس الخميس بعد ما تغلبت على إيطاليا في نهائي مثير.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية سيدات أستراليا متوجات بذهبية سباق التتابع أربع مرات 200م حرّة (د.ب.أ)

«أولمبياد باريس- سباحة»: سيدات أستراليا يحرزن ذهبية التتابع أربع مرات 200 متر حرّة

أحرزت سيدات أستراليا ذهبية سباق التتابع أربع مرات 200م حرّة، متفوّقة على غريمتها الولايات المتحدة ومحطّمة الرقم الأولمبي، الخميس في أولمبياد باريس.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية السباح الجزائري صيود وصل إلى مرحلة قبل النهائي (أ.ف.ب)

السباح الجزائري صيود يذرف الدموع بعد تأهله لقبل نهائي «أولمبياد باريس»

غلبت الدموع السباح الجزائري جواد صيود، عقب تأهله لقبل نهائي سباق 200 سباحة متنوعة بأولمبياد باريس 2024.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية لورينزو موزيتي  فرحاً عقب فوزه على الألماني زفيريف (أ.ف.ب)

«أولمبياد باريس – تنس»: الإيطالي موزيتي يطيح بزفيريف من ربع النهائي

فجر الإيطالي لورينزو موزيتي مفاجأة من العيار الثقيل، بعدما أطاح بالنجم الألماني ألكسندر زفيريف من منافسات التنس لفردي الرجال بأولمبياد باريس 2024.

«الشرق الأوسط» (باريس)

جون أشقر لـ«الشرق الأوسط»: ما أقدّمه على الخشبة يشبهني في الواقع

حقق جون نجاحاً بعرضه المسرحي في «أعياد بيروت» (جون أشقر)
حقق جون نجاحاً بعرضه المسرحي في «أعياد بيروت» (جون أشقر)
TT

جون أشقر لـ«الشرق الأوسط»: ما أقدّمه على الخشبة يشبهني في الواقع

حقق جون نجاحاً بعرضه المسرحي في «أعياد بيروت» (جون أشقر)
حقق جون نجاحاً بعرضه المسرحي في «أعياد بيروت» (جون أشقر)

حقق عرض الـ«ستاند أب كوميدي» للفنان جون أشقر في مهرجانات «أعياد بيروت» النجاح المتوقع، فزحف الآلاف لمشاهدته، بعد أن كان برنامجه «طار الوقت» على شاشة تلفزيون «إل بي سي آي» العنوان الوحيد للالتقاء به أسبوعياً.

دخل جون أشقر هذا العالم بالصدفة، كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، فهو تخصّص في مجال بعيد كل البُعد عن الفن. وبدأ مشواره هذا على مسرح جمعية كشافة كان ينتمي إليها. وفي عام 2017 دخل هذا المعترك في عرضٍ قدّمه في منطقة مار مخايل، لكنه سجّل انتماءه الرسمي لمجال الـ«ستاند أب كوميدي» في عام 2022.

ومن يتابع جون أشقر في عروضه يلاحظ تمتّعه بأسلوب خاص. وكان لافتاً اعتماده في عروضه على التحدّث عن تجاربه الشخصية، ومن بينها طلاقه، الذي شكّل عنده صدمة نفسية وحالة إحباط قريبة من الانهيار العصبي. وهنا تسأله «الشرق الأوسط» عما إذا كانت عروضه أسهمت في تخطيه مشكلاته، وكانت بمثابة علاج لصحته النفسية.

يرد أشقر: «مررت بحالة طلاق صعبة، وتعرضت لسقطات عدة في حياتي. ولكن لا شيء يمكنه أن يحلّ مكان المعالج النفسي. وكان من البديهي أن أركن إليه كي أتخلَّص من قلقي. ولعلّ نجاحي في الـ(ستاند أب كوميدي) ينبع من اقتناعي التام بضرورة تمتعي بصحة نفسية جيدة».

يستعد جون أشقر لتقديم عرض خاص به في الأولمبياد (جون أشقر)

صحيح أن جون استخدم عروضه جسراً يتواصل من خلاله مع جمهوره العريض، فلجأ فيه أحياناً إلى نوع من الفضفضة والتحدث عن أموره الشخصية، ولكنه يشرح: «هذه الفضفضة تكون آنية، كالرسام الذي يستخدم ريشته لإخراج ما في أعماقه وترجمته بلوحة. وأستطيع الجزم بأن الكوميديا لا يمكن أن تنبع من شخص يعيش حياة مستقرة وثابتة. فهو يرى قصصه السلبية بأبعاد مختلفة، ويتناولها بسخرية».

يقول إنه في بداياته خاف؛ لأنه لا يُشبه أحداً ممّن سبقوه في المجال هذا. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لكنني لاحظت بعدها أن هذا الأمر يعود لسبب آخر، فعلى المسرح أنا أشبه حالي في حياتي العادية. هناك اختلاف طفيف يحضر من دون شك، ولكنني بالمجمل، أعكس نفسي على الخشبة. انتقدوني في البداية كوني أعتمد رواية القصص وتطويلها، ولكن تبيّن فيما بعد أن هناك مَن يحب هذا الأسلوب؛ ولذلك يصف بعضهم أسلوبي بالمغاير، فصار جزءاً لا يتجزأ من اختلافي عن الآخرين. فأنا في حياتي اليومية أتبع الطريقة نفسها في إخبار أصدقائي قصة معينة».

هذه التركيبة التي تؤلّف أسلوب جون أشقر تلقى اليوم انتشاراً واسعاً طال دولاً عربية وخليجية وغربية. في الأشهر الثلاثة الأخيرة قدّم نحو 35 عرضاً في دول عدة، فهل هي متأتية عن أبحاث أو عن خلطة شخصية يمتلكها؟ يرد: «ما أقدّمه لا ينتمي إلى الفن المسرحي؛ إنها حوارات يتفاعل معها الجمهور. فالـ(ستاند أب كوميدي) يعتمد على هذا العنصر أولاً، و90 في المائة ممّا أسرده على الناس هو محتوى أستوحيه من يومياتي، فأنا أشكّل نموذجاً حياً من حياة لبنانيين كثيرين. وعندما يضحكون لنكات وطرائف أقصّها عليهم فلأنها تذكّرهم بأنفسهم».

ويضيف: «بالنسبة للأبحاث فهي أيضاً تؤلف جزءاً من عروضي. فقبل التوجّه إلى أستراليا أو كندا ودبي أبحث عما يعانون منه هناك، وكذلك أطّلع على طبيعة حياتهم وإيقاع يومياتهم، فأقدم عند كل جمهور أزوره محتوى ينسجم مع تفكيره. ولديَّ فريق يساعدني في هذا الأمر. فمن الصعب جداً أن يقوم الكوميدي وحده بكل هذه الأمور».

أمام الشاشة الصغيرة، وعندما أطلّ جون أشقر للمرة الأولى عبرها لم يُحقق النجاح المطلوب، فهل هو أدرك هذه النتيجة؟ وكيف واجهها؟ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع عرفت بالأمر، لا سيما أنني أطالب فريقي دائماً بمدّي بردود فعل الناس مهما كانت سلبية أو إيجابية. أخذتها بعين الاعتبار، وبدّلت في فقرات البرنامج، فصار يحمل قيمة فنية ومعنوية، ويثير الضحك في الوقت نفسه. تعذبت مع فريق عملي للوصول إلى هذه النتيجة، وهذه التجربة ستكمل طريقها في مواسم جديدة، وأنا على يقين بأنه يجب أن أختار خطواتي، وأن يكبر عملي رويداً رويداً، فلست مستعجلاً على شيء».

التفاعل مع الجمهور هو العنصر الأهم (جون أشقر)

يفتخر أشقر كون فريقه المساعد يتألف من شخصيات متخصصة، وبينهم أساتذة جامعيون وباحثون وإعلاميون، وهو ما يُسهم في تقديم محتوى ذي قيمة، وعلى المستوى المطلوب: «ابتعدت عن أسلوب الهرج والمرج، وفضّلت المحتوى المعزز برسالة معينة ويضحك الناس في آنٍ واحد».

قريباً يقف جون أشقر على مسرح الأولمبياد الباريسي، فشهرته تتوسع يوماً بعد يوم، وقد صقلها بالجهد؛ لأن العمل الكوميدي ليس بالأمر السهل. وهل تتمنى يوماً الوقوف على المسرح مع كوميديين عالميين؟ «لطالما تأثرت بالكوميدي جاد المالح، وتمنيت أن ألتقيه يوماً، فهو يملك أسلوباً كوميدياً يميزه عن غيره. وبالفعل حصل هذا اللقاء عندما تم اختياري لافتتاح عرضه في دبي خلال مهرجان الكوميديا، ومن ثم أعدنا الكرّة معاً، وقدّم لي فرصة ذهبية في باريس».

يعترف جون أشقر بأن الاستمرارية تقلقه، ويختم: «أخاف طبعاً على ما أنجزته حتى اليوم؛ ولكن ما يعزّيني هو فريق عملي المحترف، فهو يقوّيني ويذكّرني بإبقاء قدمي على الأرض، ويدفعني إلى إعادة النظر في قراراتي. أشعر معه بالأمان وأضمن استمراريتي، أقله لعشر سنوات مقبلة».