100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

الزائر في صحبة مَن ترك القضاء مُطارِداً الرسم وألوانه

إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)
TT

100 لوحة لرائد التصوير محمود سعيد وأصدقائه في معرض بانورامي

إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات محمود سعيد (الشرق الأوسط)

متعة التجوّل في «قصر عائشة فهمي» على نيل الزمالك في قلب القاهرة لا تقتصر على إتاحة لوحات فنية للجمهور، وإنما تتجاوز ذلك لتُحقّق نقلة تاريخية في أعماق الزمن، تستعيد حالة مهمة لأحد رواد الفن التشكيلي في بدايات القرن الـ20، وتؤكد الطابع «الكوزموبوليتاني» للثغر المصري (الإسكندرية).

وبالتزامن مع الذكرى الـ60 لرحيل رائد فنّ التصوير المصري محمود سعيد، احتضن مجمع الفنون (قصر عائشة فهمي) معرضاً بعنوان: «في صحبة محمود سعيد»، ضمّ نحو 100 عمل، من بينها 40 لوحة لسعيد، وباقي اللوحات لأصدقائه وأساتذته من الفنانين الأجانب الذين عاشوا في مصر مطلع القرن الماضي.

المعرض توثيقي للفنّ المصري الحديث (الشرق الأوسط)

جمع منظمو المعرض الأعمال المشاركة من 3 متاحف، هي: «الفنون الجميلة»، و«محمود سعيد» بالإسكندرية (شمال مصر)، و«الجزيرة» في القاهرة. يقول مدير مراكز الفنون في وزارة الثقافة المصرية، الفنان علي سعيد، لـ«الشرق الأوسط»: «يُعد محمود سعيد من أوائل مؤسسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية. تفاعلت أعماله مع مراحل نضج الوعي المصري، وعكست خصوصية الشخصية المصرية العربية، لا سيما جانبها الشعبي رغم نشأته الأرستقراطية».

ويوضح أن «الدمج بين أعمال الفنان وهذا الجمع الأجنبي في معرض واحد هو نوع من مَنْح الحدث مزيداً من التنوع والثراء، وتأكيد انفتاح الفن المصري على الثقافات المختلفة، بالإضافة إلى الربط بين سعيد ومجموعة من المبدعين أدوا دوراً مهماً في المشهد الفني بمصر خلال هذه الحقبة، لا سيما أن المعرض يتمتّع بأحدث التقنيات الفنية».

أعمال إميليا كازوناتو التي التحق محمود سعيد بمرسمها في بداياته (الشرق الأوسط)

من خلال الحدث الممتد حتى 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يتعرّف الزائر إلى الأساليب والتقنيات المختلفة التي استخدمها محمود سعيد في مراحل زمنية متعددة من مشواره؛ فيعود عبر بعض اللوحات إلى منتصف العشرينات ونهاية الثلاثينات، حين احتفى بالذات الفردية والقومية في أعماله.

ويشير مدير مراكز الفنون إلى بداية فكرة المعرض قبل نحو عام: «مرت بمراحل عدة، واعتمدت على الكتب والمراجع والترجمات، ومُساعدة فنانين وأكاديميين ومسؤولين مُحبين للفنان، وذلك منذ أن فكّرنا في إقامة معرض توثيقي استثنائي لمحمود سعيد، وفي الوقت عينه كانت هناك رغبة مُلحة للتأريخ لهؤلاء الفنانين الأجانب».

المعرض يُضيء على بدايات الفن المصري (الشرق الأوسط)

والفنانون المشاركون برفقة محمود سعيد، هم: إميليا كازوناتو، وأورتورو زانييري، وجوزيبي سيباستي، ولوران ساليناس، وروجيه بريفال، وأرستومينيس أنجلوبلو، وأرستيد باباجورج، وكليا بادارو، وشارل بويغلان، وإنريكو برانداني، وكارلو سوارس، وبول ريتشارد، ولويس جوليان، وجوزيف مزراحي؛ المصري الوحيد ضمن المجموعة.

ووفق علي سعيد، «يمثّل المعرض رحلة عبر الزمن لبدايات الفن المصري الحديث»، ويتابع: «ربما لا يعرف البعض أن بصمة محمود سعيد في الحركة التشكيلية المصرية لا تقتصر على إثرائه لها عبر روائعه الإبداعية، بل كانت له أيضاً نشاطات فعّالة ودور في تأسيس بعض الكيانات التشكيلية، منها دوره المحوري في إنشاء متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية».

لوحة للفنان محمود سعيد ضمن المعرض (الشرق الأوسط)

يقدّم المعرض وكتابه التعريفي السيرة الذاتية للفنان، وكيف بدأ حياته محباً للرسم، واضطراره إلى العمل في القضاء تماشياً مع رغبة أسرته التي كانت من النخبة الحاكمة لمصر، فوالده محمد باشا سعيد رئيس الوزراء الأسبق.

وعن اختيار عنوان المعرض، يجيب: «لم ينبع فقط من أنه يضم أعمالاً لأصدقاء محمود سعيد، وإنما يشير كذلك إلى أن الزائر يصبح نفسه في صحبة الفنان؛ مما يعني أنه في صحبة مشروع النهضة الذي شهدته مصر خلال هذه الحقبة الزمنية، وفي صحبة أحد أهم الرواد الأوائل في الحركة الثقافية المصرية عموماً».

وُلد محمود سعيد في 8 أبريل (نيسان) 1897 بمدينة الإسكندرية، وحصل عام 1919 على شهادة في الحقوق من «أكاديمية باريس»، فـ«أكاديمية جوليان». انشغل بمشاهدة الثروات الفنية في متاحف المدينة ومعارضها، وفي القراءة المتعمقة. تعلّم الفن في مراسم عدد من الفنانين الأجانب، وفي الأربعينات اهتمّ برسم «البورتريه» وسحر الشرق والمشاعر المتأججة، لتتسم أعماله في مرحلة الخمسينات بالسكينة والهدوء والعمق والتأمّل وتجسيد الطبيعة الخلابة على مسطح لوحاته.

يعكس المعرض المراحل الفنية المختلفة للرائد محمود سعيد (الشرق الأوسط)

يُقدم المعرض أيضاً مُلخصاً لسيرة الفنانين الأجانب بجوار أعمالهم، وفي مقدمتهم لوران ساليناس، الذي نتعرّف من خلال سيرته إلى أنه وُلد في الإسكندرية عام 1913 لأم فرنسية وأب إيطالي، وعاش بين فرنسا ومصر، وكان من أشهر الطباعين.

وعام 1969، أصبح صديقاً مقرباً من بابلو بيكاسو الذي طلب منه تنفيذ بعض أعماله بطريقة الطباعة الحجرية، فكان ساليناس الفنان الوحيد الذي وضع اسمه بجوار بيكاسو على عمل فنّي.

جمع المعرض بين أعمال محمود سعيد وفنانين عاشوا في صحبته (الشرق الأوسط)

كما يلتقي الجمهور بأعمال للفنانة الإيطالية إميليا كازوناتو التي التحق محمود سعيد في بداياته بمرسمها، واستمر ذلك لعامين، قبل التحاقه بمرسم المصور الإيطالي أرتورو زانييري.

يقول علي سعيد: «كان من الصعب جداً التوصل إلى معلومات دقيقة عن هؤلاء الفنانين لندرة الحديث عنهم. ولكن بعد أشهر من البحث والتنقيب، استطاع فريق العمل جَمْع مادة موثّقة».

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

وبعد ترحال وتجوال عقب خروجه من السلك القضائي، فقد كان قاضياً في المحاكم المختلطة، استقر محمود سعيد في الإسكندرية، وأقام معارض خاصة في دول عدة من العالم. وعام 1951، منحته فرنسا وسام «اللغيون دوبنر»؛ ليصبح عام 1960 أول فنان تشكيلي يحصل على جائزة الدولة التقديرية للفنون، ويتسلمها من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قبل أن يرحل في 8 أبريل 1964.


مقالات ذات صلة

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

يوميات الشرق يستطيع الفنّ أن يُنقذ (إكس)

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

لم تكن جولةً عاديةً في المعرض، بل مثَّلت جهداً متفانياً للترحيب بالزوّار المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فستان بطراز فيكتوري في معرض «تايلور سويفت... كتاب الأغاني» في متحف فيكتوريا آند ألبرت (أ.ب)

تايلور سويفت تغزو قاعات متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بكتاب الأغاني

تهيمن تايلور سويفت على قاعات متحف عريق مثل «فيكتوريا آند ألبرت» الشهير في لندن الذي يطلق بدءاً من السبت 27 يوليو الحالي عرضاً مخصصاً لرحلتها الغنائية.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات (روميرو)

فنانة إسبانية تطبع الصور على النباتات الحية

تعرض روميرو فنها الفريد القائم على النباتات والذي يدفع الجمهور إلى التساؤل حول استهلاكه المفرط للنباتات، كما يُظهر أنه من الممكن إنتاج الفن بطريقة صديقة للبيئة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)

«أحلام إيكاروس» عندما تحترق الأجنحة

المعرض وإن كان موضوع ألعاب الأطفال محوره، فهو أشبه بفخّ لذيذ، نستسلم له بداية، لنكتشف أننا كلّما غصنا في معروضاته، وجدنا أنفسنا نسافر بالذاكرة في اتجاهات مختلفة

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق جوزيف مطر وهب سنوات العُمر للفنّ (حسابه الشخصي)

جوزيف مطر... 80 عاماً على تحرُّر اللوحة من إنجازها باليد فقط

أمام سنواته التسعين، يُسجّل الفنان التشكيلي اللبناني جوزيف مطر موقفاً ضدّ التكاسُل. ينهض ويعمل ساعات بلا استراحة. يُسلّم أيامه لثلاثية القراءة والكتابة والرسم.

فاطمة عبد الله (بيروت)

لا تريد إعطاء طفلك هاتفاً ذكياً! إليك 5 نصائح

أطفال يلعبون (رويترز)
أطفال يلعبون (رويترز)
TT

لا تريد إعطاء طفلك هاتفاً ذكياً! إليك 5 نصائح

أطفال يلعبون (رويترز)
أطفال يلعبون (رويترز)

من الصعب تجنب إعطاء الأطفال هاتفاً ذكياً في هذا العصر الرقمي الجديد، لكن بعض الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم يتطلعون إلى مقاومة هذا الاتجاه والبحث عن إرشادات حول كيفية حماية أطفالهم من أضرار استخدام الهواتف الذكية.

وتهدف منظمة «Smartphone Free Childhood»، التي تأسست مؤخراً في بريطانيا، إلى توحيد الأهل الذين لا يعطون أطفالهم هواتف ذكية. وقد توسعت منذ ذلك الحين دولياً مع نمو الأبحاث حول هذا الموضوع.

أظهرت دراسة أجرتها شركة «Sapien Labs» على 27969 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً من 41 دولة، العام الماضي، أن الشباب الذين حصلوا على هاتف قبل سن العاشرة أفادوا بنتائج أسوأ في الصحة العقلية مقارنة بمن حصلوا على هاتف فوق سن 15 عاماً، وفق تقرير لشبكة «سي إن بي سي».

وفي الوقت نفسه، كان لدى ما لا يقل عن 42 في المائة من الأطفال في الولايات المتحدة هاتف ذكي بحلول سن العاشرة، وفقاً لتقرير «Common Sense» في عام 2021.

ويعطي بعض الأهل لأطفالهم هواتف ذكية لأسباب تتعلق بالسلامة، بما في ذلك القدرة على الاتصال بهم وتتبع موقعهم عندما يكونون خارج المنزل، ولكن هذا قد يؤدي إلى أضرار بالصحة العقلية، وفق التقرير.

وقالت كاثلين بايك، الرئيسة التنفيذية لشركة «One Mind at Work» وأستاذة علم النفس في المركز الطبي بجامعة كولومبيا «إيرفينغ»، لشبكة «سي إن بي سي»: «التشبيه الذي غالباً ما يكون في ذهني بالهاتف المحمول والتكنولوجيا اليوم هو السيارة، وعندما تم اختراع السيارة لأول مرة، تم إلقاء الناس من سياراتهم وكان عدد الوفيات دراماتيكياً».

وقالت: «لم تكن هناك أحزمة أمان، ولم تكن هناك وسائد هوائية في السيارات، وجعل بناء الهيكل الناس عرضة للخطر. وبعد إدراك نقاط الضعف التي جاءت مع هذا الابتكار التكنولوجي الهائل، وضعنا لوائح وتصميمات وسياسات أفضل تحمي صحة ورفاهية السائقين والركاب. والآن نحن في الأيام الأولى مع الهواتف المحمولة والتكنولوجيا على نطاق واسع حيث نحتاج إلى القيام بنفس الشيء».

شارك بايك من جامعة كولومبيا، وزاك راوش، عالم أبحاث في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، والباحث الرئيسي في كتاب جوناثان هايدت، الأكثر مبيعاً في «نيويورك تايمز» «الجيل القلق»، 5 نصائح حول كيفية تجنب إعطاء أطفالك هاتفاً ذكياً...

التنسيق مع الأهالي الآخرين

وفقاً لراوش، فإن كونكما الأب والأم الوحيدين اللذان يرفضان إعطاء طفليهما هاتفاً ذكياً يمكن أن يجعلكم معزولين، أنتما وطفلكما.

وأضاف: «قبل أن تتصرف بمفردك، ابحث عن أصدقاء طفلك، 3 إلى 5 منهم. تحدث مع أهاليهم، وإذا قررتم جميعاً معاً تأخير الهواتف الذكية حتى المدرسة الثانوية، فسيكون الأمر أسهل كثيراً، لأنه يمكنك حينها أن تقول: حسناً، جوني أيضاً لن يحصل على هاتفه الذكي حتى سن 14 عاماً». وتابع: «هذا سيجعل المحادثة أكثر قابلية للهضم لدى الطفل».

كما نصحت بايك بالعمل مع الأهالي الآخرين، قالت: «اتفق أولياء أمور الفصل، كمجموعة، على تأجيل إعطاء أطفالهم هواتف محمولة حتى دخولهم المدرسة المتوسطة. لذا عندما لا يمتلك أي شخص آخر في الفصل هاتفاً محمولاً، فإن هذا يجعل من الأسهل كثيراً على طفلك ألا يمتلك هاتفاً محمولاً».

وأضافت: «إذا كان طفلك هو الوحيد الذي لا يمتلك هاتفاً ذكياً، فقد يمثل ذلك مجموعة كاملة من العوامل المسببة للتوتر لطفلك».

الطفولة والهاتف مقابل الطفولة واللعب

قال الخبراء إن الأطفال الذين لا يمتلكون هاتفاً ذكياً سيحتاجون إلى استبدال هذا السلوك بأشكال أخرى من الترفيه.

وشرح راوش: «مع ظهور هذه الطفولة الجديدة القائمة على الهاتف، فقد أخذنا ما نسميه الطفولة القائمة على اللعب، حيث اعتاد الأطفال على قضاء مزيد من الوقت في الخارج بشكل مستقل، واللعب، والمجازفة، وهذا أمر بالغ الأهمية للتنمية البشرية».

وأوضح أنه لا يكفي مجرد إزالة التكنولوجيا، بل يجب على الأهل منح الطفل منفذاً جديداً للإبداع.

وتتضمن إحدى الأفكار تشكيل مجموعة من الآباء الذين ينظمون مواعيد اللعب في منازل بعضهم كل أسبوع حيث يخرج الأطفال ويلعبون، بينما يبقى الأهل في الداخل.

بالنسبة للمراهقين، يمكن أن يتضمن ذلك تنظيم لقاءات اجتماعية مع الأصدقاء، مثل الخروج لتناول البيتزا.

ولفت الى إمكانية «أن تكون مغامرات صغيرة ومستقلة خارج المنزل، مثل الذهاب إلى حفلة موسيقية، أو الذهاب إلى السينما».

ابدأ المحادثة مبكراً

نصح بايك وراوش ببدء المحادثة حول الهواتف الذكية منذ الطفولة حتى لا يفاجأ الطفل لاحقاً.

وبحسب راوش، سيكون من الصعب فصل الطفل عن الهاتف الذكي إذا لم يفهم دوافع والديه.

استخدم هاتفك بشكل مسؤول

يتعلم الأطفال من والديهم، لذلك من المهم أن نكون قدوة في السلوك الجيد مع هواتفنا الخاصة لإظهار كيف يبدو الاستخدام المسؤول للهواتف الذكية، وفقاً لراوش.

ضع حدوداً صلبة

من المرجح أن يصاب طفلك أو ابنك المراهق أو ابنتك المراهقة، بنوبة غضب بشأن عدم إعطائه هاتفاً ذكياً، إنها ليست محادثة تسير بسلاسة، ولكن من المهم عدم الاستسلام لمطالبهم، بحسب راوش.

وسأل عما إذا كان أحد الوالدين سيعطي طفله السجائر أو الكحول إذا طلبوا ذلك. إذا كانت الإجابة بالنفي، يجب تطبيق نفس المنطق على استخدام الهواتف الذكية.

وقال راوش: «نحن بحاجة إلى أن يتمتع الأهل بقيادة قوية، وأن يشعروا بالثقة في قول لا، وقد يكون من الصعب للغاية وضع هذه الحدود».