«أحلام إيكاروس» عندما تحترق الأجنحة

في معرض مروان رشماوي اللعب أقل براءة مما نتصور

المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)
المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)
TT

«أحلام إيكاروس» عندما تحترق الأجنحة

المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)
المربعات الرملية كانت ساحة لألعاب كثيرة حاضرة في المعرض (غاليري صفير- زملر)

يُعدّد مروان عشماوي مواده تبعاً لطبيعة الأعمال التي يريد إنجازها. فقد يستخدم في بناء تجهيزه الحديد أو الإسمنت وربما المطاط، كما في عروض له سابقة، أو قد يلجأ إلى الورق والكرتون والخشب والألوان. هذه المرة، في معرضه القائم حالياً في غاليري «صفير - زملر»، وسط بيروت، فإن موضوعه «أحلام إيكاروس» يورطه في استخدام مواد مختلفة والذهاب إلى مناطق جديدة، لإنجاز معروضاتٍ غاية في الطّرافة والنعومة، لكنها قد لا تكون بالبراءة الظاهرية التي تبدو عليها.

يعود رشماوي إلى الماضي، إلى الذاكرة، يستخرج منها ألعابه القديمة، وتلك التي رآها في شوارع بيروت وأحيائها صغيراً، متسائلاً عن الدّور الذي كان لها في تشكيل من أصبحوا مقاتلين أو ضحايا، في فترات العنف والسلم.

مروان رشماوي

المعرض وإن كان موضوع ألعاب الأطفال محوره، فهو أشبه بفخّ لذيذ، نستسلم له في البداية، لنكتشف أننا كلّما غصنا في المعروضات الطفولية الموجودة أمامنا، وجدنا أنفسنا نسافر بالذاكرة في اتجاهات مختلفة، وتتفتق الأفكار عن رؤى لم تكن تخطر بالبال.

إنها «أحلام إيكاروس»، وهذا الأخير كما تروي الأسطورة الإغريقية، هو شاب حلّق قريباً من الشّمس بجناحين من ريش وشمع، وبفعل الحرارة واللهيب ذاب الشمع، وتلاشت الأجنحة، وسقط في البحر ومات غريقاً.

شمس مروان رشماوي تسطع على الألعاب التنافسية (غاليري صفير- زملر)

اللعبة الخطرة، التي مارسها «إيكاروس» مضطراً، هي مفتاح لفهم أعمال رشماوي المستوحاة كلياً في المعرض الحالي، من ألعابنا الغابرة وباتت بالنسبة لأطفال اليوم من الماضي. لهذا فالمعروضات هي لجيلٍ خَبِر مرحلة ما قبل التكنولوجيا وتساليها وشاشاتها. جيل عاش الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي، وكانت هذه الألعاب وسيلته للخروج من رعب الموت. رقعة الشطرنج التي ربما تعزّز الروح القتالية، صندوق الرّمل الذي يتبارى الأولاد في رمي السّكين عليه إلى المدى الأبعد. يحثّك رشماوي على التفكير بأبعاد التباري بهذه الوسائل وما تنميه في الروح من حوافز.

عوّدنا الفنان الفلسطيني الأصل، اللبناني النشأة، على تجهيزاته المفاهيمية، واهتمامه بالمدينة وظواهرها وأهلها. في هذه الحالة هي بيروت، التي نشأ فيها، وعرِف مفاتيحها، وانشغل بقراءة حالاتها. ومن وحي الحرب استخدم الرّدميات تكراراً ليعيد بها بناء أفكاره وتصوراته. استخدم المعادن والإسمنت والمطاط ليرسم توزيع السكان، ويفهم التركيبة المدينية وأبعادها. ومرة أخرى استخدم الرّدميات ليقيم أبراجاً تعلوها شاشات، أو تتحضّر للسقوط، وأخرى مهترئة رغم أن بناءها لم يُنجز بشكل نهائي بعد.

أيس كريم من أيام زمان (غاليري صفير- زملر)

هذا التداعي في البنيان يختفي في المعرض الجديد، والذي على عكس سابقيه يثير البهجة بألوانه وتراكيبه. من أسطورة «إيكاروس» يستعير رشماوي الشمس التي تسطع بمجرد أن تدخل الغاليري، وتصير في صالة العرض. وليس بعيداً عنها طائرة ورقية ملونة لا تزال فتنة لبعض الأطفال وحتى الكبار حين يستطيعوا الحفاظ عليها معلقة في الجو.

يلجأ الفنان، إذن، إلى إعادة تشكيل تلك الألعاب التي كانت تجمعه بمحيطه وهو صغير، ولا بدّ كانت نفسها موجودة، في باقي دول المنطقة، وإن اختلفت أسماؤها، مثل لعبة «العفريتة» كما يسميها اللبنانيون، حين ترسم مربعات متقابلة، ويحاول اللاعب أن ينقل الحجر من مربع إلى آخر من دون أن يتجاوزه إلى الذي يليه. تلك الألعاب التي كانت تُقام للمرح، ولكن أيضاً لإشعال روح المنافسة الجماعية، يحلو لرشماوي أن يعيد رسمها هنا بأحجامها التي نعرفها. بحيث يخطر للزائر بعد أن يمضي وقتاً متنقلاً بين المعروضات أن يبدأ باللعب. فهناك مثلاً المقلاع الذي كان متعة لصبيان الحي، لإبراز قدراتهم، وكذلك العجلة التي صنعها رشماوي من الحديد.

ألعاب صغيرة وعفوية بخلفيات أكبر (غاليري صفير- زملر)

أشياء كثيرة نسيتَها قد تجدها هنا. عربة من الخشب العتيق المستصلح، وأغطية زجاجات، كما الكرات الزجاجية التي كان لعبها على الرمل يستهلك أيام الصبية في الحارات.

في خلفية الفكرة يوحي رشماوي إلى أن كل لعبة، من خلال تحديد الفائز والخاسر، تمثّل شكلاً من أشكال القتل الرمزي للآخر، وكثير من هذه الألعاب التي تحمل بذور العنف.

لكن ثمّة أشياء أخرى معروضة على الجدران لاستكمال أجواء اللعب، لوحات رُسمت عليها أعواد الآيس كريم بألوانها الزّهيّة، التي بدأت تختفي، وفي لوحة أخرى خرفان بيضاء كالتي نستدعيها لننام، أو غيوم بيضاء تساعد على تسريح النظر، ودفاتر قديمة كُتبت فيها الذكريات، وتلك لعبة أخرى.

الأسبوع الأخير لمعرض رشماوي، ولمحبي الاستغراق في معنى أن يكون اللعب أقل براءة ممّا تصورنا.


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.