4 آلاف قرية تاريخية في عسير تعكس التراث الثقافي والإنساني للمرتفعات السعودية

نوافذ للسياحة وفرص لدراسات التاريخ الاجتماعي في المنطقة

TT

4 آلاف قرية تاريخية في عسير تعكس التراث الثقافي والإنساني للمرتفعات السعودية

شكلت القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية (واس)
شكلت القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية (واس)

أكثر من 4000 قرية تاريخية وتراثية ما زالت قائمة في منطقة عسير منذ مئات السنين، تتفاوت في أحجامها ونمطها العمراني، وتتفق على ما تعكسه من إرث ثقافي وإنساني، لم يحظ بعد بالدراسة الكافية والمعمقة لاستظهار كنوزه الثقافية وبناء صورة مكتملة للتجربة الاجتماعية التي شهدها إنسان ومجتمعات المرتفعات السعودية.

أيقونات من التراث المادي والتاريخي، تحتفظ بها تلك القرى العتيقة، لا تزال جدرانها وعتباتها تحتفظ بتفاصيلها الكاملة، بانتظار أن تحرك يد أركيولوجي حاذق أو بصيرة متأمل للخروج بحصيلة من النتائج العلمية والقراءات الرصينة حول البنى الاجتماعية لإنسان الجزيرة العربية، بالإضافة إلى البعد السياحي الذي تمثله هذه الأيقونات التراثية، إذ بدأت بعض تلك القرى بعد ترميمها والاهتمام بها، تفتح أبوابها للزوار والسياح من داخل وخارج السعودية.

أكثر القرى بُنيت على ضفاف الأودية وتحفّها الحقول الزراعية التي تغذي القرية اقتصادياً وتدعمها غذائياً (واس)

وتشكل القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير، التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية، منها 542 في أبها، و220 قرية في بارق، و397 قرية في المجاردة، و715 قرية في محايل والبرك، و406 قرى في رجال ألمع، و237 قرية في سراة عبيدة، و182 قرية في بلقرن، و216 قرية في النماص، و262 قرية في تثليث، و127 قرية في ظهران الجنوب، و127 قرية في الحرجة، و246 قرية في بيشة، و66 قرية في طريب، و73 في تنومة، وقد طُوِّر عدد منها لتكون وجهات سياحية مثل قرية رجال ألمع التراثية، وقرية آل ينفع، وحصون آل أبو سراح التراثية، وقصور العسابلة، بالإضافة إلى حي النصب وبسطة القابل في وسط مدينة أبها بمبانيها القديمة ومساجدها الأثرية.

القرى التاريخية في عسير تتفاوت من حيث نمط العمارة والأهمية التاريخية (واس)

 

تفاصيل وتقاليد للقرى التاريخية

قال الدكتور علي بن عوض آل قطب، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الملك خالد بأبها، إن القرى التاريخية التي تربو على 4000 قرية في منطقة عسير، تتفاوت من حيث نمط العمارة والأهمية التاريخية، وما تنطوي عليه من أبنية وعمارات موجودة في داخلها، مشيراً إلى أن أكثر هذه القرى بُنيت على ضفاف الأودية، وكثير من هذه القرى كانت تحظى بحركة اجتماعية حيوية، يكون مركزها السوق الأسبوعية الذي كان يقام في القرية، بالإضافة إلى بقية المرافق التي تعطي صفة القرية في وظيفتها وتركيبتها، مثل الجامع أو المسجد.

وأضاف آل قطب في حديث له مع «الشرق الأوسط»، أن كل هذه القرى الموجودة في منطقة عسير، منضبطة بأعراف اجتماعية قديمة جداً، صاغها الإنسان في عسير بسبب ديمومة استقراره في هذه المنطقة، وأن هذه الأعراف الاجتماعية هي التي ضبطت علاقة المرء في القرية بغيره، سواء ببيئته، أو جيرانه، والواصلين من بقية القرى القريبة والبعيدة، بالإضافة إلى التقاليد العملية مثل كيفية سقايته للحقول الزراعية الموجودة قرب بيته أو في أكناف قريته.

أكثر من 4 آلاف قرية تاريخية وتراثية ما زالت قائمة في منطقة عسير منذ مئات السنين (واس)

وفيما بتعلق بالثروة الاجتماعية التي تحتوي عليها القرى التاريخية يقول آل قطب: «هناك مفاهيم اجتماعية قارّة في كل قرية، وهي قرى متصلة، تمتد من أقصى منطقة عسير حتى أقصى شمالها، ولا أبالغ إذا قلت إنه لا توجد تقريباً 500 متر إلا وفيها قرية قديمة، وهذا بلا أدنى شك يعكس تجذراً واضحاً للإنسان في منطقة عسير».

تتمتع القرى التاريخية في عسير إلى جانب كثرتها تنوعاً في تفاصيلها العمرانية التي تأثرت بطبيعة ووظائف مرافقها واشتغالات ساكنيها (واس)

 

منظومة اجتماعية واقتصادية

تتمتع القرى التاريخية في عسير بتنوع تفاصيلها العمرانية التي تأثرت بطبيعة ووظائف مرافقها واشتغالات ساكنيها، وقال الدكتور آل قطب إن هذا التنوع يعكس قِدم الإنسان وتواصله مع البيئة، وتفاعله مع أرضه التي استقر فيها منذ الأزل، مشيراً إلى أن هذه القرى القديمة في غاية الأهمية، من حيث الدرس التاريخي، أو من حيث النتائج الأركيولوجية أو الأثرية، مؤكداً أنها تحتاج إلى دراسة عميقة، وليس فقط دراسات منفردة، بل إلى زُمر من الباحثين والمؤرخين، والآثاريين والأركيولوجيين المهتمين بهذه القرى، والوصول في نهاية المطاف إلى خلاصات عن تاريخ هذه القرى والسياق التاريخي التي بنيت فيه، والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها، بما يعكس حقيقة قيمتها التاريخية.

كانت القرى تحظى بحركة اجتماعية حيوية يكون مركزها السوق الأسبوعية بالإضافة إلى بقية المرافق العامة (واس)

 

وسلط الدكتور علي آل قطب في حديثه مع «الشرق الأوسط»، الضوء على أهمية مفهوم التاريخ الاجتماعي في التعامل مع هذا الإرث القائم، وهو الكتابة التاريخية المعنية بفعل الإنسان الاجتماعي، أو بطبقة من طبقات مجتمع ما.

وأضاف: «إذا أسقطنا هذا المفهوم على منطقة عسير، نجد حاجة ماسة إلى خوض البحث التاريخي الاجتماعي، فهناك طبقات اجتماعية متعددة في هذا المجتمع، صنعتها الظروف والأحداث التاريخية، لم تُدرس حتى اللحظة بدرجة كبيرة، وتفاصيل اجتماعية تتعلق بالقوانين العرفية الاجتماعية الموجودة في منطقة عسير، تحتاج إلى بحث ودراسة معمقة، تتناول صياغة تاريخها وعوامل ظهورها ومواقيتها وآليات عملها، ولماذا عُمِّمت على جميع المنطقة. وبالإضافة إلى القوانين العرفية، هناك ما يتعلق بتفاصيل الأبنية وطرق العمارة، ولماذا جاءت في أعلى متن السروات بنمط معماري فريد يتكون أساساً من الحجارة المصقولة والصلبة، في حين أنها تختلف في السفوح الشرقية للسروات، ثم تختلف كذلك في أقصى شرق منطقة عسير، والعديد من التفاصيل الاجتماعية التي لا تزال موجودة حتى هذه اللحظة في هذه الشواهد التاريخية الراسخة».


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج م. وليد الخريجي وفروخ شريفزاده يترأسان الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين السعودية وطاجيكستان في الرياض (واس)

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

بحثت جولة المباحثات الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والطاجيكستانية، الأربعاء، تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزير العدل السعودي خلال مباحثاته مع رئيس مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص (واس)

وزير العدل السعودي يبحث سبل تعزيز التعاون مع رئيس مؤتمر لاهاي

بحث الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل السعودي مع كريستوف برناسكوني رئيس مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص، سبل تعزيز التعاون بين وزارة العدل ومؤتمر لاهاي للقانون.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
عالم الاعمال ديفيد كوهلر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة

«كوهلر» العالمية تفتتح مقرها الإقليمي في الرياض

أعلنت شركة كوهلر العالمية افتتاح مقرها الإقليمي الجديد بالعاصمة السعودية الرياض، في خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم مسيرة التنمية والتحديث التي تشهدها المملكة.


«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
TT

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

قد ينشغل اللبنانيون في زمن الحرب بأخبارها وأحوال النازحين وكيفية تأمين حاجاتهم. لكنّ قلةً منهم فكّرت بجزء من المجتمع اللبناني؛ هم الأشخاص الصمّ. فهؤلاء يفتقدون القدرة على السمع وسط حرب شرسة. لا أصوات القذائف والصواريخ، ولا الانفجارات والمسيّرات. ولا يدركون إعلانات التحذير المسبقة لمنطقة ستتعرّض للقصف. وقد تكمُن خطورة أوضاعهم في إهمال الدولة الكبير لهم. فهي، كما مراكز رسمية ومستشفيات ووسائل إعلام، لا تعيرهم الاهتمام الكافي. فتغيب لغة الإشارة التي يفهمونها، ليصبح تواصلهم مع العالم الخارجي صعباً.

من هذا المنطلق، ولدت مبادرة «مساعدة الصمّ»، فتولاها فريق من اللبنانيين على رأسهم نائلة الحارس المولودة من أب وأم يعانيان المشكلة عينها. درست لغة الإشارة وتعاملت من خلالها معهما منذ الصغر؛ الأمر الذي دفع بأصدقائها الصمّ، ملاك أرناؤوط، وهشام سلمان، وعبد الله الحكيم، للجوء إليها. معاً، نظّموا مبادرة هدفها الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدات المطلوبة لتجاوز المرحلة.

بلغة الإشارة يحدُث التفاهم مع الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

تقول نائلة الحارس لـ«الشرق الأوسط» إنّ القصة بدأت مع صديقتها ملاك بعد نزوح أهلها الصمّ إلى منزلها في بيروت هرباً من القصف في بلدتهم الجنوبية، فتوسّعت، من خلالهم، دائرة الاهتمام بأصدقائهم وجيرانهم. وعندما وجدت ملاك أنّ الأمر بات يستدعي فريقاً لإنجاز المهمّات، أطلقت مع هشام وعبد الله المبادرة: «اتصلوا بي لأكون جسر تواصل مع الجمعيات المهتمّة بتقديم المساعدات. هكذا كبُرت المبادرة ليصبح عدد النازحين الصمّ الذين نهتم بهم نحو 600 شخص».

لا تواصل بين الصمّ والعالم الخارجي. فهم لا يستطيعون سماع أخبار الحرب عبر وسائل الإعلام، ولا يملكون «لاب توب» ولا أدوات تكنولوجية تخوّلهم الاطّلاع عليها لحماية أنفسهم. كما أنّ لا دورات تعليمية تُنظَّم من أجلهم ليتمكّنوا من ذلك.

كي تلبّي نائلة الحارس رغبات الصمّ وتجد فرصاً لمساعدتهم، كان عليها التفكير بحلّ سريع: «لأنني أدرس لغة الإشارة والترجمة، دعوتُ من خلال منشور على حسابي الإلكتروني متطوّعين لهذه المهمّات. عدد من طلابي تجاوب، واستطعتُ معهم الانكباب على هذه القضية على أرض الواقع».

معظم الصمّ الذين تعتني بهم المبادرة في البيوت. بعضهم يلازم منزله أو يحلّ ضيفاً على أبنائه أو جيرانه.

يؤمّن فريق «مساعدة الصمّ» جميع حاجاتهم من مساعدات غذائية وصحية وغيرها. لا تواصل من المبادرة مع جهات رسمية. اعتمادها الأكبر على جمعيات خيرية تعرُض التعاون.

كل ما يستطيع الصمّ الشعور به عند حصول انفجار، هو ارتجاج الأرض بهم. «إنها إشارة مباشرة يتلقّونها، فيدركون أنّ انفجاراً أو اختراقاً لجدار الصوت حدث. ينتابهم قلق دائم لانفصالهم عمّا يجري في الخارج»، مؤكدةً أنْ لا إصابات حدثت حتى اليوم معهم، «عدا حادثة واحدة في مدينة صور، فرغم تبليغ عائلة الشخص الأصمّ بضرورة مغادرة منزلهم، أصرّوا على البقاء، فلاقوا حتفهم جميعاً».

ولدت فكرة المبادرة في ظلّ مصاعب يواجهها الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

وتشير إلى أنّ لغة الإشارة أسهل مما يظنّه بعضهم: «نحرّك أيدينا عندما نتحدّث، ولغة الاشارة تتألّف من هذه الحركات اليومية التي نؤدّيها خلال الكلام. كما أن تعلّمها يستغرق نحو 10 أسابيع في مرحلة أولى. ويمكن تطويرها وتوسيعها بشكل أفضل مع تكثيف الدروس والتمارين».

عدد الصمّ في لبنان نحو 15 ألف شخص. أما النازحون منهم، فقلّة، بينهم مَن لجأ إلى مراكز إيواء بسبب ندرة المعلومات حول هذا الموضوع. كما أنّ كثيرين منهم لا يزالون يسكنون بيوتهم في بعلبك والبقاع وبيروت.

بالنسبة إلى نائلة الحارس، يتمتّع الأشخاص الصمّ بنسبة ذكاء عالية وإحساس مرهف: «إنهم مستعدّون لبذل أي جهد لفهم ما يقوله الآخر. يقرأون ملامح الوجه وحركات الشفتين والأيدي. وإنْ كانوا لا يعرفون قواعد لغة الإشارة، فيستطيعون تدبُّر أنفسهم».

يغيب الاهتمام تماماً من مراكز وجهات رسمية بالأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم: «ينبغي أن يتوافر في المراكز الرسمية، أسوةً بالخاصة، متخصّصون بلغة الإشارة. المشكلات كثيرة في كيفية تواصلهم مع الآخر. فالممرض في مستشفى قد لا يعرف كيفية سؤالهم عن زمرة دمهم. وليس هناك مَن يساعدهم لتقديم أوراق ووثائق في دعوى قضائية. هذه الثغر وغيرها تحضُر في مراكز ودوائر رسمية».

تختم نائلة الحارس: «التحدّي في الاستمرار بمساعدة الأشخاص الصمّ. فالإعانات التي نتلقّاها اليوم بالكاد تكفينا لأيام وأسابيع. على أي جمعية أو جهة مُساعدة أخذ هؤلاء في الحسبان. فتُدمَج مساعدات الأشخاص العاديين مع مساعدات الصمّ، وبذلك نضمن استمرارهم لأطول وقت».