افتتاح «مهرجانات بيبلوس» بمباهج «العرض الكبير»

مع أكثر من 100 فنان بين موسيقي ومغنٍ وراقص

خلال أداء إحدى اللوحات (لجنة مهرجانات بيبلوس)
خلال أداء إحدى اللوحات (لجنة مهرجانات بيبلوس)
TT

افتتاح «مهرجانات بيبلوس» بمباهج «العرض الكبير»

خلال أداء إحدى اللوحات (لجنة مهرجانات بيبلوس)
خلال أداء إحدى اللوحات (لجنة مهرجانات بيبلوس)

افتتاح موسيقي استعراضي راقص لـ«مهرجانات بيبلوس الدولية»، مساء أمس، بمشاركة أكثر من 100 فنان على المسرح. «العرض الكبير» الذي سبق أن قُدّم في عواصم أوروبية، حطّ في لبنان بنسخة مخصصة لـ«بيبلوس»، يستوحي دور المدينة الحضاري، وأزمنتها المتتالية، وماضيها الثقافي الحافل بصفتها مخترعة للحرف.

تنقّلت الفرقة بين الأنماط الموسيقية ورقصاتها (لجنة مهرجانات بيبلوس)

الأساس في العرض هي الموسيقى، وإن جاءت مصحوبة أحياناً بالغناء واقترنت بالرقص واللوحات الاستعراضية. إلا أن الكاتب والملحن والموزع ومنتج العمل طوني مخول، يراهن على الإمتاع، وليس فقط الاعتماد على المعزوفات، التي احتاجت إلى سنوات لينجزها ويراكمها، كما أخبر جمهوره. الفرقة الموسيقية المؤلفة مما يقارب 50 عازفاً، كان لها الدور المحوري مع «الكورس».

بدأ الحفل بتحية إلى جبيل، بموسيقى شرقية، وراقصين أطلوا بملابس فينيقية، وتصفيق على وقع أغنية «يا أرض الحرف»، في حين الخلفية كانت مكاناً لعرض أجمل المواقع اللبنانية.

مخول حرص في برنامجه على التنوع. فجاءت الأنغام لترضي جميع الأذواق، من «الكلاسيكي» إلى «الغربي» إلى «البوب»، ورأينا رقصاً متنوعاً تبعاً للموسيقى، من «الديسكو» إلى «البالية» و«الفالس» و«السالسا» وكذلك «الدبكة».

أراد العرض أن يكسر الهوة بين الموسيقات وأنواع الرقصات واللغات. فالرغبة هي في أن يجول هذا العمل على عواصم كثيرة بعد لبنان. وإذا كانت «الدبكة» شكّلت بداية العرض، فإن الأغنيات المتتابعة تعدّدت أنماطها، ورسائلها، وإن بقيت البهجة أساسها.

«باليه» منفرد على أنغام أغنية «أبحر معك»، و«تانغو» بالأحمر المتوهج على إيقاع «حين تمسكين بي قلوبنا تندغم»، و«فالس» على وقع معزوفة «مدينة العالم».

طوني مخول مؤلف الموسيقى والكلمات ومنتج الاستعراض الكبير (لجنة مهرجانات بيبلوس)

وأحبّ مخول من خلال أغنية «نادرون» أن يوجه تحية إلى كبار كان لهم دور في تغيير العالم، فشاهدنا صوراً تتوالى على الشاشة الخلفية العملاقة التي لعبت دوراً منذ بداية العرض. هذه المرة كانت تمر صور لشخصيات مثل: أينشتاين، وبيتهوفن، وستيف جوبز، وميرايا كالاس، وشارلي شابلن، وماري كوري، لينهي استعراض السلسلة الإبداعية مع الإخوة الثلاثة إلياس، ومنصور وعاصي الرحباني. ولتأتي كلمة الختام على الشاشة: «الأساطير لا تموت».

عشرون مقطوعة موسيقية عزفتها الفرقة بقيادة طوني مخول، وبمشاركة عازف «البيانو» بسام شليطا، و«الكورس» الذي كان يضيف أجواء من الفرح، مع الراقصين، والشرائط المختارة بعناية التي تُعرض في خلفية المسرح.

«رجاء ابق» أغنية رافقتها زخات خفيفة من المطر، على الشاشة العملاقة الخلفية التي جلس أمامها الموسيقيون. ومع «فجر جديد» أراد مخول أن يبعث الأمل رغم العتمة الداكنة.

ولم يخلُ الحفل من اللمسات الإنسانية، ورسائل الحب والتعاطف مع كل معذبي العالم، وضحايا الحروب، وجياع الأطفال الذين يبحثون عما يسدّ رمقهم، فجاءت موسيقى «الأزهار المتيبسة» مع لقطات مؤلمة، تظن وأنت تشاهدها أنك في غزة، فإذا بك في أفريقيا، أو أي مكان آخر. فأينما يممت وجهك وجدت الألم ينتظر شعوباً عجزت عن حماية نفسها، من ظلمة جبابرة الكوكب.

بين التعاطف، والرغبة في الترفيه عن الحضور في أوقات يعزّ فيها بث السعادة في قلوب الناس، جاء الحفل جامعاً، ويشبه رحلة سفر مع «السالسا» من كوبا قدم الراقصون وصلة بهيجة، كما كانت محطة أخرى في أميركا الجنوبية مع «العين البرازيلية» والألوان اللاتينية الفرحة.

وغنّت الفنانة بولينا، وهي إحدى مغنيات الحفل، على أنغام لاتينية «الحب الفريد»، ومع اللبنانية جيسي جيليلاتي كانت أكثر من أغنية أيضاً، بينها بالفرنسية «كما زهرة».

ويكتب لمدربي فرقة الرقص سندرا عباس وأسادور أورجيان أنهما تمكنا من تقديم لوحات متباينة جداً، في مواكبة للموسيقى التي جاءت مقطوعاتها أشبه بوثبات جغرافية، وثقافية، وتوقف في محطات، بدءاً من لبنان، مروراً بأوروبا، ومنها إلى أميركا اللاتينية. كما تمكنت سندرا إضافة إلى التدريب وتصميم الرقصات، أن تجعل من ملابس الراقصين جزءاً لا يتجزأ من اللوحات المتتابعة التي أرادها مخوّل متقنة، ومشغولة بعناية، سواء لناحية الإخراج أو المتعة البصرية أو سحر الموسيقى.

لهذا جاءت المقطوعة الأخيرة «سوا سوا»، بموسيقاها ولوحاتها وكلماتها، دعوة للجميع على المسرح، وكذلك الجمهور للمشاركة في الغناء والرقص والاحتفال.


مقالات ذات صلة

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، وتلعب بطولته الفنانة سلاف فواخرجي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر مهرجان الفيوم السينمائي الدولي للبيئة والفنون المعاصرة (إدارة المهرجان)

4 أفلام سعودية للعرض في مهرجان الفيوم السينمائي

تشارك 4 أفلام سعودية في الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي يقام خلال الفترة ما بين 25 و30 نوفمبر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق بطلات فيلم «انصراف» (الشرق الأوسط)

المخرجة السعودية جواهر العامري استلهمت «انصراف» من أحداث حقيقية

عُرض «انصراف» في كلٍ من أميركا وفرنسا وبريطانيا، في حين شهد «مهرجان القاهرة» عرضه العربي الأول.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق العياد بعد تسلم الجائزة في المهرجان (الشرق الأوسط)

ناقد سعودي يحصد جائزة «جيل المستقبل» في «القاهرة السينمائي»

حصد الناقد السينمائي السعودي أحمد العياد جائزة «جيل المستقبل» التي أقيمت نسختها الأولى ضمن فعاليات «أيام القاهرة لصناعة السينما».

أحمد عدلي (القاهرة )

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.